logo

logo

logo

logo

logo

بيدر (تل-)

بيدر (تل)

Beydar (Tell) - Beydar (Tell)

بيدر (تل-) 

 

يعد تل بيدر Tell Beydar من التلال الرئيسة في منطقة الجزيرة السورية ويقع شمال غربي مدينة الحسكة بنحو  30كم، على الضفة اليمنى لوادي العويج أحد روافد نهر الخابور. الموقع ذو شكل دائري وتصل مساحته إلى 28 هكتاراً، ويحيط به سوران دائريان داخلي وخارجي. ويبلغ محيط القسم الأعلى من المستوطن نحو  400م، ويصل ارتفاع التل إلى 27.5م فوق مستوى السهل المحيط به. يبلغ ارتفاع المنخفض من التل- الذي يحيط بالقسم الأوسط- نحو 5م. ويمكن تمييز مواضع سبع فتحات في السور قد تدل على وجود سبع بوابات للمستوطن القديم. وهناك امتداد للمستوطن في الجهة الجنوبية الغربية يغطي مساحة تصل إلى نحو 50 هكتاراً، وقد أطلق عليه تل بيدر .II ويعد تل بيدر من نوع «التلال الإكليلية» Kranzhugel  وفقاً لشكل التل الدائري والسورين اللذين يحيطان به. ويوجد على بعد نحو كيلومتر جنوبي الموقع تل صغير يعود تاريخه إلى العصر الحجري -النحاسي والألف الثالث ق.م، أطلق عليه اسم تل بيدر .III

وقد عملت في الموقع بعثة أوربية منذ عام 1992م، ثم شاركتها بعثة أثرية سورية بدءاً من عام 1994.  وتولى إدارة المشروع من الجانب الأوربي مارك لوبو M. Lebeau من الجامعة الكاثوليكية في لوفن Leuven بالتعاون مع كل من جامعة بروكسل الحرة وجامعة أوتونوما Autonoma في مدريد فضلاً عن جامعات ومؤسسات علمية من أوربا. أما الجانب السوري فكان بإدارة حميدو حماده في عام 1994م، ولاحقاً منذ عام 1995م بإدارة أنطوان سليمان.

المخطط الطبوغرافي لتل بيدر

يعود تأريخ المدينة العليا إلى العصر البرونزي القديم وتؤرخ أهم المنشآت المعمارية من قصر ومعابد وبيوت من الألف الثالث قبل الميلاد (عصر فجر السلالات وعصر الدولة الأكادية). وهناك طبقة عليا يعود تاريخها إلى العصر الهلنستي في عهد الدولتين السلوقيةالبارثية (القرنين الثالث والثاني ق.م) ؛ في حين تؤرخ المدينة السفلى من عصرين هما عصر مملكة ميتاني (1500-1350ق.م)، والعصر الآشوري الحديث (911-612ق.م).

تركزت معظم قطاعات التنقيب في المدينة العليا وبلغ عددها أحد عشر قطاعاً رمز إليها المنقبون بالحروف اللاتينية O PA B C D E F L M N في المدينة العليا، في حين فتحت القطاعات G I Q على سور المدينة العليا، وخصص قطاعان آخران لاستكشاف السور الخارجي للمدينة المنخفضة هما  .K H  وفتح قطاع واحد في الجهة الغربية من الموقع حيث تمتد بقايا المدينة السفلى إلى ما وراء السور الخارجي.

أعمال التنقيب في التل
تل بيدر - مشهد عام

لقد أسفرت التحريات في القطاع F وما حوله عن كشف طبقات تعود إلى عصر فجر السلالات الثالث (والذي يقاربه عصر الجزيرة القديم IIIb بحسب تسميات الباحثين الأثريين في الجزيرة السورية) تضم بقايا منشآت معمارية إدارية بنيت على ثلاث مراحل امتدت الأولى والثانية من 2500 حتى 2450 ق.م، أما الثالثة فقد امتدت من 2450 حتى 2415 ق.م، ويعد القصر وأربعة معابد أبرز المنشآت المعمارية في هذه المنطقة.

