logo

logo

logo

logo

logo

التطريز

تطريز

-

 ¢ التطريز

 التطريز

 

 

يعد فن التطريز من أوائل الفنون اليدوية الدقيقة التي عرفها الإنسان منذ القدم، فهو أحد المصادر الرئيسية لإعطاء تأثيرات وملامس مختلفة لسطح النسيج باستخدام الغُرز الزخرفية والخيوط المختلفة.

التطريز في اللغة هو وشيُ الثياب ورَقْمُها، وطرّز الثوب: وشّاه وزخرفه، والتطريز: هو الوشي والتزيين بالخيوط والرسوم على الثياب ونحوها. والطراز هو النمط أو الشكل، ويعني هنا الشريط من الكتابة المنسوجة.

كانت البداية الأولى لظهور فن التطريز اليدوي مع ظهور الاكتشافات العديدة من الأعمال الفنية المطرزة التي يرجع تاريخها إلى مصر في العصر الفرعوني، حيث وجدت أجزاء متفرقة من قِطع قماش منسوج من ألياف الكتان في مناطق عديدة، يرجع تاريخها إلى 3000 سنة قبل الميلاد، كما اكتشفت مجموعة من الإبر العظمية من صنع الحِرفي البدائي في كهوف البرويك بالهند منذ نحو 2000 سنة ق.م.

وكان لموقع بلاد الشام المتميز على تقاطع طرق مؤدية إلى آسيا وأوربا وإفريقيا دور بالغ الأهمية في إثراء فن التطريز، كما كان للحضارات المتعاقبة على المنطقة أثر فيما تضمنه من عناصر فنية وجمالية متنوعة. وترجع جذور فن التطريز في بلاد الشام إلى الأجداد الكنعانيين الذين نشروا التحف الزجاجية والمعدنية والملابس المطرزة الأرجوانية في جزر البحر المتوسط وعرَّفوا العالم بالأصباغ والأقمشة وفنون التطريز منذ 1500 ق.م.

حياكة النسيج

1- التطريز في مصر القديمة: حظي فن التطريز بنصيب وافر من اهتمام الفنان المصري القديم، ووصل إلى مستوى من الدقة والجودة والرقي؛ إذ تعدّدت الغُرز وتنوعت التصاميم الزخرفية، وقد أنتج الفنان الفرعوني بأسلوب التطريز نماذج عديدة لها أسلوبها الفني المميز تجلى بتقنيات عالية لفن التوشية بالفصوص والترتر الذهبي ورقائق الذهب، وقد زخرت المقابر بالعديد من الرسوم الزخرفية المطرزة على القماش الكتاني المستخدم في لفائف المومياء.

كما أشارت الرسوم على جدران المعابد إلى أن فن التطريز استخدِم على الستائر وعلى بعض الملابس ذات المستوى الرفيع، وقد استخدم الفنان الزخارف النباتية والحيوانية والآدمية والهندسية والرموز الدينية والسياسية والكتابات الهيروغليفية.

2- في العصر اليوناني: أثرت الثقافة الإغريقية في مصر في فترة الحكم البطلمي في زخرفات المنسوجات وظهر لها طابع عُرف بالأسلوب الهلنستي تمثل باستخدام العناصر الآدمية والحيوانية والتصويرية التي تجسد الأساطير الإغريقية، وقد تميز الإغريق بالدقة والابتكار في تكوين زخارفهم الطبيعية التي استمدت وحداتها وعناصرها من أوراق الأشجار، إضافة إلى اقتباسهم من زخارف الفن المصري القديم كأوراق البردي والنخيل، كذلك استخدموا أشكالاً هندسية مختلفة زينت ملابسهم بالأشرطة المطرزة بالخطوط المنكسرة والمموجة، ورسوم الحيوانات والطيور الخرافية، كما استخدموا زهرة «الأنتيمون» - المميزة للعصر اليوناني- وحدة نباتية بأشكالها المتعددة.

الدامسكو

3- في العصر الروماني: احتفى الرومان بفن التطريز وأطلقوا عليه «الرسم بالإبرة»، وقد جلبوا الحرير من الصين بوصفه خامة نفيسة يطرّز عليها، وقد اقتبس الرومان أساليب الزخرفة من الإغريق فاستخدموا الرسوم الآدمية والحيوانية والنباتية والهندسية الممثلة للطبيعة أصدق تمثيل فتجسدت فيها الحركة والتوزيع المنتظم؛ وتميز التطريز بدرجة عالية من الدقة والتألق.

