logo

logo

logo

logo

logo

حارم (قلعة-)

حارم (قلعه)

-

 ¢ حارم

حارم (قلعة -)

 

تقع قلعة حارم في محافظة إدلب في الجهة الشمالية الغربية من سورية، في منطقة جبل الأعلى إلى الشمال الشرقي من أنطاكية، وهي بموقعها الاستراتيجي تشكل صلة وصل بين حلب والساحل المتوسطي وأنطاكية. تشغل القلعة قمة تل أثري مخروطي الشكل، وتشرف منه على وادي العمق من الجهة الغربية؛ ووادي العاصي من الجهة الجنوبية وعلى البلدة القديمة في حارم من الجهة الشمالية. ترتفع قمة التل نحو 190م عن سطح البحر؛ ونحو 40م عن السهل المحيط. تعود أقدم الوثائق إلى القرن 1هـ/7م، وهي وثيقة كتبت بالسريانيّة الآرامية، وقد ذكرت فيه باسم حرم «HRM» والذي يعني «المنذور» أو «الحرام»، ثم يتكرر اسمها، فيذكر ياقوت الحموي في معجمه أنها حصن حصين تجاه أنطاكية، وهي من أعمال حلب، وفيها أشجار كثيرة ومياه، وهي لذلك وبئة، وهي فاعل من الحرمان أو من الحريم؛ كأنها لحصانتها يحرمها العدو، وتكون حرماً لمن فيها. دعاها الفرنجة باسم «كاستروم هارنك» Castrum Harrench و«حارم» Harrem.

افتتح المسلمون حارم في العصر الراشدي سنة 17هـ/637م؛ بقيادة أبي عبيدة بن الجراح في أثناء توجهه إلى فتح أنطاكية، وفي سنة 348هـ/ 959م احتلها البيزنطيون، وحصنوها، وجعلوها رأس جسر لاحتلال حلب. في سنة ٤٧٧هـ/ ١٠٨٤م تمكن السلاجقة من تحريرها والحصون المجاورة لها بقيادة سليمان بن قتلمش. وفي سنة ٤٧٩هـ/١٠٨٦م استعادها السلطان السلجوقي ملكشاه، ومنحها لياغي سيان صاحب أنطاكية. احتلها الصليبيون في أثناء حملتهم الأولى والمنطقة المحيطة بها في سنة ٤٩٠هـ/ ١٠٩٧م قبل استيلائهم على أنطاكية.

منظر جوي للقلعة

منظر عام

في سنة ٥٢٤هـ/١١٣٠م هاجمها عماد الدين زنكي، وهادن أهلها على دفع نصف خراج البلد. وفي سنة ٥٤٤هـ/١١٤٩م هاجمها السلطان نور الدين محمود بن زنكي، فخرب الحصن مع ربضه، ثم عاد فاستولى عليه وحصّنه. في شباط/فبراير من سنة ٥٥٣هـ/١١٥٨م استطاع كونت أنطاكية بوهمند الثالث Bohemond III انتزاع الحصن من السلطان نور الدين، لكن سرعان ما استرده السلطان في سنة 559هـ/1164م، وسلمه لمجد الدين أبي بكر بن الداية. دُمِّر الحصن في أثناء الزلزال الذي وقع سنة 565ه/1170م. في سنة 569هـ/1173م انتقل الحصن الى حكم سعد الدين كمشتكين بأمر من الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين ملك حلب، في هذه الأثناء تعرضت القلعة إلى هجوم الفرنجة؛ مما أدى إلى حدوث انهيارات في بعض جدرانها. ثم في سنة 577هـ/1181م استولى عليها الملك الصالح إسماعيل ملك حلب. وفي سنة ٥٧٩هـ/ ١١٨٣م استولى السلطان صلاح الدين الأيوبي على القلعة، ثم تعرضت لهجوم الفرنجة خلال سنوات ٥٩٥-٦٠٢هـ/١١٩٨-١٢٠٦م؛ ثم للغزو المغولي أكثر من مرّة بدءاً من سنة٦٥٨هـ/١٢٦٠م؛ إذ خُرِّبت، وقتل سكانها، ثمّ عيَّد بها الملك الظاهر بيبرس عدة أيام من سنة ٦٧٥هـ/١٢٧٦م في أثناء توجهه لفتح أنطاكية. وفي سنة ٨٠٣هـ/١٤٠٠م تعرضت للغزو التتري بقيادة تيمورلنك، ومنذ تلك الفترة بدأت تفقد أهميتها العسكرية؛ إذ تحولت ملاذاً للخارجين على السلطة المملوكية. وأصبحت في القرن ٩هـ/١٥م ناحية صغيرة، ثم بدأت تظهر في الوثائق العثمانية في القرن ١٠هـ/١٦م على أنها مركز قضاء حارم، وتأثرت لاحقاً بعدة زلازل، أهمها زلزالا سنة ١١٨٣هـ/١٧٦٩م وسنة ١٢٣٧هـ/١٨٢٢م. وفي سنة ١٢٤٨هـ/١٨٣٢م اتخذها القائد المصري إبراهيم باشا مأوى لجنوده في أثناء مسيره نحو عاصمة الدولة العثمانية. وفي مطلع القرن ١٤هـ/٢٠م زارتها جيرترود بيل، والتقطت بعض الصور لها، سجلت القلعة على لائحة المواقع الأثرية الوطنية في سنة ١٩٥٩م، وقد جرت فيها بعض الأعمال الأثرية سنة ١٩٦١م، واستمرت حتى سنة ٢٠٠٦م، أهمها أعمال البعثة السورية الإيطالية بين ١٩٩٩-٢٠٠٢، وأعمال البعثة الوطنية سنة ٢٠٠٦.

