logo

logo

logo

logo

logo

أنطاكية في العصور الكلاسيكية

انطاكيه في عصور كلاسيكيه

Antioch -

 الأنصارية

أنطاكية (مدينة -)

ثانياً - أنطاكية في العصر الإسلامي

 

لأنطاكية أهمية كبيرة لدى المسيحيين في الشرق، فهي أحد الكراسي الرسولية، وبطاركة خمس طوائف يلقبون "ببطريرك أنطاكية وسائر المشرق" إلا أن أياً منهم لا يقطنها، وهذه الطوائف هي: السريان الأرثوذكس، الروم الأرثوذكس، السريان الكاثوليك، الروم الكاثوليك، السريان الموارنة.

حرر العرب أنطاكية التي كانت في أيدي البيزنطيين سنة 16هـ/638م أيام الخليفة عمر بن الخطاب، وبقيادة أبي عبيدة ابن الجرّاح الذي سار إليها من حلب ودخلها صلحاً، ثم دخلها ثانية عياض بن غنم بعد أن نقض أهلها العهد، وغدت أنطاكية من أهم مدن الثغور، ولم تزل عاصمة "العواصم" من الثغور الشامية، ومن أعيان البلاد وأمهاتها؛ لطيب الهواء وعذوبة الماء، وكثرة الفواكه وسعة الخير. حاصرها سنة 265هـ/878م أحمد بن طولون نائب الديار المصرية وفيها أمير يُدعى سيما الطويل، فأخذها منه، واستمرت في أيدي خلفائه حتى سنة 285هـ/898م، ثم تبعت إمارة حلب سنة 333هـ/944م في عهد سيف الدولة الحمداني، وانتزعها نقفور فوكاس البيزنطي سنة 359هـ/969م.

ويبدو أن أنطاكية نعمت بنوع من الهدوء والاستقرار والازدهار ما بين سنة 359هـ وسنة 477هـ/1084م حين استعاد أنطاكية صاحب قونية سليمان بن قطلمش السلجوقي، فسيف الدولة الحمداني الذي كان قد غزا أرض الروم أربعين غزوة، وقد مات سنة 356هـ/966م، وعقد قرعويه الذي استولى على زمام الأمور في حلب معاهدة مع بيزنطة، والخليفة العباسي عاجز في بغداد لا حول له ولا قوة، والبويهيون المسيطرون على العراق يولون الولايات الشرقية اهتمامهم، والفاطميون في مصر لهم مشاكلهم في المنطقة الجنوبية من سورية (دمشق وفلسطين) التي سيطروا عليها، ولذلك نجح البيزنطيون في فرض نوع من السيطرة على منطقة الثغور، وليس أدل على ذلك من الرسالة التي أرسلها ابن بطلان إلى أبي الحسن هلال بن المحسن الصابي المقيم في بغداد يصف فيها أنطاكية التي زارها سنة 440هـ/1048م وهي تحت حكم البيزنطيين. يقول ابن بطلان إنه خرج من حلب متوجهاً إلى أنطاكية، وبينهما يوم وليلة، فوجد أن المسافة بين حلب وأنطاكية عامرة لا خراب فيها، قراها متصلة ورياضها مزهرة ومياهها متفجرة، وأن أنطاكية بلد عظيم ذو سور وفصيل، ولسوره 360 برجاً يطوف عليها بالنوبة 4000 حارس، يُرسلون من القسطنطينية، يضمنون حراسة البلد سنة ويستبدل بهم في السنة الثانية، وأن شكل البلد كنصف دائرة، والسور يصعد مع الجبل إلى قمته فتتم الدائرة، وفي رأس الجبل داخل السور قلعة تظهر لبعدها من البلد صغيرة، وللسور المحيط بها دون الجبل خمسة أبواب، وفي وسطها بيعة (كنيسة) القُسيان (يتكرر ذكرها عند بعض الجغرافيين الذين زاروا أنطاكية أو وصفوها).

أنطاكية الحديثة

ويذكر ابن بطلان أن هناك من الكنائس مالايُحَدُّ كلها معمولة بالذهب والفضة والزجاج الملون والبلاط المجزَّع. وفي البلد بيمارستان يُراعي البطرك المرضى فيه بنفسه، ويُدخل المجذَّمين الحمام في كل سنة فيغسل شعورهم بيده، ومثل ذلك يفعل الملك بالضعفاء كل سنة، ويعينه على خدمتهم الأجلاء من الرؤساء البطارقة (رتبة عسكرية) لالتماس التواضع. وفي المدينة من الحمامات ما لا يوجد مثله في مدينة أخرى لذاذة وطيبة لأن وقودها الآس، ومياهها تسعى سيحاً بلا كلفة، ويشير إلى أن في بيعة القُسيّان من الخدم المسترزقة ما لا يحصى، ولها ديوان لدخل الكنيسة وخرجها، وفي الديوان بضعة عشر كاتباً.

