logo

logo

logo

logo

logo

الأطروش (جامع-)

اطروش (جامع)

-

الأطروش (جامع-)

 

   

يقع جامع الأطروش في مدينة حلب بمحلة الأعاجم تجاه القصر العدلي، ويبعد عن مدخل القلعة بمسافة لا تزيد على 200م، وبالقرب من المدرسة الظاهرية السلطانية، حيث يتميز هذا الموقع بأهميته التاريخية وغناه الأثري.

بدأ عمارة هذا الجامع الأمير آق بغا الأطروشي نائب السلطنة المملوكية في حلب سنة 801هـ/1399م؛ في عهد الملك الناصر فرج بن برقوق (801-809هـ/1399-1406م)، وكان موضع هذا الجامع سوقاً للغنم، وقد خطط له ليكون جامعاً مهماً وتربةً لبانيه الذي انتقل إلى طرابلس ثم دمشق ليعود بعدها إلى حلب ثانية ويموت بها، ويدفن في تربته الملحقة بجامعه هذا سنة 806هـ/1403م، من دون أن يستطيع إكمال جامعه الذي ظل غير كامل البنا حتى سنة 812هـ/1410م حين قرر نائب حلب الجديد الأمير دمرداش الناصري إكماله، وسمي منذ ذلك الزمن بعد وفاة نائبي حلب بجامع الأطروش أو الدمرداش، وكان نواب حلب في العصر المملوكي والعثماني يصلون فيه صلاة العيدين.

المئذنة وقبة التربة

وفي سنة 1300هـ/1882م أصاب حلب زلزال عنيف ترك أثره في الجامع، حيث قام المتولي الحاج أحمد جاموس ببعض الإصلاحات فيه، وأزال كمية من الأتربة التي كانت عليه، ولم يجعل للسطح مزاريب تذهب الما عنه، فثقل التراب عليه؛ مما أدى إلى سقوط السقف، وكانت القبلية قبل سقوطها آية في الجمال، تقوم على ثمانية أعمدة حجرية وأربع دعائم لحمل السقف، تصدعت القبلية وتحطمت ستة أعمدة منها، وبقي فيها اليوم عمودان يشهدان على عظمة هذه القبلية وضخامتها، وفي سنة 1340هـ/1921م قام أهل حي القصيلة وساحة الملح بجمع التبرعات من المحسنين وبنا ما تهدم من الجامع، فأعادوا بنا القبلية إلى ما كانت عليه، وأصلحوا المئذنة والسقف، وأقاموا مكان الأعمدة دسنتين كبيرتين تحملان عقوده، ثم قاموا ببنا منبر جديد من الحجر الأبيض يحتضنه عمودان دائريان من المرمر الأبيض.

والجامع مساحة مستطيلة المسقط مستعرضة على الجهة الجنوبية، حيث يشغل الحرم الرئيسي للصلاة كامل الضلع الجنوبية للجامع الذي يتوسط عمارته صحن مستطيل يحيط به ثلاثة أروقة، وتحتل غرفة الدفن التابعة للجامع زاويته الشمالية الغربية، ويلاصقها من الجهة الجنوبية مئذنة المسجد.

للجامع واجهتان رئيسيتان حرتان غربية وشمالية، أما الواجهتان الأخريان فهما متلاصقتان بأبنية حديثة مقامة بجوار الجامع.

تطل الواجهة الغربية على الميدان المقابل لها بطول 36م، وتشكل خلفية المشهد البصري للموقع السنة للجامع بما يتميز به من امتداد أفقي ورأسي ممتلئ بالعناصر المعمارية والزخرفية الجميلة، هذا إضافةً إلى المئذنة الملاصقة للمدخل الأصلي الذي يتوسط هذه الواجهة.

