logo

logo

logo

logo

logo

البردي

بردي

Papyros -

البَرْديّ

 

البردي لفظ من المصريّة القديمة يُطلق على نباتٍ مائيّ  يسمى sedge بالإنكليزية كان يُزرع في دلتا النِّيل لاستعماله في أغراض شتى، وقد عرفه المتقدّمون، واكتفى ابن منظور صاحب «لسان العرب» بالقول: إنه نبتٌ معروف واحدته بَرْدِيّة، وأورد بيتاً للأعشى شاهداً على استعمال ذلك المفرد؛ غير أنّ وصف ابن البيطار في كتابه «الجامع لمفردات الأدوية والأغذية» كان أكثر وضوحاً، قال: «هو الخوص، وهو نبات ينبت في الماء يُتّخذ منه كاغد أبيض، وكانت القراطيس المستعملة في الطبّ في الديار المصرية منه». والظاهر أن لغات أوربا لمْ تعرف هذا اللفظ بصيغته في المصرية القديمة؛ لأنها أخذت اسمه من مسماه اليوناني papyros الذي يقال: إنه لا يعني سوى «ذاك [النبات] من النيل»، ولذا يطلق عليه ذوو التخصص التسمية اللاتينية Cyperus papyrus؛ أي «قصبة الورق»، وهو من فصيلة نباتية كثيرة الأجناس تدعى Cyperaceae «السُّعديّات». وصاحب أقدم وصفٍ دقيق لهذا النبات هو الفيلسوف وعالم الطبيعة اليوناني ثيوفراستوس Theophrastus  ر(372-287ق.م)، فقد ذكر أنّ جذره الذي ينمو في مياهٍ ضحلة لا يتجاوز عمقها متراً واحداً تبلغ ثخانته حجم معصم اليد، ويتفرّع منه جذورٌ أصغر حجماً تغوص في الأوحال، أما جذعه فيصل ارتفاعه إلى مترين لينتهي على شكل مثلّث ذي أضلاع دقيقة. ثم يُعدّدُ الأغراض المختلفة لاستعمال هذا النبات، فالأزهار يُصنع منها أكاليل توضع في معابد الآلهة، وأخشاب الجذور تستخدم وقوداً؛ ويُصنع منها أدوات شتى، واللباب مادة غذائية تؤكل مطبوخة أو غير مطبوخة، وزاد هيرودوت على ذلك أنّ الصنادل التي يلبسها الكهنة تصنع منها، وأنها تستعمل لسدّ الشقوق بين ألواح السفينة، كما تُظهر منحوتات الأسرة الرابعة (2680-2560ق.م) في مصر القديمة أنهم كانوا يصنعون المراكب الشراعية الخفيفة من هذا النبات، حيث يُرى فيها رجالٌ يصنعون قارباً من جذورٍ مأخوذة من حوضٍ مجاور ينمو فيه البرديّ، أما الجذوع فتُصنع منها الحُصُر والأقمشة والحبال وكذلك الورق الذي أصبح اللفظ الدال عليه papyrus اسماً للورق بصيغٍ متشابهة في معظم لغات العالم (paper في الإنكليزية و papier في الفرنسية والألمانية).

نبات البردي

وقد عُثر في مصر على الكثير من لفائف البردي التي يمتد زمن كتابتها من العصور القديمة إلى العصر الإسلامي، وهي من حيث لغتها أربعة أقسام، أحدها بلغة مصر القديمة كتلك البرديات التي تعود إلى عهد الأسرة الثانية عشرة (1991-1800ق.م)، أو تلك التي تعود إلى عهد الأسرة التاسعة عشرة (1308-1184ق.م)، وثانيها باليونانية – وبعضه باللاتينية – من العصر الهلنستي، وثالثها بالقبطيّة يتضمّن نصوصاً من الإنجيل ونصوصاً دينية أخرى، والرابع بالعربيّة. زد على ذلك برديات بلغات أخرى، كالفينيقية والآراميّة (من سقّارة وهيرموبوليس وجزيرة الفيلة).

ومما يدلّ على مدى انتشار ورق البرديّ العثور على مجموعاتٍ منه في أصقاع شتى من العالم القديم، إحداها - وهي بالفارسيّة واليونانيّة - من كردستان في العراق، والأخرى من دورا أوروبوس على الفرات. وقد عرف الآشوريون البرديّ؛ وسمّوه «قصبة مصر»، واستعمله الإغريق الإيونيّون Ionians؛ وسمّوه - كما يقول هيرودوت - «الجُلود»، وزرع الرومان - كما يقول استرابون [ر] (63ق.م-19م) - نبات البرديّ في بعض البحيرات وسط إيطاليا، وشاع استعمال ورقه في الدولة الرومانيّة في العصر الامبراطوري، وارتفع ثمنه في عهد الامبراطور تيبريوس[ر] Tiberius  ر(14-37م) إلى مستوى جعل الرومان يخشون – كما يروي بلينيوس [ر] Plinius ر(23-79م) في كتابه «التاريخ الطبيعي» - من حدوث اضطراب في مجال الإدارة والأعمال التجاريّة، ثم ذكر الرحّالة الجغرافيّ ابن حوقل - الذي عاش في القرن العاشر الميلاديّ - أنه رأى نبات البرديّ في أحواضٍ قرب بالرمو في جزيرة صقلية.

