logo

logo

logo

logo

logo

حلف (تل وعصر-)

حلف (تل وعصر)

Halaf (Tell-,Period) - Halaf (Tell-, Période-)

 ¢ حلف

حلف (تل وعصر -)

استيطان العصر الحجري النحاسي

استيطان العصر الحديدي

المكتشفات

عصر حلف

 

يقع تل حلف Tell Halaf في الجزيرة السورية، يبعد نحو ٣كم جنوب غربي مدينة رأس العين، و٧٠ كم شمال غربي مدينة الحسكة، إلى الجنوب من سفوح جبال طوروس في منطقة غنية بينابيعها التي تغذي روافد نهر الخابور قرب الحدود السورية- التركية. إحداثياته (°٣٦ ´٤٨ شمالاً، ٠٢ ´ ٤٠° شرقاً). تبلغ مساحة الموقع قرابة ٥٣هكتاراً، فيه مرتفع أبعاده ٢٠٠×١٥٠م، ويمثل المدينة العليا، وتضم الأبنية الإدارية المهمة العائدة إلى الفترة الآرامية والآشورية، ويحيط بها سور، وحولها المدينة المنخفضة أبعادها ٦٠٠×٣٦٠م، ويحيط بها سور آخر من كل الجهات ما عدا الجهة الشمالية والشمالية الغربية المطلة على نهر الخابور؛ إذ يقوم منحدر وعر يشكل حماية طبيعية للموقع.

تم تعرّف التل عام ١٨٩٩م؛ عندما زاره الألماني ماكس فون أوبنهايم Max von Oppenheim وأجرى فيه بعض الأسبار إثر عثور الأهالي على بعض التماثيل المنحوتة من الحجارة البازلتية في أثناء فتح أحد القبور فيه. وبعد حصوله على ترخيص نظامي من الدولة العثمانية بدأ التنقيب في الموقع عام ١٩١١م، واستمر حتى عام ١٩١٣م. واستأنف أعماله بين عامي ١٩٢٧ و١٩٢٩م بعد توقفه بسبب الحرب العالمية الأولى. وقد قسم التل إلى عدد من القطاعات استطاع من خلالها أن يحدد فترتي استيطان رئيستين، هما العصر الحجري النحاسي (عصر حلف) والعصر الحديدي؛ مع استيطان ضعيف خلال العصر الأخميني فالهلنستي ثم الروماني فالإسلامي، كشف خلالها عن معالم المدينة من مبانٍ إدارية ومنحوتات كبيرة.

التنقيبات الأثرية في تل حلف - المنطقة c في الجزء الشرقي من القلعة

ونظراً للاكتشافات المهمة في الموقع والتي لم تأخذ نصيبها من البحث والدراسة عاودت التنقيب في التل بعثة آثارية سورية- ألمانية عام ٢٠٠٦م بإدارة عبد المسيح بغدو ولوتس مارتن Lutz Martin من متحف برلين وبالتعاون مع جامعتي هاله Halle وتوبنغنTubingen . وقد أعطت تاريخاً أكثر دقة لمراحل استيطان الموقع خلال العصر الحجري النحاسي الذي تبين أنه يعود إلى عصر حلف المتوسط والمتأخر (من ٥٧٠٠ق.م حتى ٥٣٠٠ ق.م). أما عصر عبيد فقد مثّله فخار عثر عليه في بعض الأسبار؛ ولكن من دون عمارة واضحة، ويعود تاريخه إلى ٥٠٠٠ ق. م. وأعيد استيطان الموقع من جديد في الألف الرابع قبل الميلاد؛ وهذا ما تدل عليه الطاسات الفخارية ذات الشفة البارزة، والأواني المخروطية. بعدها تم هجر الموقع لأسباب غير معروفة حتى العصر الحديدي حين سكنه الآراميون والآشوريون، وظل مسكوناً خلال العصور اللاحقة؛ الأخميني والهلنستي والروماني والبارثي والإسلامي على نحو متقطع.

جزء من تقيبات آثار تل حلف - القصر الشمالي الشرقي

استيطان العصر الحجري النحاسي

انحصرت مكتشفات العصر الحجري النحاسي في القطاع B شمال شرق بوابة العقرب؛ إذ وصل الحفر أحياناً إلى عمق ٢٢ متراً. ولم تكن المكتشفات وافرة على صعيد العمارة باستثناء بناءين دائريين من نموذج ثولوس[ر] Tholos كان أحدهما مملوءاً بتربة رمادية، وكمية كبيرة من الكسر الفخارية التي تعود إلى عصري حلف الوسيط والمتأخر (الألف السادس قبل الميلاد)، والذي أخذ اسم الموقع فيما بعد، وأصبح يعرف «بفخار حلف». لقد كان الفخار الأبكر في الموقع من اللون الرمادي والأحمر، في حين كان فخار حلف الأجمل من النوع المصقول المتميز بزخارفه وألوانه، وغالبيته طاسات جرار رسمت عليه مشاهد هندسية ونباتية وأشكال إنسانية معظمها أنثوية وحيوانية (رؤوس ثيران وطيور). ومن هذه المرحلة تم الكشف عن لقى نحاسية، وأدوات صوانية، ودمى أنثوية، وأوانٍ حجرية وقلائد على هيئة سن أو مخلب، وأختام مسطحة.