وتتألف هذه الواجهة من جزأين جنوبي وآخر شمالي، يفصل بينهما كتلة المدخل الرئيسي، حيث يوجد في الجز الجنوبي من الواجهة ثلاثة شبابيك مستطيلة، يقع كل منها بأسفل دخلة جدارية رأسية ترتفع نهايتها حتى المداميك العليا للواجهة، ويحيط بكل منها إفريز عريض من الزخارف القالبية البارزة والمكونة من عناصر نباتية وهندسية، وتنتهي كل منها للأعلى بأربعة صفوف من المقرنصات المتصاعدة التي يعلوها شكل عقد دائري غُشّيت مساحته بزخارف قالبية مشابهة لزخارف الإفريز العريض المذكور، ويحيط بفتحة كل شباك إطار من تناوب المداميك الصفرا والسودا على جانبيه، ويوجد بكل دخلة عمودان مدمجان رفيعان على كل منهما زخارف محفورة بشكل خطوط محززة، كما يعلو كلاً منها عتب حجري مستقيم يستند إليه للأعلى عتب ذو مزرارات ملونة تتناوب ألوانها بين الأبيض والأسود، يعلوه صدر بزخارف هندسية ونباتية بارزة، ويغلق على كل شباك مصبعات نحاسية أصلية، ويتوسط مساحة كل دخلة جدارية من الأعلى تجويف صغير معقود، ويطل كل من الشباكين الجنوبيين مباشرة على الحرم الرئيسي للجامع (القبلية).

أما الشباك الثالث للشمال فيطل على الرواق الغربي للجامع، ويوجد أعلى فتحة الشباك الأوسط على جانبي الصدر المزخرف شكلان هندسيان، على هيئة مربع غطيت مساحة كل منهما بنقش كتابي بالخط الكوفي المربع، اضطر كاتبه إلى تصميمه بشكل كثير التداخل لضيق مساحة المربع المخصص للكتابة، كما زاد التأكّل الحاصل اليوم بهذا النقش قرا ته صعوبة، ولكن يستشف من بعض الكلمات أنها من القرآن الكريم، ويرجح أنها جز من (سورة التغابن الآية: 2): ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، كما يوجد أعلى كل مربع وأسفله شريط كتابي محفور مكتوب بخط الثلث المملوكي جُعِل بشكل أشطر تبدأ من أعلى المربع الجنوبي، وتنتهي أسفل المربع الشمالي كالآتي:

أنشأ هذا الجامع المقر العالي 

السيفي أقبغا الملكي الظاهري

أعز الله أنصاره بمحمد وآله وذلك في   

شهر ذي الحجة سنة إحدى وثمان ماية (1399م).

أما الجز الشمالي من هذه الواجهة فيتألف أيضاً من ثلاث دخلات جدارية رأسية، تتفق تماماً مع ما ذُكِر في وصف الدخلات الثلاث السابقة بهذه الواجهة، عدا أنه قد ألغيت فتحة الشباك المفترضة أسفل الدخلة الجدارية الواقعة على يمين كتلة المدخل لوقوعها على القاعدة الصما للمئذنة، واستعيض منها شباك حلية، كما حولت التجويفات الثلاثة الصغيرة المعقودة التي كانت تتوسط الدخلات الجدارية للأعلى هنا إلى فتحات شبابيك رأسية (تشبه مرامي السهام) بهدف تسهيل دخول الهوا والضو لداخل المسجد، كما صارت كل من الدخلات الثلاث هنا تنتهي بشكل مستقيم دون أن يعلوها أشكال عقود دائرية، كما هو الحال في الجز السابق.

ويعلو الدخلة الجدارية الجنوبية لهذا القسم عند بداية المئذنة إفريز حجري محفور ذو إطار بارز يحتوي على نقش كتابي بخط الثلث نصه: "أنشأه العبد الفقير إلى الله تعالى أقبغا الظاهري غفر الله له". وتنتهي هذه الواجهة بكاملها من الأعلى بطنف حجري بارز، ويوجد بها أربعة ميازيب حجرية لتصريف المياه.

