logo

logo

logo

logo

logo

البلاط الملكي

بلاط ملكي

Royal Court - Cour Royale

البلاط الملكي

 

نشأ البلاط الملكي Royal Court مع نشوء الدولة ونظام الحكم وظهور القصر؛ ليكون المركز الذي يدير منه الحاكم شؤون دولته. ولكي يقوم الحاكم بمهامه كان لابد أن يكون محاطاً بمجموعة من المساعدين والأتباع والحاشية الذين يتابعون تنفيذ أوامره، ويقدمون له المعلومات والمشورة ووسائل الاتصال برعاياه وبالدول الأخرى. وكان هؤلاء يكونون- مع أعضاء العائلة المالكة والحرفيين المكلفين بتلبية احتياجات القصر والخدم- البلاط الملكي الذي استمر بالتطور مع تطور الدولة القديمة. وكان البلاط الملكي يختلف من حيث عدد أفراده وتنوع تخصصاتهم ومسؤولياتهم باختلاف حجم الدولة وعلاقاتها وقوة الملك وأسلوب حكمه.

 

يستمد الدليل الأول عن البلاط الملكي ووظائفه من عمارة القصور الملكية. فالقصر الملكي الذي كتب بالعلامتين أي2- جال E. GAL في السومرية عرف باسم أيكَلُّ ekallu في الأكادية و«بيت الملك» bt.mlk في الأوغاريتية؛ كان المكان الذي يمارس فيه أعضاء البلاط أعمالهم قريباً من الملك. والقصر هو مقر الملك حيث يعمل ويقيم مع عائلته وخدمهم الشخصيين. ويعد القصر الملكي الرئيسي في ماري [ر] أهم القصور الملكية المكتشفة من ناحية الدلائل التي يقدمها على عمل البلاط الملكي بسبب تعدد أجنحته ووضوح وظيفة كل جناح بما يقترن مع العاملين به من أعضاء البلاط. وتقدم النصوص المسمارية معلومات مهمة ومفصلة عن أعضاء البلاط ووظائفهم وصلتهم بالملك. وفي هذا المجال تبرز النصوص الأكادية/ الآشورية بما تقدمه من معلومات مفصلة عن البلاط الآشوري خلال عهود حكم الملوك المتعاقبين. وتقدم نصوص محفوظات ماري - فضلاً عن آثارها المكتشفة- معلومات في غاية الأهمية عن البلاط الملكي وتفاصيل الحياة اليومية في القصر. وهناك أيضاً محفوظات إيبلا التي تقدم نصوصها مصدراً لا يضاهى من المعلومات ليس فقط عن تنظيم الدولة وإدارتها وخصائصها وإنما عن الأحوال الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أيضاً. وتقدم المشاهد الفنية في الرسوم الجدارية والمنحوتات البارزة والتماثيل نوعاً من المعلومات عن أعضاء البلاط الملكي ودورهم إلى جانب الملك. وهنا يبرز القصر الملكي في ماري أيضاً بما يقدمه من مشاهد تمثل صورة  عن أسلوب الحياة الملكية. وتجدر الإشارة هنا إلى الرسوم الجدارية [ر] المهمة المكتشفة في تل أحمر (موقع مدينة تل- بارسب القديمة على الضفة الشرقية للفرات) من الألف الأول قبل الميلاد.

 
رسوم جدارية في قصر تل بارسيب - العصر الحديدي 

كان أقرب رجال الدولة إلى الملك كبار الموظفين المسؤولين عن إدارة الدولة وقيادة الجيش وإلاشراف على مراسم البلاط وتقاليده. ومن بين هؤلاء كان المشرف على البلاط الوحيد الذي له منفذ مباشر للقاء الملك. وبعد هذه الحلقة الأولى من مسؤولي الدولة كان يأتي أعضاء البلاط، ويدعى كل منهم في الأكادية « شوت ريشِ» Shūt rēshi، والمعنى الحرفي لهذا الاسم «ذو الرئاسة». وكان لكل من أعضاء البلاط الرئيسيين مهمة تدل عليها ألقابهم، فهناك «كبير السقاة» أو «حامل الكأس الرئيسي» وبالأكادية «رب شاقي» rab shāqe، وكذلك «منادي القصر» وبالأكادية «ناجِر أيكَلِّ» nagir ekalli. وإذا كانت هذه الألقاب تدل على امتداد للخدمات المنزلية أو الخدمات البسيطة في الحياة اليومية فإنها- بما يتصل بالبلاط- تدل على المراكز الرفيعة القريبة من الملك ويتولاها أعلى مسؤولي الدولة مرتبة. وقد انتشر هذا التراث في القصور الملكية للدول المجاورة حيث وجدت مناصب عليا في البلاط الحثي يحمل أصحابها ألقاباً مثل «رئيس النبيذ».

