logo

logo

logo

logo

logo

البرج في العمارة الإسلامية

برج في عماره اسلاميه

-

البرج في العمارة الإسلامية 

 

 

يُعدّ البرج من العناصر المعمارية المهمة في العمارة العسكرية الإسلامية، وهو بكل حالاته وأشكاله واستخداماته مكوّن من بناء مرتفع ذي مسقط أسطواني أو هرمي أو نصف دائري أو مضلع أو مربع أو مستطيل، يُبنى متصلاً بأسوار المدن أو القلاع والحصون أو ببعض الأبنية المدنية مثل الخانات والأربطة والقصور والمساجد والمدارس الكبرى، ويحتل أركانها أو جانبي بواباتها أو يعلو مداخلها، كما يُبنى منفصلاً قائماً بذاته على الشواطئ ولحماية مداخل المرافئ أو الجبال أو الصحارى؛ فيكون عندها أشبه بقلعة صغيرة تشكل خط مراقبة ودفاع متقدم عما خلفه وحوله من مدن أو قلاع أو غيرها.

وقد جُعلت الأبراج صماء سميكة الجدران بأجزاء كبيرة منها لزيادة قدرتها على مقاومة الضربات والصمود، كما جُعلت في الغالب من عدة طبقات أو أدوار تتصل ببعضها عبر أدراج داخلية تسمح للمقاتلين بالحركة فيها وصولاً لسطح البرج، فقد كان للأبراج دور كبير في تقوية قدرة أسوار المدن والقلاع على تحمل الضربات وزيادة القدرة على صدّ الهجمات المعادية عليها. حيث كان كل برج يحتوي في أعلاه على سواتر ذات شرفات يحتمي بها الرماة عند الدفاع عنه، كما كانت طوابقه تحتوي في جدرانها الخارجية على مرامٍ أو «مزاغل» تكون بشكل فتحات ضيقة من الخارج وواسعة من الداخل لتسمح للرماة بالتمركز بها وتسديد ضرباتهم المحكمة منها من دون أن يتعرضوا لخطر الإصابة من المهاجمين، كما زودت طبقات هذه الأبراج بممرات مقببة ومخازن للمؤن والأسلحة والزيوت القابلة للاشتعال؛ إضافة إلى صهريج لتخزين المياه أو بئر، ودورات مياه. وكان حراس الأبراج عند الشعور بالخطر يضرمون النار في شعلة على قمة البرج، فتسرع حامية القلعة للدفاع عن المدينة.

برج نور الدين في سور دمشق
برج الملك الصالح أيوب في سور دمشق

وعلى الرغم من شيوع بناء الأبراج قبل العصر الإسلامي؛ فإن هذه الأبراج لم تلبث أن صارت من المكملات التي لا غنى عنها في عمارات الأمويين المدنية والدينية (كما يقول بيرتون بيج)؛ إذ أصبح بناؤها أكثر شيوعاً، وصارت تصميماتها أكثر مرونة، ولم تلبث أن صارت مخططاتها متطورة وطوابقها متعددة وملحقاتها أكثر اكتمالاً؛ إذ جوّدها العباسيون ومن أتى بعدهم من المسلمين من حيث التصميم والوظيفة، فصارت تستخدم أيضاً بأهداف جمالية كما في بعض الجوامع مثل جامع سامراء الكبير الذي احتوى على أربعة وأربعين برجاً نصف أسطواني، وكذلك في العديد من القصور العباسية في مدينة الرقة والتي تتماهى في شكلها ومواد بنائها؛ ولكن ليس في مقاطعها مع تلك الأبراج التي تُرى غير بعيدة في الأسوار الآجرية لمدينة الرقة.

أسهم الإرث المعماري الكبير لبلاد الشام في التأثير في سرعة تطوير بناء الأبراج من حيث أشكالها ونوعية استخداماتها العسكرية والجمالية، وأسهمت الظروف التاريخية والمشكلات السياسية الكبيرة التي تعرضت لها هذه المنطقة الجغرافية في عملية التطوير هذه التي تظهر بوضوح في الأبراج الإسلامية التي أضيفت إلى المسرح الروماني في مدينة بصرى [ر] في الجنوب السوري.

وفي الوقت الذي كانت فيه أبراج العمارة البيزنطية والرومانية تتألف من عدة طوابق لاستيعاب أكثر عدد ممكن من المدافعين وزيادة مواقع الرد على المهاجمين، فقد اكتفى الأمويون في أبراج عمائرهم بالسطوح العلوية المكشوفة ذات الشرفات؛ لأن تعدد الطوابق في نظر معماريّيهم -  كان يقتضي تفريغ الجدران بممرات داخلية تجعلها ضعيفة المقاومة، ولكي يتلافى هؤلاء المعماريون ذلك؛ جعلوا البرج كتلة واحدة متماسكة غير مفرغة، ثم عاد المعماريون في العصرين الفاطمي والأيوبي إلى نظام الأسوار والأبراج ذات الطوابق المتعددة من خلال الممرات الداخلية التي ما زالت نماذجها الرائعة باقية حتى اليوم في أسوار المدن والقلاع.

