logo

logo

logo

logo

logo

التنقيب الآثاري

تنقيب اثاري

Archaeologcal excavation - Archéologiques fouilles

 التنقيب الأثري

التنقيب الأثري

 

معنى التنقيب الأثري وأهميته

مبادئِ التنقيب الأثري وطرقه

العمل الحقلي

التنقيب في طبقات الموقع

التنقيب الأثري في الكهوف ومواقع ما قبل التاريخ

نظام التوثيق الأثري

تطور التنقيب الأثري في سورية

 

 

يعني علم الآثار [ر] - بمفهومه العام- الكشف عن تاريخ البشرية وفهمه من خلال دراسة البقايا المادية، مثل العظام، الفخار، الأدوات الحجرية، الحلي، الأسلحة والبقايا المعمارية. وفي المشرق العربي والشرق الأدنى عموماً؛ يضاف عنصر متميز للبقايا المادية يتمثل في الوثائق المدونة التي نقشت في بلاد الرافدين وسورية على الرقم الطينية غالباً. ودراسة هذه الوثائق يقدم طيفاً من المعلومات التي تشمل كل جوانب التجربة الإنسانية، وتوفر مستوى من التفصيل والتعمق المهمين في إكمال الدليل الأثري. ووسيلة علماء الآثار للوصول إلى هذه البقايا المادية هي التنقيب الأثري archaeological excavation.

وإذا كان علم الآثار علماً حديثاً لا يتعدى عمره ستة عشر عقداً فإن التنقيب الأثري بالأسلوب العلمي المنهجي لم ينشأ ويطبق على نحو سليم إلا في الاثني عشر عقداً الأخيرة. فقبل القرن التاسع عشر كان الرحالة الأوربيون الأوائل ينبشون عن تحف أثرية أو يستكشفون مواقع لها صلة بنصوص الكتاب المقدس. ومع بداية القرن التاسع عشر شنت حملات من التنقيب عن الآثار على أيدي أوربيين من دبلوماسيين ورجال علم وضباط وإداريي مستعمرات، وبدأ بعضهم يهتمون بتوثيق ما يستخرجونه من مواد أثرية. وأجريت أولى التنقيبات على نطاق واسع في موقع أثري في الشرق الأدنى في خرسباد (موقع العاصمة الآشورية دور- شروكين في شمالي العراق) حيث عمل باول- إميل بوتّا Paul-Émile Botta (1843-1845م) وهنري ليرد [ر] Henry Layard (1849م). وحين استؤنفت التنقيبات الفرنسية في الموقع بإدارة فكتور بليس Victor Place في عام 1852-1855م استعمل التصوير الفوتوغرافي لأول مرة في التنقيب الأثري في الشرق الأدنى. ولذلك يُعدّ منتصف القرن التاسع عشر تاريخ نشوء علم الآثار، لكن التنقيب الأثري كان ما يزال بعيداً عن الأسلوب العلمي الصحيح وأقرب إلى عملية النبش لاستخراج اللقى الأثرية.

 
أعمال التنقيب الأثري في مواقع مختلفة 

كان هاينرش شليمان Heinrich Schliemann من أوائل الآثاريين الذين أدركوا أهمية الطبقات الأثرية [ر] والفخار [ر] في التنقيب الأثري، وذلك خلال تنقيباته في حصارلك Hissarlik (موقع مدينة طروادة في شمال- غربي تركيا) بين 1870و1890م. وقام فلهيلم دوربفيلد Wilhelm Dörpfeld - مساعد شليمان- بوضع الأسس للتوثيق المعماري النظامي. وفي العام 1890م وضعت القواعد الصحيحة للتنقيب الأثري العلمي في أثناء تنقيبات الموسم الأول في تل الحسي [ر] في فلسطين التي قام بها وليام فلندرز بيتري [ر] William Flinders Petrie. فقد جعل بيتري التسلسل الطبقي stratigraphy وتصنيف الفخار pottery typology القاعدتين الأساسيتين في التنقيب عن الآثار، وهو ما تتبعه طرق التنقيب الأثري الحديثة منذ ذلك الحين. وكان يبتري قد لاحظ تسلسل الطبقات في الجانب الشرقي من تل الحصي الذي تسببت عوامل التعرية في إحداث مقطع عمودي فيه، كذلك لاحظ أن طراز الفخار في هذا المقطع يختلف اختلاف المستويات، وهذا ما جعله يتوصل إلى هاتين القاعدتين. ورافق تنقيبات بيتري في تل الحصي اهتمامه بالبقايا المعمارية واستعماله للمساحة والرسم والتصوير الفوتوغرافي، وهذه جميعها من العناصر الأساسية في التنقيب الأثري الحديث على اختلاف طرقه.

