logo

logo

logo

logo

logo

الأموي (الجامع-) (دمشق)

اموي (جامع) (دمشق)

-



الأموي (الجامع -) /دمشق/

 

 

 

يقع الجامع الأموي في قلب مدينة دمشق القديمة، وتُعدّ أرضه من أقدم الأجزا التي عُمرت فيها، فهي أرض مقدسة أُوقِفت للعبادة منذ آلاف السنين، أقيم فيها معبد للإله "هدد" الآرامي في مطلع الألف الأول قبل الميلاد، ثم شيد على أنقاض المعبد الآرامي معبد للإله "جوبيتر" Jupiter بُعيد دخول الرومان لسورية سنة 64ق.م، ويبدو من آثار هذا المعبد الباقية إلى اليوم أنه كان يحتل مساحة واسعة؛ وكان له سور خارجي طوله 380م وعرضه 300م، وكان مبنى الهيكل "التيمنوس" فيه ضمن ساحة مستطيلة الشكل شرقية غربية، طولها 155م وعرضها 100م، ويحيط بها سور ضخم مبني بحجارة كبيرة، وفي كل زاوية من زواياه الأربع برج مربع يرتفع فوق مستوى السور، ويحتوي كل منها على درج داخلي يصل بين طوابقه المتعددة، وتزين واجهات جدران السور الخارجية وأبراجه دعامات جدارية يعلو كلاً منها تاج مقعر الوجوه، ويزيد ارتفاع الجدارين الشرقي والغربي للسور على الجدارين الشمالي والجنوبي، وكان يلتف حول سور المعبد من واجهاته الداخلية الأربع رواق محمول على أعمدة.

الموقع العام للجامع الأموي

ثم شيدت في عهد الامبراطور ثيودوسيوس بعد إعلان المسيحية ديناً رسمياً للبلاد سنة 392م كنيسة حملت اسم القديس يوحنا المعمدان، يرجح أنها كانت تحتل الجانب الغربي من الهيكل، وقد ظلت حتى عهد الوليد بن عبد الملك.

وعند بنا هذه الكنيسة هدم جز كبير من المعبد والأسواق المحيطة به، واستخدمت حجارتها في بنائها، إضافة إلى المباني الدينية الأخرى وبعض القصور، ولم يبقَ من المعبد آنذاك سوى جدرانه الخارجية وأضيفت مجموعة من الأروقة الخارجية التي حددت من خلالها مداخل الكنيسة، ومازال بعضها قائماً حتى اليوم، إضافة إلى مجموعة من الجدران والأعمدة العائدة للأسواق المحيطة بالمعبد.

لم تأتِ المراجع العربية على أي ذكر لشكل كنيسة يوحنا المعمدان ومكانها، وإنما ورد ذكرها على أنها كانت في مكان ما ضمن جدران المعبد الوثني حيث بقيت إلى أن حرر المسلمون دمشق من الحكم البيزنطي سنة 14هـ/635م، حيث اقتسم الفاتحون الهيكل مع المسيحيين؛ وليس الكنيسة، فتركوا لهم النصف الغربي من الهيكل الذي كانت عليه كنيستهم، وجعلوا نصفه الشرقي الذي فُتِح حرباً مع النصف الشرقي للمدينة على يد خالد بن الوليد مسجداً لصلاتهم سموه "مسجد الصحابة"، وظل هذا الحال منذ الفتح حتى خلافة الوليد بن عبد الملك، أي قرابة سبعين عاماً. وتبين النصوص التاريخية بدقة الموقع المذكور للمسجد الأول، حيث يذكر فيها أن المسلمين والمسيحيين كانوا يدخلون من البوابة الجنوبية للمعبد، ويتفرعون بعدها، فيذهب المسيحيون يساراً نحو الغرب إلى كنيستهم في حين يلتف المسلمون يميناً نحو الشرق إلى  مسجدهم. وأغلب الظن أن هذا المسجد مر منذ إقامته حتى إزالته بمراحل عدة، توسع فيها باتجاه الشمال وبما يتناسب مع الأعداد المتزايدة من العرب المسلمين الذين أتوا للسكنى في مدينة دمشق أو العرب المسيحيين من سكان دمشق الذين تحولوا إلى الإسلام؛ إذ اكتفوا في البداية باستعمال رواق المعبد، ثم أضافوا إليه تدريجياً عدداً من الأروقة وفق حاجاتهم، وأغلب الظن أيضاً أنهم استعملوا بقايا برج المعبد الجنوبي الشرقي لينادوا منه للصلاة تماماً كما استعمل النصارى البرج الجنوبي الغربي لناقوس كنيستهم.

  منظر عام للجامع

  بعد قيام الدولة الأموية 41هـ/661م واتساع حدودها وتألق عاصمتها كانت هناك حاجة ملحة لإقامة جامع كبير يليق بعظمة الدولة، ويلائم حالة التطور الواسع الذي بلغه المجتمع العربي الإسلامي، فقد غدت دمشق في عهد الوليد عاصمة لأعظم دولة عربية في التاريخ، وازداد عدد السكان بدمشق، كما زاد عدد المسلمين فيها، وضاق بهم المسجد الأول، ولم يعد يتسع للأعداد الكبيرة من المسلمين. وقرر الوليد حينئذٍ تنفيذ مشروعه المعماري المهم، ففاوض المسيحيين على أن يتخلوا عن النصف الغربي للهيكل لا نصف الكنيسة كما أشاع المستشرقون، وصالحهم عليها فقبلوا، ولم تعترض على ذلك الاتفاق أي سلطة دينية أو مدنية ولا رجل دين أو مؤرخ لا من المعاصرين ولا من التابعين، ولولا هذا الاتفاق المنصف الذي رضي به الجميع لقامت السلطة المسيحية البابوية بالاعتراض رسمياً؛ ولكان علما المسلمين اعترضوا عليه أيضاً، وعدّوا المسجد قد بني غصباً بما يخالف أوامر دينهم الحنيف، فلم يرد في المصادر أي اعتراض بتاتاً.

