logo

logo

logo

logo

logo

التوبة (جامع-) /دمشق/

توبه (جامع) /دمشق/

-

 التوبة

التوبة (جامع -)/ دمشق

 

 

من مساجد دمشق الأيوبية، يقع في حي العقيبة جنوبي مقبرة الفراديس، وهو الجامع الثاني الذي بني على نسق الجامع الأموي (بعد جامع باب المصلى ٦٠٦هـ/١٢٠٩م الذي بناه الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب)، وقد أطلق عليه بعضهم الأموي الصغير، وذكر أنه يحتوي في داخله المدرسة الشاهينية الشافعية التي أسسها الأمير شاهين الدين الشجاعي سنة ٨١٦هـ/١٤١٣م، ومن المرجح أنها حلقة علم، أي إنها لم تكن بناء ضمن الجامع؛ لعدم وجود أثر لها اليوم داخله.

يقول ابن شداد عن تاريخ عمارته: «إنشاؤه كان على يد الملك الأشرف أبو الفتح موسى بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، وكان بموضعه خان يعرف قديماً بخان الزنجاري، وكان به كل مكروه من القيان وغيره، فهدمه الأشرف وخرب خان الأمير فخر الدين لما فيه من الخواطيء والمنكرات، وأمر بعمارته جامعاً، وسمي جامع التوبة لانقطاع المعاصي في هذا الموقع، كما سمي بجامع الملك الأشرف، وأوقف عليه أربعة عشر دكاناً كانت تقع شماله، وأشرف على العمارة ناظره يحيى بن عبد العزيز».

المسقط الأفقي

ومن المحقق تاريخياً أن الجامع احترق في العصر المملوكي سنة ٦٩٩هـ/١٢٩٩م عند اجتياح غازان ملك التتار لدمشق فأعيد بناؤه، وكذلك خربه جنود تيمورلنك سنة ٨٠٣هـ/١٤٠١م، فرمم من جديد على يد الأمير شاهين الشجاعي الذي أوقف فيه حلقة لدراسة القرآن الكريم عرفت بالمدرسة الشاهينية، ثم تضررت مئذنته في زلزال سنة ١١٧٣هـ/١٧٥٩م. وفي سنة ١٣٥٠هـ/١٩٣١م أجريت عليه ترميمات جزئية من قبل دائرة الأوقاف في عصر الانتداب الفرنسي شملت أرضيته وأروقته، كما أصيب بأضرار إبان القصف الفرنسي على دمشق في سنة ١٩٤٥م. وفي سنة ١٤٠٨هـ/١٩٨٧م جدد تجديداً شاملاً.

المدخل الرئيسي الشرقي
صحن الجامع تتوسطه الميضأة

ومن حيث الشكل مازال الجامع يحافظ على كامل عناصره الأصلية مع بعض التجديدات لضرورات الوظيفة، ومازالت عناصره الأصلية رغم طابعها القديم والأثري تظهر بمظهر جيد جداً ومناسب لاستمرار شعائر الصلاة وحلقات العلم في الجامع. وللجامع مدخلان، شمالي غير مستخدم عادة، وآخر شرقي وهو الرئيسي. يحدد المدخل جدران من الأبلق، وتعلوه مقرنصات حجرية لطيفة من الحجر المزي الوردي والبازلتي الأسود، ويوجد أسفل المقرنصات شريط حجري مزرر من الحجر المزي والبازلتي أيضاً.

وعلى جدران الجامع فوق المدخل وعلى جانبيه لوحات كتابية عدة، التأسيسية منها نقشت على ساكف الباب تحت الشريط المزرر، أما الكتابات الباقية فهي تؤرخ للجامع ولأوقافه، وجاء في النص التأسيسي للجامع ما نصه:

«بسم الله الرحمن الرحيم، إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله، أنشأ هذا الجامع المبارك المولى السلطان الملك الأشرف أبو الفتح موسى ابن السلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب تغمدهم الله برحمته وذلك في سنة اثنين (اثنتين) وثلاثين وستمائة، وتمت عمارته وجددها خطيبه الناظر في أمره العبد الفقير إلى الله تعالى يحيى بن عبد العزيز بن عبد السلام أثابه الله الجنة، والوقف عليه جميع الحوانيت الملاصقة لجداره الشرقي وهي أربع عشرة حانوتاً وعضادة مجاورة لمنارته من الشام وحانوتان وعضادة تحت الحجرة المنشأة لسكن الخطيب وخمس حوانيت وعمارة سادسة شمالي المسجد المحاذي لهذا الباب وطباقهن ثلاث حجرات إنشاء الخطيب وخزانة في مجازهن وفندق غربي دار البطيخ تحت القلعة وكتب سنة تسع وأربعين وستمائة والحمد لله وحده».

