logo

logo

logo

logo

logo

بوغازكوي

بوغازكوي

Boghazkoy - Boghazkoy

بوغازكوي

 

بوغازكوي Bogazkoy اسم قرية تركية معاصرة أطلق على موقع العاصمة الحثية القديمة خاتوشا Khattusha المجاور لها. يقوم هذا الموقع على هضبة صخرية في شمالي وسط بلاد الأناضول [ر]، على بعد نحو   150كم شرق العاصمة التركية أنقرة، وذلك عند خط الطول 32- 34 شرقاً وخط العرض 9 -40 شمالاً. للموقع - في أقصى امتداده - شكل شبه بيضوي يمتد من الشمال إلى الجنوب بطول 2200م، وبعرض يبلغ زهاء 1200م. تشغل المدينة العليا القسم الجنوبي الأوسع في الموقع، في حين تمتد المدينة السفلى في القسم الشمالي. وتبرز في الموقع ستة مرتفعات أكبرها بويوك كالي Buyukkale، وتشغله منطقة المنشآت المركزية (القلعة) في منتصف الجانب الشرقي من الموقع. المرتفع الثاني بويوك كايا Buyukaya في الزاوية الشمالية الشرقية من الموقع. أما المرتفعات الأربعة الأخرى فجميعها في القسم الجنوبي من الموقع حيث قامت المدينة العليا. وهذه المرتفعات هي كزلاركايا Kizlarkaya، نيصان تبه Nisan tepe، ساري كالي Sarikale وينيسي كالي Yenicekale.

مخطط عام لموقع بوغازكوي (خاتوشا)
يوضح أقسام الموقع وقطاعات التنقيب ومواضع مجموعات
الرقم الطينية المكتشفة  (1 - 13)
مخطط للقلعة والقصور الملكية على مرتفع بويوك كايا
في بوغازكوي وعليه مواضع اكتشافات مجموعات
الرقم الطينية المدونة (1 - 5)
مخطط المعبد الرئيسي في بوغازكوي مع بيت السفح وعليه
موضعا المجموعتين 7 و8 من الرقم الطينية المدونة

عرف اسم هذه المدينة التي اتخذت عاصمة للحثيين لأمد طويل؛ بصيغة خاتوساس Khatusas، وكتب في النصوص المسمارية الأكادية خاتّوشا. وكان الاسم القديم للموقع قد بقي مجهولاً على الرغم من زيارة شارل تكسيي Ch. Texier  له في عام 1834م. وفيما بعد استطاع هنري سايس H. Sayce نسبة الموقع إلى الحثيين. في عام 1882م أنجز أول مخطط للموقع، وفي عام 1894م عثر على أولى الرُقم الطينية المسمارية. حاول الآثاريون البريطانيون العمل في الموقع لكن تدخل الامبراطور الألماني أدى إلى تخويل الآثاريين الألمان بالتنقيب الذي شرع به هوغو فنكلير H. Winckler وتيودور مكريدي T. Makridi والتحق بهما أوتو بخشتاين O. Puchstein. وقام هذا الفريق الألماني بالحفريات المنظمة في بوغازكوي خلال الأعوام 1906- 1907 و1911- 1912. ومن خلال تلك التنقيبات أمكن التوصل إلى أن بوغازكوي هو موقع العاصمة الحثية خاتوشا، كما ساعد اكتشاف الرُقم الطينية المدونة على معرفة اللغة الحثية وقراءة نصوصها، وهي اللغة التي كان الحثيون [ر] أنفسهم يدعونها النيشايتية Neshite. أديرت التنقيبات من قبل كورت بتيل K. Bittel خلال ثلاثينات القرن العشرين، منذ عام 1931م حتى نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939م، واستؤنفت تحت إدارته أيضاً في عام 1952م. ثم تولى إدارة التنقيبات نيفي P. Neve في عام 1978م وأعقبه سيهير J. Seeher  عام 1994م. وقد شملت التنقيبات القلعة والقصور التي تتضمنها في مرتفع بويوك كالي، وكذلك منطقة المعبد الرئيسي في المدينة السفلى قرب السور الغربي. وتم التنقيب أيضاً في نيصان تبه حيث وجد مركز إداري في وسط المدينة العليا، وفي القسم الجنوبي الشرقي من المدينة العليا الذي يتضمن عدداً من المعابد. وفي الوقت الحاضر يعد موقع بوغازكوي متنزهاً وطنياً National Park وموقع تراث عالمياً من قبل المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة «يونسكو» UNESCO.