ويبدو أن الوليد قام بهدم كل ما كان قائماً داخل جدران الهيكل بما فيه الكنيسة والمسجد، وشّيد جامعه الجديد وفق مخطط جديد مبتكر يتجاوب مع شعائر الدين الإسلامي وأغراض الحياة العامة، فجا فريداً بهندسته، لم يُبنَ على نسقه أي بنا آخر، ووضَعَ به مبادئ إنشا الجوامع الكبرى التي شيدت بعده في العالم الإسلامي. وظل المعماريون عدة قرون يستوحون منه، وينسجون على منواله، ولم يضن الوليد بالجهد والمال لكي يكون هذا الجامع آية في الفن المعماري، وتحفة من التحف الفنية، فقد كان جامع دمشق ثورة على البساطة والتقشف وانطلاقة جديدة في مضمار فن العمارة والزخرفة، ويبين تصميم الوليد على أن يبني جامعاً مميزاً قوله حين خطب: "يا أهل دمشق… إني رأيتكم تفخرون على الناس بأربع: بمائكم وهوائكم وفاكهتكم وحماماتكم فأحببت أن يكون مسجدكم الخامس". وكان هذا فعلاً.

اتخذ الوليد قراره ببنا الجامع في الموقع الذي فرضته المعايير العمرانية والتاريخية، وهو موقع الهيكل الوثني، وبادر إلى هدم كل ما كان داخله، ولم يبقَ سوى الجدران الخارجية لساحة الهيكل وبقايا أبراج الزوايا الأربع والبوابتين الشرقية والغربية مع الطريق الواصلة بينهما، وهي امتداد للطريق التي أحدثت في العهد البيزنطي، وازدادت أهميتها في العهد العربي الإسلامي. ويروي ابن كثير هذا الحديث بكل تفصيل يزيل كل غموض أو شك حين أورد قول أحدهم: "ثم أمر الوليد بإحضار آلات الهدم، واجتمع إليه الأمرا والكبرا وجا إليه أساقفة النصارى وقساوستهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا نجد في كتبنا أن من يهدم هذه الكنيسة يجن، فقال الوليد: أنا أحب أن أجن في الله، والله لا يهدم أحد فيها شيئاً قبلي، ثم أخذ فأساً بيده، فأهوى بها أعلى حجر، فألقاه… وكبر المسلمون ثلاث تكبيرات… فهدم الوليد والأمرا جميع ما جدده النصارى في ترميم المعبد من المذابح والأبنية والحنايا، حتى بقي المكان صرحة مربعة، ثم شرع في بنائه بفكرة جيدة على هذه الصفة الحسنة الأنيقة التي لم يشتهر مثلها قبلها".

ولنابغة بني شيبان قصيدة، يمدح فيها الوليد، ويؤكد فيها أن الوليد هدم الكنيسة وبنى الجامع مكانها، منها:

قلعتَ بيعتَهم عن جوفِ مسجدِنا               

   فصخرُها عن جديدِ الأرضِ منسوفُ

وقد أمر الوليد أن يكتب بالذهب على اللازورد في حائط المسجد الأموي نص مكتوب بالفسيفسا يؤرخ ذلك، رآه المؤرخ المسعودي سنة 332هـ/944م، جا فيه: "ربنا الله، لا نعبد إلا الله، أمر ببنا هذا المسجد، وهدم الكنيسة التي كانت فيه عبد الله أمير المؤمنين الوليد في ذي الحجة سنة سبع وثمانين".

نقوش كتابية

فالنصوص الواردة أعلاه تذكر بصراحة لا لبس فيها أن الكنيسة هدمت، وأن الوليد بنى المسجد من جديد. وهذا ينفي آرا بعض المستشرقين الذين يدعون أن الوليد حوَّل الكنيسة إلى جامع.

يقول في ذلك سليم عادل عبد الحق: ونحن لا نقبل نظريات واتسينجر Watzinger وولتسينجر Wulzinger ودوسو Dussaud ولامانس Lammens ومن لف لفهم من أن الوليد لم يبنِ من المسجد غير القبة والمئذنة، وأنه لم يُجرِ في بنا الكنيسة إلا بعض الإصلاحات الجزئية؛ وذلك لأسباب كثيرة، أهمها أنه لا توجد كنيسة يشبه مخططها مخطط الجامع الأموي، وأن شكل البنا بصورة عامة يخالف تقاليد سورية النصرانية في فن العمارة. ويرى صلاح الدين المنجد أن المستشرقين العارفين بالآثار يقرون بأن تخطيط المسجد وهندسته شي مبتكر لا يشبه هندسة الكنائس البيزنطية، وأن كثيراً منها يخرج عن طريقة العمارة السورية النصرانية المتوارثة، وعليه فإن تخطيط المسجد الأموي قد خط السمات الرئيسية لما يُسمّى بالهندسة المعمارية الإسلامية، وهذا ما أقره كريزول Creswell، واعترف به في كتابه "الآثار الإسلامية الأولى".

يأخذ مخطط الجامع شكل شبه مستطيل باتجاه شرق غرب، ويبلغ طول ضلعه الجنوبية 158.15م، وطول ضلعه الغربية 96.12 م، وطول ضلعه الشمالية 158.97م، وطول ضلعه الشرقية 98.74م، وهو يحتل مساحة مقدارها 15448م2، أو ما يزيد على هكتار ونصف، وهي تبلغ نحو 1/10 من مساحة دمشق المسورة. ويزيد طول ضلعه الشرقية الخارجية على ضلعه الغربي الخارجي 2.62م، وتظهر هذه الزيادة في صحن الجامع أكثر منها في الحرم؛ أي إن شكل الحرم أقرب إلى المستطيل، وشكل الصحن أقرب إلى المستطيل المنحرف، ويزيد ضلع الحرم الشرقية على ضلعه الغربية بمقدار 0.07م، ويزيد ضلع الصحن الشرقية على ضلعه الغربية بمقدار 2.01م.

كانت الخطوة الأولى والأساس في تحديد شكل الجامع هي اعتماد الجدار الجنوبي للهيكل - أي الضلع الجنوبية   للمستطيل - جداراً للقبلة؛ لتطابقه مع اتجاهها ولانسجام الضلع الطويلة مع امتداد صفوف المصلين، وبهذا فرض المستطيل الجنوبي مكانه كحرم للمسجد، وهكذا تحدد شكل المسجد المستطيل من خلال حرمه المستطيل، وأصبح هذا الشكل مثلاً يحتذى في أصقاع العالم الإسلامي.