المسقط الأفقي

تتكون القلعة من جدار خارجي يتبع شكل قمة التل الذي يأخذ شكلاً بيضوياً عدا الضلع الشماليّة شبه المستقيمة، وجسم التل مائل بزاوية تبلغ نحو ٤٥ درجة، وقد صفح بالحجر المنحوت، ولم يبقَ اليوم من هذا التصفيح إلاّ أقسام صغيرة متناثرة، وفُصِل جسم التل عن الهضبة الصخرية من ناحية الشرق بوساطة خندق منقور في الصخر طوله نحو ٢٥م، وعرضه نحو ٨ م.

أجزاء من القلعة

يقع المدخل الرئيسي في الجهة الجنوبية الغربية، ويوصَل إليه عبر طريق يتخلله عدة درجات مبنية حديثاً، ويتكون من باب مزدوج، زود الجزء الخارجي ببرجين على شكل حرف L، الجنوبي منهما كامل قد أعيد ترميمه، والجزء الداخلي يشكل بداية الممر الطويل الذي يوصل إلى داخل القلعة. هناك مدخل ثانوي يقع في الزاوية الشمالية الغربية من جدار السور الأول، هو أبسط بكثير؛ ولكنه مغلق. والسور الخارجي مجهز بثلاثة أبراج مربعة في الجهة الجنوبية الشرقية زودت بمرامي سهام، ويشغل الجانب الشمالي عدد من الغرف المستطيلة المتجاورة تستعمل مهاجع للجنود، تمتد من الشرق إلى الغرب، وهي أيضا مزودة بمرامي سهام. وفي أقصى الطرف الشرقي من التل تتوضع منشأة معمارية ضخمة مربعة الشكل، أبعادها 36 × 36م تمثل الحصن المركزي أو «الدونجون Donjon»، يتوضع فيها قسمان معماريان يشكلان القصر الملكي، القسم الشمالي منهما قصر سكني فيه حمام مع غرفتين جانبيتين، ودرج يوصل إلى السطح، ويتكون القسم الجنوبيّ من عدة قاعات مستطيلة تصطف بجانب بعضها تشبه المستودعات، أو منشاة صناعية عثر فيها ضمن المخلفات على نحو 350 سهماً، وهذا المبنى هو الآن متهدّم ومغطى بالردميات. يصل بين المدخل الرئيسي للقلعة والحصن المركزي ممر طويل تتوضع على جانبه الجنوبي مجموعة من الدكاكين عددها اثنا عشر. أما على الجانب الشمالي فهناك منشآت مختلفة الوظيفة، منها المسجد والحمام. وعُثر في سطح القلعة على صهريج ماء كان يزود الحمام والجامع بالمياه، وهناك في الجانب الشرقي من الجهة الشمالية للقلعة مدخل يفضي إلى سرداب مبني بحجارة ضخمة منحوتة يوصل إلى عين ماء في أسفل التل تزود البلدة القديمة بالمياه.