معنى التنقيب الأثري وأهميته

لا يُعدّ التنقيب الأثري علماً، وإنما هو مجموعة طرق وأساليب تُعدّ الوسيلة لعلم الآثار للوصول إلى المادة الأثرية التي يدرسها. على أن هذه الطرق والأساليب يجب أن تنفذ وفاقاً لقواعد علمية تضمن دقة المعلومات الخاصة بالمواد الأثرية المكتشفة. فالتنقيب الأثري بحد ذاته ليس غاية علمية، وإنما وسيلة يستخدمها العلم. والقيمة التاريخية لأي مادة أثرية لا تعتمد كثيراً على طبيعتها؛ بل على ما يتصل بها من معلومات لا يمكن توفرها من غير التطبيق العلمي للتنقيب الأثري الذي يؤدي إلى اكتشافها. فما يسعى إليه عالم الآثار من الكشف عن الأثر المادي القديم هو إرفاق هذا الاكتشاف بالملاحظات والتوثيق والتفسير تمهيداً لدراسته؛ وليس مجرد استخراج التحف مهما كانت ندرة الأثر المكتشف وقيمته المادية.

إن التنقيب الأثري ينطوي على رفع الأثر من موضعه؛ وبالتالي من مساقه التاريخي. وفيما يخص البقايا المعمارية؛ فإن التنقيب الأثري يؤدي في الآخر إلى إزالة ما وجد منها. وفي كلتا الحالتين لا يمكن إعادة أثر إلى موضعه أو إلى حالته التي كان عليها قبل التنقيب. ولذلك على المنقب الأثري أن يكون في منتهى الدقة في القيام بعمله وتوثيقه توثيقاً كاملاً وأميناً؛ لأن ما يقوم به في هذا المجال سيكون الصلة والمنفذ الوحيدين لمعرفة ما يتعلق بالمواد الأثرية المنقولة أو البقايا المعمارية التي تزال بتقدم العمل في التنقيب في أي موقع أثري طبقة بعد طبقة. وهذا ما جعل من علم الآثار أكثر العلوم عرضة لخطر الخداع والتزوير بسبب عدم وجود الفرصة لاختبار نتائج التنقيب والتحقق من صحتها. ومن هنا كان الاهتمام شديداً في استنباط القواعد التي تضمن التزام الأسلوب العلمي الصحيح في التنقيب والتحقق من هذا الالتزام على نحو مستمر. ولتوضيح ذلك يشبه المختصون دور التنقيب الأثري في الآثار بدور التشريح في علم الحيوان. فالمهارة والدقة متوخيتان في كلتا الحالتين؛ لكن التشريح يتعامل مع أمثلة متطابقة ويمكن تكراره زيادة في الاستقصاء أو معالجة للأخطاء. أما التنقيب الأثري فيتعامل مع مواقع لا يشبه أحدها الآخر، ولا يمكن تعويض ما فات على المنقبين إدراكه أو توثيقه في تنقيب موقع ما. ولهذا من غير المسموح به في مجال التنقيب الأثري فقدان معلومة أو ارتكاب خطأ في أي مرحلة من مراحل العمل.