4- في العصر القبطي: احتفظت مصر في العصر القبطي بالأساليب الفنية التطبيقية للتطريز وزخرفة المنسوجات كما أخذوها من العصور السابقة، ودخل التطريز إلى الكنائس فشمل ملابس القسس وأبسطة الرحمة واللوحات الفنية، وليس ثمة اختلاف كبير في فن التطريز بين العصرين الفرعوني والقبطي؛ إلا في الأسلوب الزخرفي، وزاد استخدام الأشرطة المزخرفة الرفيعة وزادت بعض الغرز البسيطة في التطريز، وابتعدت الزخارف عن محاكاة الطبيعة، في حين اتخذ الفن القبطي رسوماً رمزية للأشخاص والحيوانات والنباتات، كذلك استخدم بعض العناصر المتعلقة بالعقيدة المسيحية مثل السمكة والصليب وعناقيد العنب التي صارت فيما بعد من أهم مميزات هذا الفن.

فن التطريز في العصر الإسلامي: تواصل تطور فن التطريز مع مجيء العصر الإسلامي عمّا كان عليه في العصور السابقة؛ إذ تميز هذا العصر بقطع النسيج ذات الكتابات المطرزة، وغالباً ما طرزت بخيوط حريرية ملونة ومعدنية ذهبية وفضية، كما استمر التطريز بالنسيج المضاف، وواصل المصريون إنتاج الشرائط الزخرفية نفسها نحو قرنين من الزمن منذ بدء الفتح الإسلامي لمصر، كما استمرت الأساليب المستخدمة في العصر القبطي، وكذلك طرق زخرفة الثياب بالشرائط النسيجية وحذفت الشارات والرموز المسيحية، وأبقي ما عداها مع إضافة عبارات عربية تُنبئ بالدين الجديد، وتتضمن اسم الخليفة واسم البلد الذي نُسِج فيه القماش وتاريخ نسجه، وقد اشتهر العصر الإسلامي بقطع النسيج ذي الكتابات الموشاة، وكذلك ثياب الخليفة التي استخدمت الخيوط المعدنية في توشيتها.

البروكار

1- في العصر الأموي: يعدّ الطراز الأموي أول مدارس فن التطريز الإسلامي، وقد انتشر الأسلوب الأموي في سائر الأقاليم الإسلامية، واقتبس خلفاء الدولة الأموية الطراز من دولتي الفرس والروم من دون أي تغيير جوهري على صناعة النسيج السابقة على الإسلام، وتم إدخال الكتابة العربية، وأطلق على الدور المعدة لنسج ثياب الخلفاء اسم: «دور الطراز الخاصة»، تمييزاً لها من دور طراز العامة التي تقوم بصناعة ثياب الرعية، وقام على هذه الدور مسؤول يسمى صاحب الطراز، يتولى النظر في أمور الأنوال والحياكة والصباغ.

وقد تواصل العمل على النهج نفسه حتى عصر الخليفة عبد الملك بن مروان الذي أمر بأن تكون الكتابة على النسيج باللغة العربية، إضافة إلى أن والي مصر الأموي عبد الله بن عبد الملك وجّه المسلمين في مصر إلى اتخاذ زي مخالف لزي الأقباط، فظهرت تبعاً لذلك على النسيج عناصر كالحروف العربية أو مقاطع من كلمات عربية.

2- في العصر العباسي: نشطت دور النسيج في أرجاء الدولة العباسية لإنتاج المنسوجات الفاخرة التي يطلبها الخلفاء، فأمدّت مصر العاصمة بالمنسوجات الكتانية المزخرفة بالخيوط الحريرية، في حين اختصت فارس بالمنسوجات الحريرية النفيسة، واستخدمت في فن التطريز في هذا العصر رسوم الطيور والحيوانات والأشكال الهندسية والكتابة العربية بالخط الكوفي والزخارف النباتية، وقد ساد الطراز العباسي في الدويلات المستقلة عن الخلافة سياسياً إضافة إلى طرزها المحلية، وقد تميّزت في هذه الفترة طُرز الطولونيين والفاطميين والأيوبيين والمماليك التي اعتمدت أنواعاً جديدة من غرز التطريز، وبلغ فن التطريز بذلك شأناً بالغ الأهمية.

الألاجا

أ- الطولونيون: كانت لمصر في عصر الطولونيين شخصية متميزة أوجدت الفن المصري الإسلامي الذي كوّن لنفسه طرازاً مصرياً ظهرت فيه الروح الجديدة في الرسوم والزخارف وقد ازدادت قوة في التعبير، ولاسيما في استخدام الحيوان والطيور، واعتمد الفنان على اختلاف الألوان لتوضيح التفاصيل، واشتملت بعض الزخارف على سطرين متعاكسين من الكتابة العربية المزهرة يحصران بينهما صنفاً من حيوانات متشابهة مرسومة بطريقة زخرفية، وبرزت زخارف تتألف من جدائل أو خطوط حلزونية، كما استخدمت الزخارف الهندسية من دوائر متجاورة ومعيّنات داخلها الشكل الزخرفي، ويمتد في أسفلها شريط أفقي يتضمن كتابات كوفية.

