logo

logo

logo

logo

logo

الحجر في العصر الإسلامي

حجر في عصر اسلامي

-

 ¢ الحجر

الحجر

الحجر في العصر الإسلامي

 

يستخدم مصطلح الحَجَر بمعناه العام للدلالة على قطع الصخور الصغيرة أو الصخور الصلبة المتكونة من كسارة الصخور وفتاتها وتصلبها، ومنها صخور رسوبية كالحجر الجيري والحجر الرملي، والأحجار الاندفاعية كالغرانيت والبازلت والحجر السماقي، وصخور متحولة كالرخام والكوارتزيت والشيت، ومنها الأحجار الكريمة.

وتعدّ سورية في مقدمة البلدان التي استعملت الحجر في البناء، حيث تقف أبنيتها الحجرية التي تمتاز بحرفية عالية شاهداً على ذلك، وقد حافظت على بقائها خلال فترات زمنية مختلفة. يعدُّ المعماري السوري أبولودور الدمشقي الملقب بـأبي الحجر الذي عمل في روما واشتهر بأبنيته الحجرية الرائعة من أهم المعمارييِّن القدماء الذين برعوا في هذا المجال.

وقد كانت بلاد الشام عندما فتحها المسلمون سنة ١٤هـ/٦٣٥م تمثل التربة الصالحة حضارياً التي عرفت قيام فنون معمارية سابقة مهمة؛ فقد أثمر الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي الذي جلبه المسلمون إضافة إلى الرغبة الكبيرة للخلفاء الأموييِّن في الإعمار والبناء والفنون؛ في تفعيل ذلك التراث الحضاري الغني على أرض الشام، حيث نشأ الفن الأموي بداية والإسلامي عموماً مستفيداً من اليد العاملة المحلية وخبرتها الفنية وبعض التقاليد الموروثة من الفترات السابقة. وقد كان الحجر أبرز مواد البناء التي استخدموها وأهمها؛ إذ شيَّد به الأمويون مدنهم وقصورهم في بادية الشام مثل قصر الحير الشرقي[ر] والغربي [ر] وغيرها، وكذلك مساجدهم كالجامع الأموي[ر] في دمشق وحلب وغيرهما كثير، واستخدموا في بنائها قطعاً حجرية متراصة كـانت توضع في مداميك يراوح ارتفـاع الواحد منها بين (٨٠ – ٩٠) سم.

الواجهة الحجرية للخانقاه الجقمقية بدمشق

وقد ظلَّ الاعتماد على الحجر في البناء قائماً في بلاد الشام بعد زوال الدولة الأموية سنة ١٣٢هـ/٧٥٠م، وعلى الرغم من تأثُّر العمارة في زمن الدولة العباسية ١٣٢-٦٥٦هـ /٧٥٠-١٢٥٨م ببعض التقاليد المعمارية المشرقية الساسانية ومواد البناء التي كانت شائعة بإقليم بغداد العاصمة الجديدة للدولة التي أُنشئت سنة ١٤٥هـ/ ٧٦٢م؛ فقد بُني لمدينة الرقة التي أسسها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور سنة ١٥٥هـ/ ٧٧١م سوران خارجي وداخلي مبنيان بالطوب (اللبن) والحجر الكلسي. وقد أثر ذلك في تقصير عمر الأبنية التي عُمِّرت في ذلك الوقت في العراق وسورية؛ فمن الطبيعي أن تكون المباني المشيَّدة بالحجر أكثر بقاء على مر العصور وأكثر مقاومة من مباني الطوب والخشب.

مداميك الحجر الأبلق في خان أسعد باشا بدمشق

ولكن ذلك التأثير لم يلبث أن تراجع في بلاد الشام في العصر السلجوقي ٤٤٧-٦٥٦هـ/١٠٥٥-١٢٥٨م حين سيطر الزنكيون على حلب وحمص وحماة وبعلبك ودمشق وصار السلطان نور الدين محمود بن زنكي ٥٤١-٥٦٩هـ/١١٤٦-١١٧٣م ملكاً على الجزيرة وبلاد الشام؛ فقد تميزت العمائر في عهده باستخدام الحجر في الواجهات، واحتوائها على أواوين ذات عقود حجرية واسعة تفتح على الفناء المتوسط للمبنى في واجهاتها الداخلية الأربع، كما يظهر في البيمارستان النوري [ر] الذي عمره في دمشق سنة ٥٤٩هـ/١١٥٤م.

