logo

logo

logo

logo

logo

الأدوات العظمية والخشبية

ادوات عظميه وخشبيه

Bone and wooden tools - Outils en os et en bois



الأدوات العظمية والخشبية

 

 

ميز الخالق الإنسان بيد قابضة تستطيع صنع الأشيا وابتكارها، فسعى الإنسان الأول إلى تطوير أدوات وجدت في الطبيعة بما يخدم حاجاته، وتابع ابتكاراته مع تطور ونمو حجم دماغه وإمكاناته إلى أن سيطر سيطرة كاملة على الأرض ومقدراتها.

نصلة من الباليوليت من موقع أم التلال عليها آثار القار إذ كانت مثبتة بقبضة من العظم أو الخشب
 
فقرة حمار وحش من الباليوليت الأوسط من موقع أم التلال تحوي رأس حربة حجرية قذفت برمح خشبي
 
مقبض عظمي من الباليوليت الأوسط من موقع أم التلال
 
أدوات نطوفية دقيقة (ميكروليتية) تثبت بمقابض عظمية أو خشبية
 
حربة حجرية محززة لتثبيت المقبض الخشبي من الجرف الأحمر
 
بلطة حجرية من الجرف الأحمر (نيوليت) ذات ساعد عظمي

وقد استفاد من الخشب والعظم بدرجة كبيرة؛ لأنها خامات سهلة التصنيع ويمكن استعمالها بحالتها الطبيعية، حتى إن هناك من يقول بوجود (عصر العظم) سبق العصور الحجرية. ولكن بما أنه لا يوجد دلائل واضحة على هذا الاستخدام وهذا العصر المفترض فلا يمكن الفصل بينه وبين العصر الحجري، إذ لا يمكن في كثير من الحالات الفصل بين الخشب والعظم المصنع من الطبيعية، أضف إلى ذلك أن هاتين المادتين من مواد سريعة العطب غير المقاومة لعوامل الفنا .

فمما صنعه الإنسان المنتصب الذي عاش في الفترة الممتدة بين (1مليون -100 ألف عام) في المشرق العربي القديم مثلاً لم يصل سوى أداة واحدة من موقع اللطامنة قرب حماة العائد للعصر الآشولي الأوسط  Middle Acheulian نحو (400.000 عام)، ولكن وصل أكثر من أداة من مغائر يبرود شمال دمشق (250-150 ألف عام)، إضافة إلى أداة واحدة عثر عليها في مغائر جبال الكرمل.

إن دقة صناعة الفؤوس الآشولية  Acheulian biface في العصر الآشولي الأوسط والأعلى (400.000- 250.000 عام) تؤكد وجود مطارق من الخشب أو عظام الحيوانات لتشذيب الأدوات الصوانية.

قد عرف المشرق قبل ظهور إنسان نياندرتال Neanderthal تنوعاً حضارياً رائعاً، تمثل في إبداعات كثيرة في هذا العصر بين (250 - 150 ألف عام)، وكان من أهم إبداعاته أدوات بحاجة -لتؤدي فعاليتها الكاملة - إلى وجود حد عامل لها من الخشب أو العظم، إنها الحراب وتحديداً (الحراب الهملية) فحربة الصيد لتؤدي دورها في الصيد كان لا بد من قذفها بوساطة ساعد.

واستخدمت في العصر الحجري القديم الأوسط  Middle Palaeolithic أو كما يسمى عصر النياندرتال - الذي غطى الزمن الواقع بين نحو (150.000- 45.000 عام) - العظام والأخشاب بكثافة واضحة دلت عليها الحزوز المعدة على الأداة الحجرية تمهيداً لربطها وقد عثر في موقع أم التلال[ر] في واحة تدمر في سورية على نصلة عليها آثار قار استخدم لتثبيت الحامل الخشبي عليها. كما عثر في نفس الموقع على فقرة حمار وحش بداخلها نبلة قد صوبت لقتل الحيوان غالباً من أداة من حجر وخشب.

وقد استخدم إنسان النياندرتال أيضاً أداة صيد أخرى هي الحبل ذو الأنشوطة لرمي الحجارة، واستخدم أيضاً الرماح الخشبية المقساة بالنار لصيد الحيوانات الكبيرة.

ووصل من العصر الموستيري  Mousterian الكثير من الشواهد من مختلف أنحا العالم تدل على استخدام الأدوات المركبة من الحجر والعظم، أو الحجارة والخشب دلت عليها الحزوز التي أحدثت عمداً لربطها، كما وصلت من هذا العصر الكثير من المقاحف التي استخدمت لصقل الرماح القصيرة والحراب والعصي التي كانت تستخدم لنبش الأرض للحصول على الجذور القابلة للأكل.

