logo

logo

logo

logo

logo

الأساس في العصر الإسلامي

اساس في عصر اسلامي

Foundations in the Islamic Era - Fondations à l'Ere Islamique



الأساس في العصر الإسلامي

 

 

الأساسات هي القاعدة السفلى لمنشأة هندسية أو بنا ، مهمتها نقل الحمولات إلى التربة، وضمان ارتكاز ه على الأرض ارتكازاً ثابتاً. وتكون الأساسات في العادة مدفونة في الأرض على عمق مناسب للـتأسيس يتم اختيار ه تبعاً لنوع المنشأة وأسلوب التصميم وقدرة تحمل التربة .

عند تصميم وانتقا نوع الأساس يجب أن تتوافر في تربة التأسيس الشروط الأربعة التالية: المتانة (كي لا تحدث هبوطات تفاضلبة بتأثير حمولات المنشأة المنقولة إليها بالاساسات)، والتوازن (كي لا تحدث فيها انزلاقات نتيجة انزياح الكتل الترابية فيها أو انهيارها عندما لا تكون مستقرة)، والثبات (كي لا تحدث فيها انجرافات أو فجوات داخلية بتأثير حت المياه فيها)، والاستقرار (لئلا تحدث فيها تغيرات أو تشوهات كبيرة في حجمها بتأثير الرطوبة والنظام الحراري المائي فيها).

اهتم البنّا المسلم بدراسة وتصميم الأساسات نظراً لأهميتها في ثبات البنا وتوازنه وديمومته. وقد استخدمت أساليب وطرق متنوعة لبنا أساسات قوية للمباني في العمارة الإسلامية، واختلفت هذه الأساليب والطرق باختلاف طبيعة الأرض ونوعية التربة في بلد عن الآخر، كما أن اختلافها في بعض الأحيان كان انعكاساً مباشراً لارتفاع المباني وحساب ثقلها الميت ممثلاً في ثقل بنا الجدران ذاتها وما يعلوها من السقوف والتغطية ومثلها في باطن الأرض. ففي الأرض الطينية الرخوة ومع الرغبة في الارتفاع بالمباني ارتفاعاً شاهقاً كان الاتجاه إلى حفر أساسات عميقة تعادل أحيانًا ارتفاعات المباني فوق سطح الأرض. ولعل في بعض مباني القاهرة المملوكية التي بنيت على أرض طينية خير مثال على ذلك، فقد ذكر المقريزي: "أن قصر "بشتاك" كان يرتفع في الهوا أربعين ذراعاً ومثلها في باطن الأرض". (يقدر الذراع وسطياً بـ 75.6 سم).

نموذج أساس حجري مستمر

كما لجأ المعمار المسلم إلى وضع أساس مبانيه بشكل متدرج كلما ارتفع بناؤها، وهذا ما يقلل من سماكات أساسات الجدران، وهذه الطريقة تسمى في المصطلح المعماري (تلبيشة) كما تسمى عملية التدرج بالقص.

وقد أحسنَ المعمار المسلم وضع أساسات مبانيه على الأرض الصخرية مباشرة، وفي المناطق الأخرى التي تكون فيها المستويات الصخرية على مسافات عميقة جداً أو ينعدم فيها وجود هذه المستويات الصخرية فقد لجأ المعمار إلى حفر أساسات عميقة، ووصل بعمق هذه الأساسات إلى المستوى الذي رآه متناسباً مع الارتفاع الذي حدده لمبانيه فوق سطح الأرض كما ذكر سابقاً.

ويؤكد الباحثون أن الطرق المميزة في إنشا أساسات بعض المباني التي تتسع مساحاتها وترتكز سقوفها على الأعمدة أو الدعامات - كالمساجد الجامعة - تشمل تلك الطريقة التي أشار إليها الأزرقي عندما تحدث عن عمارة الخليفة المهدي للمسجد الحرام، وهي بنا أساسات أفقية وعمودية تتقاطع في نقاط ارتكاز الأعمدة أو الدعامات- وبهيئة "الميدات" نفسها  المستخدمة في العصر الحالي للمباني الخرسانية - وتعدّ نقاط التقاطع أساساً متيناً ترتكز عليه الأعمدة، وتساعد الأساسات الممتدة أفقيًا وعموديًا على توزيع الثقل الذي تحمله الأعمدة والدعامات على الأرض. كما أن هذا الارتباط الشبكي لهذه الأساسات يساعد على التغلب على أي تخلخل يحدث بالتربة في أي موضع من أرض المساحة المقام عليها المبنى فلا يحدث هبوط مفاجئ.