أقام الوليد في منتصف الحرم في الاتجاه الشمالي الجنوبي كتلة المجاز القاطع التي تميزت باستقلاليتها المعمارية والإنشائية، وارتفاعها الواضح عن سقف الحرم، وبوجود القبة العالية في مركزها وتوضع المحراب في منتصف جدارها القبلي، وهي فكرة معمارية جديدة طبقت لأول مرّة في بنا جامع دمشق، وهدفت إلى التشديد على محور القبلة الإسلامي، وبذلك تميز من تصميم الكنيسة؛ حيث إن الرواق الأهم في حرم الكنيسة - وهو الرواق الأوسط الذي يتميز بمجازه الأعرض والأعلى - يمتد موازياً للأروقة الثانوية، في حين أن الرواق الأهم في جامع دمشق يتعامد مع أروقة الحرم الثانوية. وتأكيداً لأهمية هذا المحور باتجاه القبلة وإبرازاً لاستمراريته عبر صحن الجامع؛ فقد فتح الوليد في جدار الصحن الشمالي باباً أحادي الفتحة ولكنه عريض ومرتفع، وأقام بجانبه مئذنته التي سميت باسمه والتي يطلق عليها حالياً لقب العروس.

وتذكر المراجع أن بنا الوليد للجامع دام من سنة 86هـ إلى سنة 96هـ/705-715م أي نحو عشر سنوات. أما قبة المجاز فقد بنيت خلال هذه الفترة مرتين، في المرة الأولى وقعت القبة بعد أن استقرت وتمت، وفي المرة الثانية قامت واستقرت على ما بنيت عليه. وتذكر أيضاً أن الوقت الذي استغرقه بنا القبتين الأولى والثانية قارب العامين، أي نحو خُمْس الوقت الذي استغرقه بنا الجامع بكامله. ولم تذكر المراجع شيئاً عن كيفية بنا القبة الأولى التي وقعت ولا عن سبب وقوعها، ولكنها ذكرت كيفية بنا القبة الثانية التي استقرت ودامت.

ويمكن القول: إن أسلوب بنا القبة الثانية كان استدراكاً للأسلوب الخاطئ الذي أدى إلى وقوع القبة الأولى، وإن وقوع القبة الأولى لم يكن بسبب خطأ في شكلها، فالشكل كان واحداً في القبتين، وإنما بسبب خطأ في استنادها، أي إن القبة الأولى لم تستند إلى دعائم، بل بنيت الدعائم لاحقاً لتستند إليها القبة الثانية بعد سقوط الأولى. وهذا يفسر سبب وجود الفاصل الواقع بين دعائم القبة والدعائم الحاملة لأقواس جداري المجاز المعترض الطوليين الشرقي والغربي وسبب عدم اندماجها. ويعني أن الدعائم بنيت بعد بنا جداري المجاز الطوليين وبشكل منفصل عنهما.

وتغطي القبة القسم الأوسط من المجاز المعترض، وتشمخ فوق سقف الجامع مشكِّلةً أهم معلم في سما مدينة دمشق القديمة، وقد عُرفت بقبة النسر حيث شبه أهل دمشق الجامع "بنسر طائر كأن القبة رأسه والغارب جؤجؤه (صدره)، ونصف جدار البلاطات عن يمين والنصف الثاني عن شمال جناحاه" كما وصفه ابن جبير، ويبلغ ارتفاع أعلى القبة عن مستوى أرض الجامع نحو 44.50م ويتوج رأسها الجوسق الذي يحمل الهلال والذي يبلغ ارتفاعه نحو 4.40م بحيث يصبح الارتفاع الإجمالي نحو 49م.

إن تقسيم جداري المجاز القاطع الطوليين إلى ثلاثة أقسام متساوية تبعه تقسيم مستطيلي الحرم على النسق نفسه إلى ثلاث بلاطات مستعرضة موازية لجدار القبلة متساوية في العرض والارتفاع يفصل بينها صفان من الأعمدة (بائكتان) يتألف كل منهما من أحد عشر عقداً، فوقها مستوٍ ثانٍ بحيث يحمل كل عقد فوقه عقدين صغيرين محمولين على عضادتين بينهما عمود، بحيث يشكل هذا المستوى الجز الذي يستند إليه السقف. أما الجدار الشمالي للحرم المطل على الصحن فتتطابق فتحات أقواسه مع فتحات الأقواس الداخلية لأروقة الحرم، وتختلف عنها بأنها تتبع نسق أعمدة رواق الصحن؛ أي عمودان بين كل دعامتين.

ويقع المنبر ضمن فراغ المجاز المعترض وعند الطرف الغربي من جداره القبلي إلى يسار المحراب الرئيسي، ويبلغ ارتفاعه الإجمالي 10.5م. والمنبر تحفة جميلة من الرخام الأبيض المنحوت وخشب الجوز المطعم. وقد صنع في دمشق وفق نموذج ورد من العاصمة إسطنبول. وكان حريق سنة 1311هـ/1893م قد قضى على كامل المنبر الخشبي الرائع المملوكي الطراز الذي كان قبله والذي يعود في الغالب إلى المرحلة التي عقبت حريق سنة 884 هـ/1479م.

واجهة كتلة المجاز المعترض

ويحتوي جدار الحرم القبلي على أربعة محاريب يفسر وجودها بمذاهب السنة الأربعة، حيث اختص المحراب الرئيسي الواقع عند منتصف جدار القبلة بالمذهب الشافعي، واختص المحراب الواقع غرب المنبر بالمذهب الحنفي، والمحراب الواقع غرب باب الزيادة بالمذهب الحنبلي؛ والمحراب الشرقي المسمى بمحراب الصحابة بالمذهب المالكي، ويعود شكلها الحالي إلى أعمال الترميم التي أعقبت الحريق الأخير وشملت أيضاً تزيينات كامل جدار القبلة. والأبعاد الحالية لكامل حرم الصلاة الرئيسي هي 139م طولاً و 37م عرضاً، أما واجهة المجاز القاطع على الصحن ففيها ثلاثة أبواب بعقود نصف دائرية، الأوسط أكبرها، ويعلو كلاً منها نافذة مغطاة بعقد نصف دائري أيضاً، ويحيط بالجميع عقد مدبب، وهو أول عقد مدبب في العمارة الإسلامية.

وصحن الجامع مبلط بالحجر، ويحتوي على ثلاث قباب: الأولى غربية، وتقع عند الطرف الشمالي الغربي من الصحن، وتقوم على ثمانية أعمدة كورنثية، وتعرف بقبة الخزنة أو قبة المال أو قبة عائشة، والثانية شرقية، وتقع مناظرة للقبة الغربية عند الطرف الشمالي الشرقي، وتعرف بقبة الساعات أو قبة يزيد أو قبة زين العابدين، والثالثة وسطى في مركز الصحن تعلو فسقية الما أو الميضأة، إضافة إلى عمودين يحملان رأسين نحاسيين كانا يستعملان للإضا ة.