أثبتت الدراسات أن بداية أعمال تحصين المسرح الروماني القديم في بصرى بدأت منذ العصرين الأموي والعباسي حين أغلقت أبواب المسرح والمنافذ الخارجية فيه بجدران حجرية حديثة ومتينة حولت المسرح آنذاك إلى قلعة منيعة يصعب الدخول إليه إلا عبر طريق محدد وأبواب صغيرة، وذلك قبل قيام الفاطميين ببناء ثلاثة أبراج حوله، وقيام الملك العادل أبي بكر بن أيوب وابنه الملك الأشرف عيسى منذ بداية سنة 599 هـ/1202م حتى سنة  649هـ /1251م باستكمال بناء هذه الأبراج وتحصينها كجزء من الرد على الخطر الصليبي الذي كان يداهم المنطقة، حيث صارت القلعة تحتوي على أربعة عشر برجاً؛ ثلاثة منها داخلية ترجع إلى العصر الفاطمي، وأحد عشر برجاً خارجية ترجع إلى العصر الأيوبي، وجميعها مستطيلة المسقط مزودة بشرافات عالية ومرامٍ (مزاغل) تضمن سيطرة كاملة للمدافعين عنها.

تشكل أبراج الملك العادل في مدينة بصرى نموذجاً متطوراً لهندسة بناء الأبراج في العمارة الإسلامية، فقد شهد زمنه -  وبسبب التطور اللافت لوسائل الهجوم ولاسيما المنجنيقات الضخمة -  تطوراً مفاجئاً في هندسة بناء الأبراج، ما زالت آثارها باقية في قلعة بصرى، وفي قلعة الجبل في القاهرة، وفي قلعة دمشق التي أعاد تحصينها بين السنوات  599-615هـ/1202-1218م، وفي غيرها من أعمال التحصين العائدة إلى فترة حكمه أصبحت الأبراج في تلك الفترة بغاية الضخامة وذات أسوار سميكة تسمح بالصمود أمام ضربات المنجنيقات الكبيرة؛ بوقت جاءت تصميماتها الداخلية متطورة ذات اتساع يسمح بإيواء أعداد كبيرة من الحامية باستمرار فيها، حيث تتيح لهم الممرات الداخلية التنقل بين الأبراج والأسوار، وتوفر لهم مخازن المؤونة والماء وجميع أماكن وسائل الحياة والاحتياجات.

أبراج الملك العادل في بصرى

وعموماً فقد صارت الأبراج أضخم وأعلى وأكثر سماكة وتسليحاً من حيث عدد المرامي والسقاطات وأكثر تقارباً من بعضها، تصل مساحة الواحد منها إلى 500م2  في بعض الأحيان، حتى سمحت بعض الأبراج نتيجة قوتها أن تُنصبَ فوق أسطحها المنجنيقات، حيث إن طول البرج في أحد الأمثلة الباقية بقلعة دمشق يصل إلى 27م، وعرضه 13م، وارتفاعه 25م، وسمك جدرانه 3.40م، ويبرز عن جدران الأسوار مسافة 8م، هذا ما أعطى حامية القلعة فرصة للصمود لفترة طويلة أمام جيش تيمورلنك سنة  803هـ/1401م على الرغم من دخوله الكامل للمدينة قبل ذلك.

وظل الطراز الأيوبي في بناء الأبراج شائعاً في القلاع مثل قلعة الحصن، وفي أسوار المدن مسيطراً حتى في العصر المملوكي  658-922هـ/1260-1516م. ولم يضف المماليك عليها سوى مساحات من الزخارف البارزة، وربما يكون برج السباع الواقع على شاطئ مدينة طرابلس الشام هو البرج المملوكي الأكثر شهرة، حيث بُني؛ ليكون حصناً متكاملاً وكأنه قلعة صغيرة 28.5×20.5م، وكان أحد الأبراج العديدة التي بناها المماليك لحماية ساحل بلاد الشام، فقد كان مؤلفاً من طابقين، ويستطيع أن يتسع لحامية عسكرية كبيرة ويصد أعتى الهجمات. ويتشابه هذا البرج بطبيعة بنائه مع قاعة الاستقبال التي بناها السلطان سيف الدين قايتباي في سنة 880هـ/1475م فوق مدخل قلعة حلب؛ إذ يشير سوفاجيه إلى أن برج السباع في حجمه الضخم وترتيب مكوناته يختلف عن باقي الأبراج الساحلية وأبراج القلاع الأخرى، حيث إن تناسق أجزائه وتنوع زخارفه وأشكالها يجعله أقرب من حيث الشكل إلى الأبنية الدينية والمدنية منها إلى العسكرية، وقد أرجعه إلى فترة حكم هذا السلطان المملوكي (872-901ه/1468-1496م).