قصر إيبلا الملكي- العصر البرونزي المبكر
قصر إيبلا الملكي والساحة والبوابة

لقد كان البلاط الملكي- في أقصى توسع له- يضم مجموعات من العاملين بدرجات مختلفة تبتدئ من الخدم، السعاة، الحرفيين، الطباخين، الخبازين وصانعي الجعة، وتشمل موظفين كبار من الإداريين والحرس فضلاً عن المسؤولين عن الضرائب والمترجمين والأطباء والموسيقيين، وكذلك ذوي الوظائف الدينية والسحرية مثل الكهنة والعرافين، وهناك أيضاً المسؤولين عن الخزينة الملكية. وكان من الأشخاص المهمين في البلاط الكتبة الذين كانوا يقومون بتسجيل الشؤون الخاصة بالقصر الملكي والحكومة، وفي الوقت نفسه يديرون المراسلات فيما بين أقسام القصر والدولة أو مع العالم الخارجي. ولعل دور هؤلاء الكتبة كان يتعدى تدوين ما يملى عليهم، أو قراءة ما يردهم إلى إدارة شؤون ما يتعلق بمواضيع كتاباتهم ومتابعتها. وكانت إدارة معيشة أعضاء البلاط وارزاقهم من المسؤوليات الكبيرة في القصر الملكي. وقد كشف في حالات عدة عن نصوص ضمن محفوظات القصور الملكية تتضمن قوائم توزيع الأرزاق على المنتمين للبلاط. وفي بعض الأحيان تضم هذه القوائم أسماء مبعوثين من دول أخرى وكذلك أمراء أجانب كانوا يعاملون معاملة أعضاء البلاط.

من المهام التي كان يشرف عليها أعضاء من البلاط مقابلات الملك مع ما يرافقها من مراسم تختلف باختلاف أهمية الزائر ومكانته. ومما يتعلق بهذه المهام تنظيم ما يرافق هذه المقابلات من تسلم هدايا يتوجب على الزوار- من المواطنين والأجانب- تقديمها إلى الملك. وكان لإدارة شؤون العائلة المالكة المقيمة في القصر الملكي داخل أجنحة خاصة؛ أهمية خاصة. فالعائلة المالكة لم تكن مقتصرة على نساء يتوجب أن يكن معزولات عن الأغراب أو عن شؤون الدولة مثلما كان يشيع الاعتقاد عند الباحثين في ضوء بعض الإشارات الكتابية. ذلك أن هذه العائلة كانت تضم الزوجات والأطفال والأبناء والإخوان والأخوات وأبناءهم، وهناك الجواري أيضاً. ولم تكن النساء في معزل عن شؤون الدولة والحكم، وهو ما بات معروفاً من خلال النصوص القديمة وخصوصاً من محفوظات ماري. وإذا كانت هذه النصوص قدمت معلومات مهمة عن قيام زوجات الملوك أحياناً بدور مهم في إدارة القصر والدولة فإنها كشفت عن أدوار مهمة لأبناء الملوك وبناتهم أيضاً. وقد قامت الزيجات الملكية بدور في نقل الأعراف الملكية من بلاط إلى آخر. وتفصح النصوص المسمارية عن عدد من الزيجات الملكية من هذا النوع مثل زواج أور- نمو- مؤسس سلالة أور الثالثة- من الأميرة الأمورية «تَرام- أورَم» Taram- Uram التي يعني اسمها «محبة أور»، وكذلك زواج زمري- لِم ملك ماري من ابنة ملك يمخد (حلب)، وزواج اشمي- دَجان- ابن شمشي- أدد الأول ملك بلاد آشور- من ابنة ملك قطنة. وهناك الكثير من حالات الزواج [ر] السياسي هذه التي كان لها تأثير في البلاط الملكي في عدد من مراكز الحكم القديمة.

