logo

logo

logo

logo

logo

بعل شمين

بعل شمين

Baal-Shamin -

بعـل شمين

 

بعل شمين أو بعل شميم «ربّ السموات» هو إلهٌ كنعانيّ آراميّ عُرف منذ مطلع الألف الأول ق.م في شتّى أنحاء المشرق العربيّ، فقد ورد اسمه بصيغة «ب ع ل ش م م= Bclšmm» في ثلاثة نقوش فينيقيّة، أوّلها من جبيل (في لبنان) يعود إلى القرن العاشر ق.م؛ وثانيها من قره تبه (في كيليكيا) يعود إلى الربع الأخير من القرن الثامن ق.م ؛ وثالثها من زنجرلي (شرقي خليج الإسكندرون) يعود إلى مطلع القرن السابع ق.م، ثم ورد بصيغة Bclšmyn في نقشين آراميين، أحدهما من «آفس» جنوبي حلب يعود إلى منتصف القرن الثامن ق.م؛ والآخر مكتوب على برديّة من «سقّارة» في مصر يعود إلى أواخر القرن السابع ق.م. كما ورد مكتوباً بالخط المسماري بصيغة  dBa-al-sa-me-me- مع آلهة فينيقيّة أخرى - في المعاهدة بين الملك الآشوري أسرحدون (681-669ق.م) و«بعل» ملك صُور الفينيقي. والظاهر أنّ الفينيقيين الذين جابوا البحر المتوسط تجّاراً اصطحبوا إلههم معهم، والدليل على ذلك ورود اسمه بصيغة Bclšmm في نقش فينيقي من القرن الخامس ق.م في لارنكا(في قبرص) وفي نقوش بونيّة من القرن الثالث ق.م في قرطاجة وسردينيا.

معبد بعل شمين في تدمر

وكانت عبادته تنتشر على مرّ القرون في مناطق جديدة يستعمل ساكنوها في كتاباتهم لهجات آراميّة أو عربيّة، ولذا يُلفى آراميّ الشكل بصيغة Bclšmyn في نقوش نبطية مؤرّخة من حوران  جنوبي سورية يرجع أقدمها إلى عام 12ق.م، وأحدثها إلى عام 73م، أو بصيغة Bclšmn  في نقوش تدمريّة من القرنين الأول والثاني الميلاديين، ومعظمها من تدمر نفسها، وبعضها من «دورا أوربوس» (الصالحية على الفرات حالياً)، أو بكلتا الصيغتين في نقوش أخرى ترجع كذلك إلى القرنين الأول والثاني الميلاديين، وهي نقوش مدينة «الحضر»[ر] Hatra على بعد زهاء مئة كم إلى الجنوب الغربي من الموصل؛ لأنّ النبطيّة والتدمريّة والحضريّة ثلاثتها لهجات آرامية، كما يُلفى عربيّ الشكل في اللهجات العربية الشمالية، فقد ورد بصيغة Bclsmn – بالسين المهملة- في النقوش اللحيانية التي يمتد زمن كتابتها من 400 إلى 200ق.م، كما ورد بالصيغة نفسها في عدد كبير من النقوش الصفوية التي يرجع أقدمها إلى القرن الأول ق.م وأحدثها إلى القرن الرابع الميلادي، وقد عُثر عليها في مواقع كثيرة في جنوبي سورية وشمالي الأردن. وأورده يوسيبيوس Eusebios نقلاً عن فيلون الجبيلي Philo of Byblos بصيغته الآرامية مكتوبة باليونانية: Beelsamyn، أما صيغته اللاتينية فهي Baalsamen كما وردت عند القديس أوغسطين St. Augustinus (354-435م). وإذا كان نطق العنصر الأول من هذا الاسم واضحاً؛ لأنه معروف في العربية وسواها؛ فإن نطق العنصر الثاني موضع خلاف؛ لأنّ الخطوط المستعملة لكتابة تلك النقوش تخلو غالباً من الصوائت أو الحركات vowels، وربما كانت قراءته في نقوش المجموعة الأولى «شَمايِم» قياساً على نطق هذا اللفظ في العبرية، فهو فيها صيغة الجمع من مفردٍ غير معروف، والأرجح أن يكون في نقوش المجموعة الثانية «سَمايِن»؛ ليوافق نظيره المتقدّم بافتراض أنّ كاتبيها – وهم عربٌ – أخذوا عبادة هذا الإله عن العرب الأنباط في جنوبيّ سورية الذين أخذوه عن الآراميين، أما نطقه الشائع «شَمِيم šamîm/سَمِين samîn » فلعله مأخوذ عن السريانية؛ لأن اسم الإله يرد فيها مضبوطاً بالحركات هكذا Bcel šmîn أو عن إحدى الصيغتين اليونانية واللاتينية.

