logo

logo

logo

logo

logo

التقانة

تقانه

Technology - Technology

 التقانة

التقانة

 

يعني مصطلح «التقنية» في اللغة العربية أسلوب معالجة التفاصيل لإحكام إنجاز العمل وإتقانه؛ أو أنها البراعة الفنية، وهو من الجذر ت ق ن الذي اشتق منه أيضاً مصطلح «التقانة» Technology الذي يقصد به مجموع وسائل التقنية وأساليبها في التطبيق العملي. وقد ظهر جذر الفعل هذا نفسه في اللغة الأكادية t q n بمعنى «وضع الشيء بتنظيم محكم»؛ أي إن تاريخه يعود إلى أكثر من أربعة آلاف عام في بلاد الرافدين وسورية. وقد اشتقت من هذا الجذر عدة مصطلحات في اللغة الأكادية منها تِقنُ tiqnu بمعنى «تجهيز محكم»، وتُقُّنُtuqqunu «موضوع بإحكام»، وتلحقه التاء في حالة التأنيث. ولابد من ملاحظة أن هناك مرادفاً للمصطلح في السومرية، وهو لال LAL. ويتوافق قدم مصطلح «التقنية» مع ما يتفق عليه الباحثون من أن ظهور أهم الابتكارات التقنية في العصور القديمة كان في منطقة الشرق الأدنى وشرقي البحر المتوسط، ويرجع المختصون سبب ريادة هذه المنطقة في مجال التقنية وتطويرها إلى ثلاثة عوامل أساسية، وهي: المناخ الذي يتميز بعدم التطرف، شكل سطح المنطقة وتكوينها وبما ضمته من نباتات وحيوانات، وأخيراً بما توافر فيها من ظروف ملائمة للنقل والمواصلات، وهذا ما مكن من الاستفادة الكثيرة من التنوع الهائل للموارد الطبيعية الموجودة في بعض أجزاء المنطقة أو في محيطها.
على الرغم من أن الظهور الأول في التاريخ لمصطلح التقنية واستعمالاته كان في هذه المنطقة؛ فإن النصوص المسمارية لا تتضمن تفاصيلاً عن التطبيقات التقنية أو تطويرها في كل المجالات مثل الأشغال المعدنية والعمارة والري والصناعات الحرفية، في حين أن الدليل على المنجزات التقنية الكبيرة في هذه المجالات يبرز من خلال المكتشفات الأثرية. وكان هناك اعتقاد سائد في أوساط المختصين بأن هذه المنجزات لم توثق كتابياً، وأن المعلومات الخاصة بها كعلوم «تطبيقية» كانت تتناقل شفاهياً بعكس العلوم «الصرفة» الخاصة بالنخبة مثل الرياضيات والفلك. وقد عزا بعض المختصين هذا إلى نوع من المناكفة الفكرية من قبل الكتبة القدماء الذين كانوا مهتمين فقط بتوثيق العلوم ذات الصلة بالمركز الاجتماعي الأعلى بطريقة ما، وهذا الرأي يبدو أكثر قبولاً من الرأي القديم الذي يرجع عدم توثيق العلوم «التطبيقية» في النصوص القديمة إلى الرغبة في المحافظة على سريتها.
وقد نشأت التقنية - التي كوّنت الطاقات الفنية وأطلقتها في الحضارة القديمة- على قاعدة من تطورات واسعة في الاقتصاد والمجتمع، فتدجين الحيوان وزراعة النبات والتوصل إلى التعدين صعدت وتيرة تجهيز المواد التي تحتاج إليها الأعمال الفنية، ومكنت التقنية الحرارية – باستعمال التسخين لتغيير خواص المواد- من إنتاج مواد فخارية وخزفية. أما ابتكار الكتابة - وهي تقنية الاتصالات ذات الإمكانات الهائلة- فقد يسَّرت صياغة مفردات قياسية لأسماء التصاميم والأشكال وتسجيل المقاسات وخطوات عمليات الإنجاز، فضلاً عن توفير الوسيلة لنقل المعلومات بين المحترفين والمسؤولين