ومن الطرق الأخرى في وضع أساسات الدور وبنائها وفي المناطق التي تحوي المياه الجوفية أو بالقرب من مصادر المياه؛ أن يحفر الأساس حتى تظهر النداوة وخرير الما فحينئذ يوضع ملبن الجميز، أو نحوه على تلك الأرضية الندية بعدما تمهد، ويكون عرضه نحو ثلثي ذراع وقطر حلقته نحو ذراعين مثل الذي يجعل في قعر الآبار ثم يبنى عليه بالطوب نحو قامتين (نحو 3.70 متر) فتصير بمنزل التنور فيأتي الغواصون وينزلون في هذه البئر ويحصرونها وكلما نبع الما نزحوه من الطين والرمل، ويحفرون أيضًا تحت ذلك الملبن فكلما تخلخل ما تحته وثقل لما عليه من البنا نزل، وكلما غاصوا فيه حفروا تحته، والبنّا في أثنا ذلك يبني عليه ويرفعه، ولا يزال البنّا يدفع الفاعل تحته ويحفر، وهو بثقله يغوص حتى يستقر على أرض صلدة ويصل إلى الحد الذي يعرفونه، فحينئذ ينتقلون على عمق آخر مثله على سمته ولا يزالون يعملون ذلك في طول الأساس المفروضة، ثم يبنون الأساس كالعادة بعد ردم هذه الآبار، فترجع أوتادًا وعمداً تدعمه وتوثقه.

نموذج أساس حجر

وهذه الطريقة تحلّ مشكلة المياه الجوفية ونسبتها المرتفعة في التربة عند بنا الأساسات بسبب التسرب، وتساعد على عمل قواعد متينة متقاربة تستقر عليها الأساسات السطحية وترتفع فوقها الأعمدة والدعامات كعناصر حاملة. وتشبه هذه الطريقة ما يستخدم حديثًا ويطلق عليه "دق الخوازيق" للتغلب على ضعف التربة وتفككها عند تحميل أثقال كبيرة بسبب الارتفاع الشاهق. إن مبدأ هذا النوع من الأساسات يعتمد على نقل الحمولات والقوى عبر الأوتاد إلى الأرض المناسبة للتأسيس بوساطة الاحتكاك لسطوحها الجانبية ورأسها السفلي.

وفي إطار إنشا الأساسات القوية المقاومة للما كان الاتجاه نحو استخدام مواد إنشائية ذات ديمومة، فقد استخدم الرصاص أحيانًا في إنشا بعض أساسات المباني المائية، ومن الأمثلة التي تشير إلى ذلك ما ذكره ابن تغري بردي من أن الأمير بكتوت بنى جسراً أقام فيه ثلاثة أشهر حتى بناه رصيفًا وأحدث عليه ثلاثين قنطرة بناها بالحجارة والكلس وعمل أساسه رصاصاً، كما استعمل الرصاص المذاب والكلاليب الحديدية لربط الكتل الحجرية المؤلفة لأساسات العناصر الحاملة في المعالم الأثرية ولوحظ ذلك خلال أعمال حفر الأساسات في مئذنة الجامع الأموي الكبير بحلب فقد شوهدت مواد رصاصية عند القيام بحفريات الأساسات.

وكذلك كان البنا مع وجود الما من المشكلات التي تغلب عليها المسلمون، وبرعوا في حلها لإنشا أرصفة الموانئ على أساسات قوية مقاومة، ويعدّ إنشا مينا عكا بأمر أحمد بن طولون وبالهيئة نفسها التي كان عليها مينا صور خير مثال على ذلك، وقد طلب أبو بكر البنا لإنجاز هذا العمل الإنشائي حيث كان أعرف الناس بطريقة البنا في الما وعندما سألوه ذلك قال: "هذا أمر هين علي بفلق الجميز الغليظ"، فوضعها على وجه الما بقدر الحصن البري وخيط بعضها ببعض وجعل لها بابًا من الغرب عظيماً ثم بنى عليها بالحجارة والشيد، وجعل كلما بنى خمس دوامس (مداميك) ربطها بأعمدة غلاظ ليشتد البنا ، وجعلت الفلق كلما ثقلت نزلت حتى إذا علم أنها جاست على الرمل، تركها حولاً كاملاً حتى إذا أخذت قرارها ثم عاد فبنى من حيث ترك، فلما بلغ البنا إلى الحائط القديم داخله فيه وخيطه به.

