logo

logo

logo

logo

logo

أبو الفداء (جامع-)

ابو فداء (جامع)

Abû 'l Fidâ' (Mosque-) - Abou 'l Fidâ' (Mosquée-)



أبو الفدا (جامع (

 

 

يعدّ جامع أبي الفدا من أبرز جوامع مدينة حماة، فهو نموذج رائع عن العمارة الأيوبية بطريقة بنائه وأسلوب زخارفه وطراز واجهاته فضلاً عن كتاباته التي تزين مختلف أقسامه، ولكن الأهم من ذلك هو احتواؤه على مرقد ملك حماة ومؤرخها وعالمها المشهور أبي الفدا ، الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل.

يقع جامع أبي الفدا في محلة باب الجسر على الضفة اليمنى لنهر العاصي إلى الشمال من قلعة حماة، وقد أقام أبو الفدا إلى جانب الجامع قصراً وبستاناً كبيراً يعرف ببستان الدهشة، وكانت جميعها تروى بالما من ناعورة تعرف بالاسم ذاته، وهي مازالت قائمة إلى الغرب من الجامع حتى اليوم، ولهذا السبب يطلق على الجامع أحياناً اسم "جامع الدهشة" لجمال بنائه وروعة موقعه اللذين يدهشان الناظر.

جامع عام اجز من مدينة حماة ويظهر فيه موقع جامع أبي الفدا بالقرب من قلعة حماة وعلى ضفة نهر العاصي
صورة قديمة تظهر جامع أبي الفدا في حماة

بدأ أبو الفدا ببنا الجامع سنة 727هـ/1327م؛ بحسب نص ورد على إحدى دعائم حرم الجامع ضمن شريط رخامي يتضمن كتابة محفورة بخط نسخي جميل، وأحرف متوسطة حيث جا فيه: "أمر بعمارة هذا الجامع المبارك السلطان الملك المؤيد عماد الدنيا والدين إسماعيل بن الملك الأفضل نور الدين ابن الملك المظفر تقي الدين محمود ابن الملك المنصور ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب في شهور سنة سبع وعشرين وسبع مئة". وقد تم البنا على أرض كانت تضم تربة جده الملك المظفر الأول تقي الدين عمر مؤسس المملكة الأيوبية في حماة والمتوفى سنة 587هـ/1191م وعلى شكل طابق ثانٍ يعلو التربة.

تشير الدراسات التاريخية إلى أن هذا الجامع كان متسعاً جداً، وقد هدم قسم منه من جهة الغرب، فذهب نصفه، وتعدى عليه الجوار، فأخذوا من أرضه الشرقية ربعه؛ علماً أن سجلات المحاكم الشرعية بحماة تذهب إلى وجود أوقاف عدة لهذا الجامع تتألف من مجموعة أراضٍ ودور وحوانيت كثيرة. كما كان هذا الجامع يحتوي على مكتبة ضخمة تضم عدداً كبيراً من الكتب؛ إذ احتوت سبعة آلاف مجلد، لكنها ذهبت جميعها فيما ذهب من الجامع.

مخطط أفقي لجامع أبي الفدا في حماة

شكل البنا مستطيل (باتجاه شمال جنوب) وهو مبني بالحجر البازلتي والكلسي، ذو واجهات خارجية مبنية بمداميك ذات تشكيلات هندسية مميزة، وكان له أربعة مداخل لم يبقَ منها إلا اثنان: باب في الجهة الشمالية، وهو أحد الأبواب الأصلية للجامع الذي يتم الدخول عبره للجامع بعد نزول عدة درجات حجرية عريضة، وباب آخر مستحدث في الجهة الشرقية، وهناك أثر لباب مسدود في الجهة الشرقية كان يستخدم لدخول النسا للجامع.

مقطع منظوري في الجامع يظهر الواجهات الخارجية والحرم والصحن والتربة

يتوسط الجامع باحة (صحن) متسعة محاطة برواق من ثلاث جهات، وهو محمول على أعمدة دائرية، وبداخل الباحة وعلى يمين المدخل الشمالي يقع ضريح الملك أبي الفدا ، وهو غرفة متوسطة الحجم مبنية من الحجر الكلسي تغطيها قبة لها رقبة مضلعة تتخللها النوافذ، والقبة مبنية من الآجر، وهي مفصصة تتألف من أربع وعشرين ضلعاً على النمط الأيوبي المنتشر في دمشق وحلب وحماة، وفي وسط حجرة الضريح تركيبة رخامية عليها غطا خشبي مزين بزخارف هندسية، وقد نقش على محيط التركيبة نص آية الكرسي مع البسملة؛ فضلاً عن ثلاثة أسطر عند الرأس مكتوبة بالخط النسخي، كتب فيها ما يلي: "هذا ضريح العبد الفقير إلى رحمة ربه الكريم إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر شاهنشاه بن أيوب [عمرا] في شهور سنة سبع وعشرين وسبع مائة" علماً أن أبا الفدا قد تُوفِّي سنة 732هـ، أي إن تاريخ القبر سابق لتاريخ وفاة صاحبه، وفي هذا غرابة واضحة.