اللوحة التأريخية على ساكف المدخل الرئيسي

وقد نقش في الجدار الجنوبي للمدخل الشرقي:

«بسم الله الرحمن الرحيم، لما كان بتاريخ تاسع جمادى الآخر(الآخرة) سنة اثنين (اثنتين) وأربعين وثمانمائة أحسن الله ختامها برز المرسوم الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الظاهري السيفي أبو سعيد جقمق خلد الله ملكه وسلطانه بإبطال ما أحدث على وقف الجامع المسمى بجامع التوبة من الجباية المختصة بالدوادارية الكبرى بالشام لا تغيرها الأيام والليالي والحسبان لله ونعم الوكيل الوكيل كتبه شرف الدين بن الأمير».

وعلى الجدار الشمالي للمدخل الشرقي تتمتها:

«المحروس وإبطال ما على الآدميين السكان بوقف الجامع المذكور من الكمى الذي يتناولوه القلعيون وغيرهم ورد بنقش ذلك على باب الجامع المذكور فنقش بحسب المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه وخلد هذه الحسنة لمولانا السلطان خلد الله تعالى ملكه في صحائف إحسانه المبرورة وأضيف إلى أمثالها من سوابق قربه هي له عند الله مذخورة واستقر ذكرها في البقاع المشرفة والمساجد المعمورة صدقة مستمرة على التوالي».

وتحتها وعلى الجدار نفسه ما نصه: «الحمد لله لما كان بتاريخ خامس عشر من شعبان سنة ثمان وأربعين وثمان مائة برز المرسوم الشريف الملكي الظاهري جقمق خلد الله ملكه إلى كل واقف عليه من الحكام وولاة الأمور بالمملكة الشامية أن يتقدموا بإبطال ]........[ وأن ذلك ينقش ذلك على بلاطة بسوق الأمتعة وذلك في أيام مولانا ملك الأمراء السيفي جلبان أعز الله أنصاره والحمد لله وحده».

حرم الجامع
مقطع عرضي يمر بقبة الحرم والصحن والرواق الشمالي

يتم النزول من الشارع إلى الجامع بثلاث درجات تفضي إلى ردهة صغيرة خارجية تغطيها صدفة محززة ترتكز على المقرنصات، في أرضيتها زخرفة من الرخام المشقف، وبعد النزول درجة أخرى يتم الدخول إلى الجامع ضمن الرواق الشرقي الذي يبدو أن سقفه جدد بمواد حديثة- لكنه محمل على ثلاث أقواس قديمة متعامدة مع الصحن- يمكن الاستمرار للأمام للوصول إلى صحن الجامع عبر باب زجاجي محدث ضمن القوس الشمالية الشرقية من الأقواس المطلة على الصحن، كما يمكن الاتجاه يميناً للوصول عبر باب ضخم إلى الرواق الشمالي، ويمكن الاتجاه لليسار مروراً بالميضأة التي تنخفض عن أرض الرواق الشرقي، للوصول إلى الحرم عبر باب خشبي مزخرف يحيط به إطار حجري زخرفي. وصحن الجامع مستطيل تحيط به الأعمدة التي تحمل أقواس الحرم والأروقة الثلاثة، وهذه الأقواس ذات شكل مدبب، باستثناء تلك التي تشكل واجهة الحرم فتأخذ شكلاً نصف دائري، وتعدّ هذه الأقواس الجملة الإنشائية الحاملة للجامع التي يقوم فوقها السقف من جهة وجدران الجامع الخارجية الحاملة من جهة أخرى، وقد بنيت الأعمدة والأقواس من الحجر الكلسي الأصفر الفاتح، حيث يظهر الحجر في كامل الجدران المطلة على الصحن، أما من الداخل فهي مكسوة بالكلسة البيضاء فوق مستوى الأقواس بشكل مشابه لإكساء جدران الأروقة.

