logo

logo

logo

logo

logo

الأموريون

اموريون

Amorites -



الأموريون

  

 

ذكرت المصادر الكتابية المسمارية السومرية - منذ عصر نصوص فاره (القرن 26ق.م) - جماعات باسم مارتو MAR.TU  وهي الصيغة السومرية لاسم الأموريين. ويرد في أحد هذه النصوص اسم سومري لشخص وصف في النص بأنه أموري. أما المصادر الأكادية القديمة فأطلقت على تلك الجماعات تسمية أمورّو (Amorites) Amurru   التي تعني في الأكادية "الغرب، الغربيون". وقد أطلقت هذه التسمية على قوم كانوا موجودين في وادي الرافدين منذ عصر فجر السلالات، على أقل تقدير، وتزايدت أعدادهم في عصر سلالة أور الثالثة (2112- 2004 ق. م) على نحو كبير. ولا يعرف - في الوقت الحاضر- فيما إذا كان اسم هؤلا القوم استعمل للدلالة على جهة الغرب في الأكادية أو أن الكلمة موجودة أصلاً، وأطلقت عليهم.

هناك نصوص تاريخية مسمارية تذكر أن سرجون الأكادي (2334-2279 ق.م) وملوكاً لاحقين حاربوا قبائل أمورية عند جبل بسار Basar - وهو الاسم القديم لجبل البشري[ر] - غرب وسط الفرات. ومن الواضح أن الأموريين في مدن وادي الرافدين كانوا متعايشين مع الأكاديين، ويستعملون اللغة الأكادية، لكن القبائل الأمورية - التي كانت ما تزال تعيش حياة البداوة - عُدّت تهديداً للنظام المدني، وجوبهت من قبل ملوك البلاد. ولذلك قام شو- سين (2037- 2029ق.م) - الملك الرابع في سلالة أور الثالثة - بتشييد سور - أو سلسلة قلاع - في شمالي بلاد بابل لصد القبائل الأمورية. وقد أرخ السنة الرابعة من حكمه بعملية إنشا هذا السور الذي أطلق عليه اسم مورق - تِدنِم (Muriq-Tidnim) ، وتِدنِم اسم آخر للأموريين. ويرجح أن يكون هذا السور بطول يزيد على 200كم، ويمتد من نهر الفرات؛ شمال موقع مدينة سبار، إلى نهر دجلة عند منطقة بغداد الحالية.

إن اندماج الأموريين بالأكديين حضارياً شمل الجانب اللغوي أيضاً، وأدّى إلى أنهم لم يدونوا بلغتهم الخاصة، بل اعتمدوا الكتابة المسمارية، ودونوا نصوصهم باللغتين السومرية والأكادية. أما اللغة الأمورية فلا يمكن أن يقال الكثير عنها، ويتفق معظم المختصين على أنها تنتمي إلى مجموعة غربية من لغات المشرق العربي القديمة، أي إنها لغة سورية قديمة. وتأتي المعرفة بهذه اللغة من خلال أسما الأعلام وبعض الخصائص اللغوية غير الأكادية مثل السابقة يا- (-ya) واللاحقة ان  (- an) ومفردات اقتبست في الأكادية مثل عبد ونعم ومفردات كثيرة أخرى يمكن تمييزها في النصوص الأكادية.

بقايا القصر الملكي في ماري

وصفت أساطير سومرية حياة الأموريين بالبداوة، وثمة حكاية تعرف بـ"زواج الأموري/مارتو" يعبر فيها على نحو رمزي عن الاختلاف الحضري - البدوي، وحدوث التحولات الاجتماعية لدى الأموريين. فالأموري بحسب نصوص تلك الأساطير "ينتهك محرمات الإله نانّا، هائج يتحرك هنا وهناك دائماً، يتدثر بجلود الماشية، يسكن خيمة تعصف بها الرياح والأمطار، لا يجيد الصلوات، ينبش الكمأة من أطراف الأراضي الجبلية، لا يعرف حني الركبة، يأكل اللحم الني ، لا يملك بيتاً طوال حياته، ولا يدفن بعد موته".