منحوتة «إله الشمس وإله القمر والنسور» من معبد بعل شمين في تدمر

 

ويرد في نقوش المجموعة الأولى من دون وصف أحياناً، ولكنه يوصف في التدمرية والحضرية منها بأنه «الإله» أو«العظيم» أو«الملك» أو«الإله الطيّب» أو«الإله الطيّب الشكور»، ويُنعتُ في النسخة التدمرية من نقشٍ ثنائي اللغة  بأنه م ر ء  ع ل م ا «سيّد الأبديّة»، ويناظره في النسخة اليونانية  Zeus Megistos Keraunios = «زيوس العظيم الذي يُومض ويبرق»؛ مما يعني أن بعل شميم كان إله البرق والرعد والمطر، وإله الخصب. ويدلّ على ذلك أنه صُوّر في معبده في تدمر وكذلك في معبده في الحضر وبيده حزمة البرق تارةً، وسنابل الحبوب أو حزمة النبات تارةً أخرى. أما في النقوش الصفوية فيغلب أن يُستغاث به في نهاية النقش لطلب السلامة لكاتبه والانتقام ممن يخرّبه. ويشاركه في بعض الصفات والرموز آلهة أخرى مثل «إيل» و «هدد» و «ذو الشرى»؛ ولكن ذلك لا يكفي للتطابق بينه وبينها، أما الربط بينه وبين إلهين يعودان إلى فترة متأخّرة، وهما: « ذ س م و ي = ذو سماوي» في النقوش السبئيّة، والإله الذي لا يُذكر اسمه في النقوش التدمريّة، بل تُذكر صفاته نحو: «المبارك اسمه إلى الأبد» و «الرحمن» فهو مذهب تنقصه الأدلّة.

وقد بُني لهذا الإله معابد خاصة به، عُرف منها معبدان في «سِيع» في حوران جنوبي سورية، أحدهما نبطيّ يرجع بناؤه إلى الربع الأخير من القرن الأول ق.م،  والآخر صفويّ، وثالث بجوار معبد الإله «بِل» في مدينة تدمر، ورابع في مدينة «الحضر». ويذكر كاتبو النقوش أنّ تقدماتهم له تشمل بناء النُّصُب والتماثيل والمذابح والأعمدة التي كانت تستعمل – فيما يبدو – لبناء مظلات تحمي زائري المعبد، وكذلك الذبائح. ويلاحظ أنه يرد في النقوش اللحيانية وفي بعض النقوش الصفوية وحده ، في حين أنه لا يرد في النقوش الثموديّة البتة، وربما كان «عتّر سمين» الذي يرد فيها قليلاً بصيغة ع ت ر س م ن = ctrsmn نظيراً له، والظاهر أنه هو نفسه الذي ورد مكتوباً بالخط المسماري بصيغة dA-tar-sa-ma-a-in مع آلهة عربية أخرى معروفة عند الثموديين في حوليات أسرحدون في سياق الحديث عن حملته على Adummatu (دومة الجندل) شمالي الجزيرة العربية.  ولا يتضح ترتيبه بين الآلهة إذا ذُكر مع غيره، ولكن الغالب أن يتقدّمها في معظم النقوش المكتوبة بالفينيقية والآرامية أو بلهجاتهما، ولعلّ أوضح الأدلة على علوّ مكانته ومدى سلطانه أنّ الملك الآرامي «زكور» ملك حماة يقول في نقش «آفس»: إنّ «بعل شمين» هو الذي جعله ملكاً، ثم استجاب استغاثته به لمجابهة تحالفٍ فرض عليه حصاراً وضمّ بضعة عشر ملكاً، فخاطبه بوساطة الكهنة قائلاً: «لا تخف ! فأنا الذي جعلتك ملكاً، وأنا الذي سينجيك من هؤلاء الملوك».

والظاهر أنّ الملوك السلوقيين أرادوا نشر عبادته في سورية وفينيقيا ممثّلاً بنظيره الإغريقي إلههم الأكبر «زيوس أولمبيوس» Zeus Olympios، ويبدو أن الفينيقيين ذهبوا هذا المذهب أيضاً؛ لأنّ يوسيفوس Josephus Flavius   يطابق بين الإلهين في حديثه عن معبدٍ أقامه ملك صور لزيوس. وثمة نقش يوناني من معبد آخر بنته أرواد لـ  بعل شميم قرب حصن سليمان[ر] التابع لـ أفامية[ر] يرد فيه زيوس أورانيوس Zeus Ouranios نظيراً له، وبذلك يمكن تعليل انتشاره الواسع في عهد أنطيوخوس الرابع (175-164ق.م) الذي يُروى عنه أنه رغب في إدخال عبادته إلى القدس، والمعروف أنّ زيوس يقابل «جوبيتر» عند الرومان.

وهكذا يُلفى أنّ هذا الإله ظهر في شمالي سورية وساحلها أوائل الألف الأول ق.م عند الآراميين[ر] والفينيقيين[ر] الذين نقلوه إلى قبرص وقرطاجة وسردينيا، ثم انتقلت عبادته إلى الأنباط[ر] ومنهم إلى عرب الصفاة في جنوبيّ سورية وإلى تدمر في شرقيها، ونقله التجّار اللحيانون إلى شمالي الجزيرة العربية، كما نقله تجّار الحضر إلى شمالي العراق، ويبدو أن انتشار المسيحية لم يمنع استمرار تقديسه في بعض المناطق، فقد ذكر إسحق الأنطاكي الذي عاش في القرن الخامس الميلادي أنّ عبادته كانت منتشرة في حرّان[ر] والرُّها[ر] ونصيبين[ر] حتى ذلك الحين.

رفعت هزيم

مراجع للاستزادة:

- محمّد إبراهيم عبابنة ، بعل شمين عند الساميين، رسالة ماجستير غير منشورة / جامعة اليرموك (الأردن  1994).

- د. ادزارد، م. بوب، ف. روليغ ، قاموس الآلهة والأساطير، ترجمة محمّد وحيد خيّاطة (حلب 1987).

 


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1092
الكل : 40569284
اليوم : 99099