صورة للحرم من الداخل صورة لتربة الملك أبي الفدا

وتلتصق بالقبة من الغرب مئذنة ذات قاعدة مربعة الشكل مبنية من الحجر الكلسي الأبيض المتناوب مع الحجر البازلتي الأسود بشكل غير منتظم، وهو الطراز المميز لمدينة حماة. ولا يزال الضريح مع المئذنة في حالة جيدة، فقد رمما سابقاً. وهذه المئذنة الموجودة حالياً بناها رجل من أهالي حماة متوسط الحال، اسمه الحاج محمد بن خليل العمري، وكان يدعي النسب إلى السلطان بدر الدين حسن أخي الملك أبي الفدا ، وقد تم البنا في مكان المئذنة القديمة المندثرة، وهناك كتابة تعلو مدخل المئذنة تؤكد ذلك.

صورة تظهر جز اً من واجهة الحرم الجنوبية من الداخل

أما حرم الجامع فهو مستطيل متطاول (باتجاه شرق غرب) يتم الدخول إليه عبر مدخل مزدوج بأربعة أبواب يعلوه قوسان مدببتان مبنيتان بحجارة متناوبة ومحمولتان على دعامات رخامية، وتعلو سقف الحرم بالوسط قبة كبيرة، وعلى الجانبين سقف من العقود، وتزين واجهة الحرم مع المحراب زخارف من الفسيفسا المصدّفة مشكلة زخارف هندسية رائعة، إضافة إلى زخارف من الرخام الملون والمشكل بطريقة التشقيف، ويحيط بالدعائم التي تحمل السقف المعقود، وتتوضع في وسط الحرم وعلى واجهته الجنوبية شريط كتابي بخط النسخ من الرخام المطلي بالذهب يشمل آيات قرآنية مع ذكر تاريخ البنا ومن قام به. ويشتهر الجامع بفتحتين متسعتين تطلان على نهر العاصي، وتتوسط كل فتحة نافذتان بينهما دعامة رخامية بيضا مزدوجة، تتشابك في زواياها الأربع ثماني أفاعٍ تشكل بالتفافها تضفيراً نباتياً جميلاً، ولهذا السبب يطلق العامة على جامع أبي الفدا اسم "جامع الحيات".

صورة عامة للجامع

تتسم واجهات الجامع بالبنا المختلط بالحجارة الكلسية البيضا إضافة إلى الحجارة البازلتية السودا مع تخلل الواجهات لمداميك متناوبة (أبيض- أسود) مع التزيين بأشكال من المعينات والخطوط المتكسرة المنتظمة مع أشكال المداميك المجدولة، ومن خلال واجهة الجامع الجنوبية المطلة على نهر العاصي يمكن تمييز فترتي بنا : الأولى مبنية من الحجر الكلسي الكبير الحجم على النمط السائد في الفترة الأيوبية المبكرة، قد تكون من بقايا التربة المظفرية، والثانية تعلوها مداميك من الحجر الكلسي والبازلتي.

تهدم القسم الغربي من الجامع بالكامل، وأعيد بناؤه حديثاً، ثم تمت إعادة إكسا واجهته بالشكل نفسه الذي كانت عليه، وقد قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف عام 2001 بترميم الجامع وإعادته لما كان عليه من خلال مشروع مشترك مع مديرية أوقاف حماة. ولكن يبقى الترميم الذي جرى في عام 1925م على مرقد أبي الفدا من أهم أعمال الترميم التي تمت في الجامع، فعلى إثرها صارت حماة تدعى بمدينة أبي الفدا .

وما زال جامع أبي الفدا يحتفظ بالكثير من المعالم الأصلية من الفترة التي تم بناؤه فيها رغم التعديات الكثيرة والترميمات العديدة التي لحقت به.

 

مجد حجازي

 

 

مراجع للاستزادة:

 - أحمد وصفي زكريا، جولة أثرية في بعض البلدان الشامية (دار الفكر، دمشق 1934).

 -  أحمد غسان سبانو، مملكة حماة الأيوبية (دار قتيبة، دمشق 1984).

 


التصنيف : آثار إسلامية
النوع : مباني
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 125
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 595
الكل : 31777959
اليوم : 53420