logo

logo

logo

logo

logo

التصفيح

تصفيح

-

 التصفيح

التصفيح

 

 

حازت مجمل الصناعات والحرف الإسلامية- بما فيها حرفة التصفيح والتلبيس والتكفيت والزخرفة المعدنية للأبواب الخشبية- مكانة مهمّة بين الفنون؛ نظراً لوظيفتها الخدمية المتمثّلة بتدعيم البوابات الخشبية للكتل المعمارية وتصفيحها؛ وكذلك لوظيفتها الرمزية التي تعكسها العناصر الزخرفية التي تُجمّل هذه البوابات الخارجية والتي شاعت على نحو واضح خلال العصر المملوكي في مصر والشام خلال القرون ٧– ٩هـ /١٣- ١٥م، وقد وصلت أوجها إبان حكم السلطان الناصر محمد بن قلاوون؛ إذ شاع أسلوب تغشية الأبواب والشبابيك الخشبية بصفائح رقيقة من النحاس والبرونز المزخرفة بطريقة التفريغ، والحفر الغائر أو السطحي؛ لتنفيذ العديد من المشاهد والتراكيب الزخرفية التقليدية أو الرمزية التي عرفتها الفنون الإسلامية، ولاسيما التراكيب والمشاهد النباتية والهندسية البسيطة التي غالباً ما استخدمت أرضيات للنصوص أو بعض الآيات القرآنية أو الأوعية التي نقشت عليها؛ إضافة إلى الزخارف الهندسية المركّبة من الأطباق النجمية وأجزائها؛ التي تظهر مهارة الفنان المسلم الذي اعتمد أسلوب الدمج والتحوير للعديد من المواضيع الفنية المقتبسة من الفنون السابقة؛ وقولبتها وفق مفهوم الفن الإسلامي الذي تطور وفق منهجية مستقلة حددت الخطوط والسمات الرئيسية للفن الجديد الذي أطلق عليه اسم الفن الإسلامي.

   
بوابة البيمارستان النوري - دمشق  بوابة قلعة حلب 

ويُعدّ النحاس وكذلك البرونز من أهم المعادن المستخدمة في التصفيح والتغشية والتزيين، وذلك لمرونته وقابليته للسحب والتطويع من دون تعريضه للحرارة المرتفعة. هذا إلى جانب إمكان استخدامه بلونه الأحمر أو تبييضه بطلاء القصدير، وكذلك سهولة تكفيته وترصيعه بالحجارة الثمينة، أو تمويهه بالمينا وكذلك الطلاء أو التلبيس بالفضة أو الذهب، أو زخرفته وتزيينه بطريقة الحَزّ، أو النقش الغائر، أو من خلال تجويف المهد لإبراز العناصر الزخرفية النافرة، وأحياناً بالتخريم والتخريق والتقوير، أو بضغط صفائح النحاس على القالب لإظهار الزخارف النافرة.

أما في مجال التصفيح الدفاعي للأبواب؛ فقد استخدم الحديد والفولاذ المصنع على شكل شرائح معدنية تستخدم في تغليف الأبواب الخشبية، المزدانة والمدعمة بمجموعة من العناصر الزخرفية المشكلة من المعدن نفسه والمكونة من المسامير المعدنية، والكرات أو الحدوات المثبتة فوق الشرائح المعدنية لتكسب الأبواب الخشبية نوعاً من السماكات الدفاعية؛ بحيث تزيد من تدعيمها، وتكسبها نوعاً من الحركة الجمالية، التي تظهر في مضمونها الوظيفة الخدمية للكتلة المعمارية، أو المرتبة الاجتماعية لقاطني الفراغ.

ومن أبرز أعمال التصفيح والتلبيس المعدني للأبواب الخشبية الدمشقية التي تبدي الوظيفة الخدمية والاجتماعية للكتلة المعمارية:

- باب خان أسعد باشا العظم[ر] الذي يُعدّ أحد أهم الأبواب العثمانية المصفحة ذات الوظيفة الخدمية. حيث يتميز الباب الرئيسي والفرعي «الخوخة» الذي يتوسطه بتصفيحها المعدني الخارجي الكامل، وزخارفه التي تدعم الصفائح المعدنية، وتكسر من رتابة الصفائح المعدنية؛ بحيث تكسبها نوعاً من الجمالية التي تضفي الطابع المدني على البوابة، وهذه الزخارف تتشكّل من تراكيب سداسية مثبتة بمسامير معدنية، يتوسطها في الغالب وردة سداسية مثبتة بمسمار مركزي؛ بحيث تعمل المسامير على تثبيت الأشكال التزيينية التي تهدف إلى تدعيم البوابة، وتكسبها مظهراً جمالياً مميزاً. وقد تميز الوجه الداخلي للبوابة الخشبية بتصفيحه الجزئي المنفذ على جانبي البوابة والمثبت بالمسامير المعدنية؛ غير أن مجمل السطح الداخلي المزخرف بالحشوات الخشبية الهندسية الشكل ذات التراكيب النافرة والخطوط الغائرة قد تُرك من دون تصفيح؛ نظراً لعدم إمكان تعرض البوابة للخطر من الداخل.