الحجر الأبلق في قصر العظم بدمشق

أما في مصر فقد استخدم الأخشيديون الحجر عندما بنوا به مقياس النيل في جزيرة الروضة سنة ٢٤٧هـ/٨٦١م في عهد الخليفة العباسي المتوكل. وقد تطور استخدام الحجر تطوراً كبيراً في عمائر العصر الفاطمي فيما بين القرنين ٤-٦هـ/١٠ – ١٢م في أسوار القاهرة التي شيّدها بدر الجمالي سنة ٤٨٠هـ/١٠٨٧م، وفي جامع الحاكم بأمر الله ٣٨٠– ٤٠٣ هـ/٩٩٠–١٠١٣م، والجامع الأقمر ٥١٩هـ/١١٢٥م، ومسجد الصالح طلائع ٥٥٥هـ/١١٦٠م وغيرها؛ في حين اقتصر استخدام الآجر في هذا العصر على بناء العقود والأسقف والجوانب الداخلية للجدران والأجزاء العليا للمآذن، وفي جامع الحاكم شوهد خليطٌ من الحجر والآجر في الجدران، وانفراد للحجر في المئذنتين والأبواب، وشوهدت في مئذنة مسجد الجيوشى ٤٧٨هـ/ ١٠٨٥م عوارض خشبية لتدعيم مداميكها الحجرية، وهو ما اتبعته عمائر القاهرة بعد ذلك لأزمنة طويلة .

الواجهة الحجرية لمدخل المدرسة الظاهرية الجوانية بدمشق

ثم تطور هذا الاستخدام إلى العناية بتقطيع الحجر وصقله وتنسيقه – كما يشاهد في مئذنتي الحاكم- حتى أمكن الاستغناء عن الطلاء الجصي الذي كان يستخدم في تسوية المسطحات الجدارية، ثم أضافت الزخرفة المنحوتة على الأحجار أهمية فنية بالغة إلى واجهات عمائر هذا العصر، كما يشاهد في واجهة مسجدي الأقمر والصالح طلائع، وبذلك أصبحت الحجارة عنصراً بنائياً متكاملاً قائماً بذاته، بعد أن كان الآجر عنصراً غير متكامل يحتاج إلى الطلاء الجصي لسد النقص في مصدره .

المقرنصات الحجرية

كما أن الأيوبيِّين ٥٧٠-٦٥٨هـ/١١٧٤-١٢٦٠م الذين بسطوا سيطرتهم على مصر والشام؛ تميزت أبنيتهم - اعتماداً على الأحجار المميزة- بدقة نحتها وتنوع سطوحها وكبر حجمها؛ ممّا أضفى طابع البساطة والتقشف على هذه الأبنية بمختلف أنواعها الدينية والمدنية والعسكرية، كما يظهر في أجزاء مهمة من قلعة دمشق[ر] ٥٩٨-٦١٥هـ/١٢٠٢-١٢١٨م والمدرسة العادلية الكبرى [ر] في دمشق ٦١٢هـ/١٢١٥م.

وانحصر استخدام الآجر في عمارتهم على بناء بعض العقود والقباب التي بنيت في دمشق، في حين بُني أكثرها بالحجر المنحوت في مباني حلب.

وقد ظل استخدام الحجر في الأبنية الأثرية المصرية قائماً يتطور ولاسيما في أسوار قلعة الجبل ٥٧٢-٥٧٩هـ/١١٧٦-١١٨٣م، وفي واجهة المدرسة الصالحية ٦٤١-٦٤٧هـ/١٢٤٢-١٢٤٩م وغيرها.