طريقة صناعة ورق البردي

ويبدو أنّ الطريقة التي بيّنها بلينيوس لتصنيع ورق البرديّ في زمانه هي نفسها – مع بعض الاختلاف في التفاصيل - التي استعملها قدماء المصريين. وإذا كان الغموض يكتنف بعض ألفاظه وعباراته أحياناً؛ فإن مسألة تركيب المادة المصنّعة واضحة، إذ تُقطّع الجذوع – كما يقول – إلى شرائط طوليّة، أفضلها تلك التي تكون في وسط النبات؛ لأنها أعرضها، وتوضع متجاورة ومتلاصقة لتشكّل طبقةً تعلوها طبقةٌ أخرى معترضة من الشرائط الأقلّ طولاً، فتؤلّف الطبقتان معاً لوحاً يُنقع في المياه، ثم يُطرق اللوح بعد إخراجه منها بمطرقة خشبيّة صغيرة ليُجفّف في الشمس، ثمّ تسوّى خشونته – إنْ وُجدت – بصقله بالعاج أو بالأصداف الناعمة، وتُزال الرطوبة الباقية بين الطبقتين بالضرب بالمطرقة. وقد يكون فيه عيوب أُخَر كالبقع أو اللطخات أو الشرائط المُشبعة بالماء التي ينساب الحبر بينها، فيفسد اللوح، فيجب في هذه الحال إعادة تصنيع اللوح . ثمّ تضمّ الألواحُ بعضها إلى بعض بوساطة عجينةٍ لاصقة؛ لتؤلّف لفيفةً واحدة لا تتجاوز– غالباً– عشرين لوحاً يصل طولها إلى تسعة أمتار، فتغدو جاهزة للكتابة عليها بقلمٍ من القصب أو بأداةٍ مشابهة.  ولا يبعد عن ذلك الوصف ما ذكره ابن البيطار في هذا الشأن، ويزيد عليه تحديد المادة اللاصقة حيث يقول: «كان المصريون في الزّمان الأوّل يعمدون إلى السّوق فيشقّونها بنصفين من أوّلها إلى آخرها، ويقطعونها قطعاً قطعاً، وتُوضع كل قطعةٍ منها إلى لصق صاحبتها على لوحٍ من خشبٍ أملس، ويأخذون ثمر البشنين، ويلزجونه بالماء، ويضعون تلك اللزوجة على القطع، ويتركونها حتى تجفّ، ويضربونها ضرباً لطيفاً بقطعة خشب حتى تستوي من الخشونة، فتصير في قوام الكاغد».

 

وربّما كان عالم المصريّات ويليام ماثيو فلندرز بتري[ر]  W. M. F. Petri أوّل من عثر على البرديّات في أثناء التنقيب الأثريّ في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، ثم لحق به باحثون فرنسيون وألمان وإيطاليون وأمريكيون، فعثروا على مجموعات كثيرة منها في ممفيس وسقّارة وأسوان وطيبة والفيّوم وسواها نُقل معظمها إلى متاحف الغرب وجامعاته، ويقال: إنّ مجموعة فيينا هي أغناها لأنها تحوي مئة ألف قطعة. وهكذا نشأ علم البرديات papyrology الذي يُعنى المختصّ فيه papyrologist بقراءة نصوصها، وقد يضيف إليها ما كُتب على موادّ أخرى كالخزف والرَّق والألواح الشمعيّة. وتصعب قراءة  البرديّة دون عدسةٍ مكبّرة ومرآة لتركيز الضوء، ويغلب أن تكون متّسخة ومتجعّدة يلتصق بعضها ببعض، وقد تكون ملأى بالثقوب وممزّقة كما هي حال «بردية تورينو» المكتوبة بالخط الهيراطيقي التي تعود إلى عهد رمسيس الثاني (1290-1224ق.م)؛ فقد كانت ممزّقةً إلى خمسين قطعة، فتحتاج البردية حينئذٍ إلى عنايةٍ وتنظيف ولصق.