   
المنطقة II - مخطط للشوارع ولمنازل النخبة   المنطقة I
 

لقد سعى الإنسان طوال تاريخه لاكتشاف الكنوز واقتناء التحف، لكن التنقيب الأثري تطور عصري لعلم حديث. وإذا كان التنقيب يمثل مرحلة من مراحل البحث عن ماضي الإنسان وحضاراته السالفة؛ فإنه يتطلب مجالاً واسعاً من وقت علماء الآثار ومن جهدهم. ولولا القيام بالتنقيب الأثري وتطوير طرقه وأساليبه؛ لما أمكن الوصول إلى ماضي البشرية طوال آلاف من السنين أو الكشف عن أسرار الحضارات القديمة. ففضلاً عن الوثائق المدونة يقدم التنقيب الأثري موادّ لها أهميتها في إلقاء الضوء على جوانب مختلفة من الحياة في الماضي من الفنون والحرف والعمارة التي تشمل البيوت والمعابد والقصور بكل ما كان يجري فيها. وهناك الكثير مما تغفل عنه النصوص المدونة؛ ولكن المعلومات عنه تستخلص من الدليل الذي يكشف عنه في التنقيب الأثري. وبسبب هذه الأهمية للتنقيب الأثري أشرك علم الآثار الحديث في سياقاته تخصصات أخرى من العلوم التطبيقية والاجتماعية. ووظف مهارات تساعد على استخراج المادة الأثرية وتفسيرها. فأخذ مختصون في النبات والحيوان والكيمياء والمعادن والإحصاءات وغيرها يساعدون على إنجاز مراحل وأعمال خاصة بالتنقيب الأثري. وأصبح هذا التنقيب يعتمد على التعامل مع التسلسلات الطبقية للمواقع نزولاً من أحدث الطبقات إلى أقدمها.

مبادئِ التنقيب الأثري وطرقه

لا يمكن تحديد طريقة عمل موحدة للتنقيب الأثري، ذلك أن كل نوع من المواقع الأثرية يتطلب طريقة مختلفة من التنقيب. بيد أن هناك مبادئِ عامة وأساليب عملية يمكن أن تتوافق مع التنقيب في كل المواقع. وفيما عدا هذا تأتي الخبرة والممارسة على رأس المستلزمات والمؤهلات المطلوب توافرها لدى المنقب الأثري. ولا يمكن في هذا المجال الاعتماد على المعلومات النظرية أو العودة إلى المراجع العلمية المرشدة، وهي نادرة جداً، وما يتوفر منها يكون مكملاً للخبرة العملية، ولا يحل بديلاً منها. ولا يوجد ما يعلم المنقب المبتدئ الإحساس بطبقات الموقع، وربط المكتشفات بها، مثل الممارسة العملية. لذلك لا ينبغي أن يدير متخصص التنقيب الأثري بنفسه ما لم يكن قد عمل لعدة مواسم تحت إشراف منقب كفء يشهد له أخيراً بتمرسه.

تأخذ أغلب المواقع الأثرية في سورية وبلاد الرافدين شكل التلول الأثرية [ر] الاصطناعية التي تكونت عبر آلاف السنين باستمرار تشييد مواطن السكنى فوق أنقاض مستوطنات أقدم. وبتواصل هذه العملية منذ بداية العصر الحجري الحديث يرتفع مستوى القرى والمدن على ما يحيطها تدريجياً. وكلما تتقوض أبنية مستوطن تهد جدرانها، وتسوى تمهيداً لإنشاء المستوطن الجديد، وتشكل البقايا المطمورة طبقة أثرية تعلو ما سبقها، وهكذا حتى الوصول إلى قمة التل الأثري. ولما كانت إعادة تكوين تاريخ موقع ما تعتمد على تفسير الطبقات المختلفة التي يضمها، فإن التنقيب الأثري يوجه ليوضح الطبقات والتداخلات في الموقع وضبط نسبة كل أثر مادي يكتشف إلى طبقته الصحيحة. ومن خلال هذا وضع مبدآن أساسيان عامان للتنقيب الأثري، الأول التحديد الدقيق للطبقات الموجودة في الموقع الأثري وبضمنها التداخلات بين الطبقات مثل الحفر وخنادق الأسس والقبور، وربط البقايا البنائية على نحو صحيح. والمبدأ الثاني تحديد تاريخ كل طبقة استناداً إلى المواد التي توجد فيها وترتبط بها، وإلى مكانها في التسلسل الطبقي وعلاقتها بما يتصل بها. وهنا ينبغي الانتباه إلى أن العمق الذي تكتشف فيه المادة الأثرية من سطح التل لا يعني شيئاً بصدد تحديد تاريخه ما لم يقرن بموضعه في الطبقة التي يعود إليها. أي إن توثيق معثر المادة الأثرية في التنقيب يجب أن يكون ثلاثي الأبعاد حتى تضمن دقته، فقد تكون أرضيات طبقة أثرية مختلفة في المستوى الأفقي، أو أن سطح التل على درجة مختلفة من الانحدار.