أحجار العقود المتراكبة في جامع قرطبة بالأندلس

وقد بلغ استخدام الحجر قمة شيوعه وتطوره في زمن الدولة المملوكية ٦٥٨-٩٢٢هـ/١٢٦٠-١٥١٦م؛ إذ ظهر في كل ما أنشئ من عمائر خلال هذا العصر بدولتيه البحرية والبرجية، وبلغ تطور الفن الإسلامي مرحلة لم يعرفها في عهوده السابقة واللاحقة، وحملت العمارة فيه خصائص متفردة من حيث التطور والجمال؛ فظهر في هذا العصر عناية شديدة بنحت الحجر الذي استخدم بأجزاء الأبنية كافة بكل أنواعها الدينية والمدنية والعسكرية، ويظهر ذلك واضحاً في الواجهات الخارجية لهذه الأبنية التي استخدمت فيها مداميك أقل ارتفاعاً من ذي قبل أي أقل من ٦٠سم، شاع فيها تناوب ألوان المداميك بين الأبيض والأسود ممّا عرف بنظام الأبلق[ر] أو بين الأبيض والأصفر مما عرف بنظام المُشهَّر، والتي نفذت عليها زخارف محفورة لأشكال هندسية ونباتية متداخلة أو متشابكة نفذت باستخدام الرخام المنزل بالمعجون الملون، كما يتخللها أحياناً كتابات تزيينية منقوشة على الحجر بخطوط كوفية أو نسخية أو الثلث أو بأشكال رنوك[ر. الرنك] (شعارات خاصة)؛ نقشت بصورة خاصة في المداخل الرئيسية التي جاءت حجرية ضخمة بشكل حنايا رأسية تفتح من الأعلى بعقد مدائني (ثلاثي) مُغشّى (مليء) بصفوف من الحنايا المقرنصة تنتهي من الأعلى بحنية إشعاعية على هيئة صدفة، وقد وضعت الشبابيك بهذه الواجهات داخل حنايا تنتهي من الأعلى بصفوف من المقرنصات، كما جعلت أغلب النوافذ العلوية فيها مستديرة، وكانت تعلو تلك الواجهات شُرّافات مسننة.

إضافة إلى ذلك فقد أُنشئت العقود بأنواعها من الحجر المنحوت، وغُطيت الفراغات بقبوات متقاطعة أو متطاولة مبنية بطريقة حجر الغمس المعقودة بالحجارة الغشيمة المغطاة بالكلسة أو المعقودة بالحجارة متقنة النحت.

كما شاعت القباب الحجرية بكثرة بوصفها أحد أنواع أشكال التغطيات حتى لا يكاد يخلو بناء مملوكي منها سواء كان دينياً أم مدنياً، وأبرز أمثلتها في حلب والقاهرة، من دون أن يمنع ذلك بناءها آنذاك من الآجر في مدينة دمشق .

قباب ومآذن حجرية من العصر المملوكي بالقاهرة

وعموماً فقد وصل نحت الأحجار في عصر الدولة المملوكية مستوى غير مسبوق من التطور والرقي لم يعرف سابقاً حتى شُبِّهت المقرنصات الحجرية في مداخل أبنيتها بأعشاش النحل، وشبهت زخارفها الحجرية المنحوتة والمحفورة على الأسطح المختلفة بزخارف «الدانتيل» لتنوع زخارفها ودقة نحتها وإخراجها.

ومن أبرز أمثلة هذه العمارات في دمشق تربة آراق السلحدار سنة ٧٥٠هـ/١٣٤٩م والخانقاه الجقمقية ٨٢٤هـ/ ١٤٢١م، وفي حلب جامع الأطروش سنة ٨٠١هـ - ١٣٩٨م وجامع الطواشي سنة ٧٧٤هـ - ١٣٧٢م، وفي القاهرة جامع السلطان حسن ومدرسته ٧٦٠هـ /١٣٥٨م ومجمع السلطان قايتباي (مسجد، مدرسة، تربة، سبيل، كتاب) ٨٧٩هـ/١٤٧٤م في جبانة المماليك.

كوابيل في سبيل قايتباي وأم السلطان شعبان ووكالة السلطان أشرف في القاهرة

وقد كان العثمانيون ٩٢٢ - ١٣٣٨هـ/١٥١٦ - ١٩١٩م يستخدمون الحجر في واجهات عمائرهم ومداخلها وجدرانها الأساسية، واستخدموا نظام التبادل اللوني في المداميك أي الأبلق والمشهر، الظاهر في عماراتهم المهمة كما في الكليّة السليمانية سنة ٩٦٢هـ/١٥٥٤م، وفي قصر العظم ١١٦٣هـ/١٧٤٩م وخان أسعد باشا ١١٦٧هـ/١٧٥٣م في دمشق، أو التكية الخسروية سنة٩٥١هـ/١٥٤٤م في حلب، وجامع سليمان باشا الخادم في قلعة الجبل في القاهرة (جامع سارية) ٩٣٥هـ/١٥٢٨م، وجامع السلطان أحمد في إسطنبول سنة ١٠١٨هـ/١٦٠٩م.