قبة الخزنة
قبة الساعات
قبة النوفرة

وتتوزع حول الصحن أروقة في جهاته الثلاث الشرقية والشمالية والغربية وعلى بعد عن الجدار يعادل المسافة بين عمودين من صفوف أعمدة الحرم، وشكلت دعامات كل رواق وأعمدته في الجهات الثلاث نسقاً واحداً يتناوب فيه توزيع الأعمدة والدعامات، ويحمل سقوف الأروقة عضائد وأعمدة تتناوب كل عضادة مع عمودين، وبقي الرواق الغربي للجامع على حالته الأصلية في حين تغير الوضع في العديد من الأروقة، حتى إن الرواق الشمالي الذي تهدم سنة 1172هـ/1759م إثر زلزال عنيف قد أعيد بناؤه من دون أعمدة، وتحمل العضائد والأعمدة عقوداً نصف دائرية مدببة، ويحمل كل عقد فوقه عقدين صغيرين محمولين على عضادتين بينهما عمود، أما عقود الأروقة الموجودة عند دهاليز الدخول فقد تميزت بوجود عقد أوسط عريض وعقدين جانبيين ضيقين.

الصحن

واستبقى الوليد برج المعبد الجنوبي الغربي على حاله، وربما استفاد من تجربة تحويله إلى برج للكنيسة، وأعاد بنا البرج الجنوبي الشرقي على نسقه، واستعمل البرجين لوظيفة الأذان، ومن غير المعروف إذا كان قد أشاد فوقهما مئذنتين أو استبقاهما على حالهما، وأقام مئذنة ثالثة أمام الباب الشمالي المتناظر مع باب المجاز القاطع على الفنا . أما البرجان الشماليان الغربي والشرقي فلم يذكر أنه كان يستعملهما للأذان، وربما كانا مهدومين بفعل الهزات الأرضية المتكررة التي أصابت دمشق. ومن الواضح أن فكرته المعمارية لم تقم على إعادة بنا الأبراج الأربعة وتحويلها إلى وظيفة واحدة؛ هي وظيفة الأذان، بغرض تحويل الجامع إلى منشأة متناظرة معمارياً، وإنما تمثلت فكرته في التشديد على محور القبلة الشمالي الجنوبي الذي عبر عنه في كتلة المجاز القاطع وفي إقامة المئذنة والبوابة الشماليتين كامتداد لهذا المحور عبر صحن الجامع.

الواجهة الشرقية
الواجهة الغربية

وللجامع اليوم ثلاث مآذن، الأولى عند منتصف الجدار الشمالي لصحن الجامع، وتعرف بالمئذنة الشمالية وتسمى أيضاً بمئذنة العروس لجمالها ورونقها، وهي مشادة في الطرف الخارجي من منتصف جدار الرواق الشمالي عند الباب المعروف بباب الكلاسة، حيث أقيمت على شاكلة الأبراج المربعة، والجز السفلي منها أصلي، أما العلوي فهو أيوبي، جدد بعد سنة 570هـ/1174م، ويتطابق جدار المئذنة الجنوبي مع جدار الرواق الشمالي، ويصبح جز اً منه واستمراراً له، ويبلغ ارتفاع المئذنة الإجمالي من مستوى الأرض حتى رأس الهلال 54م، كما يبلغ عدد درجاتها 195 درجة.

مئذنة العروس
مزولة مئذنة العروس

وتقع المئذنة الثانية عند الزاوية الجنوبية الشرقية، وتعرف بالمئذنة الشرقية، وتسمى أيضاً بمئذنة عيسى عليه السلام  والمئذنة البيضا ، وهي مشادة عند أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية من البرج الشرقي. وتشبه المئذنة الشمالية بانقسام جذعها إلى كتلتين مختلفتي العهد والطراز، فقسمها السفلي مملوكي، والعلوي عثماني مرمم. وهما أقرب ما يكونان إلى مئذنتين منفصلتين، فالكتلة السفلية- وهي أقدمهما- مسقطها قريب من المربع، ويبلغ ارتفاعها نحو 38م عن مستوى أرض الجامع، ويغلب أنها مملوكية، والكتلة العلوية على طراز المآذن العثمانية، مسقطها مثمن الشكل تعلوها قلنسوة مخروطية، وقد رممت مرات عدة كان آخرها سنة 1172هـ/1759م، ويبلغ ارتفاع هذه الكتلة بما فيها القلنسوة نحو 25م، وبهذا يبلغ الارتفاع الإجمالي للمئذنة نحو 63م.

مئذنة عيسى

  وتقع المئذنة الثالثة عند الزاوية الجنوبية الغربية، وتعرف بالمئذنة الغربية، وتسمى أيضاً مئذنة المِسْكِيَّة نسبة إلى سوق المِسْكِيَّة المطلة عليه، ومئذنة قايتباي نسبة إلى السلطان المملوكي الملك الأشرف قايتباي؛ لأنها أخذت شكلها الحالي في عهده حين رممها سنة 893هـ/1488م على طراز المآذن المصرية إثر حريق أصابها، وهي مقامة عند الزاوية الشمالية الغربية للبرج الغربي وفوق الدرج المؤدي إلى طوابق البرج، ويبلغ ارتفاعها من أرضية الجامع حتى رأس الهلال 56.12م.

مئذنة قايتباي

ويحتوي الجامع على أربعة أبواب رئيسة موزعة على جهاته الأربع، الأول باب البريد في الغرب؛ وهو مؤلف من ثلاثة أبواب: باب أوسط كبير فتحته على شكل مستطيل قائم، وساكفه قطعة حجرية واحدة، وعرضه 3.38م، وارتفاعه 4.73م، ويعلوه عقد على شكل حدوة الفرس، وهو موجود بين الدعامتين الجداريتين الوسطيتين اللتين تعودان إلى العصر الكلاسيكي، وبابان صغيران طرفيان عرض فتحة كل منهما 1.38م، وارتفاعها 2.86م. وقد تم فتحهما في زمن لاحق عند القسم السفلي من الدعامتين الواقعتين إلى جانبي الباب الأوسط، وقد غطيت الواجهة الخارجية للباب بالرخام الأبيض، كما نصبت مظلة خشبية فوق الباب الأوسط، وتعود المظلة والتغطية الرخامية إلى أعمال الترميمات التي عقبت حريق سنة 1311هـ/1893م. ويحوي كل باب من الأبواب مصراعين ينفتحان نحو الداخل، وتعود أصولها إلى العصر المملوكي، وهي مصنوعة من خشب الجوز المصفح من الخارج بالنحاس المطروق. ويعد تصفيح الباب الأوسط لجهة صنعته وأسلوبه الأقدم بين الثلاثة.

