logo

logo

logo

logo

logo

الأثاث في العصر الإسلامي

اثاث في عصر اسلامي

Furniture in the Islamic Era - Meubles à l'Ere Islamique

الأثاث في العصر الإسلامي

 عفيف البهنسي

 

الأثاث هو مجموعة الوسائل التي تفيد الإنسان في مسكنه أو عمله لتوفير راحته وتحقيق الوظيفة والجمال. ويتوسع تاريخ الحضارة بالحديث عن الأثاث بوصفه علامة مهمة من علامات التقدم الفني والاجتماعي في عصر من العصور، وتشهد متاحف العالم وكتب تاريخ الفن والعمارة على تطور الأثاث منذ بداية التاريخ لتدل على تطور فن العمارة الداخلية، وعلاقته بأساليب العمارة الخارجية وبالفن التشكيلي.

مجمرة السلطان الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر النحاس الأصفر المرصع بالفضة ( مصر - منتصف القرن التاسع عشر)
باب منبر من قطعتين مصنوع من خشب الأبنوس مرصع بالعاج
 القاهرة -( نحو 1325 - 1330 م)
كرسي مصحف  من خشب الجوز مرصع (دمشق - القرن التاسع عشر)
صندوق للقرآن الكريم من مصر يعود تاريخه إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر

مازال هم الإنسان من الأثاث تحقيق وظيفة محددة تتمم الوظيفة السكنية في فن العمارة، ولكن الحياة الاجتماعية المتطورة للإنسان المتمدن أو الحياة الباذخة كانت تدفع إلى إضفا الجمال والزينة على الوظيفة في صناعة الأثاث، كما تدفع فن العمارة نحو الإبداع والطرافة.

وفي العصر الحديث ازداد الاهتمام بفن الزخرفة الداخلية (الديكور) بوصفه رديفاً لفن الأثاث، وهو فن تزيين الفراغات الداخلية في العمارة باستخدام أفضل الوسائل المتممة للأثاث، ومنسجمة معه بالطراز والوظيفة؛ مما يتلا م مع حاجات الإنسان وراحته وذائقته.

وفي الحضارة العربية اختلف مستوى الأثاث كلفة وأناقة بحسب طبقات المجتمع، فما زال محدوداً في مضارب البدو حيث لا تحوي الخيمة أكثر من مجموعة من الوسائد والبسط والحواجز المزينة أو المقصبة، إضافة إلى قطع الأثاث الخفيفة السهلة النقل والقابلة للطي في صناديق الثياب. ويمكن أن يعد الهودج والمحمل والمحفة من أنواع الأثاث المستعمل في التنقل.

ولم يتطور الأثاث كثيراً في مناطق الحضر الشعبية، وكان الجلوس وتناول الطعام يتم عادة على الأرض المفروشة بالطنافس والزرابي الفاخرة والحشِيَّات المطرزة، أو على مقاعد طويلة وأرائك مغطاة بالسجاد، وكان النوم على أسِرَّة منخفضة تغطيها الحشيات والستر، وكانت الأغطية والفرش تكدس في زوايا الغرف أو في خزائن وصناديق، وفي الدخلات الجدارية في الغرف والقاعات. ويحتفظ متحف ميتروبوليتان في نيويورك بأثاث وزخارف قاعة دمشقية من القرن التاسع عشر ومثلها في متحف محمد علي في القاهرة، ويحتفظ متحف الدولة في برلين بأثاث قاعة حلبية.

ويتجلى الأثاث متطوراً وباذخاً في المدن. وتشهد البيوت القديمة في القاهرة ودمشق وحلب على النماذج الأصلية للأثاث المنزلي.

يختلف نوع الأثاث باختلاف وظيفة العمارة سوا كانت وظيفة خاصة أم عامة؛ إذ يبدو الأثاث في العمارة السكنية الخاصة قطعاً تتمثل بالطاولات والأَسرّة والكراسي وخزائن جميلة تجعلها تؤدي دور قطع الأثاث المنزلي، وغير ذلك من القطع التي تيسر سبل الراحة في المنازل، وتتناسب مع استعمالات غرف الاستقبال والمعيشة والحياة اليومية والخدمات.