أبراج قلعة الحصن
برج السباغ في طرابلس الشام

ومن الأبراج الأخرى المهمة المبنية بشكل مستقل أيضاً برج الصبي غير البعيد عن قلعة المرقب القريبة من مدينة بانياس؛ بل يمكن عدّه جزءاً من أبراجها المتقدمة وجزءاً من دفاعاتها التي صممت لحماية المرفأ الصغير الذي كان تابعاً للقلعة، إضافة إلى إحكام السيطرة على الطريق الساحلي المار بقربها. حيث يتألف البرج من طابقين بهما العديد من المرامي (المزاغل)، وينتهي من الأعلى باثنتي عشرة سقاطة حجرية كانت معدة لرمي السوائل الحارة على المهاجمين على عادة ما كان سائداً في بناء الأبراج في العصر الإسلامي.

وقد اهتم المماليك ببناء الأبراج الخاصة بحماية مرافئ ساحل بلاد الشام، وما برجا مرفأ جبيل الباقية أجزاء كبيرة منهما إلا شاهد حي عليها. كما كان برجا الفنار والسلسلة اللذان شيدهما المماليك لحماية مرفأ بيروت مثلاً آخر لتدعيم تحصينات المدن الساحلية خوفاً من عودة أساطيل الصليبيين. وإن الأبراج المتعددة التي أنشئت حول مدينة بيروت وخارج سورها - والتي كانت لا تقل عن عشرين برجاً - تدل على أهميتها العسكرية الداعمة لتحصينات المدينة.

وما يزال برج الذهب بمدينة إشبيليا الذي يرجع بناؤه إلى منتصف القرن 7هـ/13م شاهداً على فن بناء الأبراج العربية في الأندلس، وهي المميزة بأضلاعها المتعددة منذ القرن 3ه/9م. وما تزال مدن إسلامية عدة تحتفظ بالعديد من أبراجها المهمة مثل مدينة دمشق كبرج نور الدين بن زنكي النصف الدائري العائد إلى سنة  559هـ/1173م الواقع جنوب باب الجابية، وبرج الملك الصالح أيوب ذي المسقط المستطيل العائد إلى سنة  646ه/1248م والواقع شرقي باب توما في الزاوية الشمالية الشرقية لسور المدينة.

منظر خارجي لبرج الذهب في إشبيلية
المسقط الأفقي لبرج الذهب في إشبيلية

وكذلك العديد من أبراج أسوار مدينة حلب العائدة بغالبيتها إلى العصر المملوكي، والممتدة أغلبها بين باب الجنان وباب قنسرين حيث جاءت الأبراج المبنية ضمن أسوار المدن منسجمة تماماً مع الكتلة المعمارية لهذه الأسوار؛ وموزعة عليها بأسلوب مدروس يزيل رتابة اتساع سطوحها، كما كان احتلالها المرتفع لأركان هذه الأسوار أو فوق بواباتها يخفف من ثقل الكتلة الحجرية الرئيسية وطغيانها على العناصر المعمارية الأخرى كالأبواب والعقود وغيرها، كما كان تقابل البرجين على جانبي بوابة القلعة أو سور المدينة أو الخان أو الرباط أو القصر يسهم في توازن الإيقاع المعماري لواجهة أي منها.

وقد قدمت الأبراج العثمانية المبكرة آخر أمثلة للأبراج التقليدية التي لم تلبث أن زُوِّدت بكُوى ومصاطب للمدافع الثقيلة؛ فكانت أبراج قلعتي أناطولي حصاري 793هـ/1391م، وروملي حصاري في إسطنبول  856هـ/1452م، وبرجا اللقلق وكبريت في سور مدينة القدس 947هـ/1540م آخر أمثلة الأبراج التي يتوافق فيها استخدام المدفع والتمسك بمبادئ القرون الوسطى في عمارة الأبراج؛ حين أخفقت الأبراج في مسايرة التطورات اللاحقة لوسائل الدفاع والهجوم، واقتصر دورها لاحقاً على الغايات المعمارية الجمالية.

غزوان ياغي

مراجع للاستزادة:

- عاصم محمد رزق، معجم مصطلحات العمارة والفنون الإسلامية (مكتبة مدبولي، القاهرة 2000م).

   - بيرتون بيج، البرج في العمارة الإسلامية الحربية، ترجمة إبراهيم خورشيد وآخرين (دار الكتاب اللبناني، بيروت1981 م).

 


التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 728
الكل : 32245167
اليوم : 90413