وعملية ترك البنا مدة حتى يستقر في مكانه ومعاودة البنا عليه كانت من الأساليب التي اتبعت في إنشا المنشآت ذات الأساسات العميقة التي تصل إلى منسوب المياه الجوفية أحياناً لبنا عناصر معمارية فوقها بلغت من الارتفاع الشاهق ما حتم بنا مثل هذه الأساسات العميقة وكان الحرص شديدًا على ثبات قرارها. فعند بنا قبة الجامع الأموي بدمشق للمرة الأولى سقطت فشق ذلك على الوليد، فأتاه رجل من البنائين فقال له: "أنا أتولى بنيانها على أن تعطيني عهد الله ألا يدخل معي أحد في بنيانها، ففعل ذلك، فحفر موضع الأركان حتى بلغ الما ، ثم بناها فلما استقلت على وجه الأرض غطاها بالحصر وهرب عن الوليد، فأقام لطلبه ولم يقدر عليه، فلما كان بعد سنة لم يعلم الوليد إلا وهو على بابه، فقال له: ما دعاك إلى ما صنعت، قال: تخرج معي حتى أريك، فخرج معه الوليد والناس معه حتى كشف الحصر فوجد البنيان قد انحط حتى صار مع وجه الأرض، فقال: من هذا، ثم بناها ببنائها الذي هي عليه".

وقد استخدم المعمار المسلم احتياطاته الإنشائية كافة لتدعيم أساسات منشآته ولاسيما تلك التي يجاورها الما أو ربما تتعرض له ويمكن له التأثير فيها، ولا أدل على ذلك من إنشا مسقاة لأسوار بغداد الخارجية في جانب الخندق من الآجر، وكان من بين أهداف إنشائها حماية الأسوار من خطر الما في حالة ملئ الخندق به عند تعرض المدينة للخطر.

جرت العادة عند هدم المباني وإعادة بنائها أن يعاد البنا أحيانًا على الأساسات القديمة أو يترك بعضها من دون استخدامها كأساسات للمبنى الجديد لعدم توافقها مع مواضع جدران التخطيط الجديد، وغالبًا ما تركت هذه الأساسات لدعم ما جاورها من أساسات جديدة للبنا المستحدث ولا يتم نقضها للاستفادة من مواد بنائها من جديد لتحقيق هذا الغرض.

كما أن هناك من أساسات المباني ما كانت تدعمه أساسات الدعامات الساندة التي تبنى مع بنا أساسات الجدران، وتقوم هذه الأساسات بدعم أساسات الجدران من جهة، وتكون في الوقت ذاته أساساً متيناً لما يعلوها من بنا الدعامات الساندة. وغالبًا ما كانت أساسات هذه الدعامات أكبر بكثير من قياسات الدعامات الساندة فوق سطح الأرض، ولعل ما كشف في جامع الكوفة ودار إمارتها من أساسات لهذه الدعامات الساندة مثال واضح لذلك، ويظهر في بعض المباني التقليدية في بعض المدن الإسلامية بنا مصاطب ممتدة بحذا الجدران الخارجية للمباني المطلة على الطرقات، وهذه المصاطب كانت تستغل للجلوس، كما أنها كانت أيضًا تؤدي وظيفة إنشائية تتمثل في حماية ودعم أساسات الجدران والأجزا السفلى منها سوا من ما المطر أو من أي آثار أخرى تنتج من الاحتكاك أو الاصطدام بهذه الحوائط الخارجية للمباني.

نموذج أساس بيتون منموس

وتتعرض الأساسات إلى أخطار عديدة في المباني التاريخية ولعل أهمها الارتفاع الشعري للما والذي ينشأ بسبب:

 -1 التذبذبات الموسمية للمياه الجوفية (مخزون المياه).

 - 2احتباس الما في المكونات بجوار الأساسات أو الجدران.

 -3 مشاكل الصرف الصحي وخاصة بغياب نظام للصرف الصحي وتجمع المياه عند قاعدة الجدران.

إن تعرض أساسات الجدران وقواعدها لفترة طويلة من الرطوبة يمكن أن تضعف قاعدة الجدران المبنية، وخاصة عندما تفقد هذه الجدران تماسكها، وتتحول من حالة الصلابة إلى حالة اللدانة، عندئذ تكون قاعدة الجدران غير قادرة على تحمل الأوزان، وتكون مهددة بالانهيار، كما أن الرطوبة تساعد على تسرب الأملاح التي تهاجم البنية الإنشائية.

ومما سبق يتضح أن المعمار في العصر الإسلامي عرف نوعيات الأساسات المختلفة سوا الأساسات السطحية  Surface foundations أم الأساسات العميقة Deep foundations، كما كان على إدراك بنوعية التربة ومدى تحملها للإنشا ات المختلفة، وعالج نواحي القصور في التربة الضعيفة بمعالجات إنشائية مختلفة كالأساسات العميقة والأساسات المبنية بأسلوب "التلبيشة" والأساسات الشبكية المكونة من ميدات أفقية متقاطعة.

 

 موفق دغمان

 

 

التصنيف : آثار إسلامية
النوع : عناصر معمارية
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 383
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 471
الكل : 31646395
اليوم : 977