ويبدو اهتمام الحلفيين بالزراعة وتدجين الحيوانات واضحاً من خلال العثور على عدد من الدمى الأنثوية التي لها صلة بعبادة الخصوبة، وجدت ضمن الأواني المملوءة بالحبوب من أجل مباركتها وحمايتها.

استيطان العصر الحديدي:

شهد تل حلف فترة استيطان مهمة بدءاً من نهاية القرن الثاني عشر ق.م؛ عندما أصبح الموقع عاصمة مملكة بيت بحيان[ر] الآرامية التي تسمى «جوزانَ» والتي تبين أنها بنيت على عدة مراحل؛ مما يدل على ديمومة كبيرة للحياة فيها. وتُعدّ «جوزانَ» الشاهد الأهم على آثار الآراميين العمرانية، فقد ظهرت مدينة محصنة بسور مستطيل تألفت من حيّين رئيسيين: الحي الشعبي والحي الملكي، بلغ عدد القاطنين فيها بين ١٠ ـ ١٣ ألف نسمة.

ونظراً لقربها من الدولة الآشورية التي بسطت سيطرتها على المناطق الغربية؛ فقد أصبحت تابعة لآشور؛ ولكنها حافظت على استقلالها الذاتي مقابل جزية كانت تدفعها لها، قبل أن يتم ضمها نهائيّاً.

ورد ذكر جوزان في عدد من حوليات الملوك الآشوريين، فقد ذكرت النصوص القديمة أن أدد- نراري [ر] الثاني (٩١١-٨٩١ ق.م) تلقى الجزية من أبي سلاموAbi Salamu حاكم بيت بحيانِ، وأنه خلال حكم الملك الآشوري آشور ناصرـ بال الثاني استقبل قبائل من زالاّ Zalla من بيت بحيانِ سنة ٨٨٣ ق.م، و٨٧٧ ق.م ويذكر اسم إحداها أداديمّ Adadimme. كما ورد ذكر المدينة في حوليات توكلتي ننورتا[ر] الثاني وآشور بانيبال [ر] الثاني.

عرف من حكام جوزانَ خلال القرن العاشر قبل الميلاد كبارا بن خاديانو، وأبي سلامو، وشمش نوري في النصف الأول من القرن التاسع قبل الميلاد، وهد يسعي في النصف الثاني منه. ومن المرجح أن توكولتي شارُ Tukulti sharru بن هد يسعي هو آخر الحكام الآراميين عليها.

انتهى الدور الآرامي في المدينة نحو ٨٠٨ ق.م عندما قامت فيها ثورة على الآشوريين يرجح أنها أخمدت بعهد الملك أدد - نِراري الثالث الذي ضمّها إلى المملكة الآشورية الحديثة بعد تعيين والٍ آشوري عليها، هو منّوكي- آشور Mannuki assur، أعقبه بورسَجال Pursagale.

تشير الدلائل الأثرية إلى وجود فترات استيطان في تل حلف على نحو متقطع بعد العصر الآشوري، ولاسيما في العصر البابلي الحديث ثم العصر الأخميني، فيما دلت بعض اللقى -ومنها الفخار - على وجود استيطان في المدينة السفلى خلال العصر الهلنستي.

المكتشفات:

تُعدّ مكتشفات تل حلف الأثرية من أهم ما عثر عليه في مواقع الألف الأول ق.م حتى الآن؛ لكونه يعطي صورة واضحة عن التداخل الحضاري الآرامي ـ الآشوري والحثي اللوفي الذي يتجلى في مجال النحت والعمارة والفنون والطقوس الدينية وغير ذلك. ومن أهم ما تم الكشف عنه في الموقع:

القصر الغربي: ويسمى المعبد ـ القصر، وجد في الحي الملكي، بناه كبارا بن خاديانو أحد ملوك جوزان مستخدماً أحجار معبد سابق؛ بحسب نموذج متميز عرف ببيت خيلاني[ر]. شيد المعبد- القصرعلى مصطبة مبنية باللبن، ترتفع ١٠٠ ـ ١٥٠سم عن الأرض المجاورة، وتمتد أمام المدخل على شكل تراس يحيط به سور، ويتخلله درج حجري كبير على محور المدخل. ومن الجهة الشرقية للتراس هناك بوابة كبيرة تؤدي إلى ساحة عامة؛ ومنها إلى باقي أقسام الحي الملكي، وفيه مذبح وعمود مرتفع يحط عليه طائر كبير يشبه النسر منحوت من الحجر البازلتي.