المسقط الأفقي لجامع الأطروش مقطع جانبي لجامع الأطروش

أما كتلة المدخل الرئيسي الأصلي للجامع الواقع بين هذين القسمين بوسط هذه الواجهة؛ فهي حنية رأسية غائرة تنتهي من الأعلى بنصف قبة محمولة على ثلاثة صفوف من المقرنصات، يوجد أسفلها مساحة مستطيلة ذات إطار حجري بارز كتب بداخلها (الآية 18 من سورة التوبة): ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدينَ، ويوجد أسفلها جامتان بهما رنك الساقي الذي يُرمز إليه بصورة الكأس، ويحصران بينهما نصاً كتابياً بخط الثلث عليه (الآية 18 من سورة الجن): ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدا، ويوجد أسفل ذلك عتب من المزرّرات الرخامية والحجرية الملونة بهدف تخفيف ثقل البنا عن عتب فتحة باب الدخول الذي يفتح أسفل حنية المدخل، والذي أغلق الآن حيث صار يدخل إلى الجامع اليوم من الواجهة الشمالية عبر باب أحدثه الأمير دمرداش الناصري عندما أكمل بنا الجامع، ويعلو فتحة هذا الباب عتب مستقيم عليه نقش كتابي لنص تأسيسي يحمل ألقاب الأمير دمرداش واسمه وتاريخ إكمال بنا هذا الباب أي سنة 811هـ/1409م كالآتي:

"عمر هذا الجامع المبرور المقر الأشرف المولوي العالي العادلي المخدومي الكافلي السيفي دمرداش الناصري مولانا ملك الأمرا أبو المساكين والفقرا كافل المملكتين الشريفتين الحلبية والطرابلسية أعز الله أنصاره وضاعف اقتداره بمحمد وآله ابتغا لوجه الله تعالى في العشر الآخر من شوال المبارك سنة إحدى عشرة وثمان مائة من الهجرة النبوية".

ويؤطر كامل حنية المدخل إفريز زخرفي عريض يشبه مثيله الذي يحيط بالدخلات الست الموجودة بهذه الواجهة، يضاف إليه شريط من الزخارف الهندسية يؤطر كامل كتلة المدخل وكوشتي عقده اللتين تحوي كل منهما جامة حجرية بارزة مزخرفة.

وتقع مئذنة الجامع ملاصقة لكتلة هذا المدخل من اليمين، حيث ترتكز على قاعدة ضخمة ترتفع حتى مستوى سطح الجامع، يرتكز عليها البدن المثمن الأول الذي يتوسطه إزار زخرفي بارز محمول على صفين من المقرنصات، وينتهي بشرفة أولى بارزة للخارج ومحمولة على صفوف من المقرنصات، ويتوسطها البدن المثمن الثاني للمئذنة الأقل عرضاً والذي فتح بأضلاعه مثل البدن الأول أربع نوافذ، كما ينتهي أيضاً بشرفة مشابهة للأولى، ولكل منها درابزين وسقف خشبي مائل، وتنتهي المئذنة من الأعلى بقبة صغيرة.

المدخل الرئيسي الغربي

أما الواجهة الشمالية للجامع فهي أقل غنى بالعناصر المعمارية والزخرفية، وهي تحتوي المدخل المستخدم اليوم للجامع، وتمتد بطول 20م، ويعدّ الجز الغربي منها الأكثر قيمة، وهو يشكل الواجهة الخارجية لحجرة الدفن، حيث يتألف هذا الجز من دخلتين جداريتين متشابهتين من حيث التصميم والعناصر مع الدخلات المماثلة في الواجهة الغربية للجامع، حيث تنتهي كل منهما من الأسفل بنافذة مغشاة بمصبعات نحاسية، تطل مباشرة على داخل حجرة الدفن، وينتهي هذا الجز للشرق بشطف مائل، ينتهي للأعلى بصفوف من المقرنصات، ليبدأ بعده الجز الباقي من هذه الواجهة الذي يتوسطه المدخل الحالي للجامع، والمؤلف من دخلة جدارية تنتهي بعقد مدبب يحصر أسفله بعرض الحنية شريط من المقرنصات المتراكبة، ويتوسط الحنية للأسفل فتحة باب الدخول التي تنخفض عن مستوى الشارع بمقدار ثلاث درجات، وتقع داخل إطار تتناوب فيه المداميك الصفرا والسودا ، ويعلوه عتب حجري مستقيم يوجد عليه نص كتابي تأسيسي ثانٍ يحمل أيضاً ألقاب الأمير دمرداش واسمه وتاريخ إكمال بنا الجامع أي سنة 812هـ/1410م،  وكذلك اسم الأمير الذي أشرف على إتمام البنا كالآتي:

"عمر هذا الجامع المبرور ابتغا لوجه الله تعالى المقر الأشرفي المولوي العالي العادلي الكافلي السيفي دمرداش الناصري مولانا ملك الأمرا كافل المملكتين الشريفتين الحلبية والطرابلسية أعز الله أنصاره وضاعف اقتداره بمحمد وآله بتولي العبد الفقير إلى الله تعالى يوسف الأشرفي وكان الفراغ منه سلخ شعبان المكرم من سنة اثنا عشر وثمان مائة".