وفي المباني العامة فإن أكثر قطع الأثاث انتشاراً وأهمية في العالم الإسلامي هي قطع أثاث المساجد كالمنبر والمحراب والرحل (كرسي المصحف) وكرسي الإمام، مما يُشاهد اليوم موزعاً في المساجد القديمة وفي المتاحف؛ ولا سيما متحف الآثار الإسلامية في الكويت ومتحف الفن الإسلامي في القاهرة.

ويختلف طراز الأثاث بحسب الوظائف المعمارية الثقافية والتعليمية والفنية والدينية.

وأقدم طرز الأثاث الإسلامي هو الطراز الأموي المتأثر بالأساليب الفنية التي سادت بلاد الشام قبل الفتح، ولم يبقَ من أثاث ذلك العصر إلا ما تذكره المصادر عَرَضاً. ويتحدث المؤرخون عن أثاث بيت معاوية بن أبي سفيان في دمشق دونما تفصيل في أسلوبه.

ويأتي بعد ذلك الطراز العباسي في بغداد وسامرا ، وتبدو فيه المؤثرات الفارسية إلى جانب المؤثرات الموروثة عن حضارات بلاد الرافدين القديمة. وبلغ الطراز الأموي في الأندلس ذروته في القرن الخامس للهجرة حتى يمكن عده طرازاً أموياً غربياً، وقد طور هذا الطراز فعرف بالطراز الأندلسي المغربي، وتُرى نماذجه في متحف غرناطة. وينتسب فن الأثاث والزخرفة الداخلية في المغرب إلى الطراز الأندلسي المغربي الذي انتشر في مراكش وفاس والجزائر، ومازال ماثلاً في المدارس والمساجد التي تعود إلى عهد المرينيين والسعديين والأدارسة، وكانت زخارف الأثاث ممثلة بالأزاهير والسنابل والسعف، وإذا تأثر الأثاث التونسي بالطراز الفاطمي والعثماني؛ فإن الأثاث المغربي بقي مستقلاً متميزاً بأسلوبه الذي بدا متكاملاً في جامع الحسن الثاني في الدار البيضا .

أما في مصر وبلاد الشام وتونس فقد سادت طرز فنية في العمارة وفي صناعة الأثاث مميزة من غيرها، ومنها الطراز الفاطمي الذي ازدهر في مصر والشام وامتد تأثيره إلى صقلية وجنوبي إيطاليا، ثم الطراز الأيوبي في مصر والشام وهو مرحلة انتقالية من الطراز الفاطمي إلى الطراز المملوكي الذي استمر من القرن الثالث عشر حتى القرن السادس عشر الميلادي. وتطور الأثاث منذ العصر المملوكي، وكانت دمشق مركز تطوير هذه الصناعة التي حملت اسم "دمشق" Damascening. وفي متحف الفن الإسلامي في القاهرة روائع من الأثاث الفاطمي والمملوكي؛ إذ يمكن عدّ كراسي العشا المنسوبة إلى السلطان محمد بن قلاوون من أهم مقتنياته في هذا المجال.

أما الطراز العثماني الذي ظهر في تركيا، وشاع في أرجا السلطنة العثمانية فهو طراز إسلامي مطور عن الطرز السابقة، وتُرى شواهده في قصور طوب قابي سراي ودلمه بهجة في إصطنبول.

ومنذ القرن الثامن عشر صار مصممو الأثاث يعتمدون على الأساليب التقليدية أو الاتباعية التي تمثلت بالطرز الأوربية، أو الحديثة التي انتشرت في الغرب ودخلت في مفهوم الفن الإبداعي كما في مدرسة الباوهاوس في ألمانيا؛ مع إضافة مسحة محلية، من دون أن يغفل الدور المهم لمبتكرات المهندسين المصممين أنفسهم.