وتجدر الإشارة إلى أن كثيراً من الصعوبات والمشاكل تكتنف التنقيب الأثري، منها سرعة التطور الزراعي والصناعي والسكني الحديث. فقد أدى هذا التطور إلى إلحاق تخريب ملموس في الكثير من المواقع الأثرية؛ مما يزيد من صعوبة تنقيبها على نحو علمي دقيق. ومن المشاكل الأخرى في التنقيب الأثري البطء في نشر نتائج التنقيبات الموسمية وكذلك النتائج النهائية وتأثير ذلك في الدراسة الشاملة لموقع من المواقع. كما أن ازدياد مشاريع الإنقاذ الأثري [ر] فرض سياقات عمل في التنقيب الأثري قد لا تتفق في أحيان كثيرة مع الطرق والأساليب المتوخاة في العمل؛ غير أنها ساعدت على استجلاء مواقع جديدة وإضافة معلومات واسعة.

العمل الحقلي

حالما يتم اختيار الموقع للتنقيب الأثري يشرع الآثاري المسؤول عن العمل بتشكيل بعثة التنقيب التي ستقوم بالعمل تحت إدارته. ينبغي أن تضم البعثة مساعداً لرئيسها ومختصين يعتمد عددهم وتخصص كل منهم على طبيعة الموقع وخصائصه. فضلاً عن هذا يمكن لرئيس البعثة أن يستعين بخدمات مؤقتة واستشارات من قبل مختصين آخرين من خارج البعثة. ولا بد أن يكون من بين أعضاء البعثة إداري يتفرغ لأمور لا يجوز إشغال الأعضاء المختصين بها مثل تنظيم الحسابات والأجور ومتابعة المراسلات والإشراف على مقر البعثة وما يتعلق به من مرافق العمل المكتبي والمسكن والمأكل. ولكي تؤدي بعثة تنقيب كبيرة مهمتها بنجاح ينبغي أن تضم عدداً من الأعضاء لا يقل عن أربعة أو خمسة، منهم مهندس معماري ومساح ورسام ومصور ومسجل. وإذا كان الموقع يضم نقوشاً كتابية؛ فينبغي أن يكون هناك مختص بالكتابات القديمة. ولا بد أن يكون رئيس البعثة ملماً بعمل كل هؤلاء الأعضاء وتخصصهم حتى يستطيع توجيههم إلى ما يجب أن يقوموا به. وتحدد البعثة منذ البداية الأشهر التي تقوم بها بمواسم التنقيب سنوياً بحسب طبيعة المناخ والتزامات المنقبين في أعمالهم.

الخطوة الأولى التي يقوم بها المنقب في الموقع هي فحص السطح فحصاً مباشراً وشاملاً لتكوين فكرة عن المواضع المناسبة للتنقيب وطبيعة اللقى السطحية والأماكن التي تزداد فيها، وكذلك استنباط الدلائل من المرتفعات البارزة الموجودة على سطح الموقع وحصر امتداداته في المنطقة المحيطة. الخطوة الثانية في العمل الحقلي هي الأعمال المساحية. وهذه الأعمال تنقسم إلى ما ينجز قبل البدء بالحفريات وفي أثنائها وفي ختامها، وما ينجز منها قبل الحفر يشمل قياس الأبعاد وتحديد الاتجاهات ورسم مخطط سطح التل (المخطط الكنتوري contour plan) ومقاطعه. ثم تقسيم هذا المخطط إلى مربعات بحسب حجم التل، وقد تكون ما بين ٥×٥ م للمواقع الصغيرة و١٠٠×١٠٠م للمواقع الكبيرة جداً. تؤشر هذه المربعات على الأرض، ويمكن أيضاً أن تؤشر الخنادق الاختبارية أو مجسات السبر التي تخطط البعثة لحفرها. أما أعمال المساحة التي تنفذ في أثناء التنقيبات؛ فتشمل رسم المخططات الأرضية لما تكشف عنه الحفريات من بقايا معمارية وغيرها وتنزيل مساقطها ومستوياتها. وفي نهاية موسم التنقيب تشمل أعمال المساحة رسم المخططات الأرضية والمجسمات الهندسية لكل ما كشف عنه.