وكما عثر في هذا العصر أيضاً في موقع أم التلال على عظمتي حيوان، وقد أحدثت عليهما تحزيزات هدفها تزييني بحت. وقد عرف هذا التزيين للعظام في أنحا مختلفة من العالم وعدّت الباكورة الأولى للفن الذي سيظهر في العصر اللاحق على يد الإنسان العاقل.

وكان لظهور الإنسان العاقل في أوربا إلى جانب حيوان الرنة أثر بالغ في استخدام العظام في هذا العصر الذي بدأ في أوربا نحو (40.000 عام). ويعتقد أن هذا الإنسان قد قدم من الشرق حاملاً ثقافة وإمكانات إبداعية جديدة جعلت منه مبدعاً وفناناً تشابه حاجاته حاجات الإنسان المعاصر، وأتت من هذا العصر أقدم المزامير العظمية، كما عثر على الكثير من الأدوات الحجرية ذات الحزوز، والمكاشط التي يمكن أن تستخدم استخداماً جيداً جيد بمسكة خشبية أو عظمية، ويؤكد  وجود هذه الأدوات الخشبية العثور على الآلاف من رؤوس الحراب ولها حد مائل للمقابض، والحراب الأكثر شيوعاً أحدثت مقابضها بطرفين مائلين، فعندما تنكسر حربة خلال الصيد يبقى طرف الحربة الآخر في المقبض، وهذا يفسر أن يكون عدد نهايات الحراب أكثر من رؤوسها، وهي مجموعة في زوايا كانت مخصصة لإزالة المقابض التي كانت تحضر من قرون الرنة.

وفي أكثر من عشرين رسماً على جدران الكهوف في أوربا أبقار وحشية أو خيول مطعونة بهذه الأسلحة، كما عثر على قبضات عظمية للأسلحة وأدوات صورت عليها أشكال حيوانية أو إنسانية مختلفة.

ويبقى سؤال مهم، هو: كيف استطاع إنسان عصر الرنة قطع شجرة أو نشر غصن ضخم؟! كل أدواتهم الحجرية أخف من أن تقوم بهذا العمل، والإنسان حينها لم يكن يعرف زاوية القطع، أو أي شي يشبه البلطة.

فإذا قاموا فعلاً بقطع الأخشاب الكبيرة فلا زالت الطريقة بحاجة إلى إيضاح، حيث إن تجربة تمت لقطع أخشاب منتقاة وبمساعدة مقحف استخدم كقدوم لم يزد قطر الخشب المقطع على عشرة سنتيمترات.

العظام الأكثر استخداماً كانت من عظام الرنة وقرونها، حيث استخدمت شرائح من هذه القرون مثاقب، وظهرت إلى جانبها وبكثافة أدوات صنعها الإنسان العاقل Homo Sapiens  كالرماح القصيرة المدببة التي كانت تصنع من صفائح مثلثية يكسر طرفها بإحداث ضربة شديدة التحدر لإعطائها خلفية تشبه المدية الحديثة، ثم ظهرت بعدها في العصر البريغوري نصال مسطحة (سكاكين) سميت بالحراب الشاتلبيرونية  Châtelperronien. أما الأدوات العظمية فكانت  قليلة الأنواع واقتصرت على المثاقب والحراب القصيرة المسطحة أو المستديرة التي ستطول تدريجياً في العهد المجدلي لتتجاوز أحياناً ثلاثين سنتمتراً ذات تزيينات كثيرة.

وتلا ذلك الثقافة الأورينياسية  Aurignacian التي تؤرخ بـ (10.000 ق.م) والتي يعتقد بقدومها من الشرق حاملة معها حراباً عظمية صغيرة مسطحة ذات شكل معين تقريباً.

إن النصال الغارية الرقيقة جداً التي أبدعها السولتريون  Solutrean لا تحتمل أن تكون أداة لنهاية رمح يمسك باليد، ولم تكن لتقاوم الالتوا الذي يحدثه سلاح كهذا، كما أنها لا يمكن أن تبلغ هدفها إلا إذا كانت لها سرعة كبيرة كالتي يحدثها رمح قصير أو سهم، صحيح أنه لم يعثر على سلاح خشبي أو عظمي من هذا النوع ولكن وجوده مما سلف يبدو مؤكداً.

أمّا السلاح الخشبي في العصر المجدلي فهو (المسير)، وهو قطعة خشبية مسطحة أو مدورة تنتهي بنتو توضع عليه قاعدة الرمح القصير، وبحركة سريعة للساعد والمعصم يصبح للرمح حركة سريعة تعادل سرعة رمي السهم بالقوس، وما زال هذا السلاح مستخدماً حتى الآن في عدة مناطق في العالم ولاسيما البدائية كالأسكيمو.