باب البريد

والباب الثاني هو باب النوفرة في الشرق، وسمي بذلك نسبة إلى البحرة الفوارة التي كانت أسفل الدرج الذي يتقدم كتلة المدخل، وما يزال موقعها ظاهراً، كما سمي أيضاً باب جيرون، وهو أهم أبواب الجامع وأكبرها وأجملها، ويتألف كباب البريد من ثلاثة أبواب: باب أوسط كبير فتحته على شكل مستطيل قائم ارتفاعه 7.5م، وعرضه 4.5م، تعلوه عقد كبيرة على شكل حدوة فرس، وبابان صغيران إلى جانبيه عرض كل منهما 1.8م وارتفاعه 3.13م، ويعلو هذين البابين فتحتان مصمتتان في الجدار على شكل مستطيلين قائمين، وتعود فتحات الباب كلها إلى أيام إنشا المعبد الكلاسيكي.

والباب الثالث هو باب العمارة في الشمال، وسمي أيضاً باب الكلاسة وباب السميساطية وباب الناطفيين، وقد حصل على اسمه الأول نسبة إلى حي العمارة الواقع بالقرب منه، وسمي باب الكلاسة لوجود ورشات الكلس الذي استعمل في ترميم الجامع عنده، وباب السميساطية نسبة إلى المدرسة السميساطية الملاصقة للجامع؛ وباب الناطفيين نسبة إلى دكاكين بيع الناطف (نوع من الحلويات) التي كانت موجودة عنده، ويقع الباب عند كتف الجدار الشرقي لمئذنة العروس، ويتألف من فتحة واحدة على شكل مستطيل قائم ارتفاعه 6.65م، وعرضه 3.15م، وللباب مصراعان كبيران من الخشب المغلف عند أحد سطحيه بالنحاس المطروق، ويوجد على السطح المعدني لكل مصراع ثلاثة مستطيلات قائمة مزينة بالكتابات والنقوش.

باب العمارة

أما الباب الرابع فيسمى باب الزيادة، ويقع في الجنوب، وعرف أيضاً بباب القوافين وباب الساعات نسبة إلى الساعة المائية التي كانت عنده، وله فتحة واحدة على شكل مستطيل قائم عرضه 3.2م، وارتفاعه 4.6م، ويعلوه عقد على شكل نصف دائرة، وللباب مصراعان من الخشب المصمت يفتحان نحو الخارج على مصطبة تنخفض عن مستوى الطريق بنحو 50سم، وتعلو الباب مظلة خشبية تمتد فوق المصطبة، كما تعلو فتحة الباب آية قرآنية مكتوبة بخط هندسي حديث، ويعود الباب الحالي إلى ما بعد الحريق الكبير سنة 1311هـ/1893م، وقبل ذلك كان مصفحاً بالبرونز وعليه نقوش وكتابات.

باب الزيادة

وفي الزوايـا الأربع للجامع الأموي أربعة مشاهد حملت أسما الخلفا الراشدين الأربعة رضي الله عنهم، وكل منها عبارة عن مساحة مستطيلة، وهي: مشهد أبي بكرy بالزاوية الجنوبية الشرقية، ومشهد عمرy بالزاوية الجنوبية الغربية، ومشهد عثمانy بالزاوية الشمالية الغربية، ومشهد عليy بالزاوية الشمالية الشرقية، ودعي لاحقاً بمشهد الحسينy

مشهد أبي بكر الصديق
مشهد عمر بن الخطاب
مشهد عثمان بن عفان
مشهد علي بن أبي طالب
مشهد الحسين
مشهد زين العابدين

 

وتغيرت خلال العهود التاريخية أسما المشاهد، وعدل تقسيمها الداخلي، واستخدمت لأغراض شتى، أهمها التدريس والصلاة وخزن الكتب، ويستخدم مشهد عمر اليوم مقراً لإدارة الجامع، كما يخطط لمشهد أبي بكر؛ ليصبح متحفاً خاصاً بمقتنيات الجامع.

مشهد النبي يحيى

ويغطي القبلية سقف يتألف من ثلاثة جملونات تمتد من الشرق إلى الغرب، تستند إلى الجدارين الشمالي والجنوبي، وفي الوسط إلى البائكتين الموازيتين للقبلة، ويسقف المجاز القاطع سقف جملوني يمتد من الشمال إلى الجنوب ويستند إلى عقود المجاز القاطع، ويقطعه في الوسط قبة النسر التي ترتفع فوق الفتحة الوسطى من المجاز القاطع، على رقبة مثمنة تستند إلى رقبة مربعة، ثم إلى أربعة عقود مدببة محمولة على أربع دعائم حجرية ضخمة أبعادها 369×466سم، وهي مكسوة بالمرمر والرخام الملون برسومات مختلفة.

والقبة الحالية مبنية بالحجر الرملي، وتزينها من الداخل رسومات بدهانات متعددة الألوان، وهذه القبة بنيت سنة 1320هـ/1902م إثر الحريق الذي أتى على سقف الجامع سنة 1311هـ/1893م، وكانت القبة خشبية، وصفها ابن جبير عندما زار دمشق سنة 580هـ/1184م وصفاً دقيقاً بعد أن أخذ قياساتها بدقة.

وسقوف الأروقة جميعها من الخشب، تتألف من أعمدة خشبية دائرية فوقها دفوف خشبية فحصير وتراب (بلة) ثم ألواح رصاص.

أما جدران الجامع فقد كان الرخام يكسو الجز السفلي منها حتى ارتفاع أربعة أمتار، ويغطي باقي الجدران للأعلى في الأروقة والحرم؛ وكذلك العقود وكوشاتها وباطنها، حتى السقف فسيفسا زجاجية ملونة الفصوص مفضضة ومذهبة، وقد يتخلل الفصوص الزجاجية فصوص من الرخام أو الحجر أو الصدف، كما استخدم الرخام في النوافذ، وكذلك الجص المعشق بالزجاج الملون، والأبواب خشبية مصفّحة بالنحاس المزيّن بالرسوم والكتابات، ويحافظ اليوم على أجزا غير قليلة من تلك التكسيات التي تعدّ كافية لإبراز عظمة الجامع وروعته.