فيما إذا تقرر أن يكون التنقيب أفقياً أو ضمن قطاعات يشمل كل منها عدداً من المربعات يكون ضرورياً ترك محرمات balks بعرض٥٠-١٠٠سم على الجانبين الشمالي والغربي من كل مربع، باعتبار أن أضلع المربعات تكون على الجهات الصحيحة الأربع. وهكذا يمكن أن تمثل هذه المحرمات - التي تبقى قائمة بعد النزول في المربع- مقاطع تظهر تعاقب الطبقات في ذلك الموضع. وفي حالة استظهار مبنى كبير -على سبيل المثال- يمكن أن تزال المحرمات لغرض توضيح معالم المبنى. وفي هذه الحالة يترك جزء من المحرمات قائماً بشكل عمود للعودة إليه حين الحاجة لتدقيق تعاقب الطبقات.

تعتمد البعثة في اختيارها للأدوات التي تستعملها في الحفر على طبيعة الموقع الأثري وطبقاته ودرجة صلابة التراكمات فيه، وأكثر هذه الأدوات شيوعاً هي:

١-المر ذو النصل المستقيم لقشط التربة.

٢- المعول الذي يكون أحد طرفيه مدبباً، والآخر بشكل الفأس لحفر التربة الصلبة.

٣- الرفش العريض لإبعاد الأتربة.

٤- حاويات لنقل الأتربة من داخل قطاعات الحفر.

٥- عربات نقل الأتربة ذات العجلة الواحدة، أو العربات التي تسير على سكك قابلة للنقل فيما إذا كان موضع تفريغ الأتربة بعيداً عن قطاعات الحفر.

٦- معول التنقيب الصغير ذو الرأس الواحد المدبب للحفر الدقيق مصحوباً بمغرفة صغيرة (مالج البنّاء) لإزاحة التراب القليل.

٧- فرشاة الدهان لإزالة التراب عن المواد، وفرشاة السجاد القاسية لتنظيف المواد الصلبة مثل الفخار، ومكنسة لتنظيف موضع الحفر.

٨- سكاكين مختلفة الأحجام لاستظهار المواد الدقيقة أو البقايا العظمية.

٩- فضلاً عن أجهزة المساحة قد تستعمل أجهزة أخرى حديثة مثل أجهزة قياس المقاومة وأجهزة لقياس المغنطيسية لرصد ما يوجد تحت السطح.

١٠- أدوات وأجهزة أخرى قد يحتاج إليها عمل البعثة مثل الغرابيل لنخل الأتربة أحياناً، وأجهزة تعويم البقايا النباتية القديمة، ومنافخ الهواء للتنظيف الدقيق، وآلات تصوير دقيقة ومجموعة من الأوتاد والخيوط واللاصقات فضلاً عن الأثاث المكتبي والمخبري والمخزني الذي تحتاج إليه البعثة في مواسم التنقيب.

التنقيب في طبقات الموقع

حين يتم الكشف عن بقايا مبنى في التنقيبات يكون على المنقب أن يفسر هذه البقايا ويربط أجزاء المبنى ببعضها حتى يستطيع الوصول إلى تحديد وظيفتها وربطها بطبقتها وتحديد دورها في تاريخ الموقع. ومن أجل الوصول إلى هذا على المنقب أن يفهم أولاً كيف شيد ذلك المبنى. فحين يشيد مبنى تكون الخطوة الأولى وضع أسس راسخة له، وهذه الأسس تنزل تحت مستوى الأرضية التي يشيد عليها المبنى. ولذلك تحفر خنادق أسس مطابقة للمخطط الذي سيكون عليه المبنى. وهذه الأسس مهمة جداً في التنقيب الأثري خصوصاً إذا كانت جدران المبنى قد أزيلت، أو فقدت بعض أجزائها، فالأسس تحفظ مخطط المبنى باستثناء المداخل التي لا تظهر مواضعها في الأسس. جدران المبنى الأصلية تطابق الأسس، وتعلوها من مستوى الأرضية أو تحتها بقليل في حال رفعت الأرضيات في داخل المبنى بواسطة الأتربة المستخرجة من خنادق الأسس، وفي هذه الحالة يمكن أن تتضمن هذه الأتربة موادّ أثرية تعود إلى طبقات أقدم. أما المواد الأثرية العائدة إلى طبقة المبنى نفسه؛ فيجب أن يكون موضعها فوق سطح الأرضية. وحينما تضاف جدران لاحقة فإن أطرافها تتوقف عند أوجه الجدران الأصلية، ولا تتداخل معها.