 ومن الأدوات العظمية المجدلية المشهورة أيضاً عصا القيادة، وهي قرون الرنة مثقوبة بقطر يساوي حجم الإبهام ويرجح استخدامها لتطويع الرماح القصيرة بالحرارة لجعلها مستقيمة، وبذلك يشكل القضيب ذو الثقب رافعة لتجليس الرماح.

وظهرت في هذا العصر أيضاً الخطاطيف ذات الصف أو الصفين من الأسنان، ويرجح بأنها استخدمت لصيد الأسماك الكبيرة.

ويعدّ العصر المجدلي آخر عصر من عصور الازدهار الحضاري لإنسان ما قبل التاريخ في أوربا حيث عاد بعده الثقل الحضاري مرة أخرى إلى الشرق القديم، ليستخدم الإنسان الأخشاب والعظام بكثافة سوا في صنع أدواته أم في مأواه.

فاستعمل الكباريون  Kebarian الذين عاشوا في نحو الألف الحادي عشر قبل الميلاد - وسموا كذلك نسبة لمغارة كبارا في فلسطين - أدوات حجرية دقيقة سميت بالميكروليتية  microlithic كان لها أشكال هندسية، وهذه الأدوات الصغيرة كان لابد من وجود مقابض لها من العظم أو الخشب وشكل الصوان فيها الحد القاطع.وتطوّر في هذا العصر فن الصيد البري والبحري تطوراً كبيراً. ونشأت مع ازدياد أعداد الناس في الشرق القديم القرى النصف مستقرة وبنيت البيوت الدائرية أو البيضوية من الطين والحجارة، أما الأسقف فكانت من الأغصان والجلود. وكثر في هذا العصر استخدام العظام فظهرت للأدوات العظمية وظائف جديدة ودقيقة كالمخارز والإبر والمسلات. وشمل هذا التطور جميع مناطق الشرق القديم كسورية والأردن وفلسطين والعراق وكذلك صحرا سينا .

وانتشر فيما بعد النطوفيون وهم سكان القرى المستقرة الحقيقيون في الألف العاشر في كل مناطق المشرق العربي، ومن أهم أدواتهم المناجل التي استخدموها في جمع الحبوب وكانت أدوات مركبة من ساعد خشبي أو عظمي والعديد من القطع الصوانية الصغيرة التي شكلت أسنان المنجل، وفي حال كسر إحداها كان من السهل تبديل أخرى  بها ليبقى المنجل حاداً وفعالاً بالقدر المطلوب، وظهرت في هذا العصر أداة صوانية خاصة لقطع الأخشاب عثر على أقدمها في موقع المريبط السوري[ر] على الفرات هي (قدوم المريبط).

وسكن إنسان هذا العصر بيوتاً جعل في دعائمها الداخلية وجدرانها الأعمدة الخشبية، وفي موقع الجرف الأحمر السوري الأحدث على الفرات الأوسط الذي يرجع للألف التاسع وضعت في الجدران أعمدة خشبية طويلة بينها لفائف خشبية مائلة لتزيد من قوة الجدران دعمت بالطين. كما دخلت الأخشاب والطين في إنشا الأسقف وتدعيمها.

وفي العصر الحجري الحديث الذي شكل الألف التاسع بداياته كان للأخشاب والعظام دور مهم في حياة الناس خصوصاً عندما عرفوا الزراعة والتدجين، فمنها جعل ملاعقه ومخارزه وإبره وخواتمه وأمشاطه واستخدمها مقابض لأدواته الصوانية المختلفة ولدينا في سورية آلاف الشواهد منها.

إذاً يمكن القول إن العظم والخشب لم يكونا يوماً مادتين مهمشتين في حياة الإنسان وإن كان الوصول إليهما صعباً لعدم مقاومتهما لعوامل التلف المتعددة، لذلك استنتج وجودهما مما يدل عليهما، وفي العصور القريبة حفظت المواقع الأثرية المختلفة الكثير منها.

 

يسرى كجك

 

 

مراجع للاستزادة:

 راندال نيكولاس، إضا ات على المتحف الوطني بدمشق (منشورات ميديا مايندز ال ال سي، 2009).

 -  لورو اكوران، الكهوف مسرح الحياة الأول، ترجمة: يسرى الكجك (دار شمأل، 1995).

 -  سلطان محيسن، المزارعون الأوائل، (دار الأبجدية، 1994).

 


التصنيف : عصور ما قبل التاريخ
النوع : أثاث وأدوات
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 282
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 560
الكل : 29608488
اليوم : 63404