الزجاج المعشق

الترميمات والتعديلات على الجامع ومحيطه بعد الفترة الأموية:

مرت على هذا الجامع أحداث وكوارث كبيرة من حرائق وزلازل، وكان بعض هذه الحرائق مفتعلاً؛ ففي سنة 461هـ/1069م حدث حريق ضخم نتيجة للاقتتال بسبب الخلافات على الحكم أدى إلى حريق ضخم ابتدأ في دار الإمارة في القصر الأخضر جنوب الجامع الأموي فاحترق، وامتد الحريق إلى الجامع الأموي، فأكلته النار ومحت محاسنه، وذهبت بكل ما فيه حيث لم يبقَ منه إلا الجدران الأربعة. وصارت أرضه بعد الفسيفسا التي كانت تأخذ العقول تلالاً من التراب طيناً في الشتا وغباراً في الصيف، وجمعت فصوص الفسيفسا ، فأودعت في المشاهد إلى أن أخرجها ناظر المسجد القاضي الشهرزوري، وبقي المسجد مخرباً أربع عشرة سنة حتى جددت عمارة السقف والقبة أيام ملكشاه السلجوقي على يد الوزير نظام الملك (مؤسس المدرسة النظامية). أما الصحن فبقي تراباً وطيناً حتى بُلِّط أيام الملك العادل الأيوبي بعد الستمئة هجرية.

وفي سنة 562هـ/1166م جرى حريق في حي اللبادين المعروف اليوم بحي النوفرة شرق الجامع حيث انتشرت النار من هذا الحي إلى الجامع الأموي، فاحترق القسم الشرقي من الجامع الملاصق لحي النوفرة، وهو من جهة باب جيرون.

وفي سنة 570هـ/1174م أصاب الجامع الأموي حريق جزئي آخر، عندما احترقت مدرسة الكلاسة جنوب الجامع، فامتدت النار إلى مئذنة العروس، فاحترقت.

وفي سنة 646هـ/1248م احترقت سلالم المئذنة الشرقية (مئذنة عيسى) والبيوت التي في أسفلها وتصدعت.

وفي سنة 681هـ/1262م حدث حريق جزئي آخر؛ إذ احترق سوق اللبادين وسوق جيرون، فامتدت النار إلى حيطان الجامع، ووصلت إلى قسم من السقف.

وفي سنة 740هـ/1340م كان الحريق الكبير في دمشق، حيث أكلت النار أسواقاً بكاملها، وكانت خسائر فادحة في الأموال، ووصلت النار إلى الجامع، فاحترقت المئذنة الشرقية وقسم من الجانب الشرقي.

وفي سنة 1046هـ/1636م وكذلك سنة 1131هـ/1719م حصل حريقان جزئيان لم تذكر المصادر تفصيلاً عنهما، ومن المعتقد أن حريق سنة 1046هـ أصاب الجامع في الجهة الجنوبية، وكانت الإصابة في حريق سنة 1131هـ في الجهة الغربية، وليس هناك تأكيد لذلك.

ويعتقد أن معظم المعالجات التي تمت في تلك الفترة اعتمدت الأساليب التقليدية في أعمال البنا واستخدام المواد المتاحة محلياً، وكان أسلوب الترميم والتجديد يعكس طراز العصر سوا بالعناصر المعمارية أم الإنشائية أم تقانات البنا .

وفي سنة 1311هـ/1893م عصف حريق هائل بالجامع يعدّ إحدى أكثر الكوارث دماراً وضرراً على الجامع عبر تاريخه الطويل، كما تعدّ عملية إعادة البنا التي تمت بعده إحدى أكثر العمليات تعديلاً في هيئة الجامع وتفاصيله المعمارية.

وتظهر الصور التي التقطها بعد الحريق مصورون محليون وأوربيون أن النار أخذت بكامل السقف الجملوني وأغلب الأعمدة، وقضت على موجودات الحرم كالمنبر وأجزا من المحاريب والمقام والسدة والزخارف الجدارية وقسم من مصبعات النوافذ، وربما ضعضعت القبة، وصدعت جدرانها الحاملة. وقد عدّت هذه الحرائق التحدي الأكبر الذي واجه هذا الجامع، يضاف إليها تأثير بعض الزلازل المدمرة التي كان أخطرها زلزال سنة 597هـ/1200م؛ إذ يروي المؤرخ سبط ابن الجوزي أنه أصاب أكثر مدن الشام بالدمار، ومات مليون من الناس، كذلك زلزال سنة 1173هـ /1759م وقد وصفه الغزي في مذكراته، فقال: تهدمت معظم بيوت دمشق، وتهدمت مآذن الأموي الثلاث، وسقطت قبة النسر بكاملها، وكذلك جميع الرواق الشمالي للصحن مع أعمدته الأموية ومعظم أنحا الجامع، وكل هذه الحرائق والزلازل أضاعت الكثير من الخصائص المعمارية والزخرفية للجامع؛ ولكنه كان يُرمَّم ويُعاد إلى شكله الأصلي محتفظاً بمخططه المميز وبالعديد من عناصره المعمارية والزخرفية.

المنبر ومحراب الأحناف والزخارف الرخامية الجدارية

وتتركز زخارف الحرم عند جدار القبلة، وخصوصاً في القسم الوسطي منه الواقع ضمن المجاز المتقاطع، وكذلك عند سطوح الدعامات الحاملة للقبة، ويشكل جدار المجاز مع المنبر والمحراب لوحة جميلة غنية باللوحات الرخامية المتعددة الألوان والموزعة بأشكال هندسية متناظرة تعلوها الآيات الأولى من سورة الرحمن منحوتة بخط عثماني جميل، وتغطي سطوح جدران الدعامات الحاملة للقبة زخارف مشابهة لزخارف الجدار الجنوبي وعلى ارتفاعها نفسه، أما زخارف سطوح طرفي جدار القبلة الشرقي والغربي فهي أقل غنى من زخارف جدار المجاز المتقاطع وأقل ارتفاعاً منها، وتتمثل بعقد دائري يحمله عمودان جداريان على شكل محراب مسطح يتكرر على امتداد الجدار. وفي الطرف الشرقي من الجدار عند المحراب المسطح الثاني عشر إلى يسار محراب الصحابة (الشرقي) لوحة جدارية تحدد مقام النبي هود عليه السلام الذي تنسب بعض المراجع بنا حيطان مسجد دمشق إليه، كما يوجد عند المحراب الثالث عشر إلى يمين محراب الصحابة لوحة أخرى تحدد مقام الخضر عليه السلام، وهو المكان الذي تذكر بعض المراجع أنه كان يصلي فيه كل ليلة.

