logo

logo

logo

logo

logo

الامباشي (خربة-)

امباشي (خربه)

al-Umbashi (Khirbet-) -



الأمباشي (خربة-)

 

 

تبعد خربة الأمباشي Khirbet al- Umbashi - التي يرد اسمها بصيغة الأنباشي أيضاً- نحو 80 كم جنوب شرقي دمشق، وتقع في منطقة جافة لا يتجاوز معدل المطر السنوي فيها 100مم. يتكون الموقع من بقايا عدة تجمعات أثرية تقوم على أحد المسيلات البركانية (القرا)، وتقدر مساحته بنحو ستين هكتاراً. تنتشر في المنطقة ضمن مساحة 10كم2 تقريباً بقايا عمرانية قديمة، وتمتد خربة الأمباشي على كتل المهل البركاني الذي تتخلله بقع رملية. وتنتشر بقايا المنشآت الأثرية على جانبي وادٍ قليل العمق يتجه من الشرق إلى الغرب، وفي هذا الوادي تتجمع  السيول شتا ً.

اكتشف الموقع في عام 1857م من قبل سيريل غراهام C. C. Graham، وفي عام 1914 زاره هيربت F. Herbette الذي أورد ملاحظات واضحة عن الموقع في سياق حديثه عن الاندفاعات البركانية والعظام الحيوانية المختلطة مع المهل البركاني. وتبين تلك الملاحظات أن بقايا هذه العظام تعود إلى حيوانات ما زالت تعيش في المنطقة مثل الأغنام والماعز والأبقار. وذهب هيربت إلى أن هذه الكتلة الضخمة من العظام الحيوانية تكونت طبيعياً، في حين افترض لويس دوبرتريه L. Dubertret - الذي زار المكان في عام 1928م - أنها جمعت من قبل البشر. وهكذا كان الاهتمام الأول لمن زاروا الموقع ودرسوه تفحص الكتلة الضخمة من عظام الحيوانات وتداخلها مع الصهارة البازلتية ومحاولة تقديم تفسير لهذا التداخل.

مسقط منشأة سكنية

في عام 1933م عملت في الموقع بعثة فرنسية برئاسة أندريه بارو A. Parrot، وفي عام 1954م ظهرت نظرية تقول إن الصهارة البركانية غمرت الحيوانات وهي حية، وبين عامي 1991 و1995م أجرت بعثة مشتركة فرنسية - سورية برئاسة فرانك بريمر F. Braemer عدة مواسم عمل كان الهدف منها إنجاز مخطط طبوغرافي للموقع وإجرا بعض الحفريات لمعرفة التسلسل الزمني فيه؛ وكذلك جمع المعلومات التي تمكن من فهم أسباب قيام منشأة حضرية في هذا المكان. وقد تم وضع مخططات لثمانية تجمعات سكنية تظهر أنماطاً مختلفة من السكنى

مخطط مسقط مدافن وواجهتها

سُكن الموقع على مدى مئات السنين، والمؤكد أن ذلك حدث خلال العصر البرونزي المبكر الثالث والرابع والبرونزي الوسيط الأول (أي في 2500- 1800ق.م)، ولايستبعد وجود سكن سابق لهذه المرحلة؛ خصوصاً في العصر الحجري- النحاسي ثم البرونزي المبكر (الأول والثاني). وتدل المكتشفات - من فخار ونقوش صفائية - على وجود سكنى في الموقع خلال العصر الروماني الذي تعود إليه أيضاً منشآت تشمل سداً للمياه وبعض القبور.

تبرز في الموقع ثلاثة تجمعات سكنية متباينة؛ لكنها متجاورة، وتتوزع هذه التجمعات على ثلاثة قطاعات. تبلغ مساحة القطاع الجنوبي نحو 7-8 هكتارات؛ والشمالي - الأقل كثافة - 50 هكتاراً؛ والغربي 3- 4 هكتارات، وقد حفظت كل المنشآت جيداً، ومن أهم ما تتضمنه بيوت مختلفة الأشكال والأحجام وبعض الجدران والأسوار والقبور فضلاً عن قناة وسد.

مسقط منزل سكني

مساحات البيوت متقاربة وقد استعملت في بنائها الحجارة البازلتية من دون رابط، وتستند إلى ركائز وكتل حجرية بينها حشوات من الحجارة الصغيرة. وتوجد أكثر من طريقة في بنا الجدران، منها ما تألف من حبة واحدة من الحجارة شبه المقصبة، ومنها الجدار المزدوج المحشو بالحجارة الصغيرة أو المدكوك بالطين. وتبين آثار البيوت الأولى التي تم تحديدها أن النموذج المعماري كان منتظماً، فهناك وحدات صغيرة مؤلفة غالباً من ثلاثة جدران فقط ترتبط ببعضها حول مساحة مكشوفة توجد فيها المواقد. ويمثل هذا مرحلة وسطاً بين الملجأ والبيت الحقيقي قبل أن تظهر - في مرحلة لاحقة - وحدات معمارية أكثر تطوراً لسكان يقومون بتربية الماشية.