ب- الفاطميون (في مصر والشام): اهتم الفاطميون اهتماماً كبيراً بصناعة النسيج، واستخدموا في التطريز زخارف عمادها الأشرطة الكتابية والأشكال السداسية أو المعيّنة أو البيضية؛ وفي وسط كل شكل رسم حيوان أو طائر أو رسم وردة، كما زيّنوا قوائم الحروف بفروع نباتية دقيقة الكتابة، وأحياناً كانت مجرد مقاطع مكررة للغرض الزخرفي، وفي آخر العصر الفاطمي ظهرت بعض الزخارف الكتابية والزخارف المستديرة والكتابات التي استخدم فيها الخط النسخي والرسوم الآدمية ورسوم الطيور والحيوانات والزخارف النباتية والهندسية.

3- في عصر الأيوبيين والمماليك: ازداد ثراء فن التطريز في هذا العصر، وانتشر التطريز بالنسيج المضاف، وبرز الاهتمام في العصر المملوكي في أعمال كسوة الكعبة الشريفة وفي ثياب الخليفة، والخُلَع التي كان يخلعها الخلفاء على من يحظون برضاهم، وظهر في هذا العصر التطريز بالنسيج المضاف (وهو تثبيت قطع صغيرة من الأقمشة تختلف في لونها عن اللون الأصلي (الإبليكاسيون) وهو ما يشبه شغل الخيم في مصر أو شغل «الصرما» في تركيا). وطرّزوا أيضاً بغرزة الفرع، والغرز الزخرفية البسيطة، والغرز الزخرفية المتعرجة، والتطريز البارز، والتنجيد المزخرف، والحشو البارز والزخرفة بعش النحل وغرزة الكنافاه النجمية المتعددة الأضلاع، ورسوم الطيور وفرسان الصيد. كما استخدموا الكتابات العربية بخطي النسخ والكوفي، ورسوم الزهور والفروع النباتية والمراوح النخيلية.

الأغباني

4- في العصر العثماني: كان التطريز من أحب الأساليب الفنية لدى العثمانيين وأدى دوراً مهماً، ومما زاد في ثراء هذا الفن أن العثمانيين كان لهم تاريخهم الفني المتميز الذي توارثوه عن سلاجقة الروم ومن قبلهم البيزنطيين، وقد زاوله الفلاحون في قراهم، وعدّ التطريز أول الفنون التي تتعلمها البنات خاصة؛ لكي يعملن في تطريز ما يحتجن إليه من أقمشة وملابس عند زواجهن، ومن هنا كان يوجد في كل بيت – تقريباً – الكثير من الأقمشة المطرزة بخيوط الحرير المختلف الألوان وخيوط الذهب والفضة، وكانت أبرز قطع القماش التي تزين بالتطريز: المناديل والأُزُر والأحزمة والوسائد والمحارم وأغطية الفرش، واستخدمت في هذا المجال غُرز التطريز الإسطنبولي (الصرما) وغرزة الحشو العادية وخاصة في ملابس النساء، وغرزة النباتة في تطريز الأثواب، وغرزة الفرع والتضريب التي صنعت منها القواويق والقلبق، والكوافي وأغطية الرأس.

ونتيجة لازدهار صناعة النسيج في الامبراطورية العثمانية فقد أنتجت الأنوال أنواعاً مختلفة من الأقمشة مثل: الديباج والدامسكو والقطيفة والأطلسي، وأوضحت الثياب المطرزة الموجودة بالمتحف الإسلامي بالقاهرة اهتمام المسلمين بالتطريز واستخدام أنواع الغرز في زخرفة المنسوجات، وكذلك أنواع الخيوط الطبيعية كالكتان والقطن والصوف والحرير والخيوط المعدنية من الذهب والفضة، وقد اختلفت الزخارف في هذا العصر باختلاف المدن المنتجة، ويستطيع الخبير أن يستدل على البلد الذي طرّزت فيه قطع النسيج من نوع الغرزة وألوان الحرير.