المحراب الرئيسي للحرم الذي تعلوه القبة
سقف الرواق الغربي وجدرانه
المنبر

والصحن مفروش بالحجارة البيضاء والسوداء التي رصفت لتكوّن لوحة مؤلفة من تسعة تشكيلات منتظمة؛ الثلاثة الغربية والثلاثة الشرقية منها ذات شكل مستطيل، والثلاثة الوسطى مربعة تحتل المركزية منها بركة ماء مربعة لم تعد تستخدم للوضوء، وهي شديدة الشبه بتلك القائمة في الجامع الأموي، وتحيط بالصحن من الشمال والشرق والغرب أروقة تقوم على الدعائم.

ويتألف الحرم من رواقين يفصل بينهما أعمدة وأقواس، ويخترقهما مجاز قاطع ذو سقف جملوني خشبي تخترقه القبة التي تقوم فوق المحراب الرئيسي، وقد أضيف في الرواق الشمالي الشمالي للحرم سدة يصعد إليها من درج بالقرب من المدخل، ويغطي الحرم سقف جملوني قليل الميل، وهو مكون من الأعمدة الخشبية مع طبقة من الطبق الخشبي المشيش والملون.

المئذنة كما تظهر من سطح الرواق الشرقي

أما رواق الصحن الغربي فسقفه جملوني واضح الميل مبني من الخشب، ورواق الصحن الشمالي ذو سقف مشابه لما يغطي كل رواق من أروقة الحرم، فسقفه مستوٍ ذو ميل بسيط باتجاه الصحن، إلا أن سقفه أعلى من سقف الحرم بفارق يتخلله شبابيك علوية معقودة تتوزع بمعدل شباك فوق قفل كل قوس وشباك فوق كل عمود حامل للأقواس المطلة على الصحن، ويتضمن القسم الشرقي منه المعهد الخاص بتدريس القرآن وتحفيظه.

وللجامع منبر خشبي مزخرف بكامله، وللمحراب الرئيسي زخرفة بديعة، وإلى الغرب من المحراب الأساسي محراب آخر صنع على شاكلة الأول من حيث العناصر، مغايراً له من حيث الزخارف، وقد كتب فوقه: }يا أيُّها الذينَ آمَنُوا ارْكَعُوا واسْجُدُوا واعْبُدُوا رَبَّكُم وافْعَلُوا الخَيَرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}.

وتقوم القبة فوق المحراب الرئيسي، وهي ملساء نصف كروية مدببة قليلاً، لها رقبة بطبقتين، السفلية منها مثمنة تخترقها أربع نوافذ مزدوجة وأربع حنايا ركنية، أما العليا فمؤلفة من ست عشرة ضلعاً وتخترقها ثماني نوافذ ذات أقواس مدببة، ويتخللها حنايا تزيينية.

قبة الحرم من الداخل

وتقوم المئذنة في الزاوية الشمالية الشرقية، ويصعد إليها من الرواق الشمالي بدرج من الحجر الأبيض يوصل إلى سطح الرواق الشرقي، ويستمر من مستوى سطح الرواق وداخل جسم المئذنة درج من حجر البازلت الأسود يلتف بشكل دائري وصولاً إلى أعلى المئذنة، وهي ذات جذع مثمن، وشرفة مثمنة بدرابزين معدني مع أعمدة خشبية حاملة للمظلة، يعلوها جوسق مثمن بسيط بطبقتين يحمل ذروة هرمية مضلعة متوّجة بالهلال، ولعل المئذنة جددت وأعيد بناؤها في العصر المملوكي كما ذكر في سنة ٦٩٩هـ/١٢٩٩م، لتكون بذلك مخالفة فترة الجامع، وهي خالية من الزخارف، كالأشرطة والمقرنصات والحشوات التي امتازت بها مآذن العهد المملوكي، واقتصرت الزينة على الأبلق في جذعها، لتكون هجينة بين الطراز المملوكي والأيوبي.

أحمد الدالي

مراجع للاستزادة:

- كارل ولتسينجر وكارل واتسينجر، الآثار الإسلامية في مدينة دمشق، تعريب قاسم طوير (دمشق ١٩٨٤م).

- أسعد طلس، ذيل ثمار المقاصد في ذكر المساجد (مكتبة لبنان، ١٩٧٥م).

- أكرم حسن العلبي، خطط دمشق (دار الطباع، دمشق ١٩٨٩م).


التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 526
الكل : 31804577
اليوم : 4120