جرف الأحمر

أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي

جرف الأحمر

جرف احمر

Al-Jurf al-Ahmar - Al-Jurf al-Ahmar

جرف الأحمر

جرف الأحمر

يقع موقع جرف الأحمر Jerf El-Ahmar على الضفة اليسرى لنهر الفرات على بعد ٢ كم شمالي سد تشرين و١٧ كم شمال شرقي منطقة منبج، ونحو١٠٠ كم إلى الشمال الشرقي من حلب، ويتألف من استيطانين على هضبتين طبيعيتين قليلتي الارتفاع يفصل بينهما وادٍ.

وكان أول مسحٍ آثاري للتل عام ١٩٨٩م من قبل بعثة أمريكية بإدارة توماس ماكليلان T. Mcclellan. وفي عام 1990م باشرت بعثة آثارية فرنسية- سورية مشتركة أعمال التنقيب، وقد أمكن تحديد أن الاستيطان يغطي فترة ما قبل النيوليت أ PPNA، وقد استمر نحو 500 عام من 9200 حتى 8700 ق.م. ويبدو أن الاستيطان لم يكن متزامناً في الهضبتين، بل بدأ في الهضبة الشرقية وضم تسع طبقات أثرية، ومع بداية الطبقة الثانية حصل توسع في الاستيطان ليشمل الهضبة الغربية.

يعد موقع جرف الأحمر مثالاً واضحاً لتطور العمارة خلال فترةPPNA ، فهو يظهر تنوع البيوت في أشكالها من الدائري والبيضوي إلى شبه مستطيل مع زوايا دائرية، أما البيوت المستطيلة تماماً فإنها ملحوظة فقط في أحدث طبقة، وتعد المرحلة الانتقالية إلى الفترة اللاحقة هي PPNB؛ مع ملاحظة حيز المساحة الكبير الذي شغله السكن في الموقع البالغ نحو نصف هكتار، ويضم نحو ثلاثين بيتاً.

وتتألف معظم العمائر في الطبقات الأقدم من غرفة واحدة ، وكان بعضها الآخر مقسماً من الداخل؛ أو جرى توسيعه بإضافة غرف جديدة للغرف السابقة، وتشير الأرضيات المرصوفة بالحجارة والمواقد إلى استخدام منزلي. وفي الطبقات الأحدث حصل تعديل على العمارة؛ إذ أصبحت البيوت مشيدة في مجموعات مؤلفة من أربع أو خمس، وفي بعض الأحيان تشترك مع بعضها بساحة مرصوفة بالحجارة وموقد كبير وحفر تخزينية لإعداد الطعام، وهذا الأمر لا يدل فقط على تطور معماري بل يشير إلى نشوء روح جماعية مشتركة.

جرف الأحمر: بيوت دائرية

جرف الأحمر: بيوت سكنية مستطيلة

ويأتي التطور اللاحق في العمارة من الهضبة الغربية، فقد بينت الطبقة الثانية وجود عشرة بيوت مؤلفة من غرف عديدة، بعضها بيضوي والآخر مستطيل، تقوم على مصاطب مرصوفة، وهي مرتبة على شكل دائري حول بيت نصف مدفون في الأرض وهو محروق تماماً، وقد أشره المنقبون بالرمز EA30 . والبيت مقسم من الداخل إلى ستّ غرف صغيرة ومصطبتين متطاولتين، وقد عثر في إحدى الزوايا على جمجمة بشرية، كما عثر على هيكل عظمي من دون رأس في الغرفة المركزية لهذا البيت. وتحيط بالبيت من الداخل أحجار على شكل سيجار مرصوفة فوق بعضها، وهي تضم عشرة حوامل خشبية لحمل السقف. ويمكن مقارنة هذا البيت بالبيت رقم ٤٧ في موقع مريبط [ر].

رموز ونقوش حجرية

كما عثر في الطبقة الأولى في الهضبة الشرقية على بيت مشابه، وهو مدفون بكامله، وكشف عن جمجمتين بشريتين في أساسات إحدى الحفر المخصصة للحامل الخشبي للسقف. ويتميز البيت المؤشر بالرقم EA53 على الهضبة الشرقية بأنه يحمل دلائل واضحة على البيت ذي النشاط المشترك، فقد بلغ قطره ٨ أمتار وهو محفور على عمق ٢م. وقد احتاج هذا البيت إلى حفر ثلاثين حاملاً خشبياً لحمل السقف لكونه لا يحمل فراغات متعددة بل فراغاً وحيداً، وهي مليسة بالطين، كما أنه مزين بمقعد بعرض ١م على محيط أسفل الجدار من الداخل على شكل مسدس متساوي الأضلاع، وثمة حامل خشبي عند كل انكسار لضلع، وقد غطي الجزء القائم من المقعد بأحجار تزين كل المقعد كله وتعطي شكلاً لخطوط منكسرة. وقد اتفق الباحثون على أن هذا المنزل كان مخصصاً لإجراء الطقوس بحضور جماعي حيث يجلسون على طول المنزل على المقعد، ويتشابه هذا البيت مع البيت المكتشف في تل العبر [ر].