مخطط القصر مستطيل الشكل أبعاده  32×21م، ولكن يعتقد أن قسمه الشمالي اختفى نتيجة زلزال أو انجراف في التربة مما أعطاه شكله الحالي شبه المنحرف. ويتألف هذا القصر من ثلاث قاعات الأولى رواق والثانية غرفة استقبال كبيرة تضم أعمدة، وتظهر في واجهة جدارها الغربي طلعات ودخلات مثيرة للانتباه، وتقود غرفة الاستقبال هذه إلى قاعة العرش الواسعة التي تحيط بها مجموعة من الغرف. وأضيف إلى البناية لاحقاً جناح شمالي مخصص للأعمال الحرفية التابعة للقصر، وفي الجنوب أضيفت عدة غرف لتأمين خدمات للقصر، وبهذا بلغ عدد غرف القصر نحو 26 غرفة. ومما يجدر ذكره أن القصر على الأغلب كان يضم طابقاً علوياً مخصصاً لإقامة الملك وعائلته. ويمكن ملاحظة تشابه عمارة هذا القصر مع عمارة قصور معاصرة له في مواقع مدن بلاد الرافدين القديمة كيش وأوروك وأشنونا وماري.

تل بيدر - قصر الأكروبوليس (2450ق.م) 
تل بيدر - الأكروبوليس

وجد جنوب غربي القصر بناء إداري مستطيل الشكل أبعاده  26×7,5م، وقد حفظت جدرانه حتى ارتفاع  3م. يتألف هذا البناء من أربع غرف متتابعة في صف واحد تصلها ببعضها أبواب فخمة ذات أقواس معقودة من الأعلى. وكشف جنوبي القصر عن أربعة معابد -وهي بحسب ترميز المنقبين A-B-C-D - تتشابه في تصميمها العام وفي بعض التفاصيل؛ وأكبرها المعبد A الذي شيد جنوبي القصر تماماً ولا يفصله عنه إلا زقاق ضيق جداً، ويضم ساحة كبيرة مفتوحة واثنتي عشرة غرفة أهمها غرفة العبادة. والملاحظ أن الساحة الكبيرة لها طلعات ودخلات في جدارها الشرقي ودكة. ويبدو أن المعبد A وحده بين المعابد الأخرى كان يشتمل على طابقٍ ثانٍ، بدليل وجود درج مزدوج يسمح بالوصول إليه من غرفة المدخل. كما وفي جنوبي المعبد A يوجد بناء ملحق يضم سلسلة من غرف التخزين وهو مجهز بقناة حجرية لتصريف المياه.

المعبد A وغرف التخزين (2400ق.م) 

 

المعبد C أصغر مساحة من سابقه لكنه يُعدّ مثالاً واضحاً عن العمارة الدينية في تل بيدر. يتألف هذا المعبد من ثلاثة أقسام، يضم القسم الأول جناح المدخل، الأوسط هو الساحة التي تضم طلعة مزينة بدخلات في واجهة الجدار الشمالي، أما القسم الأخير فيضم غرفة العبادة وحمام. والمثير للانتباه التزيين الخارجي لجدار المعبد الجنوبي بطلعات ودخلات يصل عددها حتى عشرة، وتوجد دخلتان في الجدار الشرقي الخارجي، ويتشابه معه المعبدان الآخران بهذه الميزة فالمعبد B له دخلة وطلعة واحدة في الجدار الجنوبي الخارجي، في حين المعبد D يتضمن ثلاثاً منها.

المعبدان B و C في (2400ق.م)  

ضمت القطاعات B Q P D المساكن الخاصة في تل بيدر، فقد كشف في القطاع B عن حي مؤلف من تسعة منازل مختلفة الأحجام تتوزع على جانبي شارع مرصوف بالحجارة البازلتية وهو مزود بنظام تصريف للمياه عن طريق قناة تمر في منتصف الشارع. والبناء الوحيد الذي نقب كاملاً مؤلف من ثلاث غرف، وقد ضم مجموعة من اللقى مثل الرقم المسمارية وألواح طينية غير مكتوبة وكرات فخارية مطبوعة بالأختام، مما يدل على أهمية هذا البناء الذي ربما كان تابعاً للإدارة المركزية والقصر.

تل بيدر - القصر الشرقي من العصر الهلنستي (2265ق.م) 

استوطنت المدينة المنخفضة في عصر الدولة الميتانية (1500-1350ق.م) حيث كشف عن لقى فخارية من طراز فخار نوزي مرسوماً عليها أشكالاً هندسية ونباتية وحيوانية وإنسانية. وبعد هذا العصر لم تسكن المدينة المنخفضة حتى العصر الآشوري الحديث. فقد كشف القطاع J عن استيطان من العصر الآشوري الحديث (القرن السابع ق.م) ، وضمت أحد بيوته قبوراً تحت أرضياته عثر بداخلها على مجموعة من الأختام الأسطوانية وقطع من العاج تمثل حيوانات ونباتات تذكر بلقى مماثلة من موقعي أرسلان طاش [ر] ونمرود. ومن الجدير ذكره هنا أن مواقع المدن الإكليلية التي يعود إليها تل بيدر قد تميزت بضخامة أسوارها، فسور المدينة العليا في تل بيدر ضخم وينحدر باتجاه المدينة السفلى. وقد تخللت هذا السور سبع بوابات ترد أسماؤها في نصوص الموقع نفسه، وهي :أوركيش، وماردين، وخويره، ومنطقة جبل عبد العزيز، والخابور، وناغار وأخيراً نينوى.