إن أقدم سكنى في موقع بوغازكوي تعود إلى أواخر الألف الثالث قبل الميلاد وكانت متركزة في مرتفع بويوك كالي وإلى الشمال الغربي منه. وفي خلال القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد توسعت المدينة أكثر نحو الشمال الغربي. وقبل أن تكتسب المدينة هويتها الحثية كانت مقراً لمستوطنة تجارية آشورية «كارُم» Karum. وفي نهاية القرن الثامن عشر قبل الميلاد تعرضت المدينة والمستوطن الآشوري للتدمير حرقاً ربّما على يد أنيتّا Anitta الحثي ملك كوسّارا Kussara. وقد أعاد الملك حاتّوسيليس الأول Hattusilis I (في نحو 1650ق.م) تأسيس المدينة من جديد واتخذها عاصمة للمملكة الحثية القديمة. وعلى الرغم من أن المدينة كانت محصنة بشكل قوي فإنّها سقطت أكثر من مرة بأيدي أقوام كاسكا الشماليين، وهجرت لأمد قصير حين نقل الملك مواتالّيس الأول Muwatallis I (في القرن الخامس عشر ق.م) العاصمة إلى مدينة تارخونتاسا.

المعبد الكبير في المدينة السفلى من موقع بوغازكوي 

 

بلغت خاتّوشا أوسع امتداد لها في القرن الثالث عشر قبل الميلاد قبل عقود من تدميرها في نحو 1180ق.م في خضم الحوادث واسعة الانتشار التي أنهت العصر البرونزي الحديث في شرقي البحر المتوسط، وهي الحوادث التي تعزى إلى تحركات «شعوب البحر». وقد كشفت التنقيبات منذ عام 1993م عن الدليل على سكنى قروية خلال فترة الاضمحلال (1200- 900ق.م) على مرتفع بويوك كايا في الزاوية الشمالية الشرقية من الموقع. وفي منتصف القرن الثامن قبل الميلاد كانت هناك مدينة فريجية محدودة المساحة هناك. وقامت في الموقع بلدة صغيرة في العهود الهلنستية والرومانية، كما كشفت التنقيبات أيضاً عن بعض البيوت البيزنطية.

منحوتة لآلهة العالم السفلي الحثيين الاثني عشر
بالقرب من بوغازكوي (معبد خاتوشا)
 

تقدم التحصينات التي كانت تحيط بمدينة خاتّوشا أوضح الأمثلة الموثقة للأنظمة الدفاعية في الشرق الأدنى القديم من الألف الثاني قبل الميلاد. فهذه التحصينات التي تتألف من أسوار بأبراج وبوابات محصنة كانت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد بطول يبلغ زهاء 6كم وتحيط بما تزيد مساحته على 162 هكتاراً من العاصمة الحثية. السور كان مزدوجا وتبرز الأبراج في جداريه الخارجي والداخلي على مسافات يبلغ معدل طولها نحو 25م. وكانت القلعة محاطة بسور ذي أبراج أيضاً، ولها مدخل يربطها بالمدينة العليا. لقد اعتمدت تقنية بناء الأسوار في بوغازكوي على وضع أسس من أحجار ضخمة فوق سدة ترابية عالية ثم يشيد السور باللبن. وكان عرض السور يصل إلى خمسة أمتار، ويقدر ارتفاعه بستة أمتار. المداخل الخارجية للبوابات كانت محمية جيداً ببرجين يتقدمان كثيراً كلاً منها. وبعد اجتياز أي من هذه المداخل يمكن الوصول إلى المدينة عبر مدخل منفرد يخترق السور الداخلي العالي. من بين بوابات المدينة تبرز في الجنوب «البوابة الملكية» التي يتصدر جانبيها تمثالان حجريان لكائنين مركبين، وتحمل العضادة الحجرية اليسرى لهذه البوابة في الواجهة الخارجية للسور الداخلي تمثالاً بالنحت البارز لإله محارب. وهناك بوابة أخرى يحرسها تمثالان حجريان لأسدين. وكانت البوابات مجهزة بأنفاق مخفية تنزل تحت التحصينات من داخل المدينة لمسافة تصل إلى زهاء 64م لتنتهي عند قاعدة التل، ووظيفة هذه الأنفاق تهيئة ممر محمي للمدافعين عن المدينة للخروج وشنّ هجمات مضادة في حالات الحصار، وهذا ما يشابه تكوين البوابة الشمالية الغربية في أوغاريت [ر].