ومنذ القرن الثامن عشر ابتدأت البيوت الكبرى باقتنا أثاث جديد متنقل من الخشب المزخرف بالصدف المنزّل؛ أطلق عليه اسم "المصدَّف". وطريقته أن يحفر الخشب بحسب مخطط مرسوم، ثم تنزّل في تلك الأقسام المحفورة قطع من الصدف المسطح والمقطع بمقاييس محددة مناسبة تماماً لمقاييس هذه الأقسام المحفورة التي تشكل صيغاً هندسية غالباً ولينة أحياناً. ويراعي الصدّاف - وهو العامل المختص - عند تصميمه مواضيع التصديف وتنفيذها أن تكون المساحات متعادلة بين الألوان، فإذا كانت الأصداف بيضا فثمة حشوات خشبية سودا ؛ أو ثمة خلفية خشبية أصلية تساعد على تحقيق التوازن بين الأسود والأبيض، ولا يدخل في هذا التلوين المتضاد إلا اللون البني الخشبي.

إن عملية التصديف في مفردات الأثاث تخص أنواعاً من المصدّفات يكون للخشب فيها محل كبير، ولذلك يطلق عليها اسم "الخشب المصدّف"، وغالباً ما تكون الصيغ الزخرفية في هذا النوع هندسية تعتمد على النجمة الثمانية أو السداسية.

وعدا عن الأشكال الهندسية - المربع والمثلث والسهم وشبه المنحرف التي تملأ فراغات التشكيل الهندسي - هناك "سرائد" دقيقة طويلة من العظم تنزّل في أخاديد تحدد الأشكال الهندسية، وتؤطر أجزا ها، وتشكل خطاً ثلاثياً مؤلفاً من ثلاثة خطوط: خط السريدة العظمية وخطي الخشب الأصلي. وقد تكون هذه السريدة من العاج أو من أشرطة الفضة أو القصدير.

ومن أهم قطع الأثاث الطاولات والصناديق التي تصنع من الخشب المصدف (المصري)، وتصنع الخزائن والكراسي بطريقتين: الأولى تسمى "الشامي" والثانية تسمى "اصطنبولي".

وقد اختير لهذا النوع من الصدف أثاث موحد التصميم، يُشاهد في الأثاث الكامل الذي اقتني من بيت الصواف، والموجود حالياً في متحف البيت الشامي، وهو مؤلف من كراسي وكنبات وقلاطق. والكرسي المفرد عالٍ مصدف ذو مقعد منجد مغطى بقماش البروكار أو المطرز، وقاعدته ذات زخارف في الجوانب الثلاثة، محمولة على قوائم، مفتولة من الأمام ومضلعة من الخلف. والكراسي من دون أيدٍ، أما الكنبات والقلطق المخصص لأكثر من شخص فلا بد من المساند اليدوية فيها.

قاعة دمشقية

وتتجلى زخرفة هذه الكراسي في المسند الذي يعلوه تاج بين بلبلين خشبيين مخروطين ومزخرفين بسرائد العاج، وتعلو التاج هالة كبيرة في وسطها تشكيل إشعاعي نجمي مؤلف من تصديفات محددة بالخشب الأسود، ويحيط بالتاج إطار من الأشكال الصدفية المتكررة، وفي قاعدة التاج أشرطة من الزخرفة الصدفية الدقيقة.

 
سجادة إيرانية من الصوف والحرير ورقائق معدنية (نحو 1600 م)   طاولة من خشب الأبنوس مصدفة (سورية - 1870م)

والمسند المربع الشكل مؤلف من حشوات مزخرفة، الحشوة المركزية مربعة كبيرة وتحيط بها حشوات مربعة صغيرة عند رؤوس الزوايا، وحشوات مستطيلة على امتداد أضلاع الحشوة المركزية. ويتفنن الصدّاف في ابتكار الأشكال الهندسية التي تغطي هذه الحشوات. ويبقى عنصر النجمة الثمانية ثابتاً في زخرفة المربع المركزي.