 تتميز إيبلا [ر] (تل مرديخ حالياً في سورية) بما تقدمه وثائقها المدونة عن البلاط الملكي فيها خلال منتصف الألف الثالث قبل الميلاد. ويتضح من خلال هذه الوثائق أن البلاط الإيبلائي كان مؤسسة ملكية واسعة مركزية بدرجة عالية وخاضعة لضوابط إدارية راسخة. وكان هذا البلاط يضم آلاف الموظفين والحرفيين والعمال الذين يكفل القصر الملكي أرزاقهم. وكانت من مهام هذا البلاط إدارة شؤون قطعان هائلة من الأغنام التي كان القصر يمتلكها. وقد خصص عدد كبير من نصوص محفوظات إيبلا للتعامل مع شؤون إنتاج الأنسجة الصوفية وتوزيعها على أشخاص محليين وشخصيات مرموقة أجنبية. كانت الدولة تحكم من قبل ملك (مَلِكُ malikum في الإيبلائية)، لكن الملوكية لم تكن وراثية على النحو المعتاد. وكان هناك مجلس شيوخ يساعد الحاكم، وقد أدمج بطريقة ما في البلاط الملكي. وهؤلاء الشيوخ كانوا يمثلون تجمعات عائلية رئيسية تستند إلى عاملي القربى والطبقة الاجتماعية. وهكذا يمكن القول إن حكم إيبلا كان ثلاثي التكوين يتألف من الملك وموظفي البلاط والشيوخ. ولقد ميّز ما يصل إلى أربعة عشر من كبار مسؤولي البلاط في إيبلا حملوا اللقب السومري لوجال lugal الذي يعني في الأكادية  «شَرُّ sharru»، أي ملك، لكنه في الإيبلائية يدل على المعنى «سيد». وقد عمل اثنان من هؤلاء المسؤولين الملقبين «لوجال» قضاة، وعمل اثنان آخران مشرفين على قطاعات مهمة في القصر بضمنها شؤون تربية القطعان.

مكتبة القصر الملكي في إيبلا عند اكتشافها

من أهم المسؤولين في البلاط كان الوزير (سُكَّلُ sukkalu بالأكادية). ومن الوزراء المعروفين في سورية القديمة طاب- بَلاطِ Tab -balati وزير يارِم- لِم(1780-1765ق.م) ملك يمخد (حلب) الذي حمل هدايا ملكه إلى زمري- لِم ملك ماري إيذاناً بتحالفه معه. وورد في النصوص أيضاً اسم ابلاخندا Aplakhanda وزير شينّام Shennam ملك أورشوم Urshum  في شمال- شرقي سورية، وهي المملكة التي كانت لها علاقات طيبة مع ماري وكان لها مبعوثون يمثلونها لدى بلاط ماري بحسب النصوص المكتشفة هناك.

تقدم مدينة ماري من خلال عمارة قصرها الملكي الرئيسي والمحفوظات المدونة المكتشفة فيه صورة واضحة عن القصر الملكي ووظائفه وتكوين بلاطه ودوره في بلاد الرافدين وسورية خلال العصر البرونزي الوسيط. فالقصر الملكي في ماري يضم أربعة عشر جناحاً بوظيفة مميزة لكل جناح، وهذه الأجنحة هي: جناح المدخل، المطابخ، المعبد، أجنحة إدارية، جناح متعدد الوظائف، مشاغل ودكاكين، مخازن الطعام، الخدمات، الجناح الإداري الملكي، الإقامة الملكية، الضيافة، قاعة العرش وملحقاتها وجناح خدمات العائلة المالكة. وتكشف نصوص ماري عن أسماء عدد من أعضاء البلاط الملكي ووظائفهم، ومن هؤلاء مُكانيشُم Mukanishum الذي كان مسؤولاً عن مشاغل القصر في عهد الملك زمري- لِم. ومن الوظائف المرموقة في بلاط ماري وظيفة «مسمن الحيوانات» لصلتها بتوفير الطعام لجموع العاملين في القصر. ويرد اسما اثنين ممن تولوا هذه الوظيفة؛ وهما شمش- تابي Shamash-tapi وأسيرُم Asirum. ومن مسؤولي بلاط ماري الذين وردت أسماؤهم في النصوص بَخدي- لِم Bakhdi-Lim الموكّل بإدارة القصر في غياب الملك، ياسِم- سومو Yasim-sumu مسؤول الأفراد والسجلات، وأما- دُجّا Ama-dugga المسؤولة عن المطابخ والمواد الغذائية.

