logo

logo

logo

logo

logo

أم التلال

ام تلال

-



أم التلال

 

 

يقع موقع أم التلال  Umm el Tlel في حوضة الكوم  Cuvette d El Kowm على بعد 90كم شمال شرقي مدينة تدمر، وحوضة الكوم انهدام بعرض 25كم وطول 80 كم، بين منطقتي تدمر والفرات، يحدها من الشرق جبل البشري ومن الجنوب جبل المنشار، وتقع في وسطها هضبة القدير. ويبعد نحو 8كم شمال قرية الكوم.

الموقع الجغرافي لأم التلال

يتشكل موقع أم التلال من تلين مختلفين في الارتفاع والمساحة، ويعدّ التل الشمالي الجز الأكثر ارتفاعاً في الموقع (10م)، وهو ذو شكل متطاول باتجاه شرق- غرب، بطول 208م وعرض 18م، أما التل الجنوبي فهو ذو شكل شبه مسطح حيث لا يزيد ارتفاعه على 3م، وممتد على سطح أكبر بقليل (168م عرضاً و 937م طولاً)، ويقع بشكل مواجه للتل الشمالي .

كان هناك خلال العصور القديمة والتاريخية ينبوع مياه يقع في وسط الموقع باتجاه الشرق، ومن ثم قام السكان خلال الفترات الحديثة بحفر بئر مكان ينبوع الما ، وهي البئر ذاتها التي تم اكتشافها من قبل الباحث الفرنسي فرنسيس أور[ر] F.Hours، والذي أكد وجود توضعات أثرية لأكثر من 12م، تعود إلى فترات مختلفة.

ومن ثم درس الموقع على نحو أولي من قبل البعثة الفرنسية الدائمة في منطقة الكوم عام 1978 تحت إدارة جاك كوفان J.Cauvain.

تمت الإشارة إلى الموقع ثانية من بداية الثمانينيّات من قبل فريق البحث العلمي المؤلف من كل من: بول سانلافيل  P.Sanlaville، وجاك بيزنسون J.Besançon، ولورين كوبلان L.Copeland، وفرنسيس أور، وسلطان محيسن، حيث قاموا بإجرا مسوحات أثرية في تلك المنطقة.

أجريت أسبار أثرية في الموقع في عامي 1987- 1989م بإشراف كل من ميغيل موليست M. Molist وماري كلير كوفان   M.C.Cauvin وأحمد طه، حيث تركزت الأعمال عموماً في الجز الأعلى من المقطع الأثري الذي احتوى طبقات من الفترة الرومانية ومن العصر الحجري الحديث Néolithique. ومن أهم نتائج هذه الأسبار اكتشاف طبقات أثرية تعود إلى الفترة الأورينياسية Aurignacien (العصر الحجري القديم الأعلى).

كما قامت الباحثة الفرنسية آن ڤانسان A.Vincent بعمل سبر أثري عام 1987م، وذلك ضمن سويات العصر الحجري القديم الأوسط Paléolithique moyen. استمرت أعمال التنقيب الأثري في الموقع منذ عام 1991م حتى الآن، وذلك من خلال بعثة أثرية سورية - فرنسية بإدارة إيريك بويدا Eric Boeda وسلطان محيسن وهبة السخل.

يحتوي الموقع على مقاطع طبقية (ستراتغرافية (stratigraphique بارتفاع 20م تعود إلى فترات ما قبل التاريخ، وتعدّ واحدة من أهم المقاطع المنقبة في الشرق الأوسط، وهي تمتد زمنياً من العصر الحجري الحديث إلى العصر الحجري القديم الأدنى، و نادراً ما توجد توضعات طبقية طويلة زمنياً ضمن موقع مكشوف كموقع أم التلال.

مشهد عام لموقع أم التلال خلال أعمال التنقيب

الإطار الزمني الستراتغرافي للموقع:

ساعدت الطبيعة الطبوغرافية للموقع على القيام بأعمال تنقيب على شكل درجات مختلفة الارتفاعات؛ الأمر الذي أدى إلى الكشف عن عدة أمتار تحتوي على طبقات أثرية متعددة الفترات، تعود إلى مراحل مختلفة.

كما أدى الاستيطان في الموقع خلال العصر الروماني ضمن سفوح التل إلى تخريب بعض الطبقات، ولكن هذا التخريب قد ساعد في الوقت نفسه على الوصول إلى الطبقات القديمة المتراكمة تحت العديد من الطبقات الأحدث منها، والتي كان الوصول إليها عن طريق التنقيب سيحتاج إلى العديد من مواسم التنقيب والوقت الطويل.