أغلب البيوت مستطيلة الشكل (خصوصاً في القطاع الشمالي) قائمة الزوايا، لها مدخل واحد تعلوه بلاطات ضخمة ترتكز على الجدران مع عضادة أو عضادتين مركزيتين متعاقبتين. يوجد أمام المدخل فنا مسوَّر، وقد تصل المساحة المسورة إلى نحو ألف متر مربع. وهناك بيوت غير منتظمة (مثلما في القطاع الجنوبي) ومنها ما هو دائري الشكل وفي مركزها دعامة تحمل بلاطات السقف، وهناك ممرات وأزقة تفصل بين تجمعات بعض البيوت. وقد بينت التنقيبات التي تمت في الموقع أن بعض البيوت كان مؤلفاً من طابقين: علوي مفتوح وسفلي حفر في الأرض ولم يكن يدخله الضو إلا من منافذه الصغيرة، كذلك بينت وجود أكثر من 400 وحدة سكنية في المدينة الشمالية تتألف كل منها من غرفة منفردة بطول 8-10م وعرض يصل إلى 3م، وقد وجدت غرف أكبر من ذلك، وبقيت جدران هذه البيوت محفوظة إلى ارتفاع 150- 170سم. المداخل موجودة إما في الجهة الجنوبية وإما الشرقية ويبلغ ارتفاعها نحو 120سم وعرضها 85 سم، ولا توجد عتبات لها، وما زالت سواكف الكثير منها قائمةً.

استعملت في بنا سقوف البيوت بلاطات حجرية ترتكز على الجدران وعلى دعامات مركزية، كما استعملت مواد قابلة للتلف مثل الخشب في تكوين بعض السقوف، وكانت أيضاً ترتكز على الجدران وعلى الدعامات التي كان بعضها من الخشب الذي أمكن الحصول عليه من جبل العرب. وقد أظهرت بعض حفر السبر داخل البيوت وجود أكثر من مرحلة سكن في الموقع، ومن المعتقد أن هذه الأبنية سكنت لفترة مؤقتة، وفضلاً عن البيوت وجدت في الموقع منشآت تبدو بشكل معسكرات؛ أعيد بناؤها خلال العصر البرونزي الوسيط.

وادي الأمباشي والبقايا المعمارية على طرفيه

عثر على بقايا سور للمدينة يمتد بطول 500م، وتدل على هذه البقايا أكوام الحجارة التي  تشكل مواضع الأبراج. وهذا السور لم يشيد على نمط واحد لا من حيث أبعاده ولا من حيث تقنية البنا (يراوح عرضه بين 2 و4م)، وهذا يؤكد وجود أكثر من مرحلة بنا وترميم له خلال أزمان مختلفة، ويبدو أن السور كوَّن جز اً من السد.

البقايا المعمارية في الأمباشي

توجد في الشرق والجنوب الغربي من القطاع الجنوبي خارج السور مقبرة تمتد على مساحة لا يقل عرضها عن 8م، ويصل طولها إلى 3كم، وقد أحصي وجود أكثر من ألف قبر غالبيتها مشيدة على طريقة الأضرحة الميغاليتية Megalithic tombs المسماة Dolmen. وهذه القبور تبدو بهيئة كتلة بقاعدة مربعة الشكل، وتتكون من الحجارة البازلتية غير المشذبة تحيط بها كومة من الحجارة ترتفع إلى متر أومترين، ويوجد في داخلها قبر أو اثنان أو ثلاثة وجد أغلبها فارغاً. وهذه القبور مسقوفة ببلاطات حجرية كبيرة متوازية، ومدخل كل منها مغلق ببلاطتين. وبعد التنقيب في عدد من القبور تبين عدم وجود أثاث جنائزي مهم، وإنما اقتصرت المكتشفات على بقايا تقدمات غذائية ومديتين برونزيتين وبعض الحلي المصنوعة من البازلت.

صورتان لمدافن ميغاليتية في الأمباشي

كان الموقع يعتمد في التزود بالمياه على السيول الشتوية المنحدرة من الجنوب بعد أن تتجمع على بعد 25كم بجوار قرية الرديم، وقد شيد سد في شمالي الموقع على الطرف الشرقي من الوادي لتجميع هذه المياه، كما يلاحظ وجود قناة لجر المياه من الجهة الشمالية الغربية طولها نحو 3كم، وعثر على قناة أخرى بطول 200م تفضي إلى خزان تجميعي واسع في القطاع الجنوبي، ويوجد بالقرب من الموقع سد آخر يعود إلى العصر الروماني.

توجد في وسط الموقع داخل الأسوار كمية كبيرة من العظام الحيوانية المتكلسة. تقدر المساحة التي وجدت فيها هذه العظام بنحو 3600م2 (أبعادها 90×40م)، وفيها ما تقديره 800م3 من عظام الحيوانات المدجنة والبرية التي قدر عددها بنحو ثلاثين أو أربعين ألفاً. ولم يعثر من بين هذه العظام على هيكل واحد كامل، وهو ما يشير إلى أنها كانت تلقى متفرقة بعد أن تجرد من لحومها، وعلى ما يبدو أن السكان هم من قاموا بجمعها على مدى زمني طويل لغايات صناعية على ما يحتمل.