وتبين المصادر الكتابية المكتشفة في ماري أن المجتمع الأموري كان مؤلفاً من كيانات قبلية أساسية ذات فروع، وقد تحالفت وتنازعت كثيراً تبعاً للمصالح والأخطار، وكان ذلك لأسباب سياسية واقتصادية ناجمة عن الفوارق الطبقية وتفوق الحضر على البدو، ولذلك حارب ملوك المدن شيوخ القبائل المتمردين على قراراتهم، وغزا هؤلا بدورهم القوافل التجارية والمدن الصغيرة انتقاماً. وقد حال هذا دون قيام مملكة أمورية موحدة كبرى. وتذكر المصادر المسمارية أسما تلك الكيانات القبلية الأساسية ومواطنها، وأبرزها:

-(1 بنو يمين التي كانت مضاربها الأساسية في الجهة اليمنى /الشمالية من نهر الفرات؛ - وذلك بالنسبة إلى المقيم في ماري- أي في الجزيرة.

- (2 بنو شمأل في الجهة اليسرى/الجنوبية من نهر الفرات؛ أي في الشامية. وكانت الأسرة الحاكمة في ماري تنتمي إليها.

-(3 سوتو في منطقة جنوبية (شامية) أبعد، وضمن بادية الشام.

-(4 نُمْخا في جنوبي جبل سنجار.

-(5 يَموت بَل بين سنجار وآشور.

-(6 ديتْنُم في وسط بلاد بابل.

-(7 يخيلان في شمالي آشور.

-(8 ربّو في مملكة يمخد.

- (9 أَونانم وأُبرابُم في مناطق توتول (تل البيعة قرب الرقة).

وشاعت تسمية "الخانيون" المشتقة من اسم بلاد خانا (وادي الفرات الأوسط) للدلالة على الأموريين المحافظين المتمسكين بنمط الحياة البدوية وتقاليدها، ضمن القبائل المختلفة. وكان منصب الشيخ  (sugagum) السلطة العليا في القبيلة؛ وصلة الوصل مع القصر الملكي. وكان الشيخ مسؤولاً عن مراقبة الأوضاع في منطقته وتنفيذ القرارات الملكية وتسهيل مهمة الموظفين المكلفين جمع الضرائب أو التفقد والتفتيش وجمع القوى العاملة اللازمة للعمل في القصر والأراضي الزراعية التابعة له أو للتجنيد. وكان يوجد في كل مركز إداري متميز مجلس للحكما المسنّين  (sibutu) يرتبط بالقبيلة؛ أو بفرع منها أحياناً، ويتمثل دوره بتقديم المشورة للشيخ والتوسط بين القبيلة والملك وإقرار التحالفات والحروب.

جدارية كشفت في القصر الملكي في ماري تمثل زمري-لِم يتسلم رموز الحكم (الخاتم والصولجان) من الإلهة عشتار

اعتمدت الحياة الاقتصادية للأموريين على تربية الحيوان التي برعوا فيها، وكانوا يتنقلون بقطعانهم بين السهول والمرتفعات القريبة، أو بين البادية والسهول خلال فصلي الشتا والصيف. وتشمل الحيوانات التي يربونها الأغنام والماعز، كما اهتموا بتربية الحمير لاستخدامها في تنقلاتهم. ولما كان الجفاف يصعّب ظروف حياتهم بين فترة وأخرى؛ فقد كانت تحصل نزاعات فيما بينهم حول مناطق الرعي ومصادر المياه.