 
 بوابة الأسود - بوغازكوي  
 
 مرتفع ينيسي كالي بين بوابة الأسود
والمدينة العليا - بوغازكوي
 

قلعة المدينة تقوم على المرتفع الصخري بويوك كالي وتأخذ شكلاً شبه منحرف غير منتظم يبلغ أقصى طول له من الشمال إلى الجنوب 240م، وأقصى عرض من الشرق إلى الغرب 200م، ويحيطها سور ضخم مزود بأبراج دفاعية. المدخل الرئيسي للقلعة موجود في الطرف الغربي من الضلع الجنوبية وهو يؤدي إلى المدينة العليا، ويرجح وجود ثلاث باحات رئيسية واسعة مفتوحة تتوسط القلعة وهي العليا، الوسطى السفلى. تحيط بهذه الباحات قصور ملكية وأبنية إدارية يبلغ عددها تسعة، أشرها المنقبون بالحروف اللاتينية A-N، وتم الكشف عن معظمها كاملة.

اكتشف المعبد الرئيسي (المعبد1) في المدينة السفلى الشمالية بالقرب من السور الغربي، في حين وجدت جميع المعابد الأخرى- التي بلغ عددها الثلاثين- في المدينة العليا الجنوبية. المعبد الرئيسي كان مكرساً لعبادة إله الجو خَتّي Khatti وإله الشمس أرينّا Arinna، ويتميز بمخططه الذي يتكون من البناية الأساسية للمعبد (64×42م) وصف من غرف الخزن الطويلة التي تحيط بها من كل الجهات مع وجود فراغ يفصلها عن هذه الغرف. ويلاحظ أن معظم الغرف المحيطة بالمعبد تتصل ببعضها عبر أبواب داخلية. المدخل الرئيسي للمعبد موجود في الضلع الجنوبية الشرقية قرب الزاوية الجنوبية، وهناك ثلاثة مداخل أخرى تخترق صف الغرف المحيطة بالمعبد أحدها في الضلع الجنوبية الغربية المطلّة على الشارع والثاني في الضلع الشمالية الشرقية، أما الثالث فهو في الضلع الشمالية الغربية. مدخل بناية المعبد نفسه في الجهة الجنوبية الغربية ويؤدي عبر ثلاث غرف إلى باحة المعبد ذات الشكل المستطيل. وفي الطرف الشمالي الشرقي من الباحة يوجد رواق بأعمدة يتقدم القسم الخاص بالعبادة. وهذا القسم يضم غرفة عبادة واسعة لا يتم الوصول إليها إلا عبر غرفتين جانبيتين. وتضم غرفة العبادة عند وسط جدارها الشمالي الشرقي قاعدة حجرية لتمثال الإله.

المعابد الثلاثون الأخرى وجدت جميعها في المدينة العليا الجنوبية في بوغازكوي، ومعظمها في الركن الجنوبي الشرقي من المدينة باستثناء المعبد السابع والمعبدين الثلاثين والحادي والثلاثين التي توسطت المدينة على امتداد من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي. ولم يكتشف حول أي من معابد المدينة العليا ما يشابه صف الغرف المحيط بالمعبد الأول في المدينة السفلى، واقتصر ما اكتشف بالاقتران مع هذه المعابد جدار يمتد من سور المدينة في الزاوية الجنوبية الشرقية إلى بناية المعبد الخامس. ولعله كانت توجد جدران مشابهة تحيط بأبنية المعابد الأخرى. إن عمارة هذه المعابد تظهر تنوعاً يجعل من الصعب تتبع أصولها السابقة للقرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد، ولكن يمكن القول إن أقرب عمارة شبهاً بها هي عمارة قصر يارم- لِم في ألالاخ [ر] في سورية من النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد.

يظهر فن النحت في بوغازكوي تأثراً واضحاً بالنحت البابلي أكثر من تأثره بالنحت المصري أو الآشوري. ويبرز دليل كتابي قد يفسر هذا المنحى الفني، فهناك رسالة من الملك الحثي حاتوسيليس الثالث (أوائل القرن الثالث عشر قبل الميلاد) يسأل فيها ملكاً بابلياً أن يعيره نحاتاً، ويعده بأن يعيده حالما ينجز عمله مثلما كان قد فعل في مناسبة سابقة. أما تماثيل الكائنات المركبة المكتشفة في بوغازكوي فإنها تظهر تأثراً بالأمثلة السورية التي اتخذت طابعاً متميزاً عن المنحوتات المصرية من هذا النوع. وفيما يخص فن النحت قليل البروز شبه المسطح orthostats  التي وجدت في موقع العاصمة الحثية فتظهر مشابهات لها في أبنية شمالي سورية، مثلما في ألالاخ. ويبدو أن هذا الطراز الفني السوري الحثي كان المثال الذي اقتدت به المنحوتات البارزة الآشورية لاحقاً، لكنها فاقته في بروزها وتجسيدها للتفاصيل. ومن المكتشفات المثيرة للاهتمام في بوغازكوي قطعة من حزام معدني بعرض 10سم، وذلك بسبب تصميمها وتقنية صناعتها. فهذه القطعة تتألف من صفيحة رقيقة من الفضة مؤطرة بشريطين من البرونز يتكونان من حلزونات متضافرة يخترقها سلك من الذهب. إن هذا التصميم يشابه ما وجد في إيجيا وكريت، لكن تقنية استعمال معادن متعددة معاً كانت ابتكاراً سوري الأصل.