دكة المبلغ

وتعود زخارف الحرم الحالية إلى مرحلة الترميمات التي عقبت الحريق الأخير سنة 1311هـ/1893م، وهي تختلف كلياً في مادتها وشكلها عن الزخارف التي كانت قبل الحريق، وما تزال بعض أجزا من الزخارف القديمة التي نجت من كوارث الزمن على السطح الجنوبي لجدار الجز الشمالي للمجاز القاطع، وعلى سطحي دعامتي القبة الشماليتين المقابلتين له، وفيها بقايا لشريط الكرمة المحيطي، ولوحة فسيفسائية جميلة على شكل محراب منقوش في أسفله جملة (خير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين).

وتغطي أرض الحرم بلاطات حجرية مستطيلة الشكل مرصوفة بشكل طولي على هيئة مداميك متوازية، وهي تعود إلى مرحلة الترميم التي عقبت الحريق الأخير في سنة 1311هـ/1893م، وتغطي البلاط سجاجيد مختلفة الحجم واللون والنوع. وتم تغيير البلاط مرات عديدة بسبب الحرائق والزلازل التي أصابت الجامع خلال تاريخه الطويل، ويذكر أغلب المؤرخين أن تبليط الحرم كان بالرخام الأبيض إلا أن ابن كثير (من أواخر القرن الثامن الهجري) وصف نتائج أول حريق حدث للجامع سنة 461هـ/1069م، وذكر أن الفسيفسا التي كانت في أرضه وعلى جدرانه تقلعت، وأن أرضه كانت كلها بالفصوص، وليس فيها بلاط، ثم لما وقع الحريق استبدل بالفسيفسا البلاط، وهذا يعني- إذا صح قول ابن كثير- أن أرض الحرم كانت مغطاة بفصوص الفسيفسا وقت بنا الجامع، بيد أن أبا شامة - وهو أقدم من ابن كثير ومرجع له - لا يشير إلى وجود الفسيفسا على أرض الحرم، وإنما يذكر أنه في سنة 602هـ/1205م "هدموا قنطرة الباب الشرقي الرومية لتنشر حجارتها بلاطاً لصحن الجامع. ثم يقول: وفي سنة 611 هـ شرع في تبليط رواقات الجامع الداخلية (يقصد الحرم)، وكانت أرض الجامع قد تكسر رخامها".

وفسيفسا الجامع الأموي غنية بمواضيعها وألوانها وموادها وتقنياتها، وقد استخدمت بمساحات كبيرة من سطوح الحرم والصحن، وكان الجامع الأموي أول جامع في الإسلام بعد مسجد قبة الصخرة [ر] دخلته الفسيفسا بهذه الكمية والنوعية، وربما كانت الزينة الفسيفسائية هي الصفة الأهم التي اتصف بها الجامع؛ ولا سيما في مراحل تاريخه الأولى.

ويجمع المؤرخون على أن جدران الحرم وقبته وأروقة الصحن وقناطره كانت مكسوة بالفسيفسا . وأن "حيطانه إلى قامتين بالرخام المجزع ثم إلى السقف بالفسيفسا الملونة والمذهبة، في صور أشجار وأمصار، وكتابات على غاية الحسن والدقة ولطافة الصنعة. وقلّ شجرة أو بلد مشهور إلا وقد مثل على تلك الحيطان"، وأن "الرخام كان في جدران الجامع سبع وزرات، ومن فوقه صفات البلدان والقرى وما فيها من العجائب، وأن الكعبة المشرفة وضع صفاتها فوق المحراب ثم فرق البلاد يميناً وشمالاً وما بينهما من الأشجار المثمرة والمزهرة وغير ذلك".

الحرم
قبة الحرم من الخارج
قبة الحرم من الداخل

وتتنوع مواضيع اللوحات الفسيفسائية وتشكيلاتها، وتمثلها المباني المتنوعة الموجودة في لوحات الجدار الداخلي للرواق الغربي (لوحة أو مصورة دمشق أو بردى)، وواجهة مدخل الحرم (الجبهة المثلثية) وبعض لوحات سطوح أضلاع قبة بيت المال.

الفسيفسا

ويمكن تقسيم هذه المنشآت المعمارية المصورة إلى ثلاثة أنواع من المباني المختلفة:

القصور: وهي مبانٍ فخمة غنية تتألف من عدة طوابق، ويوجد في الطابق السفلي منها بهو مرتفع، وفوقه ردهة  مفتوحة، ويخيم على المجموع سقف مخروطي متآلف من أوراق أشجار ذات نهايات مصفوفة إلى الأعلى نحو الداخل. ويشاهد أمثلة واضحة من هذه القصور في مصورة دمشق في الرواق الغربي للجامع.

البيوت الخاصة والتي تُشاهد إلى جانبي هذه القصور، وتمتد على فراغين غير منتظمين، ولها سقوف على أشكال متعددة منها المسطح أو المائل أو الجملون التي تعلو بعض النوافذ الصغيرة.

وتضم هذه البيوت بعضها إلى بعض من دون نظام معين مئات القرى التي نشأت من دون اتباع أي تنظيم، وتتبع في تشكيلها طبيعة الأرض التي نشأت عليها، وهي لا تملك شيئاً من تزيينات القصور سابقة الذكر.

والنوع الثالث من هذه المباني هي الاستراحات والساحات.

السقف العجمي

ويلاحظ وجود العناصر النباتية في مختلف اللوحات الفسيفسائية في الجامع، وقد ظهرت على أشكال وأنواع مختلفة، منها أشجار مثمرة كالتفاح والإجاص والنارنج وأشجار النخيل والسرو والحور إضافة إلى نباتات مختلفة وأوراق متنوعة الأشكال والألوان.

زخارف خشبية

أما الموضوعات الزخرفية والرمزية؛ فقد مثلتها الزخارف الهندسية المستخدمة كإطار يحيط باللوحات الفسيفسائية في مختلف اللوحات.

كما أن موضوعات التصاوير المائية تظهر واضحة في لوحة دمشق حيث النهر الممتد على طول اللوحة وأسفلها، إضافة إلى بعض البرك والنوافير.