كشف في تل بيدر عن نحو 230 رقيماً مسمارياً تعود إلى عصر فجر السلالات الباكر الثالث، وتحديداً في نحو 2425 - 2400 ق.م. وقسم كبير من هذه الرقم (141 رقيماً) كان موجوداً في أحد منازل القطاع  B، أما الباقي فكان في بيوت خاصة أخرى وفي قصر المدينة وبعضها في أبنية إدارية. وتعد نصوص هذه الرقم المكتوبة بالأكادية القديمة من الأهمية بمكان كونها تعود إلى مرحلة تاريخية لم يكشف عنها إلا القليل، وخاصة في منطقة الجزيرة العليا. وهي معاصرة لنصوص إيبلا.

رقيم مسماري من تل بيدر 

تشير المعلومات التي تتضمنها النصوص المكتشفة في تل بيدر إلى أن الاسم القديم للموقع هو على الأرجح نابادا  Nabada، وهو اسم المدينة التي ورد ذكرها في نصوص إيبلا بصيغة ناباتِ Nabatiʹum بعدّها من مدن إقليم نجار Nagar.  مواضيع هذه النصوص مختلفة ولكنها بالدرجة الأولى إدارية تتضمن سجلات حسابية تخص أشخاصاً يحملون أسماءً أكادية قديمة في الغالب مع قلة من الأسماء السومرية. وتتناول هذه السجلات أنشطة زراعية ورعوية للمدينة وتوزيع الحصص. وتظهر شخصية رفيعة بصورة منظمة في هذه النصوص ألا وهي إين En المولى أو السيد لمدينة نجار مما يؤكد تبعية نابادا لها. وتمثل الأرقام الجزء الأكثر وضوحاً وفهماً، فمثلاً أنصاف الدوائر الأفقية تمثل الآحاد، أما الدائرية فهي للعشرات، مع الأخذ بالحسبان أن النظام الحسابي المتبع هو ستيني وليس مئوي . كما كشف عن كسرة من نص أدبي مدون بالسومرية وأربعة نصوص مدرسية صغيرة تشمل تمارين كتابية.

يمكن أن يستخلص من هذه النصوص أن المؤسسة المركزية في نابادا تملك نحو 7-8آلاف رأس من الغنم والماعز، وكانت ترعى في الحقول المجاورة والمحيطة بتل بيدر. ومن الواضح أن أكثر الحبوب استهلاكاً هو الشعير. كما تذكر النصوص عدداً من الحرف مثل ضافري السلال والخزّافين وحرفيي صناعة الجلد وبعض النسّاخ وحراس الأبواب. ويشير عدد صانعي العربات المذكورين في النصوص إلى أن نابادا كانت متخصصة في صناعة العربات. ومن بين ما توثقه السجلات الحسابية المكتشفة كميات الأعلاف المخصصة للحمير والبغال العائدة إلى حاكم نجار عندما كان يقدم لنابادا بمناسبة الأعياد الدينية أو من أجل اجتماع المجمع.

بعد هذه المرحلة انقطعت السكنى في المدينة العليا ولم تتجدد إلا بعد زمن طويل في العصر الهلنستي إذ كشف عن بقايا قصر من العهد السلوقي في القطاع  .A

عمار عبد الرحمن

مراجع للاستزادة:

       - أنطوان سليمان ومارك لوبو، «تل بيدر/نابادا مدينة من البرونز القديم في الجزيرة السورية- عشر سنوات من الأعمال (1992-2002)»، في سلسلة وثائق الآثار السورية 6، (2005)،  ترجمة موسى الخوري.

- M. Lebeau, Official Early Dynastic Architecture At Tell Beydar (The 1992-1995 Seasons), In Documents D’archéologie  Syrienne Vol. 1, (2002), Pp.127-133.

 


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1087
الكل : 40582652
اليوم : 112467