عرف بعض الأموريين زراعة الحبوب في مساحات صغيرة؛ ولاسيما على ضفاف الفرات وروافده، وانصرفوا إلى ممارستها على نحو جزئي في فترات معيّنة من السنة، في حين تفرغ لها كلياً قسم آخر استقر وتخلى عن التركيز على تربية الحيوان. ولذلك أصبح المجتمع الأموري ذا طابع مزدوج (رعوي- زراعي، بدوي- مستقر)، كما هي الحال لدى قبائل عربية في العصر الحديث. وقد شجعت القصور الملكية عملية الاستقرار، ودعمت الزراعة على ضفتي الفرات. وثمة أعمال أخرى ثانوية شاعت بين الأموريين، مثل جمع الكمأ والنباتات البرية والصيد والتجارة الداخلية المحدودة ونسج الثياب والخيام الذي اختصت به النسا ، وهو ما تميزت به قبيلة بنو يمين. وعمل بعض الأموريين أيضاً مرافقين مرشدين للقوافل التجارية والحملات العسكرية عبر البادية.

لا توجد معلومات كثيرة عن المعتقدات والشعائر الدينية للأموريين، ولكن يلاحظ ورود أسما آلهة بشكل منفرد أو ضمن أسما أعلام أمورية مركّبة. ومن أبرز هؤلا الآلهة:

-(1دَجَن إله الحبوب والمطر، وإليه نسب اختراع المحراث. كان له معبد في كل من ماري وترقا وتوتول وأوغاريت (رأس شمرا قرب اللاذقية). وقد سميت ماري "مدينة الإله دجن".

-(2 أدد/ أدّو إله الطقس والرياح والمطر الغزير، وقد ارتبطت عبادته بالزراعة أيضاً.

-(3 يَرَخ إله القمر الهادي خلال الترحال الليلي، ومانح الخصب لقطعان المواشي.

-(4 لِم الذي يظهر في أسما الملوك (في إيبلا، ماري، يمخد) والأشخاص العاديين، ويعتقد أنه ذو صلة بمظاهر الطقس أيضاً.

وتجدر الإشارة إلى أن معتقدات وادي الرافدين عرفت إلهاً باسم مارتو (في السومرية) وأمورو (في الأكادية)، ووصف بأنه يدمر المدن، ويجتاح البلاد كالعاصفة، وكانت زوجته تدعى بيليت - صيري "سيدة البادية". وكان هناك معبد لهذا الإله في مدينة آشور.

استطاع زعما قبليون أموريون الوصول إلى حكم عدد من المدن ومناطقها الريفية في أواخر الألف الثالث ق.م، وأنشؤوا ممالك عدة في جنوبي وادي الرافدين، ثم في شماليّه وفي سورية، ومن هذه الممالك:

-1 مملكة لارْسا (تل السنكرة، شمال غربي الناصرية). أسسها نَبْلانُم في 2025 ق.م، واستمرت حتى أخضعها حمورابي ملك بابل في 1763 ق.م. حكمها أربعة عشر ملكاً.

-2 مملكة إيسين (إيشان بحريات، شرقي الديوانية). أسسها في 2017 ق.م قائد عسكري أموري، أصله من مدينة ماري، يدعى إشبي إرّا، بعد أن انفصل عن ملك أور الأخير. وعندما احتلت القوات العيلامية مدينة أور (تل المقير، جنوب غربي الناصرية) حاربها وطردها، وضم أور إلى مناطق حكمه.

-3 مملكة أوروك (الوركا ، شرق السماوة). أسسها سين - كاشد في الربع الثاني من القرن 19 ق.م، بعد الاستقلال عن حكم لارسا. ثم استعادها ريم سين في 2081 ق.م، واحتلها حمورابي ملك بابل في 1787 ق.م.