رموز وأشكال من جرف الأحمر

وتشير كل هذه المعطيات إلى الطقوس الممارسة في جرف الأحمر، ويمكن أن يفسر ممارستها أيضاً العثور على جماجم لثيران في أرضيات أحد البيوت يرجح أنها كانت تعلق على الجدران في هذا السياق. ويمكن إدراج بعض اللقى في هذا السياق أو ربما في إطار الفنون، ومنه المنحوتة البازلتية لوجه إنساني.

كانت الأدوات الحجرية المكتشفة في الموقع استمراراً للنمط المعروف في حوض الفرات في فترة النيوليت الباكر، وهذه الأدوات تشمل أدوات حجرية كبيرة الحجم مثل القدوم والمكاشط والمثاقب والنصال. وتمثل رؤوس السهام الصوانية العديدة تطويراً للأشكال الأقدم من نوع الخيام، وحلوان، وكذلك المريبط، وقد أطلق عليها اسم سهام جرف الأحمر . ومن الأدوات العظمية وجدت إبر بثقب طولي.

ويدل تحليل البقايا النباتية من الموقع على أن نباتات البيئة القديمة كانت أكثر تنوعاً مما هي عليه اليوم، وكانت أشجار الدردار والدلب والكروم البرية موجودة في تلك البيئة إلى جانب الصفصاف الذي لم يزل موجوداً في وادي الفرات. وفي الوقت الحاضر لا يمكن ملاحظة هذا التنوع في البيئة النباتية إلا في المناطق الجبلية مثل جبل عبدالعزيز على بعد نحو ١٧٥ كم إلى الشمال الشرقي من جرف الأحمر. وقد استعمل سكان الموقع القدماء الحبوب البرية في غذائهم، وهذه الحبوب تشمل أنواعاً من الشعير والقمح والشيلم.

جرف الأحمر: دمية حجرية

أما الحيوانات التي استهلكت لحومها فكانت من الأنواع البرية وتشمل الثور البري والغزلان وبعض الحيوانات من فصيلة الخيليات، وجميعها كانت تعيش في السهب المجاور.

ومن المكشفات المهمة التي أسفرت عنها التنقيبات في جرف الأحمر كسر من حجارة بازلتية، ربما كانت تعود إلى قطعة واحدة أو أكثر، ويبلغ معدل أبعاد هذه الكسر نحو ٣,٥ × 4,5سم، ولما كانت هذه الكسر متفرقة وغير كاملة فلا يمكن حسم موضوع الغاية من استعمالها. وتأتي الأهمية الكبيرة لها من الرسوم المحفورة عليها، وهي رسوم تختلف من قطعة إلى أخرى. إن اختلاف هذه الرسوم عن بعضها وعدم وضعها في ترتيب متسق يجعلها أبعد عن أن تكون مجرد زخارف. وحتى الرسم الوحيد الذي يظهر متكرراً يظهر صلة مع الكثرة العددية كما يقول المنقبون وليس كتشكيلة زخرفية.

جرف الأحمر: قناع حجري

قدمت تفسيرات مختلفة للرسوم، وأهمها الرسوم المحفورة على قطع البازلت من الجرف الأحمر تمثل محاولة لتدوين الأفكار بوساطة وضع رسوم ترمز إلى كلمات. ويمكن إيجاد دليل يسند هذا التفسير من خلال ما تمثله الرقم الطينية التي حملت الكتابة الصورية الأولى من أواخر الألف الرابع قبل الميلاد، ففي هذه الرقم تظهر رسوم مشابهة لستة من رسوم جرف الأحمر، لكنها في هذه المرة كعلامات رمزية لكلمات تُعرف ألفاظها ومعانيها وهي في مرحلة الكتابة الأولى، كما يُعرف التطور الذي طرأ عليها حتى انتهت إلى الشكل المسماري القياسي الأخير في الألف الأول قبل الميلاد.

عمار عبد الرحمن

مراجع للاستزادة:

- بسام جاموس، دانييل ستوردور، الجرف الأحمر نحو أوائل التجمعات الإنتاجية «الجرف الأحمر قرية الألف العاشر ق.م» في معرض الآثار السوري الأوربي (دمشق 1996) ص ص. 11-18.

- D. Stordeur F. Abbes, Du PPNA au PPNB: mise en lumière d’une phase de transition à Jerf el Ahmar (Syrie). Bulletin de La Société préhistorique française, 99-3 (2002).

- D. Stordeur, M. Brenet,G. DER Aprahamian, J.-C. Roux , Les bâtiments Communautaires de Jerf el. Ahmar et Mureybet. Horizon PPNA, Paléorient vol. 26/1(2000)pp. 25-45.