مخطط للمقطع الستراتغرافي الموجود في موقع أم التلال وأهم التوضعات الطبقية فيه

تؤكد نتائج التنقيب الأثري في موقع أم التلال الاستيطان شبه المستمر من قبل جماعات بشرية حول بحيرة وينابيع مياه، وقد امتد هذا الاستيطان لمدة تزيد على 800 ألف سنة (بحسب ما تم تحديده إلى الآن). هذه الطبقات الأثرية محفوظة بشكل متميز ضمن طبقات تزيد سماكتها الإجمالية على 22م.

يعدّ موقع أم التلال ذا أهمية متميزة من الناحية العلمية لسببين أساسيين:

أولاً- حالة اللقى الأثرية جيدة جداً، ولاسيما ضمن الطبقات القديمة التي يعود تأريخها إلى أكثر من 450 ألف سنة.

ثانياً- العدد الكبير للطبقات الأثرية الموجودة فيه، حيث تبلغ سماكة كل طبقة أثرية ما بين 5 و10سم. فإلى الآن ونتيجة لمواسم التنقيب العديدة في الموقع وإعادة فتح البئر القديمة الموجودة في وسطه؛ تشكل لدينا مقطع طبقي متواصل بارتفاع 22م على الأقل، حيث يمتد من فترات العصر الحجري الحديث إلى الأشولي Acheuléen (العصر الحجري القديم الأدنى) ومن دون انقطاع حضاري واضح إلا في فترات بداية العصر الحجري الحديث.

يمكن تحديد مئة طبقة أثرية في موقع أم التلال تعود إلى الفترات التالية:

> العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار ب Néolithique PPNB.

> الكباري الهندسي Kébarien géométrique.

> الأحمري Ahmarien.

> الأورينياسي Aurignacien.

> الانتقالي Transition.

> اللوڤالوازي - الموستيري Levalloiso-Moustérien.

> اليبرودي الحديث Yabroudien récent.

> حضارة غير معروفة.

> اللوڤالوازي الموستيري ذو النصال Levalloiso-Moustérien laminaire.

> الهملي Hummalien.

> اليبرودي القديم Yabroudien inférieur.

> الأشولي Acheuléen.

واجهت الجماعات البشرية التي استقرت في أم التلال بيئات مختلفة ومتنوعة سوا في النظام النباتي والحيوانات البرية والموارد المعدنية أم في مجالات الحصول على هذه الموارد.

أدت الدراسات الأولية الميكرومورفولوجية micro-morphologiques ودراسات غبار الطلع palynologiques، الموجود في تربة الطبقات المترسبة في الموقع، ودراسة عظام الحيوانات التي عثر عليها في الطبقات الأثرية paléontologiques؛ إلى استنتاج وجود تقلبات مناخية أدت إلى اختلاف في طبيعة موارد الحياة ومدى توافرها.

المقطع الطبقي (الستراتغرافي) في موقع أم التلال

وفقاً للفترات التي عاصرها موقع أم التلال يمكن الاستدلال على البيئة القديمة التي تباينت بين غابات مفتوحة ورطبة forestier ouvert كما في مجموعة الطبقات    (complexe VI2) ومناطق سهوب قاحلة   steppique aride كما في مجموعة الطبقات  (complexe VI3) وسهوب عشبية أو سهوب ذات شجيرات savane arbustive كما في مجموعة الطبقات  (complexe V2) .

نماذج من الطبقات الأثرية المختلفة في أم التلال

أما بالنسبة إلى الحيوانات التي كانت موجودة في الموقع؛ فهي تقسم إلى مجموعتين:

> مجموعة حيوانات السهوب الجافة: الجمال والمها والغزال والحمار والبغل والنعامة.

> مجموعة السهوب ذات الشجيرات: حمار الوحش والثور ووحيد القرن الذي يعيش في السهوب.

خضع الموقع لعدّة أشكال من الاستيطان البشري، لكن هذا التنوع لم يكن يتعلق بالبيئة وتغيراتها كما يمكن أن يُتخيل، بل وجد في أم التلال العديد من الأنواع المختلفة في طرق عيشها بغض النظر عن طبيعة المناخ السائد في تلك الفترة، وذلك يعكس قدرة الإنسان العالية على التكيف في وسطه والبيئة التي من حوله.

ومن أهم الوظائف التي تم تحديدها ضمن الموقع:

> مواقع ذات نشاطات متخصصة: مثل مكان لتقطيع اللحوم، ويُستدل على ذلك من خلال العدد الكبير للعظام الحيوانية ذات الأجزا الغنية باللحوم كعظم الفخذ أو الكتف والتي تم اختيارها في مكان الصيد، ثم أحضرت إلى الموقع. هذه الدراسات النوعية والكمية لعظام الحيوانات إضافة إلى نوع الأدوات الصوانية وأعدادها تساعد على فهم طبيعة الاستيطان في هذه الطبقة على أنه من أجل القيام بنشاط معين والعودة إلى المعسكر الذي يعيشون فيه والموجود بالقرب من الموقع.