وتُعدّ القبور على أهمية كبيرة في التنقيب الأثري؛ لما يمكن استخلاصه من معلومات من الهياكل العظمية المدفونة فيها ولما تحويه من أثاث جنائزي ولبعدها عن العبث في معظم الأحوال. ويمكن من خلال الكشف عن القبور الحصول على معلومات لا تتوافر من خلال البقايا المادية أو النصوص الكتابية. وحين يتم تحديد موضع قبر من خلال اختلاف لون التربة ودرجة تماسكها، أو وجود بناء يغطيه، يعطى القبر رقماً تسلسلياً، ويبدأ الحفر من الأعلى على نحو تدريجي حتى الوصول إلى الهيكل العظمي. وتجدر الإشارة إلى أنه يجب ألّا يكشف أكثر من قبر واحد في آن. كما أن المنقبين يحافظون على العظام المستظهرة في مواضعها حتى إنجاز العمل كاملاً. أهم الخطوات التي تتخذ في الكشف عن القبور هي تدوين الملاحظات المفصلة مع المقاسات وتصوير كل ما يكشف عنه ورسمه بمقياس رسم مناسب، كأن يكون ١/١٠. وفيما يخص الهيكل العظمي- أو الهياكل إن كان الدفن متكرراً- فإن تحديد الجنس والعمر من أولى المعلومات التي يتوجب توثيقها.

التنقيب الأثري في الكهوف ومواقع ما قبل التاريخ

يختلف التنقيب الأثري في الكهوف والمغارات على كبير عن التنقيب في المواقع المفتوحة لخلوها من الجدران والأرضيات المستحدثة اصطناعياً. وتعتمد طريقة التنقيب فيها على اختيار مساحة مناسبة من أرضية الكهف، أو المغارة، وتقسيمها إلى مربعات صغيرة بقياس ٢×٢م أو ١×١م موجهة نحو الاتجاهات الصحيحة، ويتم ترقيم هذه المربعات بالحروف (أفقياً) والأرقام (عمودياً). يبتدأ بالتنقيب في المربع الأكثر ارتفاعاً، وينزل فيه إلى عمق لا يتعدى متراً واحداً. ويرسم مقطعان من هذا المربع، أحدهما من الشمال إلى الجنوب، والآخر من الشرق إلى الغرب. ثم ينقل التنقيب إلى المربعات المجاورة، ويتم النزول في كل منها إلى مستوى عمق المربع الأول. وبهذا يصل التنقيب في نهاية هذه المرحلة إلى مستوى أفقي واحد. وإذا لم يصادف التنقيب أرضية سكنى واضحة؛ يتم النزول بمراحل يكون الأنسب أن يكون العمق في كل منها نصف متر. في أثناء النزول بالحفر تؤشر حدود المربعات بأشرطة أو خيوط، ويستمر رسم المقاطع الثنائية لكل مربع؛ لتجمع المقاطع مع بعضها، فيكون هناك رسمان متصلان لمقطع شمالي- جنوبي وآخر شرقي- غربي لجميع المربعات.

التنقيب الأثري في مواقع ما قبل التاريخ يتبع طرقاً تختلف قليلاً عن التنقيب في مواقع العصور التاريخية، ذلك أن قلة الأبنية والجدران واستعمال مواد قابلة للاندثار – مثل الأخشاب والأغصان - يترك طبقات من الركام أدق مما تتركه أبنية العصور التاريخية بجدرانها العالية والسميكة المشيدة باللبن غالباً. ولذلك تتطلب مواقع ما قبل التاريخ دقة كبيرة لملاحظة ما تحويه طبقاتها، وهو قليل بالمقارنة مع طبقات العصور التاريخية اللاحقة. ثم إن جدران أبنية عصور ما قبل التاريخ قد لا تكون بالاستقامة والمتانة مثل جدران العصور اللاحقة، ولذلك يتطلب تتبعها الكشف عن أوسع منطقة أفقياً حتى يمكن تتبعها مهما كان عدم انتظامها. وعند تقسيم الموقع إلى مربعات لا تترك فيها محرمات لمتابعة التعاقب العمودي لطبقات الركام والأرضيات. ويعامل كل مربع بوصفه وحدة تنقيب أو قطاعاً يحفر في جزء منه حتى تكتشف أرضية يتم بعدها تنظيف بقية المربع. وفي جميع هذه الخطوات يكون الحفر دقيقاً، وتقشط التربة، وتنظف بالفرشاة بحيث لا تفوت على المنقب ملاحظة أي تفاصيل من خطوط أو تغير في ألوان التربة مثلما يحدث في مواضع الأعمدة الخشبية وغيرها.