 
بوابة خان أسعد باشا 

- أبواب الجامع الأموي بدمشق[ر] (٨٦ هـ/٧٠٥م)، تتميز أبواب الجامع بتصفيحها المعدني، وأهمّها:

- باب البريد: وهو المدخل الرئيسي للجامع الأموي نظراً لتوسطه الواجهة الغربية المقابلة لسوق الحميدية؛ هذا ويتألف الباب الرئيسي الكبير وكذلك الأبواب الجانبية المحيطة من مصراعين خشبيين مصفحين، يفتحان نحو الداخل، وقد تم تصنيعهما من خشب الجوز المقاوم بطبيعته لعامل الرطوبة؛ من أجل حماية الأبواب من تأثير العوامل البشرية والطبيعية، فقد صُفح الوجه الخارجي بصفائح النحاس المطروق والمزخرف بعدد من التراكيب الزخرفية المكونة من النقوش الكتابية الكوفية، والتراكيب الهندسية والنباتية النافرة المختلفة الأحجام والأشكال والمنفذة بنمط التناظر والتوازن والتنسيق الزخرفي.

 
باب البريد الغربي بالجامع الأموي في دمشق 

هذا إلى جانب النقش الكتابي الذي يؤرخ عملية التصنيع وفق التقويم الأبجدي (أنشأ هذا الباب...عام جلظ) «ج = 3، ل = 30، ظ = 900 المجموع: 933 هـ»؛ بحيث وزعت النقوش الكتابية وفق الترتيب التالي:

- نقش على المصراع الأيمن عبارة: (أنشأ هذا الباب مولانا علي / الملك لله / عام جلظ في جمادى الأولى، وعلى المصراع الأيسر نقش: ومن فضل الله بره الخفي / الواحد القهار/ عامله بلطف الله الخفي)، أما البابان الجانبيان فقد وزعت الزخارف الهندسية المركّبة من المربعات والمستطيلات بشكل متناظر، وفي زوايا كل تشكيل وريدات وخطوط مستقيمة، في حين احتل القسم الأسفل من الباب وعلى كل مصراعٍ تشكيل معدني مؤلف من وردة كبيرة ومجموعة من الزخارف الكتابية.

- باب جيرون ويعرف بباب النوفرة: وهو الباب الشرقي للمسجد، ويُعدّ أكبر أبواب الجامع الأموي وأقدمها، حيث حافظ على وضعه الأموي من دون تغيير، يتألف من باب ضخم مستطيل (٧.٥×٤.٥م)، محفوف ببابين صغيرين (١.٨×٣.١٣م)، وجميعها مصنّعة من خشب الصنوبر المصفح من الخارج بالنحاس المطروق، وقد تأثر الباب الأوسط بحريق الجامع في سنة ٧٣٥هـ/١٣٣٤م، وتم تجديده من دون تصفيح معدني؛ لكنه أُبقي على البابين الجانبيين حيث ازدان التصفيح المعدني بتشكيل نباتي نافر مكون من ثلاثة مستطيلات مزينة بالكتابات والرسوم الزخرفية المركّبة من الورود الموجودة في زوايا المستطيلات بشكلٍ متناظر، يتوسطها رنك الساقي المملوكي المُشكل من كأس مركزية كبيرة يحف بها من الأعلى والأسفل نقشان لكأسين أصغر حجماً، هذا إلى جانب النقش الكتابي المتضمن عبارات (بسم الله الرحمن الرحيم / ادخلوها بسلام آمنين / عز لمولانا السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ / بإدارة المقرر الأشرف/ بنظر من زاده قليلا / سليمان بن خليل). والغاية من عمليات تصفيح البابين الجانبيين لباب النوفرة هي التقوية والتدعيم وإضفاء الطابع الجمالي.

- باب الزيادة ويعرف بباب الصاغة أو القوافين: وهو باب محدث في الجهة الجنوبية الغربية من الجامع، ويؤدي إلى الحرم مباشرة عبر رواق مسقوف يتصدره بوابة خشبية مصفحة ذات مصراعين مزدانين بمجموعة من الزخارف الكتابية الموزّعة بشكل متناظر، تضمنت النقش الكتابي (بالإشارة الكريمة / الله / الطنبغا العثماني / المؤيد أبو النصر شيخ).

