جرمو

جرمو

Jarmo - Jarmo

جرمو

يعد موقع جرمو Jarmo (قلعة جرمو) أقدم موقع أثري عرف الإنسان فيه الزراعة في بلاد الرافدين. وهو تل يقع شمال شرقي العراق بالقرب من جمجمال على بعد نحو ٣٥ كم شرق كركوك في سفوح جبال زاغروس الشمالية. وتبلغ مساحته مابين اثني عشر إلى ستة عشر كيلومتراً مربعاً، على ارتفاع ثمانمئة متر فوق سطح البحر. اكتشفت الموقع أصلاً مديرية الآثار العراقية في العام ١٩٤٠م، ثم قامت بالتنقيب فيه مابين ١٩٤٨-١٩٥٥ (ثلاثة مواسم) بعثة أمريكية من معهد الدراسات الشرقية بجامعة شيكاغو بقيادة عالم الآثار المعروف روبرت بريدوود[ر] R. Braidwood الذي كان يبحث عن المواقع الأولى التي عرف الإنسان فيها الزراعة. وضمت البعثة متخصصين في علوم الجيولوجيا والنباتات القديمة وعلم الحيوان والفخار والكربون المشع (C 14). وقد أسفرت التنقيبات الأثرية في الموقع عن الكشف عن ست عشرة طبقة أثرية متوضعة بعضها فوق بعض على عمق نحو ٦,٧م. وتبين من دراسة هذه الطبقات أن الإحدى عشرة السفلية منها تعود إلى العصر الحجري الحديث ماقبل الفخاري، وتؤرخ في النصف الأول من الألف السابع قبل الميلاد. أما الطبقات الباقية فتعود إلى العصر الحجري الحديث الفخاري.

كانت جرمو قرية زراعية عاش فيها مابين مئة وخمسين ومئتي شخص، شيدوا مابين خمسة وعشرين إلى ثلاثين بيتا ً مستطيلة الشكل من الطين المجفف تحت أشعة الشمس فوق أساسات حجرية مساحة الواحد منها نحو ثلاثين متراً مربعاً. وتألف كل بيت من حجرات متعددة، ومزود بموقد وتنور لتحضير الطعام والخبز.

وقد ساعدت الجدران السميكة والأسقف المسطحة المصنوعة من الطين والقصب- المتوفر بكثرة في المنطقة- على جعل البيوت باردة في الصيف ودافئة في الشتاء.

استخدم سكان جرمو أدوات مصنوعة من الأحجار ولاسيما من الكلس والمرمر، وكانوا يأكلون بملاعق من العظام، ويخيطون بإبر ٍعظمية. وتظهر المغازل الحجرية المكتشفة أنهم ربما غزلوا الصوف والكتان. واستعملوا أدوات دقيقة وصوانية عادية، وأدوات حادة مصنوعة من الأوبسيديان (السبج). إن العثور على مثل هذه الأدوات المصنوعة من الأوبسيديان[ر] الذي كان يتم الحصول عليه من منطقة بحيرة وان في شرقي الأناضول يفترض وجود شكل من أشكال التجارة المنظمة بين المنطقتين، كما هو حال وجود قلائد مصنوعة من أصداف زينة مصدرها الخليج العربي. وتم العثور في أقدم طبقة من الموقع على سلال مطلية بالقار هي الأقدم من نوعها في المنطقة. كما تم العثور على فؤوس وأجران ورحى ومناجل ومدقات وهاونات مصنوعة من الحجر الكلسي كانت توضع في حجرات البيوت. وقد فُسِّر وجود مثل هذه الأدوات مع حبوب القمح والشعير المتفحمة أنه دليل على وجود نشاطات زراعية في جرمو. كما أن خمسة وتسعين بالمئة من عظام الحيوانات التي عثر عليها هي لحيوانات مدجنة، كالأغنام والماعز والأبقار والخنازير والكلاب.

يتضح من ذلك أن سكان جرمو عرفوا الزراعة، وتدجين الحيوانات منذ تاريخ مبكر، وعملوا إلى جانب ذلك في جمع الثمار البرية كاللوز والفستق الحلبي، واصطادوا الغزلان والثعالب والثيران البرية.

