التوبة (جامع-) /حلب/

أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي

التوبة (جامع-) /حلب/

توبه (جامع) /حلب/

-

التَّوبة

التَّوبة (جامع -)/حلب

يقع جامع التوبة في محلة محمد بك خارج حي باب النيرب، في الطرف الجنوبي من سوق باب النيرب، ويذكر الغزي أن المنكرات كانت تباع في محلة هذا الجامع، قبل أن يبنى، وتقف فيها القِيان، وربما سُمّي بالتوبة لأنه بعد أن بُني بطلت في محلته المعاصي وتاب أهلها إلى الله، ويوجد غربي باب قبلية الجامع تربة فيها قبور من بينها قبر الواقف، وعليه اسمه.

أنشئ الجامع في عهد السلطان المملوكي الملك الظاهر أبي سعيد سيف الدين جقمق العلائي (ت٨٥٧هـ/١٤٥٣م). وكان هذا الجامع في الأصل ظلة شمالية ومدفناً وميضأة، ثم تمَّ توسيعه وتجديده سنة ١١٨٠هـ/١٧٦٦م، حيث بُنيت القبلية في جهته الجنوبية قبالة الصحن، ويوجد كتابة على باب القبلية تذكر اسم الباني وسنة البناء، نصّها: «بسم الله أنشأ هذا الجامع المبارك الفقير إلى الله تعالى محمد بن الحاج أبي بكر المعصراني الجبريني في أيام مولانا السلطان الملك الظاهر جقمق عز نصره وذلك في شهر شوال سنة إحدى وخمسين وثمانمائة»، (أي ١٤٤٧م). وفي سنة ١٣٠٠هـ/١٨٨٢م جدّد متولي الجامع علي بك محمد النيرباني الحوض وسط الصحن، وقد نقله من شماليه معيداً إياه إلى محله الحالي، كما جدّد أيضاً صحن الجامع وفرشه بالرخام، وأصبح الناس يمشون فيه حفاة، وجعل فيه حوضاً ومصطبة.

المنبر

بُني الجامع من المداميك الحجرية الكلسية، ويتألف من قبلية جميلة فيها محراب من الرخام الأصفر، ومن صحن واسع، يفتح عليه بابان: أولهما يؤدي إلى دورات المياه؛ وهي قديمة باقية، وثانيهما يؤدي إلى الميضأة القديمة.

ويتم الدخول إلى الجامع من الواجهة الشمالية التي فيها عقد نصف دائري، فيه الباب الشمالي المستطيل الشكل الذي يتوصل منه إلى ممر مغطىً بقبو سريري مقسم إلى حجرتين؛ وفي يساره باب يؤدي إلى المئذنة ذات المقطع المثمن والشرفة والمظلة المثمنتين، والتي تحتوي على مقرنصات جميلة في ثلثها الأعلى، وفي نهايتها قبة نصف كروية، كانت قد هدمت وعمرت من جديد.

يأخذ صحن الجامع شكلاً مربعاً تقريباً، طوله ١٩م وعرضه ١٨م، وتبلغ مساحته نحو ٣٥٠م٢، وأرضه مرصوفة بعدة لوحات رسمت بالحجر الأسود والأصفر، وقد جرى تعديل الصحن فيما بعد؛ حيث أنشئ في الضلع الشرقية للصحن ست حجرات حجرية متوسطة المساحة، وفي الواجهة الجنوبية من الصحن عدة أبواب تؤدي إلى القبلية الواسعة مستطيلة المسقط والمغطاة بقبوين سريريين متقاطعين بأرجل هابطة، تستند جهة الشمال إلى جدار واجهة القبلية وجهة الجنوب إلى عمودين دائريين ضخمين، وتحتوي جدرانها على العديد من النوافذ والكتبيات إضافة إلى المحراب والمنبر، وتقع غرفة الإمام في الضلع الغربية للصحن، في حين جعلت غرفة خادم المسجد في الضلع الشرقية.


الحرم	منظر عام لجامع التوبة

وفي وسط الصحن بركة ماء كبيرة مربعة الشكل، طولها ٥,٧م، وعرضها ٥,٧م, وفي وسطها نافورة حجرية قديمة خضراء اللون مؤلفة من طبقتين، الأولى: قطرها ٣٥سم وارتفاعها ٥٥سم، والطبقة الثانية: قطرها ٢٥سم وارتفاعها ٨٠سم، وتبلغ مساحة البركة نحو ٣٢,٥م٢، أي إن نسبتها تصل إلى ٩٪ من المساحة الكلية للصحن، وتُعد هذه البركة من أجمل البرك المائية الأثرية في الجوامع الحلبية. والقسم المحصور بين بركة الماء والأروقة من الجهتين الشمالية والغربية يضم مصطبة مرتفعة عن الأرض بمقدار ٥٥ سم، وهو ارتفاع البركة نفسه. أما من الجهة الشرقية للبركة فهناك ميضأة على طول ضلعها، عرضها ٦٠سم، يحيط بها إطار حجري (طبة) عرضها ١٧سم، وعمقها الداخلي ١١سم؛ وهي من الداخل مربعة الشكل ذات زوايا مشطوفة بزاوية ٤٥ درجة.

ومن العناصر التكوينية المهمة في الجامع منبره الخشبي ذو الزخارف الهندسية الرائعة الجمال، وكذلك الشمسيات الخشبية المفرغة بأشكال هندسية دقيقة في النوافذ العليا للقبلية، وتكثر الزخارف الحجرية فوق محراب الصحن. والمشهور في جامع التوبة أن محرابه أصاب بانيه به عين القبلة تماماً، وكان هناك سبيل التوبة الذي نقل مدة إلى جوار المدرسة السلطانية أمام قلعة حلب ثم رفع من جوارها.

يُعد جامع التوبة من أعمر جوامع حلب لا تكاد تنقطع منه العبادة، وهو ذو قيمة دينية وتاريخية وتراثية كبيرة حيث ما زال محتفظاً بالكثير من عمارته الأساسية التي تفيد الدارسين والآثاريين الذين يكتبون عن تاريخ المدينة والطرز العمرانية فيها، كما يعد جزءاً من الهوية التراثية العريقة لأهل حلب.

هشام النعسان

مراجع للاستزادة:

- كامل الغزي، نهر الذهب في تاريخ حلب (دار القلم العربي، حلب ١٩٩٣م).

- محمد أسعد طلس، الآثار الإسلامية والتاريخية في حلب (مطبوعات مديرية الآثار العامة، دمشق ١٩٥٧م).

- محمد راغب الطباخ، إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء (دار القلم العربي، حلب ١٤١٢هـ/١٩٩٢م).