بقايا الأبنية الأثرية في الأمباشي

ابتدئ بدراسة هذه العظام منذ عام 1933م، وقد تبين من خلال بعض حفر السبر أنها تكون طبقات بعمق يراوح بين نصف متر و2.5م. يصل عمق الطبقة السطحية إلى نحو 40سم، وتوجد تحتها طبقة ثانية من عظام متكسرة ومحروقة وكسر من الفخار؛ ويبلغ عمقها 40سم أيضاً، أما الطبقة الثالثة فعمقها 40سم أيضاً وتتضمن - فضلاً عن الكسر الفخارية - عظاماً غير متكسرة ملتصقة ببعضها على شكل كتل وقد تبلور بعضها ليصبح لونه أبيض أو أخضر أو وردياً؛ وهناك عظام عليها تزيينات رسمت بشكل حزوز، وتحت هذه الطبقة توجد طبقة رابعة عمقها نحو10سم تحتوي على عظام مسحوقة، وتحتها طبقة رقيقة من الرماد الأسود بعمق 3سم. وقد أجريت أكثر من دراسة للعظام أظهرت آخرها أنها تعود إلى أربعة أنواع من الحيوانات الثديية المدجنة والبرية وهي: الأغنام والماعز (بنسبة 75%) ثم الأبقار (24%) والغزلان (1%)، وجا ت النسبة الكبيرة من عظام الأبقار في هذه المنطقة الجافة مفاجئة لأن وجود الأبقار يستلزم توفر المراعي والما بكميات كبيرة. وقد درست ظاهرة هذا التراكم الهائل للعظام مع الحرق؛ لكن النتائج لم تتضح على النحو المطلوب؛ باستثنا التأكيد على أنها من عمل الإنسان، وقد طرحت تساؤلات عن الكيفية التي جُمعت بها هذه العظام في هذا المكان؛ والأسباب الكامنة ورا ذلك، وهناك أسئلة لم تزل من دون أجوبة عن حقيقة الظاهرة التي أنتجت هذه الكتلة البازلتية المنصهرة المندمجة في العظام. وقد قدمت بعض الفرضيات بهذا الخصوص؛ منها أن السيلان البركاني فاجأ القطعان الحيوانية؛ لكن سرعان ما تم استبعاد هذه الفرضية بسبب عدم العثور ولو على هيكل واحد كامل، كذلك استبعدت الفرضية التي ترجع تكدس العظام إلى نشاط بشري صناعي طويل الأمد؛ إذ أن هذا لا يفسر وجود الطبقة البركانية على العظام؛ في حين أن انصهار البازلت يحتاج إلى درجة حرارة تراوح بين 1200 و1400درجة مئوية، ويبدو أن فرضية كون هذه العظام نتاجاً لمواقد أو أفران أقامها الإنسان هي الأكثر قبولاً، فقد عثر على أفران بنيت جدرانها من حجارة كبيرة الحجم ومن صف واحد، وهذا يشير إلى استهلاك كبير للحوم الحيوانات قبل أن تحرق عظامها بدرجة حرارة عالية وترمى ربما لأغراض شعائرية اجتماعية ودينية.

لم تكتشف من خلال التنقيبات مواد أثرية كثيرة ما خلا الكسر الفخارية، وتشمل المواد المكتشفة أحجار طحن الحبوب وبعض الحلي وثمار الزيتون. أما الفخار فهو مشابه للنوع المنتشر في منطقة جبل العرب وحوران ودمشق وفلسطين والأردن مما يؤكد وجود علاقات بين سكان هذه المناطق.

وأثبتت المعطيات الأثرية أن الوسط الطبيعي والبيئي تحول تدريجياً من بادية ذات غطا نباتي كثيف في العصر الحجري الحديث إلى بادية متراجعة خلال العصر البرونزي المبكر والوسيط (الألفان الثالث والثاني قبل الميلاد)؛ وهي حالة استمرت حتى الوقت الراهن، فالموقع حالياً ضمن وسط بيئي جاف لا يناسب غير نشاط الرعي وتربية حيوانات الرعي في محيطه.

 

محمود حمود

 

 

مراجع للاستزادة:

- لويس دوبرتيه و موريس دونان، "ركامات العظام في خربة الأونباشي والهبيرية والمنشآت المقابلة"، الحوليات الأثرية العربية السورية، 4 و5 (1955)، ص ص 119- 125.

- وسيم الشعراني، "خربة الأنباشي"، مجلة مهد الحضارات، 3 و4 (2007) ص ص 86- 98.

- F. BRAEMER, et al., “ Khirbet el Umbashi (Syrie); Rapport préliminaire sur les campagnes 1991 et 1992”, Syria 70 (1993),pp. 415- 430.

 


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1093
الكل : 40563504
اليوم : 93319