نبلة صوانية عليها مادة القار

> مواقع للصيد: وهي على النقيض من السابقة، حيث إن أعداد العظام الحيوانية الفقيرة باللحوم كالرأس والأقدام هي الغالبة في الطبقة الأثرية؛ مما يدل على أنها العظام غير المرغوب فيها لثقلها وقلة الفائدة فيها، وبذلك يتخلى عنها.

> مواقع طرق الصوان وتصنيع الأدوات الحجرية: وقد تم الكشف عنها ضمن الطبقات الأثرية التي يغلب فيها عدد الأدوات الحجرية على اللقى العظمية، كما يلاحظ فيها وجود قطع حجرية ناجمة عن جميع مراحل الطرق من القشرة الكلسية للصخور الصوانية إلى النواة النهائية مروراً بشظايا التحضير والأدوات المرغوب تصنيعها؛ إضافة إلى شظايا تشذيب هذه الأدوات، هذا ويمكن أن يُلاحظ نقص في أعداد الأدوات المشذبة النهائية؛ وذلك يعود إلى انتقا هذه الأدوات وأخذها إلى مواقع النشاطات الأخرى.

> مواقع للنشاطات المتعددة: وهذا ما يسمى بالمعسكر أو بطبقات السكن المركزية، والتي يقوم فيها الإنسان بالعديد من النشاطات التي تتعلق بحياته عموماً والتي فيها لقى أثرية من كل الأنواع بنسب مئوية متساوية تقريباً.

أهم المكتشفات الأثرية في موقع أم التلال:

كان لطبيعة ترسب أتربة الطبقات الأثرية في الموقع والتي كان أغلبها طمياً من بحيرات أو مستنقعات أو ينابيع (المراحل البيئية التي مر بها موقع أم التلال في فترات العصر الحجري القديم) الدور الكبير في العثور على هذه اللقى الأثرية سوا الصوانية أم العظمية، وهي بحالة ممتازة كأنها لم تترك إلا منذ فترة قصيرة. وأدى هذا الأمر إلى العثور على أرضيات سكن حقيقية وكاملة وواضحة على نحو كبير.

عموماً تعدّ الطبقات الأثرية التي تعود إلى فترات العصر الحجري القديم غنية جداً مقارنة بالمواقع الأخرى المماثلة سوا في سورية أم في منطقة الشرق الأدنى عامة. وتختلف أنواع اللقى الأثرية وأعدادها في الموقع بحسب طبيعة الموقع  ووظيفته.

إن العدد الكبير للطبقات الأثرية وحالة الحفظ الجيدة للقطع الأثرية في هذه الطبقات مكَّن من الكشف عن دلائل تقنيات سلوكية مارسها الإنسان في فترات العصر الحجري القديم والتي لم تكن معروفة سابقاً ومن أهمها:

العثور على آثار مادة القار على العديد من الأدوات الصوانية والتي يعود تاريخها إلى 40 ألف سنة و75 ألف سنة، وهي تدل على استخدام هذه المواد كمقابض للأدوات الصوانية أو كمادة لاصقة لتثبيت المقابض.

ويعدّ اكتشاف نبلة صوانية داخل فقرة حمار أقدم دليل على استخدام أسلحة الصيد المركّبة. كما يعدّ العثور على سكين صوانية عالقة داخل عظم حوض لحيوان النعامة، والتي يعود تاريخها لأكثر من 75 ألف عام من أهم دلائل نشاطات تقطيع اللحوم بوساطة أدوات مركّبة.

نبلة صوانية داخل فقرة حمار
سكين صوانية عالقة في عظم حوض نعامة
حجر محزز

وأخيراً يشار إلى وجود حجر محزز بطريقة غير معروفة؛ مما يدل على أن المجتمع كان أكثر تعقيداً مما هو متوقع لتلك الفترات الموغلة في القدم.

 

هبة السخل

 

 

مراجع للاستزادة:

- Heba AL SAKHEL, Le Paléolithique moyen dans la région de Palmyre. État des connaissances et implications à l’échelle du Levant. Thèse de l’Université de Paris X- Nanterre (Paris, 2004).

- E. BOËDA., S. MUHESEN, H. AL SAKHEL, C. GRIGGO, SA. SORIANO et SY. SORIANO SY, - Le site d’Umm el Tlel (Syrie centrale). Orient Express, Notes et Nouvelles d Archéologie Orientale, 2000/2, (2000) pp. 36-38.

- J. CAUVIN, G. ALCADE, E. BOËDA, S. MUHESEN, D. STORDEUR et A. TAHA, Chronique de la campagne 1992 à El Kowm (Syrie). Chronique archéologique en Syrie¨ Volume 1. Ministère de la Culture, Direction générale des Antiquités et des Musées (1992) pp. 16-19

 


التصنيف : عصور ما قبل التاريخ
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 727
الكل : 32246578
اليوم : 91824