رسوم وكتابات هيروغليفية على ورق البردي

وقد أسهمت البرديّات في تتبّع تاريخ اللغات والكتابات؛ لأنها بيّنت مراحل تطوّر تلك اللغات وخطوطها التي استعملت لكتابتها عبر القرون، غير أن إسهامها الأكبر هو في معرفة المجالات المختلفة لحضارة العالم القديم؛ لأنها أكّدت ما ورد في المصادر الأخرى، أو أضافت إليه أو صحّحته أو عدّلته، وتكفي الإشارة إلى بعض نماذجها، فمنها «برديات أنستاسي»Pap. Anstasi التي يعود بعضها إلى عهد الفرعون «سيتي الثاني» (1200-1194ق.م)، ومنها مجموعتان بالآرامية تعودان إلى فترة الحكم الفارسيّ في مصر (525-404ق.م)، تضمّ إحداهما كتابات طائفةٍ يهوديّة كانت تقيم آنذاك في جزيرة الفيلة قرب أسوان، وتُطلِع الأخرى- وهي سبع برديات من هرموبوليس Hermopolis  (أشْمون حالياً) شمالي أسيوط - على جوانب من الحياة الخاصة لإخوةٍ يعيشون في مناطق مختلفة وعلى طبيعة العلاقات الأُسريّة، فهي رسائل إخوانيّة تشبه في نمطها ومضمونها تلك التي ألّفها عبد الحميد الكاتب أواخر العصر الأموي، ومنها أرشيف زينون Zenon Papyri المكتوب بالإغريقية من «الفيّوم» الذي كان مؤلفه اليوناني زينون وكيلاً لوزير المال في عهد بطلميوس الثاني فيلادلفوس (285-247ق.م) ويُعدّ مصدراً أساسياً لتاريخ فلسطين وأحوالها الاقتصاديّة في تلك الفترة؛ لأنه حصيلة جولاته المتعددة فيها، ومنها أرشيف باباثا  Babatha المكتوب بالآرامية والنبطيّة والإغريقيّة الذي يُطلِع على جانبٍ من النظام القانوني عند الأنباط، ومنها أرشيف Nessana Papyri من «عوجا الحفير» جنوبي فلسطين الذي يعود إلى العهد البيزنطي ويتضمّن مجموعات مكتوبة باليونانية واللاتينية والعربية يصف معظمها شؤون الحياة اليومية آنذاك وصفاً تغفله المصادر الأخرى، ومنها مخطوطات البحر الميّت – وبعضها برديّات – المكتوبة بالآرامية والعبرية واليونانية التي تصحّح تاريخ «العهد القديم» وتضيف إليه إضافات مهمّة.

رسوم وكتابات مصرية قديمة على ورق البردي

ومنها برديات قُرة بن شريك والي مصر حتى عام 96هـ المكتوبة بالعربية والمحفوظة اليوم في جامعة شيكاغو التي تسهم في معرفة تاريخ مصر في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك.

رسوم وكتابات مصرية قديمة على ورق البردي

وقد اعتنى المستشرقون بدراسة البرديات المكتوبة بالعربية، وهي تتضمن نصوصاً في الفقه والإدارة والطبّ والضرائب وسواها، وترجموها إلى لغاتهم، ومن أكثرهم نشاطاً في هذا المجال مرغوليوس D. S. Margoliouth الذي نشر عام 1933 مجموعة منها محفوظة في جامعة مانشستر وA. Grohmann الذي نشر بين عامي 1934-1961 المحفوظ منها في دار الكتب  المصرية وفي المتاحف والجامعات في ألمانيا والنمسا وتشيكوسلوفاكيا سابقاً، وJ. D. Weill الذي نشر  بالاشتراك مع Cl. Cahen بين عامي 1965 و1978 المجموعة المحفوظة في متحف اللوفر. ويضاف إلى هؤلاء باحثة أمريكية عربية الأصل هي Nabia Abbott التي نشرت بين عامي 1959و1972 دراسة شاملة للبرديات العربية.

رفعت هزيم

مراجع للاستزادة:

- N.Abbott, Studies in Arabic literary papyri, I.,II.,III, (Chicago 1959, 1967, 1972).

- A.Cowley : Aramaic Papyri of the fifth century B.C. , (Oxford 1923).

- A.Grohmann: Arabische Papyruskunde (Brill,1966).

- C.I.Kraemer : Excavations at Nessana, III : Non-literary Papyri , (Princeton 1958).

- J.T.Milik : Les Papyrus araméens d’Hermoupolis et les cultes syro- phéniens en Égypte perse . Biblica , vol.48 (1967) , 546-622.

- B.Porten : Archives from Elephantine , (Los Angeles 1968).

 


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1103
الكل : 40577759
اليوم : 107574