نظام التوثيق الأثري

لا يمكن أن يكتسب التنقيب الأثري أهميته ويثبت نجاحه ما لم يكن قد وثق بجميع تفاصيله. وهذا التوثيق هو المادة الأساسية التي لا تعوض لإنجاز الدراسات الأثرية والبحوث الخاصة بالمواقع الأثرية والحضارة القديمة. ومنذ تقنين الطرق والأساليب العلمية في التنقيب الأثري كانت وسائل التوثيق تعتمد على الإمكانات العلمية والخبرة العملية للمنقب وطريقة توجيهه للعمل الحقلي والتوثيقي. وقد استعمل منقبون كثيرون استمارات وبطاقات توثيقية صممتها متاحف ومؤسسات علمية، لكنها بقيت متفرقة وغير موحدة، ولا تشمل سوى جوانب قليلة من أعمال التنقيب.

في عام ١٩٩٠م وضع أول نظام توثيق أثري كامل يشمل جميع جوانب العمل الحقلي في التنقيب الأثري، ويصلح هذا النظام للتطبيق في جميع المواقع الأثرية على اختلاف طرق التنقيب المتبعة فيها. وضع هذا النظام الشامل من قبل نائل حنون (نظام التوثيق الآثاري، دار الحكمة للطباعة والنشر، بغداد ١٩٩٠م)، ويمثل طريقة منظمة وجديدة يضمن تطبيقها درجة عالية من الدقة في توثيق أعمال التنقيب وتسجيل المكتشفات، وقد طبق هذا النظام لأول مرّة في سورية في تنقيبات تل جنديريس. ويتألف نظام التوثيق هذا من ست عشرة استمارة خصصت كل منها لجانب من جوانب التنقيب الأثري. وهكذا تكون مواضيع هذه الاستمارات على النحو الآتي: (١) الطقس اليومي (٢) العمل اليومي (٣) العمل الأسبوعي (٤) العمل الموسمي (٥) اللقى السطحية والكسر (٦)البقايا البنائية (٧) الجرار والأواني الفخارية (٨) الأختام الأسطوانية (٩) الدمى (١٠) الرقم والنصوص الكتابية (١١) المكتشفات المتنوعة (١٢) القبور (١٣) الخرائط والمخططات (١٤) سجل التصوير (١٥) بطاقات تسجيل المعاثر (١٦) فهرس السجل العام.

   
مثال 1 من استمارات التوثيق الأثري للباحث نائل حنون
 
مثال 2 من استمارات التوثيق الأثري للباحث نائل حنون
 

تطور التنقيب الأثري في سورية

كان أول توجه للتنقيب عن آثار ما قبل العصور الهلنستية في سورية يسعى إلى البحث عن الآثار الآشورية، فقام هنري ليرد بالإشراف على التنقيبات الأولى المختصرة في تل عربان (تل عجاجة) في وادي الخابور الأسفل عام ١٨٥٠م بحثاً عن النصب والمنحوتات الآشورية. وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين اجتذبت مواقع العصر الحديدي في سورية الانتباه بسبب ما كان يظهر على سطحها للعيان من منحوتات حجرية. فابتدأ الألمان بمشروعين رئيسيين للتنقيب في زنجرلي (موقع سمأل القديمة في تركيا حالياً) وتل حلف في أعالي الخابور. دخل الآثاريون البريطانيون في منافسة مع الألمان، ونقبوا في موقع عاصمة أخرى من العصر الحديدي، وهي كركميش. في هذه المرحلة كان التركيز في التنقيب على البقايا المعمارية مع اهتمام أقل بالمكتشفات الأثرية.

