logo

logo

logo

logo

logo

بهستون (نقش-)

بهستون (نقش)

Behistun (inscription) - Behistun (inscription)

بهستون (نقش -) 

 

بهستون Behistun اسم لقرية ولموقع أثري ولجبل في سلسلة جبال زاغروس غربي إيران. يبعد الموقع نحو 32 كم إلى الشرق من كرمنشاه، على طريق همدان- كرمنشاه. اشتهر المكان بالنحت النافر والكتابات ثلاثية اللغات التي تحيط به والتي نفذت بأمر من الملك الفارسي داريوس الأول (522-486ق.م) على صخرة عالية في جبل بهستون.

ذكر الموقع في المصادر الإغريقية باسم باغستانون  Bagistanon، وهي من الفارسية القديمة Bagastāna  وتعني «مكان (أو مقر) الإله أو الآلهة»، وهذا ما يشير إلى قداسة المكان القديمة. ووردت التسمية في المصادر الجغرافية العربية عند ابن حوقل والاصطخري وياقوت الحموي والقزويني والمقدسي بالشكل بَهِستون  Bahestūn، بِهِستون Behestūn ، أما التسمية الإيرانية المعاصرة «بيستون» للقرية القائمة هناك وللمنطقة فهي تحوير للاسم بهستون.

عثر في الموقع على آثار يمتد تاريخها من العصر الحجري القديم حتى العصور الإسلامية، وقد عدّ من قبل اليونسكو عام 2006م  واحداً من مواقع التراث العالمي بسبب غناه الأثري.

نصب داريوس الأول (522-486ق.م) على جبل بهستون:

يعدّ نصب درايوس الأول الكبير (29 أيلول/ سبتمبر 522ق.م- تشرين الأول/ أكتوبر عام 486ق.م) في بهستون والكتابات المحيطة به أقدم عمل فني يؤرخ في عصره والأثر التأريخي الوحيد من العصر الأخميني، وقد نقش على وجه جرف صخري شديد الانحدار يصعب الوصول إليه في  أعلى الجهة الجنوبية من جبل بهستون على ارتفاع 66 متراً فوق الطريق الرئيسي القديم الذي يربط إكباتانا (همدان) في هضاب ميديا ببابل في بلاد الرافدين عبر جبال زاغروس، وهذا ما يفسر إقامة داريوس لنصبه في تلك المنطقة التي كانت محطة دائمة للقوافل حيث تتفجر ينابيع الماء عند قاعدة الجبل. وقد نفذ النحت ما بين نهاية السنة الأولى من حكم داريوس ونهاية العام الثالث من حكمه.

أراد الملك داريوس من هذا النصب أن يخلد انتصاراته التي أدت إلى صعوده على العرش بعد القضاء على تمرد غوماتا Gaumāta؛ وقمعه للثورات التي قامت ضده خلال السنوات الثلاث الأولى من حكمه.

يتألف نصب داريوس الأول من قسمين: الأول نحت تصويري نافر، والثاني نقش كتابي. يبلغ ارتفاع النحت النافر نحو ثلاثة أمتار وعرضه 5.5م، وتحيط به النقوش الكتابية من جهاته الثلاث ليصبح ارتفاع النحت مع الكتابات المحيطة به نحو 7.8م وعرضه نحو 22م. 

نصب داريوس الأول الكبير على جبل بهستون

النحت التصويري النافر:

يصوّر النحت النافر الملك داريوس واقفاً يضع قدمه اليسرى على رجل مستلق على الأرض؛ هو غوماتا الذي يظهر بلباسه الفارسي رافعاً يديه طالباً الرحمة من الملك. يرتكز داريوس على قوس بيده اليمنى ويرفع اليد اليسرى تجاه شكل مجنح يمثل الإله أهورا مزدا الذي صور على هيئة رجل متوج يبرز من القرص المجنح ويحمل في إحدى يديه الحلقة رمز السلطة؛ ويرفع الأخرى مباركاً الملك داريوس بما يشابه حركة يد داريوس، وهذا ما يبرز التواصل بين الملك والإله، فالملك يمجد الإله والإله يباركه. يحوم هذا الشكل فوق صف من المتمردين الأسرى. يقف خلف الملك اثنان من حاشيته باللباس الفارسي؛ وهو لباس الملك نفسه أحدهما يحمل قوساً والآخر رمحاً. يساق المتمردون التسعة الآخرون أمام داريوس كل بلباسه المحلي، ويبدون أصغر حجماً منه مما يشير إلى رغبة النحات في إظهار عظمة داريوس. وهناك كتابات ثلاثية اللغات فوقهم وعلى الهامش السفلي للنحت للتعريف بهم، وقد رتبوا في الصف وفقاً لتاريخ هزيمتهم؛ فخلف الكاهن غوماتا (سمرديس المزيف) المستلقي على الأرض يقف: 1- آشينا Āçina  الملك العيلامي 2- نيدينتو-بل  Nidintu-Bēl (Nadintabaira في النسخة الفارسية) البابلي (الذي تسمّى باسم نبوخذ-نصّر بن نبونائيد) 3- فرا فارتيش Fravartiš ملك ميديا 4- مارتيا Martiya ملك عيلام 5- تريتانتايخمس Čiçantaxma/Tritantaikhmes ملك سغرتيا Sagartia (في منطقة يزد حاليا) 6- فاهيزداتا Vahyazdāta المتمرد في فارس 7- أراخا Araxa الذي تمرد في بابل 8- فرادا Frāda ملك مرو. أما الرجل التاسع والأخير في الصف فلم يكن واحداً من هؤلاء عندما تم إنجاز النصب وإنما أضيف فيما بعد؛ إذ تم إتلاف النص العيلامي إلى اليمين لتنحت صورته مكانه، وهو سكونخا Skunkha  ملك السكثيين - ذوي القبعات المدببة - والذي انتصر عليه داريوس في العام الثالث من حكمه.