 
 
القصر الشمالي في قطنة - العصر البرونزي المتأخر  
 
رسم تخيلي لقصر النخيل في قطنة  
 

ومن كبار رجال البلاط الذين قاموا بدور مهم في تاريخ ماري إشار- لِم Ishar- Lim، وكان قد عمل خلال حكم سومو- يمام Sumu- Yamam (في نحو 1794ق.م) مشرفاً على البستان الملكي، ثم صار من الاتباع البارزين لشمشي- أدد الأول. ويبدو أن كبار رجال البلاط في ماري قاموا باسقاط سومو-يمام واغتياله بتنسيق مع شمشي-أدد الأول الذي تسلم حكم ماري بعد ذلك ونصّب ابنه يسمخ- أدّو ملكاً عليها. ففضلاً عن إشار- لِم تذكر النصوص لِتير- شَرَّسُّ Liter- sharrassu وخَماتِل Khamatil اللذين عملا في بلاط سومو- يمام أيضاً واستمرا في عهد يسمخ- أدّو، وانتقلا لاحقاً إلى بلاط شمشي- أدد  الأول في مدينتي شوبات- أنليل (تل ليلان حالياً في سورية) وأيكَلاتي (تلول الهيكل حالياً شرقي دجلة في شمالي العراق). وكان خَماتِل قد عمل أيضاً في بلاط يخدون- لِم (في نحو 1810ق.م) الذي سبق سومو- يمام في حكم ماري، أي إنه عمل في بلاط أربعة ملوك.

برزت مؤسسة الحكم الملكية في قطنة (تل المشرفة حالياً في وسط سورية) بتنظيمها الهرمي المحكم والمستمر خلال الألف الثاني قبل الميلاد حتى تدمير المدينة في عام 1340ق.م، وقد حافظت هذه المؤسسة على استمراريتها حتى حين ضعف دور ملوك قطنا في العصر البرونزي الحديث. وقد كان القصر الملكي في هذه المدينة المركز السياسي للمملكة ورمزاً لها، وكان محاطاً بمبان عامة أخرى تؤدي وظائف إدارية واقتصادية. وتميز القصر بالنشاط الاقتصادي تحت إشراف إدارة كبيرة تعمل تحت قيادة الملك. وكانت هناك مخازن للمنتوجات الزراعية المخصصة للاستهلاك في القصر أو لاستعمالها أرزاقاً توزع على منتسبي البلاط. وقد استعملت القروض لتجنيد عاملين مؤقتين في البلاط حين الحاجة فضلاً عن العاملين الدائميين فيه. وارتبطت بالبلاط مشاغل حرفية خاصة لإنتاج النسيج والأواني الفخارية والمواد المعدنية.

قيثارة من مدافن أور الملكية 
 
مدخل القصر الملكي - أوغاريت  

في أوغاريت (رأس شمرا) وجدت مجموعة أشخاص أُطلق عليهم اسم «رجال الملك» ولعلهم من النبلاء العاملين مباشرة مع الملك في بلاط أوغاريت. ويتضح من النصوص المكتشفة هناك أن الملك كان يحكم البلاد بمساعدة إدارة دقيقة التنظيم تقوم بتحصيل الضرائب وتوزيع المواد والمشاركة في التجارة الدولية. وكان ذكر الملك في مقدمة ما يدوّنه أعضاء البلاط من نصوص عن النشاطات المختلفة. ومن المصطلحات الخاصة بألقاب منتسبي البلاط في أوغاريت «مراقب القصر» و«صاحب الرئاسة» (بالأكادية شا ريشي sha reshi). وضم البلاط الأوغاريتي أيضاً رجال دين قائمين على خدمة الملك، وهم ينتمون إلى صنفين يرد ذكرهما في النصوص بصيغتي «الكهنة» KHNM والقديسين QDŠM. وكان الكتبة من الأعضاء الرئيسين في بلاط أوغاريت، ومن الواضح أنهم كانوا يتوارثون وظائفهم ضمن العائلة الواحدة إذ أمكن تتبع أربعة أجيال من عائلة واحدة من الكتّاب تنتسب إلى أبايا Abaya.

نائل حنون

مراجع للاستزادة:

-R. D. Biggs and McG. Gibson (eds.), The Organization of Power: Aspect of Bureaucracy in the Ancient Near East, (Chicago, 1987)

-M. Heltzer, The Internal Organization of the Kingdom of Ugarit, (Wiesbaden, 1982).

 


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1098
الكل : 40542116
اليوم : 71931