ويوجد على جانبي هذا العتب شكلا رنكين تزيينيين، ويعلو ذلك عتب مزررات حجرية سودا وصفرا يستند إليه مساحة مستطيلة.

والجامع مستطيل المسقط 36×20م، يتوسطه صحن داخلي يحيط به ثلاثة أروقة تفتح على الصحن بعقود مدببة ومغطاة بقبوات متقاطعة محمولة على دعامات حجرية، ويحتل الحرم كامل الجهة الجنوبية للجامع، وهو مساحة مستطيلة مقسومة لبلاطتين موازيتين لجدار القبلة مغطى كل منهما بقبوات متقاطعة محمولة أطرافها على الجدران وعلى دعامتين حجريتين في الأطراف وعمودين رخاميين أصليين في الوسط، وللحرم ست نوافذ تطل على الخارج: اثنتان تفتحان بالواجهة الغربية، وأربع أُخَر تقع كل اثنتين منهما على جانبي المحراب المصنوع من الرخام الأصفر الذي يتوسط الجدار الجنوبي للحرم، ويقع المنبر إلى يمين المحراب، وهو مصنوع من الحجر الأبيض، وصنعت مصبعات الشبابيك من النحاس الأصفر.

وتقع قبة الضريح في الزاوية الشمالية الغربية للجامع، وهي مساحة مربعة مغطاة بقبة حجرية محمولة على رقبة دائرية يفتح بها نوافذ مستطيلة، تستند إلى منطقة انتقال بشكل مثلثات كروية مقلوبة مشغولة بصفوف من المقرنصات المميزة، ويتوصل إلى القبة عبر ممر منكسر يتوصل إليه عن طريق باب يقع بالرواق الشمالي للجامع على يمين الداخل من الباب الحالي.

والقبة من الداخل مساحة شبه مربعة يفتح بها على الخارج أربع نوافذ؛ اثنتان منهما بالواجهة الغربية، والأخريان بالواجهة الشمالية، ويتوسط جدارها الجنوبي محراب مجوف، أما جدارها الشرقي فيحوي- إضافةً إلى باب الدخول المذكور- خزانة جدارية، ويتوسط مساحة القبة تركيبة قبر مؤسس الجامع الأمير آق بغا الأطروش، وتحمل هذه التركيبة على وجوهها الأربعة نقوشاً كتابية ضاع الكثير من معالمها، يمكن أن يُقرأ منها ما يلي:

من الغرب: - قد كان صاحب هذا القبر […]

 - توفي العبد الفقير الراجي إلى الله تعالى المقر.

من الشمال: - كافل المملكة الحلبية المحروسة تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته.

من الشرق: - توفي […].

من الجنوب: - يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخر من سنة ستة وثمانمائة من الهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام.

وهناك توقيع للمعمار بين جزأي الكتابة كالآتي: عمل الحاج أحمد الكتبي.

ويبدو أنه قد تمَّ عمداً محي اسم المؤسس من النص، والذي يتضح من التاريخ المذكور 806هـ/1403م أنه الأمير "آق بغا الأطروشي" نائب السلطنة المملوكية في حلب والذي ذُكر أنه توفي ودفن في تربته هذه سنة   806هـ/1403م قبل أن يكمل بنا جامعه هذا، ويلاحظ أنه قد حوفظ على توقيع المعمار الذي بنى القبة؛ مما يقدم دلالة على أن هذا المعمار هو الذي أشرف أيضاً على إكمال عمارة هذا الجامع لاحقاً زمن الأمير الدمرداش.

 

غزوان ياغي

 

 

مراجع للاستزادة:

-  غزوان ياغي، المعالم الأثرية للحضارة الإسلامية في سورية (المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، الرباط 2011).

-  محمد أسعد طلس، الآثار الإسلامية والتاريخية في حلب (مطبعة الترقي، دمشق 1956).

-  عبد الله حجار، معالم حلب الأثرية (مطابع مؤسسة جورج ومتيلد سالم الخيرية، حلب 1997).

 

 

التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1098
الكل : 40565748
اليوم : 95563