يشار إلى أن داريوس قد استوحى مكان نحته وموضوعه من نصب أقامه الحاكم المحلي أنوبانيني Anubanini ملك قبائل اللولوبي (نحو 2000ق.م) في سربل ذهاب Sar-e Pol­e Zohāb عند بوابات جبال زاغروس (أو بوابات آسيا) على بعد 150 كيلومتراً إلى الغرب من بهستون.   

النحت التصويري النافر لنصب داريوس الأول الكبير

النقوش الكتابية:

تحيط بالنحت التصويري النافر نقوش كتابية ثلاثية اللغات، كتبت بالفارسية القديمة والعيلامية والبابلية. تعدّ هذه النقوش من أهم الوثائق في الشرق الأدنى القديم كله لكونها المفتاح الرئيسي لفهم لغاته، وهي التي فتحت الطريق لفك رموز الكتابة المسمارية، وبالتالي فتحت الباب لمعرفة حضارات قديمة لم تكن معروفة في السابق، فكان لها قيمة مماثلة لحجر رشيد بالنسبة إلى علم المصريات.

تشير الدراسات إلى أن كتابات بهستون لم تكن في البداية ثلاثية اللغات، كما أنها لم تنفذ في وقت واحد، فالنص العيلامي الأول هو أقدم النقوش وقد نفذ إلى اليمين من النحت النافر ليكون جزءاً رئيسياً منه، ويتألف من 323 سطراً موزعة على أربعة أعمدة، ويعتقد أنه كتب في بداية عام 519ق.م. بعد ذلك أضيفت النسخة المكتوبة باللغة البابلية على المنحدر البارز إلى الجهة الأخرى من النحت النافر وتبدو كأنها كتبت على لوح طيني مستند إلى الصخر، وكتب النص على وجهي الصخرة في عمود واحد يضم 112 سطراً، بعضها طويل جداً. في العام نفسه نقش النص الفارسي القديم تحت النقش النافر لداريوس، وهو ترجمة للنص العيلامي مع بعض التعديلات، ويتألف من 414 سطراً موزعة على خمسة أعمدة، ويعدّ هذا أول نص فارسي يكتب بالخط المسماري الذي وضعه داريوس وذلك بحسب ما يرد في المقطع رقم «70» من النقش.

بعد هزيمة العيلاميين بقيادة أتامائيتا Atamaita- الذي لم يصور في النحت النافر- وهزيمة السكيثيين بزعامة سكونخا Skunkha كان لابد من إضافة صورة لسكونخا، وبالتالي نحتت صورته مكان بداية النص العيلامي الأول الذي ترك لهذا السبب نهائياً وأعيدت كتابته بنسخة جديدة مباشرة تحت النسخة البابلية، ويتألف من 260 سطراً موزعة على ثلاثة أعمدة. وبعد ذلك أضيف العمود الخامس إلى النسخة الفارسية القديمة ويضم ستة مقاطع جديدة وذلك بهدف تسجيل الأحداث الجديدة.

هناك كتابات أخرى في الفراغات الموجودة ضمن النحت النافر، أولها كتب فوق صورة داريوس بالعيلامية ويضم المقاطع من الرقم «1» إلى الرقم «4»، ثم أضيفت النسخة الفارسية من المقاطع «1-4» إلى اليسار أمام صورة الإله أهورامزدا. وبعد ذلك وفوق الكتابة العيلامية أعلى صورة الملك داريوس أضيف المقطع رقم «70» باللغة العيلامية. هناك كتابات ثلاثية اللغات فوق صور المتمردين وكذلك على الحافة السفلى لهذا النحت، وهي تحدد الأشخاص المصورين بأسمائهم وقد كتبت أولا بالعيلامية ثم أضيفت إليها الكتابة البابلية ثم الفارسية القديمة.

قام داريوس- بحسب مضمون المقطع رقم «70» من كتابات بهستون- بإرسال نسخ عن كتاباته إلى جميع الأقاليم. وقد تم العثور في بابل على كسرتين صغيرتين من البازلت عليهما بعض السطور المتوافقة مع نقوش بهستون؛ ربما تشكلان- مع أجزاء أخرى غير مكتوبة تم العثور عليها في بابل- جزءاً من نسخة كاملة لنصب داريوس مع كتاباته كانت موضوعة هناك. كما عثر في جزيرة فيلة في صعيد مصر على بقايا لترجمة آرامية لكتابات بهستون على أجزاء من البردي تؤرخ من نحو 420ق.م، وقد كتبت بالآرامية الرسمية وتقترب كثيراً من النسخة البابلية في نقش بهستون.