صندوق من العاج مع قفل حديدي مزين بزخارف زهرية ونقش كوفي (متحف اللوفر - قسم الفن الإسلامي)

وتتكرر الزخارف على واجهات الخزائن العالية وتيجانها، وهي التي تكمل أثاث المنزل، وتتميز بمراياها العالية التي تغطي بابي الخزانة وتحتهما أدراج كبيرة وصغيرة ذات أغطية مزخرفة بصدف مماثل.

وتتألف زخارف المرايا من عناصر زخرفية لينة أيضاً، ولكنها مفرغة في قواعدها وتيجانها العالية؛ إذ يتم حفر الخشب على شكل غصن دائري ملتوٍ يحمل أوراقاً وينتهي في وسطه بأزهار كبيرة رصعت بقطع الصدف المنشور بأشكال لينة صغيرة مختلفة، تأخذ محلها في أقسام هذا التشكيل الرائع الصعب.

إن الأثاث الذي يسمى "إصطنبولي" هو أثاث مصمم على الطريقة الأوربية، محور عن أسلوب لويس السادس عشر، ولكنه مغطى بكامله بالصدف ضمن تشكيل متداخل نباتي، بعيد عن الترتيب الهندسي.

وفي كل أنواع الأثاث المصدّف يكون لاختيار نوع الصدف دور في رفع مستوى هذه القطع، فمثلاً يسمى الصدف الذي يعكس رصفة قزحية مشرقة "الرهاج"، وهو نادر يرفع من قيمة الأثاث المصنوع منه، ويستحضر من البحر الميت.

ومع حركة التحديث في تصميم الأثاث ظهرت في دمشق منذ القرن التاسع عشر صناعة الموزاييك - وهو فسيفسا صدفي لتغطية سطوح قطع الأثاث - وهي زخرفة انتشرت بين الحرفيين في صناعة الآلات الموسيقية كالعود والقانون والدف، وفي صناعة العلب والطاولات.

وتحضير الصدف مهمة صعبة؛ لأنها تتطلب تقطيع أشكال هندسية صغيرة متساوية، ثم تنزيلها ولصقها وتسويتها على مساحة الخلفية الخشبية، ولهذا تم تنضيد عناصر الموزاييك الدقيقة بأسلوب عملي يسهل عملية التنضيد، وذلك بإعداد قضبان من الخشب بألوان مختلفة مختارة، ذات مقطع محدد (مثلث أو مربع أو معيّن)، وبضم هذه القضبان تتشكل عناصر محددة يقوم الصانع بتقطيعها إلى شرائح ليحصل على عنصر محدد أراده لينضم مع عناصر أخرى مختلفة، وبذلك يكوّن نسيجاً زخرفياً فسيفسائياً يغطي الخزائن والصناديق وعلب الزينة والكراسي والأرائك والمقاعد والطاولات وألواح النرد والشطرنج؛ مما حفل به متحف الصناعات التقليدية (قصر العظم) في دمشق.

وانتشر الأثاث بزخارف أطلق عليها "القيصرية" نسبة إلى مدينة قيسارية؛ وذلك بسبب استعمال هذا الطراز في أثاث المكاتب، وتعتمد على مساحات خشبية واسعة تحتضن المقعد والمسند المغطيين بقماش الدامسكو والبروكار. وثمة زخارف تعتمد على الحفر على الخشب أو على تنزيل سرائد المعدن على زخارف الأثاث.

مراجع للاستزادة:

-  عفيف البهنسي، العمارة العربية، الجمالية، الوحدة، التنوع (المجلس القومي للثقافة، روما 1973).

- O. GRABAR, The Formation of Islamic Art, N.H. -London.

- T. BURKHARDT, Art of Islam (London, 1976).


التصنيف : آثار إسلامية
النوع : أثاث وأدوات
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 178
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 781
الكل : 60187004
اليوم : 35395