تمثّلت العناصر الزخرفية في ذلك العصر بصور الطيور على الأشجار وأوراق الشجر والأزهار والفواكه ورسوم الحيوان، وأكثروا من الزخارف للأوراق النباتية المحورة؛ إضافة إلى الزخارف الهندسية بأشكال الخطوط المختلفة؛ وكذلك الزخارف الكتابية التي تتضمن عبارات دينية أو مدح السلاطين، وأُعِدَّت زخارف من هذا النوع لكسوة الكعبة المشرفة خاصة؛ أو أغطية للأضرحة، واعتُمدت خطوط الرقعة والثلث والكوفي، كما ابتُكر خط جديد هو «الخط الجلي» المميز بحجمه الكبير، وتفنن الصنّاع بعمل اللوحات الكتابية المطرّزة، إضافة إلى استخدام خط «الطغراء» الذي طُرّز أحياناً مجرداً من الزخرفة، وأحياناً مزخرفاً بأزهار القرنفل وشقائق النعمان والسوسن والورد، وأبدع النساجون باستخدام الألوان الذهبي والأحمر، أو الأزرق والذهبي والأحمر والأخضر والأرجواني، وكانت الزخارف أحياناً محصورة في شرائط أفقية أو رأسية أو متعرجة، ومزخرفة بالكتابات أو بعض الآيات الكريمة.

التطريز

-فن التطريز في العصر الحديث: عُرف فن التطريز – كما ذكر آنفاً – منذ أقدم العصور، ومر بمراحل مختلفة، وتطوّر من حيث الخامات والزخارف والتنوع في أشكال الغُرز، وكان له طابعه الخاص في كل عصر؛ من عصر الفراعنة حتى العصور الإسلامية المتعاقبة، وقد تمكن الإنسان في العصر الحديث من أن يستغل خيرات الأرض وثرواتها، وظهر أثر التخصص في حياة الإنسان في ميادين التصميم وابتكار الأزياء وفي مختلف ألوان الفنون كالأثاث والنسيج والحلي وفنون العمارة والإعلان، وشمل التخصص فن التطريز اليدوي والآلي، وارتبط هذا الفن بفن تصميم الأزياء، وقد تجاوزت الزخرفة الثياب إلى المكملات كالحقائب والأحذية والقبعات وملابس الأطفال وحلل الأعراس والتيجان والأغطية والمفارش. ومع التقدم التقني المعاصر، تمكن الإنسان من استخدام الآلة في التطريز فظهرت أول آلة للتطريز سنة ١٢٤٤هـ/ ١٨٢٨م، وبلغ التطريز في هذا العصر مستوى عالياً من الاتقان والتنوع وشاع استخدامه، وإن كان التطريز اليدوي ما يزال محتفظاً بمكانته وقيمته الفنية العالية. وما يزال شائعاً هواية وحرفة وصناعة، يمارسه عمال متخصصون أو هواة، ويتوارثه الأبناء من الآباء والأمهات، وقد عنيت المؤسسات بنشره ووضع مناهج لتعليمه، وصار للآلة ووسائل التقانة الحديثة دور مهم في تطوير أعمال التطريز وإنتاج المطرزات بأنواعها، وتشتهر منها المطرزات اليدوية والصناعية في سورية ولبنان ومصر ولا سيما مطرزات «الصرما» المذهبة على قماش المخمل، والمطرزات الحريرية للمفارش والستائر، ومطرزات «الأغباني» [ر].

عرف فن التطريز عصراً من الرعاية والرخاء عبر التاريخ، ثم بدأ يختفي تقريباً من الأنشطة النسائية، فالفن الحديث بخطوطه المجردة، والآلة والتجهيزات التقنية، واختفاء دروس الحياكة وأشغال الإبرة من برامج تعليم الفتيات؛ كان له الأثر الكبير في تواري تلك المشغولات الأنيقة الراقية، ولم يبقَ غير اللوحات الجدارية التي تستأثر بنجاح طفيف في قضاء أوقات الفراغ لدى المرأة؛ وإن كانت مساهمات دور الأزياء في تقديم أعمال تستعيد الماضي في الملابس المتنوعة الأشكال خيالاً وطرافة تعمل – نوعاً ما – على الترويج لفن التطريز وألوانه، وتدعو المرأة إلى أن تكتشف تدريجياً أنها قادرة بالإبرة وبعض الأفكار على خلق فن شخصي رائع لزخرفة ما حولها وإعادة الألق إلى ذلك الفن الأصيل.

محمد مروان مراد

مراجع للاستزادة:

- سعاد ماهر محمد، النسيج الإسلامي (الجهاز المركزي للكتب الجامعية، القاهرة ١٩٧٧م).

- عنايات المهدي، فن الزخرفة والتطريز (مكتبة المنار، القاهرة ٢٠٠٨م).

- ليلى صالح وليلى عبد الغفار، التطريز اليدوي (دار الزهراء، الرياض ٢٠٠٢م).


التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1119
الكل : 40854020
اليوم : 88752