عن رعاية أعمالهم وتزويدهم بالمواد الخاصة بأعمالهم. وأدى تطور التقنية في الإنتاج الحرفي بوسائل متنوعة إلى صيغ جديدة أسرع وأكثر قياسية في صنع المواد، فقد أخذت الأشكال والتصاميم تتوحد على أثر اختراع القاعدة الدوارة لتشكيل الجرار الفخارية، أو القوالب لصنع الأسلحة والأدوات. ولم يقتصر تأثير التقنيات الجديدة على طريقة الإنتاج ونسبته وحسب، وإنما حفزت على ظهور حرف جديدة أيضاً، فعلى سبيل المثال أن تصنيع الأدوات المعدنية أوجد الحفر الدقيق على الخشب، وكذلك اكتشاف المواد الصبغية في المعادن المختلفة قاد إلى إنتاج أصباغ للرسم وللأنسجة.
في ظل ضعف الدليل الكتابي الخاص بالتقنيات القديمة فإن التوصل إلى معرفة سياقاتها يمكن أن يتم عن طريق المواد الأثرية ذات الصلة مما عثر عليه في المواقع الأثرية. ومن هذه المواد أدوات معينة مثل البوتقات والمصافي وأدوات التقطير والعزل، ومنها مواد تم استعمالها في دباغة الجلود وصباغة الصوف والتزجيج مثل الحوامض والصودا والسيليكات silicates والكلس. وهناك أيضاً الأنواع المختلفة من الأفران وطرق إشعال النيران بضرب الصوان على المعدن. ويعرف من نصوص الشعائر أن الكبريت استعمل لإذكاء النار وزيادة اللهب، وهو مايمكن أن يستعمل في الأفران التي يحتاج تشغيلها إلى ذلك. ويمكن متابعة تطور تقنية صنع العجلات من خلال الرسوم والمصغرات الفخارية منذ كانت هذه العجلات تصنع بشكل صلد من الخشب. واستعمال العربات - وكذلك المحاريث في الزراعة المكثفة- تطور بتطوير تقنيات صناعة النير الذي يثبت على أكتاف حيوانات الجر. كما أن استعمال المحاريث طور بتقنية وضع المبذر فيه، وهو أنبوب يخترق الجزء الأمامي من المحراث وفي أعلاه قمع يسكب فيه الحارث البذور مع سياق عملية الحرث. وقد ظهر هذا المحراث في المشاهد الفنية على الأختام وظهر في رسم جداري سوري.
أظهرت تقنية صنع الأدوات الحجرية من الصوان والأوبسيديان تغيراً جذرياً في العصر الحجري الحديث باستعمال طريقة الضغط برؤوس حادة من العظم أو الخشب الصلب لفصل شظايا أكثر دقة وحدة. وفي صناعة الفخار حدث تطور كبير باختراع القاعدة الدوارة وتطورها إلى دولاب الفخار الذي كان يحتاج إلى شخص مساعد لإدارته في أثناء صنع الفخّار للجرار، ومع القرن السابع قبل الميلاد استعملت تقنية إدارة دولاب الفخار بالقدم لتسريع تدويره وزيادة الإنتاج. القوالب المفتوحة والمغلقة كانت تقنية مستعملة في صنع الأدوات المعدنية، وقد اكتشف أحد هذه القوالب المفتوحة من الحجر الرملي في موقع شغار بازار في منطقة الخابور ويعود تاريخه إلى ما بين 2400 و1900 ق.م. والقوالب المغلقة كانت تتكون من قطعتين، وقد عثر على عدد منها في المواقع السورية لصنع أدوات معدنية مثل الفؤوس. واستعملت تقنية تفريغ الشمع لصب أدوات أو تماثيل صغيرة برونزية مثلما اكتشف في تل الجديدة [ر] في سهل العمق في سورية.