وما إن استعاد سليمان بن قطلمش السلجوقي سنة 477هـ أنطاكية حتى بدأ صراع السلاجقة عليها، ونجح السلطان السلجوقي ملك شاه في السيطرة على الموقف وعيّن الأمير التركي ياغيسيان والياً على أنطاكية، وفي عهده استولى الفرنجة الصليبيون سنة 492هـ/1098م على أنطاكية في الحملة الصليبية الأولى بعد حصار طويل انتهى بمذبحة مروعة وأسس الصليبيون فيها إمارة مستقلة تتبع اسمياً لمملكة بيت المقدس، وظلّت أنطاكية خاضعة لحكم الفرنجة إلى أن استردها السلطان المملوكي الظاهر بيبرس البندقداري سنة 666هـ/1267م وخرّب قلعتها. وقد زار ابن العديم أنطاكية في أثناء سيطرة الصليبين عليها سنة 613-614هـ، وهو لا يذكر سوى أنه دخل بيعة القسيان فوجد بجانبها محراب المسلمين، فهو يشير إلى المحراب وليس إلى الجامع الذي كان فيها، وأنه رأى في سقوف المحراب آيات قرآنية مكتوبة في النقش، وأن بيعة القُسيان مزخرفة بالرخام والفسيفساء.

أحد مساجد أنطاكية من الداخل

ظلت أنطاكية من ممتلكات الدولة المملوكية إلى أن سقطت بيد العثمانيين سنة ٣٢٩هـ/1517م، وتمكن محمد علي والي مصر من بلوغها عندما سيطر على ولاية الشام ما بين ٦٤٢١-٦٥٢١هـ/1830-1840.

وبعد انقضاء الحرب العالمية الأولى سنة 1918م عادت أنطاكية مدينة من المدن السورية، ولكن الحكومة الفرنسية التي كانت منتدبة على سورية 1920-1946م تخلّت عن منطقة لواء الإسكندرونة لتركيا ومن ضمنها مدينة أنطاكية سنة 1939م، وذلك تحقيقاً لمصالح معينة مخالفة بذلك بنود اتفاقية الانتداب بالحفاظ على وحدة الأراضي المنتدبة عليها، وهكذا تقع هذه المدينة اليوم في الأراضي التركية، وتتبع "ولاية هاتاي"، علماً بأن لواء الإسكندرونة في سورية لا يزال يُرسم ضمن الخريطة الوطنية جزءاً من أراضي البلاد.

ولأنطاكية شهرة سياحية واسعة لأهميتها التاريخية والدينية، أشهر معالم أنطاكية المسيحية كنيسة منحوتة في الصخر، تحمل اسم القديس بطرس الرسول، وتعود الكنيسة إلى الحقبة الصليبية، وفيها كهف على شكل سرداب، تقول الروايات الشعبية إنه معبر سري استخدمه تلامذة المسيح للفرار من مضطهديهم في زمن انطلاقة دعوتهم، ومن هذا الكهف انطلق بولس وبرنابا في رحلتهما التبشيرية الكبيرة من ميناء "سلوقية بيرية".

أما أشهر معالمها الإسلامية فهو قبر تتضارب الروايات حول هوية صاحبه، وينقل ابن عساكر عن كعب قوله: وبالثغور وأنطاكية قبر حبيب النجار، وحبيب هو "صاحب ياسين" الذي صدّق الرسل الذين بعث بهم عيسى إلى "القرية" بعدما رأى من آيات الله ما رأى، فقال: {يَا قَومْ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ} فقتلوه، وهو القائل {يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٭ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكَرَمِيَن} (ياسين 26-27).

من أحياء أنطاكية القديمة

أما أنطاكية الرومانية فتتوهج في متحف الآثار الذي يضم إحدى أكبر مجموعات الفسيفساء في العالم، بدأ إنشاء هذا المتحف في عام 1934م، وذلك بعد أن انطلقت عمليات التنقيب في المدينة القديمة عام 1932م وأنجز سنة 1938م، وأعيد تنظيمه للمرة الأولى سنة 1948م، ومرة ثانية في منتصف السبعينيات.

وتعود مجموعة الفسيفساء الموجودة فيه إلى القرون الميلادية الأولى، وتدل دلالة ساطعة على استمرارية الثقافة اليونانية الوثنية في الحقبة المسيحية الأولى، والصور التي تملأ ألواح الفسيفساء المعروضة في صالات المتحف الفسيحة خير دليل على ذلك، وكلها مصدرها أنطاكية وجوارها، وتحتل مشاهد الصيد التقليدية مساحة هذه الفسيفساء، على حين تنقل الصور التي تزين إطارها مشاهد من أسواق أنطاكية ومعالمها الأساسية، مما يشكل وثيقة استثنائية لتعرف تاريخ المدينة القديمة، وتغيب المسيحية عن هذه الألواح الفسيفسائية، ولا تحضر إلا عبر أرضية ضخمة تزين حديقة المتحف، مصدرها كنيسة كشف عنها المنقبون في "سلوقية بيرية" حيث كان مرفأ أنطاكية.

نجدة خماش

 

التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1084
الكل : 45640495
اليوم : 41178