موقع جرمو

أما على صعيد الفنون والمعتقدات الدينية فقد زين سكان جرمو أنفسهم بعقود ٍ وأقراط وأساور وخواتم من الأحجار والعظام، ودفنوا موتاهم تحت أرضيات بيوتهم لاعتقادهم بقدسيتهم، ودفنوا معهم بعض الأواني الحجرية والفخارية، ربما لاعتقادهم بوجود حياة أخرى يحتاج الإنسان فيها إلى مثل هذه الأدوات. وصنعوا آلاف التماثيل الحيوانية (لكلاب ودببة وماعز وخنازير برية) والدمى النسائية الصغيرة من الطين المشوي ( أكثر من ستة آلاف )، ولا سيما لنساء حوامل بوضعية الجلوس وتبرز أعضاؤهن الأنثوية رمزا ً للخصوبة ولعبادة ماعُرف بعبادة « الإلهة الأم «. وهناك دمى لرجال أقل عددا ً من دمى النساء، واضحة معالم الجسد.

كما تم العثور في جرمو على الكثير من الكرات الطينية tokens التي يعتقد أنها كانت تستخدم في العمليات الحسابية.

تنقيبات جرمو

باختصار يمكن القول إن بريدوود اكتشف في جرمو أقدم مجتمع زراعي مستقر في بلاد الرافدين يرقى تاريخه - بحسب طريقة الفحم المشع ١٤(C14)- إلى ما بين 7000-5800ق.م، أي إلى العصر الحجري الحديث، متزامنا ً بذلك مع موقع أريحا في فلسطين، وموقع جطل حيوك[ر] في الأناضول. وعرف سكانه المتأخرون فقط ( الطبقات ٥-١ ) صناعة الفخار التي عرفت منذ منتصف الألف السابع ( ٦٥٠٠ ق.م ) في منطقة الفرات الأوسط في سورية (موقع المريبط). كان فخار الطبقتين الرابعة والخامسة هو الأفضل، لكنه سميك وهش بسبب شيه بدرجة حرارة منخفضة، وطينه مخلوط بشوائب كثيرة، وقليل منه مزين بخطوط متقاطعة ملونة بالأسود والأحمر. وتدل صناعة الفخار هنا على أن السكان عرفوا تخزين الحبوب لأوقات الحاجة.

عيد مرعي

التصنيف : عصور ما قبل التاريخ

المجلد: المجلد الرابع

رقم الصفحة ضمن المجلد :

آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

اصدارات الموسوعة العربية

أسماء الباحثين

هل تعلم ؟؟

• - هل تعلم أن الأبلق نوع من الفنون الهندسية التي ارتبطت بالعمارة الإسلامية في بلاد الشام ومصر خاصة، حيث يحرص المعمار على بناء مداميكه وخاصة في الواجهات

• - هل تعلم أن الإبل تستطيع البقاء على قيد الحياة حتى لو فقدت 40% من ماء جسمها ويعود ذلك لقدرتها على تغيير درجة حرارة جسمها تبعاً لتغير درجة حرارة الجو،

• - هل تعلم أن أبقراط كتب في الطب أربعة مؤلفات هي: الحكم، الأدلة، تنظيم التغذية، ورسالته في جروح الرأس. ويعود له الفضل بأنه حرر الطب من الدين والفلسفة.

• - هل تعلم أن المرجان إفراز حيواني يتكون في البحر ويتركب من مادة كربونات الكلسيوم، وهو أحمر أو شديد الحمرة وهو أجود أنواعه، ويمتاز بكبر الحجم ويسمى الش

• هل تعلم أن الأبسيد كلمة فرنسية اللفظ تم اعتمادها مصطلحاً أثرياً يستخدم في العمارة عموماً وفي العمارة الدينية الخاصة بالكنائس خصوصاً، وفي الإنكليزية أب

• - هل تعلم أن أبجر Abgar اسم معروف جيداً يعود إلى عدد من الملوك الذين حكموا مدينة إديسا (الرها) من أبجر الأول وحتى التاسع، وهم ينتسبون إلى أسرة أوسروين

• - هل تعلم أن الأبجدية الكنعانية تتألف من /22/ علامة كتابية sign تكتب منفصلة غير متصلة، وتعتمد المبدأ الأكوروفوني، حيث تقتصر القيمة الصوتية للعلامة الك

شراء النسخة الورقية