مضمون الكتابات:

قسمت كتابات بهستون إلى سبعين مقطعاً (النسخة البابلية تتألف فقط من تسعة وستين وكذلك النسخة العيلامية الثانية)، وكل مقطع في النسخة الفارسية يبدأ بالعبارة: «يقول داريوس الملك»، في حين يبدأ بها عدد أقل من المقاطع في النسختين العيلامية والبابلية. وتزيد النسخة الفارسية ستة مقاطع إضافية لتسجيل أحداث السنتين الثانية والثالثة من حكم الملك داريوس.

أراد داريوس من كتاباته أن يظهر نفسه ويبرر أعماله فيشرع لنفسه خلافة قريبيه قورش الثاني وقمبيز الثاني، لذلك يسرد داريوس في البداية أسماء أجداده ويضع قائمة بأسماء ثلاثة وعشرين بلداً - بما فيها فارس - كانت خاضعة له عندما أصبح ملكاً عام 522ق.م. وتسرد المقدمة بعد ذلك بياناً بالأحداث التي أدت إلى مقتل غوماتا وصعود داريوس إلى العرش وذلك في التاسع والعشرين من أيلول/ سبتمبر سنة 522ق.م. أما في متن النص فيسرد الملك أعماله – على نحو مطول- في القضاء على المتمردين والمدّعين الذين ثاروا ضده في سنة صعوده على العرش وخلال السنة الأولى من حكمه؛ وهؤلاء هم أنفسهم الذين صوروا على النقش النافر، لكن داريوس يصف في النص معاركه وانتصاراته على المتمردين بترتيب جغرافي عام، ويسرد باختصار في العمود الخامس من النص الفارسي القديم أخبار انتصاراته في السنتين الثانية والثالثة من حكمه. ويؤكد داريوس ضمن النص دعم الإله أهورامزدا له في قمع المتمردين بعد أن خاض خلال عام واحد تسع عشرة معركة وانتصر فيها وأسر تسعة ملوك، ويطلب من الملوك الذين يأتون بعده أن يستلهموا من أعماله التي أنجزها بفضل مساندة الإله أهورامزدا له وأن يضربوا المتمردين. يوصي داريوس من يأتي بعده أن يحفظ كتاباته والصور التي نقشها ويطلب من الإله أهورا مزدا أن يبارك من يحفظها ويزيد من ذريته ويمنحه الحياة الطويلة ويحقق له ما يتمنى، ويكيل اللعنات على أولئك الذين لا يحفظون نقوشه، وذلك بما يشابه الكتابات الملكية القديمة في بلاد الرافدين.

من النقوش الكتابية المحيطة بالنحت التصويري للنصب

دراسة النقش:

كانت أول محاولة جدية لفحص نقش بهستون ودراسته قد قام بها هنري رولنصن [ر] Henry Rawlinson ر(1810-1895م) الضابط البريطاني في شركة الهند الشرقية العاملة في إيران. وقد قام رولنصن بدءاً من صيف عام 1835م بتسلق الجبل عدة مرات وكان يتدلّى بحبل من أعلى الجرف الصخري للقيام بنسخ الكتابات المسمارية، ثم نجح في قراءة علامات الكتابة المسمارية الفارسية القديمة مستفيداً من ملاحظات الألماني جورج فريدريش غروتفند[ر] Georg Friedrich Grotefend، وبالاستعانة بأسماء الملوك الأخمينيين وأنسابهم التي ذكرها هيرودوت، واستطاع عام 1837م أن يفهم مضمون النص الفارسي وينشر نتائج دراسته للنص في الأعوام 1846-1847/1849م في مجلة الجمعية الملكية الآسيوية.

عاد رولنصن إلى بهستون عام 1844م ليكمل نسخ الكتابات، وبالاعتماد على نسخه تمكّن الإنكليزي إدوين نوريس Edwin Norris من فك رموز النص العيلامي مستفيداً من ملاحظات الدنماركي نيلز فيسترغور Niels Westergaard، وكان رولنصن قد بدأ بفك رموز الخط البابلي ونجح في ذلك عام 1851م. وبذلك تمكن العلماء من قراءة النصوص المسمارية المكتشفة في نينوى مما فتح الطريق لولادة فرع جديد من المعرفة هو «علم الآشوريات» وليصبح رولنصن أباً لهذا العلم.

عماد سمير

مراجع للاستزادة:

- Rüdiger Schmitt, «Bīsotūn, Iii. Darius’s Inscriptions», In Encyclopædia Iranica 4 (1990), Pp. 299-305.

- Ann Farkas, «The Behistun Relief,» In The Cambridge History Of Iran, Vol. 2,  Pp. 828-831.

- F. H. Weissbach, Die Keilinschriften Der Achämeniden, (Leipzig, 1911).

- D. T. Potts, The Archaeology Of Elam, (Cambridge, 1999).

 


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1088
الكل : 40535086
اليوم : 64901