ممرات ضمن القلعة

قادت نتائج الأعمال الأثرية في القلعة إلى العثور على تسع طبقات أثرية تمتد من الألف الرابع قبل الميلاد حتى العصر الحالي، أقدمها الطبقة التاسعة التي تعود إلى الألفين ٤و٣ق.م ، توضعت فوق الصخر الطبيعي الذي يقوم عليه التل الأثريّ، ويليها الطبقة الثامنة، وتضم بقايا من الألف٢ق.م والعصر الهلنستي-الروماني، وهناك بقايا أثرية من الفترة البيزنطية كبعض الكتل الحجرية الغشيمة؛ وبعضها مزخرف أعيد استخدامها في البناء ضمن القلعة، وهي تنتمي إلى منشآت تعود إلى القرنين ٦و٧م، وإضافة إلى هذه المواد المعاد استخدامها؛ فقد عُثر على بعض النقوش الكتابية، منها نقش بالآرامية واثنان باليونانية. أمّا الطبقتان السابعة والسادسة فتمتدان من القرن ٤هـ/١٠م حتى استيلاء السلطان نور الدين محمود بن زنكي على القلعة سنة ٥٧٩هـ/١١٦٤م، والطبقتان ليستا واضحتي المعالم، ويعتقد وجود مجموعة أولية من الجدران في القسم الشرقي من التل ترتبط فقط بفترات نهاية القرن ٦هـ/١٢م تظهر تقنيات بناء مختلفة قليلاً عن تلك التي تظهر في السور الأول الذي يبدو أنّه قد أُعيد بناؤه وترميمه عدة مرات في بعض الأجزاء قبل إنجاز بناء السور الثاني. أما الطبقة الخامسة فتعود إلى العصر الأيوبي، وهي مرحلة ازدهار كبيرة في القلعة، وفيها بُني السور الثاني مع الأبراج المربعة. يذكر الباحث السويسري فان برشيم Van Berchem أن نقشاً كتابياً من هذه الفترة (هو مفقود اليوم) كان في المدخل الرئيسي يذكر أعمالاً نفذها ملك حلب الأيوبي الظاهر غازي في سنة595هـ/1199م، وهناك نقش آخر للملك نفسه، منقوش على وجه الصخر المنقور في الخندق من الجهة الشرقية، ومن المنشآت العائدة إلى الطبقة نفسها هناك المباني المتوضعة على الجانب الشمالي للممر الرئيسي حيث عثر على حمام وعلى مسجد صغير بني فوق إنشاءات أقدم. أمّا الطبقتان الرابعة والثالثة فتعودان إلى العصر المملوكي؛ ويذكر فان برشيم وجود نقش كتابي يعود إلى هذا العصر كان يقع بالقرب من المدخل الرئيسي، وهو غير مؤرخ، ويعتقد أنه يعود إلى فترة حكم السلطان الناصر محمد نحو700هـ/ 1300م، كما يذكر المقريزي أنه في سنة 707هـ / 1307-1308م قام حاكم حلب بترميم القلعة. وهناك إنشاءات تعود إلى النصف الثاني من القرن 8هـ/14م- أو النصف الأول من القرن الذي يليه- تشير إلى تباطؤ الوظائف العسكرية للحصن أو تراجعها. وفي آخر هذه الفترة أُعيد استخدام بعض المناطق في القلعة مع ملاحظة أن المسجد قد سجل نشاطات متفاوتة من ناحية الاستقرار، والممر الطويل بدأ يُهمل وتُطمَر بعض أجزائه، حتى إنه بُدئ بنقل حجارته لاستخدامها في أبنية أخرى. والطبقتان الثانية والأولى تعودان إلى العصر العثماني وحتى الفترة الحديثة. وخلال هذه المرحلة لم تتغير الحالة أبداً، فالحفريات الأثرية لم توضح وجود اختلاف كبير عن الفترة المملوكية المتأخرة.

وفي هذه الفترة استخدم المسجد مشغلاً، وقد مُيِّزت المرحلة الأخيرة من خلال وجود الكثير من قطع الغلايين الفخارية.

هيثم حسن

مراجع للاستزادة:

- فولفغانغ موللر- فينر، القلاع أيام الحروب الصليبية، ترجمة محمد وليد الجلاد (دار الفكر، دمشق ١٩٨٤م).

- Ibn Shaddad, Description de la Syrie du Nord, ed. A. M. Eddé-Terrasse, Damascus 1984.

- Kelly DeVries, History of Warfare, Volume 35, Muslim Military Architecture in Greater Syria, from the Coming of Islam to the Ottoman Period, edi. Hugh Kennedy, Brill, Leiden. Boston 2006.

 


التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1084
الكل : 45601339
اليوم : 2022