وثقت تقنية صناعة البرونز على نحو أفضل في نصوص إيبلا وماري، ففي أحد نصوص إيبلا المكتشفة في القصر G يرد أن مايعادل 1,6 كغ من القصدير مزجت مع 14,4 كغ من النحاس لإنتاج 16 كغ من البرونز، صنعت منها 200 مادة تزن كل منها 80 غ؛ أي إن نسبة القصدير كانت 10% من البرونز المنتج. ويرد في أحد نصوص ماري أن ما يعادل 160غ من القصدير أضيفت إلى 1,36 كغ من نحاس تيماء[ر] المنقى لإنتاج 1,52 كغ من البرونز من أجل صنع مفتاح بوابة المدينة. وكانت عملية تنقية النحاس تجري في ماري، وهناك إشارات كتابية في النصوص إلى فقدان ثلث كمية المعدن الخام في عملية التنقية الأولى، ويمكن أن تكرر هذه العملية مرتين وثلاثاً بحيث تصل الكمية المفقودة إلى 20 % من وزن المعدن الخام. المعادن الأخرى التي استعملت في الحضارة القديمة هي الذهب والفضة والألكتروم (مزيج طبيعي أو اصطناعي من الذهب والفضة) والرصاص والحديد، وقد مورست تقنية مزج الحديد بالكربون لإنتاج الصلب. الزرنيخ والزنك لم يستعملا في حالتهما المعدنية ولكن ضمن تقنية إنتاج سبائك النحاس الزرنيخي للأول والبراص brass للثاني. وكان يعتقد أن إنتاج البراص لا يمكن أن يكون قد سبق زمن الرومان إلا عن طريق المصادفة، لكن اكتشاف قطع أثرية مصنوعة منه في كل من موقعي مدينتي حماة في سورية وميتُران Meturan (تلول السيب وحداد في منطقة حمرين شرقي العراق) من العصر البرونزي الوسيط يمكن أن يغير هذا الاعتقاد.
إن أوضح الأدلة على تقنية صهر المعادن جاءت مع استعمال الرصاص وليس النحاس. ويذهب بعض الباحثين إلى أن كل الرصاص المكتشف من العصر البرونزي أو قبله ليس إلا نتاج عرضي لاستخلاص الفضة بسبب امتزاجهما معاً في الطبيعة، وقد أثبتت الدراسات الحديثة خطأ هذا الاعتقاد وأن الرصاص كان يستخلص لاستعماله من بين المعادن الأخرى. وهناك نص للملك الأكادي رمِوش Rimush (2278- 2270 ق.م)، ابن سرجون الأكادي وخليفته، يعلن فيه أنه صنع تمثالاً من الرصاص لأول مرة. وأدت التنقيبات الأثرية في موقع حبوبة كبيرة[ر] على الفرات في شمالي سورية، إلى اكتشاف الدليل على استخلاص الفضة باستعمال البوتقة لأول مرة وذلك من دور أوروك المتأخر (نحو منتصف الألف الرابع قبل الميلاد). أما تقنية تصنيع الحديد فيعتقد أنها ابتدأت عند الحثيين في العصر البرونزي الحديث، وفي نهاية هذا العصر انتقلت هذه التقنية إلى الكنعانيين الذين صنعوا منه الأسلحة وعلى وجه الخصوص العربات. ومن المتفق عليه أن عام 300 ق.م تقريباً يمثل نهاية مرحلة من مراحل التقدم التقني في الشرق الأدنى؛ وكذلك في العالم الغربي؛ ذلك أنه لم يتم اكتشاف مواد جديدة خلال ألف سنة لاحقة لذلك التاريخ، ولم تبتكر تقنيات جديدة في الإنتاج تضاف إلى ما سبق معرفته واستعماله، وكان التقدم الجديد الذي أحرز حينذاك يدور كله تقريباً في حقل الهندسة.

ريا محسـن

مراجع للاستزادة:
-هنري هودجز، التقنية في العالم القديم، ترجمة رندة قاقيش (عمان 1988م).
-Ann C. Gunter, «Material, technology, and techniques in artistic production », (ed.) Jack M. Sasson, Civilizations of the Ancient Near East 3, (New York, 1995), pp. 1539- 1551.

التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 554
الكل : 31773689
اليوم : 49150