البليخ (نهر ووادي-)

أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي

البليخ (نهر ووادي-)

بليخ (نهر ووادي)

Al Balikh -

البليخ (نهر ووادي-)

ينبع نهر البليخ من مرتفعات أورفه وحران في تركيا، وتغذيه عدة ينابيع أغزرها عين الذهبانية، وبعد دخوله إلى الأراضي السورية بالقرب من تل أبيض يرفده بعد نحو 12كم تجمع لينابيع أخرى تشكل البليخ المعروف. ويعدّ هذا النهر من الأنهر الصغيرة؛ إذ يبلغ متوسط عرضه 6م، ومعدل تدفقه 50م3/ثا، ويرتفع هذا المعدل في فصل الأمطار إلى 120م3/ثا.

تصب في البليخ عدة روافد سيلية، أهمها سيل وادي الحمار. وبتأثير توزع الأمطار يكوّن وادي البليخ في الشمال منطقة زراعية خصبة، في حين أن واديه في الجنوب (البليخ الأسفل) يعتمد على الزراعة السيحية بسبب انخفاض نسبة هطل الأمطار هناك. وقد أدى هذا إلى اقتصار النشاط الحياتي الرئيس في الوادي الأسفل على الحيوانات. وتنمو أشجار الحور والصفصاف على ضفاف نهر البليخ، فضلاً عن الأدغال القصيرة التي تنمو جرّاء فيض النهر. وقد هيأ توافر القصب والأخشاب مادة أولية لبناء البيوت وتجهيزها. ويمتد وادي البليخ بين خطي الأمطار 200مم و300مم حيث يراوح المعدل الوسطي السنوي للأمطار بين 183مم في الرقة و275مم في تل أبيض، ويفوق معدل التبخر هنا معدل الأمطار النازلة بدرجة كبيرة حتى في السنوات الرطبة.

وتختلف الآراء في تسمية هذا النهر، فمنهم من يقول إنها ليست تسمية عربية، ولكن يقال: بَلِخَ إذا تكبر، وقد ذكر الاسم أيضاً بصيغة الجمع «الأبالخ»، قال الأخطل:

وتعرضت لك الأبالخ بعدما قطعت لأبرم خلة وأصارا

وبالعودة إلى النصوص القديمة وجد أن اسم النهر يرد بالصيغة الحالية نفسها، فقد كتب اسم النهر balih في نصوص العصر البابلي مقطعياً با-لِ-إخba-li-ih ، وكذلك ba-li-ha-a، وكتب أيضاً بالعلامات الرمزية KAS.KUR التي تقرأ أيضاً : KAS-KAL-KUR استمر هذا الاسم في نصوص العصر الآشوري الحديث بصيغة ba-li-hiͩͥ و pa-li-hiͩͥ وكتب بالعلامات الرمزية .KAL-KUR-KAS. ومن الجدير بالذكر أن مدينة قديمة حملت اسم بليخ (Balihu) ، ويعتقد أنها كانت بين نهري الخابور والفرات في منطقة حرّان بحسب أحد نقوش الأمير جوديا حاكم دويلة لجش في أواخر الألف الثالث ق.م.

جذب نهر البليخ منذ العصور القديمة الراغبين في الاستيطان، والمتتبع لطواف البليخ بعد دخوله الأراضي السورية يمكنه أن يدرك مدى غزارة الاستيطان وتنوعه. وأهم مراكز الاستيطان في هذه المنطقة:

- تل جدلة]ر[

يقع على الجانب الغربي من نهر البليخ، ويبعد نحو 6كم إلى جنوب عين العروس بالقرب من تل أبيض. ويرجع أقدم استيطان في تل جدلة إلى نهاية الألف الرابع وتحديداً عصر أوروك المتأخر وعصر جمدت نصر. وتبعتها فترة استيطان من العصر الأكادي، هجر التل بعدها لفترة طويلة حتى سكن من جديد خلال القرن الخامس عشر ق.م حيث أخذت المدينة شكلها الواضح من حيث بناء سور دائري يرتفع 13م.

عين العروس أحد ينابيع نهر البليخ

- تل أسود] ر[

يقع تل أسود على بعد 20كم جنوبي تل أبيض، ويعدّ من التلال المتوسطة الحجم. وقد ضم هذا الموقع فترتي استيطان مهمتين تعودان إلى عصور ما قبل التاريخ، أولاهما تعود إلى العصر الحجري الحديث وكشف فيها عن فخار بدائي على نحو كثيف مما كوّن ظاهرة إبداعية جديدة في مجال تصنيع الفخار.

أما الاستيطان الثاني في التل فهو معاصر لتل حلف وتمثل بالكشف عن بيوت دائرية من نموذج ثولوي.

- تل سخلان]ر[

يلي تل أسود على الضفة اليمنى لنهر التركمان، ويعود الاستيطان الرئيس فيه إلى الألف الثاني ق.م، والدراسات السطحية بينت وجود سور صخم يحيط بالتل، كما لوحظ وجود نظام تحصين واضح.