وبقي الجامع لمدة أربعة قرون تقريباً محافظاً على فسيفسائه يفخر بها، ويتيه بجمال زخارفها؛ حتى أدركه حريق سنة 461هـ/1069م، فسقطت سقوفه، وتناثرت فصوصه، وتغيرت معالمه، ثم تبع الحريق في سنة 552 هـ/1157م "زلزلة عظيمة لم ير مثلها، رمت من فص الجامع الشي الكثير الذي يعجز عن إعادة مثله".

وتوالت على الجامع الكوارث، فأتت على البقية الباقية من زخارفه، ولم ينجُ منها إلا عدد قليل من السطوح الموزعة هنا وهناك على جدران الجامع؛ شاهدة على ما كان عليه الجامع من الروعة والفخامة والبها . وكانت فصوص الفسيفسا المنهارة تجمع في صناديق، وتحفظ في مستودعات الجامع على أمل إعادتها إلى مكانها. وقد استعمل بعضها في تجديد عمارة القبة والسقف سنة 475هـ/1082م أيام ملك شاه بن محمد وأخيه تتش السلجوقيين. وتبع ذلك محاولات محدودة لإعادة ترميم الفسيفسا ، كان أهمها التي تمت في عهد الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي سنة 541 - 569هـ/1146-1174م، وفي عهد الملك الظاهر بيبرس سنة 668هـ/1268م؛ بيد أن الضرر الذي أصاب الفسيفسا مع الزمن كان أكبر من إمكانية إعادته وإصلاحه. وبقيت محاولات الإصلاح محدودة ومحصورة في بقع صغيرة من الجدران، ولم ترقَ إلى مثل جمال الفسيفسا الأموية التي امتازت عنها بدقة الصنع وفن الرصف وترتيب الألوان وانسجامها، فضلاً عن أن هذه المحاولات لم تُعِد الرسومات الأموية، وإنما استبدلت بها رسومات مختلفة.

زخارف رخامية

وقد انشغل الحكام الذين توالوا على دمشق عن إصلاح الفسيفسا ، وأحجموا عن إعادتها وترميمها، وعمدوا عوضاً عن ذلك إلى تغطية ما تبقى من سطوحها بالكلس، وربما أرادوا بذلك حمايتها والحفاظ على فصوصها من السقوط، أو  عدّوا المبالغة في زينة الجامع أمراً مكروهاً، فعمدوا إلى تغطيتها، وسوا كان السبب هذا أم ذاك فإن التغطية الجصية حققت الفائدة المرجوة، وهي الحفاظ على هذه اللوحات الفسيفسائية عبر قرون عديدة ومنع فصوصها من السقوط. وبقيت الفسيفسا متروكة لعقود عديدة من دون أي اهتمام يليق بقيمتها، وكانت أولويات الترميم محصورة ببنا الجامع من دون   فسيفسائه، وحتى بعد الحريق الأخير سنة 1311هـ/1893م الذي أتى على الجامع بكامله؛ فإن أعمال إعادة البنا والترميم شملت كل أقسام المبنى باستثنا الفسيفسا التي تركت محروقة على حالها، ومازال بعضها موجوداً على جدران الحرم الداخلية إلى الآن من دون ترميم. وفي أواخر القرن التاسع عشر جرى ترميم محدود لبقع صغيرة من الفسيفسا عند جدران الدهليز الغربي، وذلك بمناسبة زيارة قيصر ألمانيا ويليام الثاني (1859-1941م) للجامع سنة 1898م. وفي سنة 1927م زارت الباحثة السويسرية مارغريت ڤان بيرشم M. van Berchem الجامع، ورصدت ستة مواقع لبقايا فسيفسا موزعة على جدرانه لم تكن مغطاة بطبقة الكلس، منها خمسة مواقع في صحن الجامع، وموقع واحد داخل الحرم؛ مما يشير إلى أن الضرر الذي أصاب فسيفسا الحرم كان أكبر بكثير من الضرر الذي أصاب فسيفسا الصحن، وبعد ذلك بعام أزيلت الطبقة الجصية التي كانت تغطي فسيفسا جدار الرواق الغربي بإشراف الفرنسي دي لوري E. de Lourey، فظهرت معالم لوحة جدارية رائعة الجمال فريدة في ألوانها ومواضعها وتكويناتها، هي بحق تحفة رائعة من روائع الفن العالمي على امتداد العصور، وتعود هذه اللوحة بالتأكيد إلى مرحلة الوليد، وتعطي فكرة عما كان عليه الجامع من فخامة وبها . وقد ظهر في بعض أقسامها مساحات سقطت منها الفسيفسا ، كما ظهرت على أقسام أخرى ملامح ترميم تعود في الغالب إلى عصري نور الدين محمود بن زنكي والملك الظاهر بيبرس. وبقيت اللوحة على حالها حتى سنة 1964م عندما بدأت عملية ترميمها، وأكملت بعد ذلك بسنوات قليلة.

زخارف معدنية

ومازال الجامع الأموي يقف اليوم محتفظاً بكامل بهائه وعظمته، ولاسيما بعد انتها أعمال الترميم الأخيرة فيه التي تمت بين سنتي 1992-1997 بأمر من الرئيس حافظ الأسد، وامتدت لكل أجزا الجامع وعناصره المعمارية والزخرفية، مما أعاد لها رونقها الأصيل، وعبَّر بصدق عن تلك العناية التاريخية بهذا الجامع الذي صار رمزاً للسوريين وللعرب المسلمين كافة.

غزوان ياغي، موفق دغمان

 

 

مراجع للاستزادة:

- طلال عقيلي، الجامع الأموي في دمشق (برنامج تحديث الإدارة البلدية، الاتحاد الأوربي MAM، 2007م).

- عفيف بهنسي، الجامع الأموي الكبير (دار طلاس، دمشق 1988).

- ابن عساكر، تاريخ دمشق، تحقيق صلاح الدين المنجد (المجمع العلمي في دمشق، 1951-1954).

- ابن جبير الأندلسي، رحلة ابن جبير (دار صادر، بيروت).

- ك. كريزول، الآثار الإسلامية الأولى، تعريب عبد الهادي عبلة (دار قتيبة، دمشق).

- ولتسينجر وواتسينجر، الآثار الإسلامية في مدينة دمشق، تعريب قاسم طوير (مطبعة سورية، دمشق 1984م).

- R. DUSSAUD, Le temple de Jupiter Damaceeien et ses transformations aux époques chrétiennes et musulmanes. Vol. III. Syria, (1922).

- J. SAUVAGET, Le plan antique de Damas, Syria XXVI, (1949).

 


التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 541
الكل : 29574064
اليوم : 28980