- باب العمارة: يُعرف بباب الفراديس أو باب النطافيين، وهو باب خشبي كبير مجدد مؤلف من مصراعين مصفحين بالنحاس المطروق من الخارج، بحيث قُسمت الواجهة الخارجية لكل مصراع إلى ثلاثة مستطيلات حَوت في داخلها نقوشاً تزيينية مركّبة من أشكال هندسية ونباتية متناظرة نقشت ضمنها مجموعة من الكتابات الموزعة على كلا المصراعين بشكل متمم للمعاني الكتابية (ينظر من يزده قليلاً/ الله / سليمان بن خليل / السلطان الملك).

 
باب العمارة الشمالي بالجامع الأموي في دمشق 

ومن الأبواب المصفحة باب قبة الخزنة، وهو باب صغير الحجم يوجد في الضلع الجنوبيّة الشرقيّة لقبة الخزنة المثمنة والمبنية من الحجر والآجرّ، والمغطاة بألواح الرصاص والتي استخدمت لحفظ الأموال العامة والمخطوطات، ويعتقد أن بناءها يعود إلى الفضل بن صالح العباسي أمير دمشق سنة ١٧٣هـ / ٧٨٨م أيام الخليفة المهدي. ويبلغ ارتفاع الباب ١.٥م وعرضه ٠.٧٥م، ومصراعه من الخشب السميك محكم الإغلاق، والمصفح بصفائح مستطيلة متعددة ورقيقة من الحديد المثبتة بمسامير معدنية، وللباب سبعة أقفال لإحكام إغلاقه. ويبدو التصفيح فيه كاملاً، والغاية الأساسية منه هي الحماية والتقوية.

ومن الأبواب المصفحة أيضاً الباب الرئيسي للبيمارستان النوري المشيد في عهد الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي سنة ٥٤٩هـ / ١١٥٤م، ويقع باب البيمارستان المستطيل الشكل في الواجهة الغربية للمبنى، ويمكن عدّه من أقدم الأبواب المصفحة والباقية بمدينة دمشق، فهو باب أصلي يتألف من مصراعين خشبيين مصفّحين برقائق النحاس من الخارج؛ بحيث تغطي كل مصراع شريحة نحاسية واحدة من دون فواصل، تم تثبيتها بالمسامير النحاسية الموزعة على الباب ضمن تشكيلة هندسية، تحيط بالكتابات النسخية، وقد ازدان كل مصراع من المصراعين بمطرقة نحاسية على شكل زهرة تستخدم لقرع الباب وتنبيه الحارس لفتح البوابة. أما الوجه الداخلي للبوابة غير المصفح؛ فقد ازدان بالحشوات الخشبية المحفورة والمنقوشة بالزخارف النباتية؛ وتدل عملية التصفيح الخارجي على أن الغاية الرئيسية منها كانت تهدف إلى تزيين البوابة وحمايتها من المؤثرات الخارجية؛ غير أن البوابات الرئيسية للمدن والقلاع والحصون كان يتم تصفيحها كاملاً بالحديد أو البرونز المدعم بالمسامير الكبيرة ذات الرؤوس المدببة بهدف زيادة عامل الحماية. وخير مثال على هذا النوع من التصفيح الباب المعروف باسم الباب الصغير؛ ويُعرف بباب الحديد، من أبواب دمشق الجنوبية، وهو ذو شكل مستطيل مصفح بشرائح حديدية يبلغ عددها ستّاً وعشرين شريحة حديدية مستطيلة الشكل، تم تثبيتها على الباب الخشبي بوساطة عدد من المسامير المعدنية ذات الرأس البارز والمدبب الذي يزيد من كفاية الباب الدفاعية.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن غالبية الأحياء والحارات الدمشقية كانت تحوي بوابات تُغلق ليلاً، ويغلب عليها التشكيل الخشبي المزخرف أو الخالي من الزخرفة كحي ساروجة وبواباته الخشبية، في حين أن بعضها الآخر قد تم تصفيحه وتلبيسه بالمعدن بهدف الحماية من العوامل الطبيعية والبشرية كباب حارة البرغل التي تقع جنوب غربي مدينة دمشق القديمة ضمن السور، وهو ذو شكل مستطيل مكون من مصراعين وباب خوخة بارتفاع المتر. وقد تم تصفيح المصراعين بصفائح البرونز المثبتة بالمسامير القليلة البروز والموزعة وفق تركيبة هندسية خاصة.

شعلان طيار

 

مراجع للاستزادة:

- حسن الباشا، مدخل إلى الآثار الإسلامية (دار النهضة العربية، القاهرة 1996م).

- إرنست كونل، الفن الإسلامي، ترجمة أحمد موسى (دار صادر، بيروت 1996م).

 

 


التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 598
الكل : 31698668
اليوم : 53250