سهل البليخ قرب حمام التركمان

- مدينة ألفار]ر[

تبعد نحو 70كم شمالي الرقة، وتعود إلى العصر الإسلامي بفترتيه الأموية والعباسية، وقد حظيت مدينة ألفار باهتمام ملحوظ كونها تقع عند تقاطع الطرق الرئيسة بين بلاد الرافدين والجزيرة وبلاد الأناضول، كما أن الطريق المتجه من الرقة إلى الرها لا بدّ أن يمر بها. فقد مدت قناة من نهر البليخ حتى سور المدينة.

- تل صبي أبيض] ر[

يلي موقع سخلان ويبعد عن الرقة 65كم ، وهو يتألف من أربعة تلال صغيرة تم التنقيب في اثنين منهما هما صبي أبيضI، وصبي أبيض II، والثاني أقدم من التل الأول، وهو يعود إلى العصر الحجري الحديث

(الفترة .(PPNB

أما موقع صبي أبيض I فهو يبعد عن سابقه مسافة 100م وأبعاده 250×200م، ويعود تاريخ الاستيطان فيه إلى فترتين أولاهما تعاصر نهاية العصر الحجري الحديث، أما الثانية فتعود إلى فترة حلف.

وبعد هجران الموقع نحو 5000ق.م بفترة طويلة كشف عن استيطان آشوري وسيط في النصف الثاني من الألف الثاني ق.م.

- خربة الشنف:

لا تبعد خربة الشنف عن صبي أبيض سوى 2كم، وقد كشفت التنقيبات عن بنيتين تضمان تشكيلات بنائية دائرية الشكل، وهي معاصرة لاستيطان حلف في صبي أبيض. وعلى الأرجح كانت محلاً لإقامة محدودة من قبل سكان صبي أبيض.

- الدامشلية]ر[

من التلال صغيرة المساحة، ولكنه غني بالاستيطان وأقدم أدوار استيطانه تعود إلى العصر الحجري الحديث، ويليها استيطان من عصر الحديد، وأخيراً توجد طبقة بسيطة من الاستيطان من الفترة البارثية-الرومانية.

- حمام التركمان]ر[

يلي موقع خربة الشنف على الصفة اليمنى لنهر البليخ، وقد كشفت التنقيبات عن استيطان مكثف من عصر عبيد حتى العصر البرونزي المتأخر.

هجر هذا الموقع بعد فترة البرونز المتأخر وربما غادر أهله إلى موقع مجاور هو صبي أبيض.

حمام التركمان - البليخ

- تلول البغيلات

هي مجموعة تلول قليلة الارتفاع تقع على بعد 4كم جنوب شرقي قرية حمام التركمان، وتؤرخ بعض اللقى في تلين منهما هما I- II من العصر الحجري الحديث حيث عثر على رؤوس سهام مذنبة ونصال صوانية مشابهة لموقع تل صبي أبيض، كما عثر على بعض الكسر الفخارية البدائية الصنع.

- تل مفرق سلوك

هضبة صغيرة تقع على بعد 10كم جنوب شرقي حمام التركمان، ويمكن تأريخ الاستيطان في هذا التل من فترة العصر الحجري الحديث ب (PPNB)، وضم هذا التل رؤوس سهام من نمط جبيل والمشابهة لتل أبو هريرة.

- تل مفيش

يبعد عن النهر نحو 10كم إلى الغرب، وقد كشفت الدراسات السبرية التي أجريت في الموقع عن استيطان من عصر عبيد دل عليه الفخار المزخرف باللونين الأسود والأحمر.

- تل شاهين

يقع على بعد 32كم شمال جسر شنينه يعود استيطانه إلى فترتي حلف وعبيد.

إن ما تم استعراضه من مواقع مستكشفة في حوض البليخ قد أعطى صورة جلية عن طبيعة الاستيطان وقدمه؛ إذ تبين أنه يعود في أقدمه إلى العصر الحجري الحديث، ومن ثم العصر الحجري النحاسي متمثلاً بثقافة حلف وعبيد، وليستمر الاستيطان حتى العصرين البرونزي والحديدي، ومن ثم العصر الكلاسيكي، وأخيراً العصر الإسلامي وإن كان أقل كثافة في المنطقة. وهذا يعطي دلالة واضحة على أن المواقع قد تنقلت في منطقة البليخ من مكان إلى آخر لأسباب مختلفة. وهذا يؤكد أهمية حوض البليخ الحضارية، والمكانة المهمة التي يحتلها في الجزيرة السورية كمنطقة انتقالية بين الخابور والأناضول وشمالي سورية.

عمار عبد الرحمن

مراجع للاستزادة:

- سلطان محيسن، «تلال ما قبل التاريخ في وادي نهر البليخ الأدنى»، في الحوليات الأثرية العربية السورية مج 32،1982، ص.ص. 209-207.

-M. Verhoeven & P. M. M. G Akkermans, Tell Sabi Abyad Ii. The Pre-Pottery Neolithic B Settlement, Neder Lands Historisch-Archaeologisch Instituut In Istanbul, 2000, P.3.