بعد أن حل الانتداب الفرنسي في عشرينيات القرن العشرين أنشئت مديرية عامة للآثار في سورية. وبدأ الآثاريون الفرنسيون التنقيب في عدة مواقع مع اهتمام أكبر بمواقع المدن الكبيرة مثل مشرفة (قطنة القديمة) ونبي مند (قادش القديمة) وأرسلان طاش (حداتو القديمة) وتل أحمر (تل بارسب). وكانت أبرز المشاريع الأثرية للفرنسيّين عملهم طويل الأمد في رأس شمرا (موقع أوغاريت) من عام ١٩٢٩م وفي تل الحريري (موقع ماري) من عام ١٩٣٣م. ودخل الآثاريون البريطانيون للعمل ثانية إلى سورية في ثلاثينيات القرن العشرين، فنقبوا في موقعي شغار بازار وتل براك في منطقة أعالي الخابور. مساهمة الآثاريين الأمريكان في التنقيب الأثري في سورية ابتدأت بتحريات جامعة شيكاغو في سهل العمق حيث نقب في تل طعينات. وفي قلعة حماة قامت بعثة أثرية دنماركية بالتحري عن البقايا المعمارية الضخمة من العصر الحديدي وعن التعاقب السكني الطويل الذي ابتدأ في العصر الحجري الحديث.

 
مثال 3 من استمارات التوثيق الأثري للباحث نائل حنون
 
 

أدت الحرب العالمية الثانية إلى إيقاف هذا التصاعد في التنقيب الأثري. وبعد الحرب نالت سورية استقلالها، وبدأت مرحلة جديدة تحت إشراف سوري كامل، كما شرعت مديرية الآثار السورية بمشاريع في مواقع ساحلية مثل عمريت وتل كزل. وكان هناك ترحيب بالمساهمات العالمية، فاستمر التنقيب الأثري في رأس شمرا وتل الحريري. وقام آثاريون ألمان بالتنقيب في تل خويرة في شمال- شرقي سورية. وتواصلت تنقيبات البعثات الأثرية البريطانية والفرنسية والدنماركية في مواقع سورية، وتميزت تنقيبات البعثة الأثرية الإيطالية في تل مرديخ (موقع مدينة أيبلا القديمة) ابتداءً من عام ١٩٦٤م.

ازدادت أعمال التنقيب الأثري في سورية في أواخر ستينيات القرن العشرين مع البدء بمشاريع الإنقاذ الأثري عندما شرع بتشييد سد الفرات قرب الطبقة. وشهدت منطقة حوض السد مساهمة عالمية واسعة للتنقيب في المواقع المهددة بالغرق. وتواصلت الحملات العالمية الإنقاذية في العقود اللاحقة مع قيام مشاريع السدود في مناطق الخابور الأوسط وجنوبي الحسكة وسد الخابور شمال الحسكة وسد تشرين على الفرات الأوسط. فضلاً عن مشاريع الإنقاذ كانت هناك مشاريع تنقيب أثري كبرى من قبل بعثات أمريكية (تل العشارة، ليلان، موزان)، وبريطانية (تل براك ونبي مند)، وإيطالية (تل بري وآفس)، وألمانية (شيخ حمد والبيعة)، وفرنسية (راس البسيط والكوم)، بلجيكية (أبو ضنة وأم المرا)، وهولندية (بقرص، حمام التركمان، صبي أبيض).

وفي الوقت نفسه كانت مشاريع التنقيب الأثري السورية متواصلة في مواقع عدة مثل عين دارا وسيانو وتل سكا. وهناك أيضاً مشاريع مشتركة في مواقع أثرية كثيرة، منها رأس ابن هاني والكرخ وقرامل ومشرفة والعشارنة وأم المرا ومسكنة وبيدر وعربيد وشغار بازار وحموكار. وفي العقود الأخيرة أدخلت تطويرات كثيرة في التنقيب الأثري في سورية، ووظفت العلوم المساعدة في التنقيب، ومنها الفحوصات الجيمورفولوجية وتحليل البقايا النباتية والحيوانية القديمة. وكذلك نالت التغيرات المناخية وتأثيرها في حياة المجتمعات القديمة اهتماماً واسعاً. واستعملت معطيات الاستشعار عن بعد في التحري عن مواقع من العصر البرونزي مثل منباقة والسويحات وخويرة.

نائل حنون

مراجع للاستزادة:

- نائل حنون، نظام التوثيق الآثاري (دار الحكمة للطباعة والنشر، بغداد ١٩٩٠).

- كلين دانيال، موسوعة علم الآثار ترجمة ليون يوسف (بغداد ١٩٩٠).

- C.Renfrew and P.Bahn, Archaeology: Theories, Method and Practice, (London, 1991).


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 597
الكل : 31555107
اليوم : 71512