-4 مملكة إشْنونّا [ر] (تل أسمر، قرب بعقوبة) سيطر عليها الأموريون في مطلع القرن 19 ق.م، وتميزت قوتها في أواخر القرن؛ عندما حكمها نرام- سين الذي احتل مدينة آشور (قلعة الشرقاط، بين تكريت والموصل)، وتغلغل في الجزيرة السورية العليا، ولكن شمشي - أدد[ر] الأول الأموري المتحدر من مدينة ترقا (تل العشارة، جنوب شرقي دير الزور) انتزع حكم بلاد آشور من ابنه في 1813 ق.م. ثم استولى حمورابي - ملك بابل - في 1762 ق.م على إشنونّا.

-5 مملكة ماري [ر] (تل الحريري، قرب البوكمال في سورية). أسسها يجِد- لِم في الربع الأخير من القرن 19 ق.م، ودخل خليفته يخدون - لِم في صراع مع مدينة ترقا المجاورة، واحتلها، وهجّر الأسرة الحاكمة فيها. استولى عليها شمشي- أدد الأول الذي نصب ابنه يسمخ- أدّو ملكاً عليها. وبعد أن استعاد زمري- لِم [ر] حكم ماري واجه حمورابي، ملك بابل، فقام الأخير بمهاجمة ماري وإسقاط سلالتها الحاكمة.

ربة الينبوع في ماري

-6 مملكة بابل (بابل، قرب الحلة). أسسها سومو- أبُم في 1894 ق. م، وغدت أقوى الممالك الأمورية في عهد ملكها المشرّع الشهير حمورابي (1792-1750 ق.م) الذي وصف نفسه بلقب"ملك الأموريين"، وسيطر بمرور الزمن على جميع الممالك الأمورية في بلاد الرافدين. وظلت بابل القوة الأساسية حتى الغزو الحثّي عام 1595 ق.م.

حمورابي ملك بابل أشهر ملوك الأموريين

-7 مملكة يَمْخَد، ومركزها خَلَب (حلب). أنشأها سومو- إبوخ في أواخر القرن 19 ق.م، وشملت المناطق السورية الشمالية غربي نهر الفرات. واجهت هذه المملكة ماري في عهد شمشي- أدد الأول، ودعمت زمري- لِم لاستعادة الحكم فيها، كما دخلت في صراع طويل مع مملكة قطنا، وخضعت في القرن 16 ق.م لنفوذ مملكة ميتاني الحورية.

-8 مملكة قَطْنة [ر] (تل المشرفة، شمال شرقي حمص). أسسها إشخي- أدد في أواخر القرن 19 ق.م. تحاربت مع يمخد لخلاف حول مناطق الرعي بين المملكتين. تحالفت مع ماري في عهد شمشي - أدد الأول، ثم حكمها أموت - بي- إيل المعاصر لزمري- لِم.

جز من حفريات القصر الملكي في تل المشرفة (شمال شرقي حمص) حيث قامت مملكة قَطْنة الأمورية

-9 مملكة خانا في ترقا (تل العشارة). نشأت بعد دمار ماري، واستمرت حتى الغزو الحثي عام 1595 ق.م.

وضع الغزو الحثي نهاية للممالك الأمورية، وانتشر الأموريون في داخل سورية وسواحل البحر المتوسط. وبعد منتصف الألف الثاني ق.م ارتبطت تسمية أمورو بمملكة صغيرة قامت على ساحل البحر المتوسط؛ بين جبلة وجبيل، وكانت مدينة صُمُر Sumur (تل الكزل، قرب صافيتا) مركزاً لها. ازدهرت هذه المملكة في عصر العمارنة، ثم أخضعها الحثيون في عام 1336 ق.م.

 

فاروق إسماعيل

 

 

مراجع للاستزادة:

- I. J. GELB, Computer - aided Analysis of Amorite, (Chi­cago, 1980).

- J. N. POSTGATE, Early Mesopotamia: Society & Economy at the Dawn of History, (London, 1996).

- R. M. WHITING,’’Amorite tribes and nations‘’, Civi­li­zations of the Ancient Near East, ed. J. M. Sasson, (New York, 1995), pp. 1231- 1242.

 


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1108
الكل : 40558179
اليوم : 87994