فاصل زخرفي حجري في مجمع سنجر الجاولي

وعموماً فإن الحجر الكلسي (الجيري) كان من أكثر الأنواع استخداماً في أبنية العمارة الإسلامية، وذلك لوفرته وقلة تكاليفه وقلة قابلية امتصاصه للماء وقلة تمدده وانكماشه، وهو في العادة أبيض اللون يحتوي على شوائب تضفي عليه ألواناً أخرى كالأصفر والرمادي والأسود والأحمر والأخضر، حيث يتوفر بكثرة في مناطق عديدة في بلاد الشام في المناطق الساحلية وفي دمشق وحماة والرقة وتدمر. كما استخدم الحجر الرملي في أغلب مباني المناطق الساحلية، ولكنه حجر أقل متانة وأكثر تأثراً بالعوامل. كما غلب استخدام الرخام في الوزرات وكسوة الأرضيات والجدران، وهو حجر سهل التشغيل مقاوم للتأكل غير مقاوم للحريق، يستعمل في الإكساء، وألوانه الأبيض والأصفر والأحمر والبني والأخضر، حيث اشتهرت بتصديره مناطق عديدة في سورية من أهمها منطقتا الباير والبسيط.

تفصيلة زخرفية حجرية في جامع السلطان الظاهر بيبرس

ويعدّ حجر البازلت أيضاً من أبرز أنواع الأحجار الاندفاعية التي استخدمت في مباني العمارة الإسلامية في بلاد الشام لكثرة توفره وكتامته وسهولة قطعه، ويراوح لونه بين الرمادي الداكن والأسود، يشاهد بكثرة في أبنية جنوبي بلاد الشام وحمص وشمالي عكا، وفي أبنية دمشق والقاهرة مستخدماً مع الحجر الجيري الأبيض والأصفر في واجهات الأبنية.

وقد شاع في المصادر ووثائق الوقف وغيرها بعض مسميات الأحجار مثل لفظ حجر صوان (الغرانيت) وهو نوع من الحجارة شديد الصلابة ذو ألوان مختلفة وتتخذ منه العمد والأساطين والأعتاب السفلية أو العلوية، ويستخرج هذا النوع من الحجر من محاجر أسوان وسيناء وبعض المحاجر الأخرى، كما استخدم في عمل وزرات كثيرة من العمائر المملوكية. ثمة لفظ الحجر العتيق الذي يدل في المصطلح الأثري المعماري على الحجر المأخوذ من أبنية قديمة، والمميز بقوته وصلابته. والحجر العجالي الذي يقصد به الحجر المنحوت الضخم الكبير الحجم الذي كان ينقل من محجره إلى موقع البناء على العجلات الخشبية التي كانت تجرها الثيران أو العجول، كما يشير مصطلح الحجر المشهر إلى نظام التبادل اللوني في بناء المداميك في صفوف منتظمة من اللونين الأبيض والأحمر توزع بالتبادل. وكذلك الأمر بالنسبة إلى مصطلح الحجر الأبلق الذي تتبادل مداميكه بألوان الأحجار المكونة لها بين اللونين الأبيض والأسود، وقد استخدمت هذه الأنواع بكثرة منذ العصر المملوكي ولاسيما في بناء الواجهات والعقود.

مقطع في جدار حجري وأرضية حجرية

كما يختلف اسم الحجر المستخدم في البناء تبعاً لاختلاف مادته مثل الجيري والرملي والبازلتي والغرانيتي ونحوها؛ فإن طريقة قطعه تعطيه مسميات أخرى منها الغشيم والنحيت والمنضد والمبّوز والمقصّب وغيرها ممّا استخدمه المسلمون مصمتاً في بناء الجدران والأسوار والدعائم والعقود والقباب وتبليط الأرضيات وغير ذلك من الأغراض البنائية المختلفة، وما استخدموه مخرماً أحجبة للشبابيك والنوافذ والشقق الحجرية في دورات المياه والدرابزينات، وما استخدموه منحوتاً في النصوص الكتابية سواء كانت قرآنية أم وثائقية أم أدبية، وما استخدموه علامات أميال [ر] الطرق لتحديد المسافات وإرشاد المسافرين ونحو ذلك .

غزوان ياغي

 

التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1110
الكل : 45684952
اليوم : 85635