 
حصن يركابي جنوبي موقع بوغازكوي  
 
منحوتة حجرية تمثل أحد الملوك الحثيين 

لقد استخرجت آلاف من الرقم الطينية المدونة سواء كانت كاملة أم بشكل كسر. وهذه الرقم مدونة بالخط المسماري باللغات الحثية القديمة والحديثة، الأكادية (اللهجة البابلية الوسيطة)، الحورية، اللوفية Luwian والبلائية Palaic. وكان الخط الهيروغليفي مستعملاً أحياناً في تدوين النقوش التذكارية باللوفية. تنسب الرقم المكتشفة في بوغازكوي إلى ثلاث عشرة مجموعة تنتمي إلى مكتبات أو محفوظات. وتحدد هذه المجموعات بحسب المواضع التي اكتشفت فيها، وذلك على النحو الآتي:

- المجموعة (1): 4000 كسرة من رُقم طينية قد يصل عددها بعد الترميم إلى ألفي رُقيم. عثر على هذه المجموعة في الغرف 1-6 في القصر A في القلعة، ومواضيع نصوصها مختلفة وكذلك لغاتها. وتجدر الإشارة إلى أن نصوص الرسائل الدولية والمعاهدات ونصوص الفأل والقوائم المعجمية في هذه المجموعة مدونة غالباً باللغة الأكادية أو بالأكادية والسومرية.

        - المجموعة (2): 225 رُقيماً طينياً تتضمن نصوصاً أدبية مختارة، من بينه اللوح الأول من ملحمة جلجامش. اللغات التي دونت بها هذه النصوص هي الحثية والأكادية والحورية.

- المجموعة (3): 2500 رُقيم وكسرة تحمل نصوصاً أدبية ووثائق رسمية.

- المجموعة (4): 280 سدادة طينية bullae مختومة.

- المجموعة (5): 100 رُقيم طيني منها 86 رُقيماً تحمل نصوص رسائل حثية.

- المجموعة (6): 28 رُقيماً طينياً مختوماً و3.268  سدادة طينية مختومة.

- المجموعة (7): محفوظات إدارية ومكتبة استخرجت من غرف الخزن الشرقية في صف الغرف المحيط بالمعبد الأول. القسم الأكبر من هذه المجموعة مدون بالحثية، لكن الرسائل والمعاهدات الدولية منها مدونة باللغة الأكادية.

- المجموعة (8): استخرجت رُقم هذه المجموعة من القطاع L18 حيث استظهر البيت الذي سماه المنقبون «بيت السفح» (Haus am Hung). تتضمن المجموعة أكثر من 150 تعويذة، 50 نص فأل وأكثر من 50 نصاً تاريخياً فضلاً عن نصوص تصف الأعياد وقوائم معجمية وفهارس للنصوص. ومعظم النصوص مدون باللغة الحثية وبعضها باللغة الأكادية.

- المجموعات (9-13): عثر عليها في المعابد 8 ، 26، 12، 15 و 16 بالتعاقب. وقد تضمنت المجموعة 12 بضعة ألواح من ملحمة جلجامش الأكادية.

ومما يجدر ذكره أن مواضيع النصوص المكتشفة في بوغازكوي – فضلاً عمّا ذكر- تتضمن وصف الشعائر والأعياد، الأساطير، التراتيل والصلوات، الحوليات، النصوص التاريخية، النصوص الطبية والنصوص المتعلقة بالخيول.

أكرم محمد كسار

مراجع للاستزادة:

-K. Bittell, Hattusha: The Capital Of The Hittites, (Oxford, 1970).

-P. Neve, Hattusa: Stadt Der Götter Und Tempel, 2Nd Ed., (Mainz, 1996).

-J. Seeher, “The Early Iron Age Settlement On Buyukkaya, Bogazkoy”, Thracians And Phrygians: Problems of Parallelism, N.Tuna Et Al. (Eds.),(Ankara, 1998), Pp. 71-78.

 


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1098
الكل : 40564222
اليوم : 94037