واجهة المعبد القصر قبل تدميرها (متحف برلين)

يتألف المبنى من قاعة عرضانية، شكلها مستطيل (٣٦.٧٥×٥م) يليها قاعة ثانية مشابهة؛ لكنها أكبر حجماً(٣٦.٧٥×٨.٠٥م)، ومدخلها أصغر، هي قاعة العرش عثر فيها على موقد معدني ضخم يتحرك على أربع عجلات، وتتوزع حولهما مجموعة من الغرف الطولانية الصغيرة. للبناء مدخل عرضه ٤م، يتقدمه رواق يرتفع على ثلاثة أعمدة بازلتية ضخمة نفذت على شكل تماثيل حجرية ضخمة لها أشكال بشر يقفون على حيوانات يبلغ ارتفاعها ثلاثة أمتار، ربما كانت تمثل ثلاثة آلهة حثية، الأوسط منها يرمز إلى إله الطقس والعواصف «تيشوب»، وإلى يساره قرينته «خِبات»، وإلى يمينها ابنهما «شارّوما». أما وجود هذه التماثيل على مداخل الأبنية؛ فهو لحماية المكان وفرض حالة من الشعور بالمهابة والخوف على الداخل إلى المبنى.

تماثيل في تل حلف كما اكتشفت في الموقع

تزين الجزء السفلي من جدران مدخل القصر منحوتات حجرية عليها نقوش بارزة تمثل أبا الهول وإنساناً له رأس طير وذيل عقرب. كما تم الكشف عن عدد من اللوحات الأخرى على الواجهة الخارجية من الشرق والغرب، بلغ عددها ١٧٨ لوحة، ويمكن تقسيم مشاهدها إلى ثلاثة مواضيع: الأول لجنود واقفين مع أسلحتهم في ميدان المعركة أو يقومون بالصيد، والثاني لحيوانات كالخيول والثيران والأسود والفهود والرنة والغزال والنعامة والطيور والأسماك، والثالث للأشكال الخرافية والأسطورية مثل الرجل العقرب، والرجل السمكة، والرجل الثور، وأبي الهول والعنقاء (جسم أسد، ورأس نسر وجناحاه)، ورجل برأس أسد، ومشاهد طقسية أخرى تتضمن تقديم قرابين.

تماثيل تل حلف

إن كل ما ذكر من وصف معماري لهذا البناء يعزز فرضية وظيفته الدينية، وهذا ما دفع الباحثين إلى تسميته بـ «المعبد ــ القصر».

بوابة العقرب: تُعدّ هذه البوابة المدخل الشرقي إلى المعبد ـ القصر والأبنية المحيطة به، تتميز بوجود برجين لها في الجهة الغربية مع غرفتين من اللبن سماكة جدرانهما نحو ١م، رصفت أرضيتهما باللبن المشوي، كشف فيهما عن أوانٍ فخارية وأدوات برونزية وخرز تعود جمعيها إلى القرن السابع قبل الميلاد. أما أرضية ممر البوابة المؤدي إلى مصطبة القصر الغربي؛ فقد رصفت بألواحٍ حجرية، وكسيت جدرانه من الجانبين بمنحوتات حجرية تحمل مشاهد رجال على هيئة عقرب وطيور.

تمثال «الرجل الطائر العقرب» من بوابة العقرب في القصر الغربي في تل حلف بعد إعادة ترميمه (متحف برغامون - برلين)

البناء الشمالي: يقع شمال القصر الغربي، وهو مؤلف من عدة قاعات عرضانية، وغرف للسكن وجناح للنساء وآخر إداري. ومن المرجح أن هذا البناء كان مخصصاً للأعمال الإدارية؛ وليس لاستقبال الضيوف الذي خُصّص له - على الأغلب - القصر الغربي.

القصر الشمالي- الشرقي: يتألف هذا القصر من جناحين: شمالي تم الكشف عن مساحة واسعة منه؛ وجنوبي استكشف جزئياً من خلال أسبار محددة. يأخذ القصر شكلاً طولانياً من الشمال إلى الجنوب، تتوسط جناحه الشمالي باحة كبيرة تجانبها من الجهات الشمالية والغربية والجنوبية ثلاث باحات أصغر منها. ويتوزع حول الباحة الكبيرة عدد من الغرف الصغيرة. والقصر محصن بشكل جيد من جهة الشمال بسبب قربه من المنحدر المطل على النهر.

أما الجناح الجنوبي؛ فقد تم تحديد باحته الجنوبية وحولها العديد من الغرف، لها مخطط مشابه للجناح الشمالي. ويمكن مقارنة هذا القصر مع نظير له في تل أرسلان طاش [ر] (حداتو القديمة) العائد إلى العصر الآشوري الحديث؛ مع العلم أن هذا الجناح ظل مستخدماً خلال العصرين البابلي الحديث والأخميني.

تمثال طائر من تل حلف بعد إعادة ترميمه (متحف برغامون - برلين)

قاعة الشعائر والمدافن: كشف أوبنهايم جنوبي المرتفع (الأكروبول) عن ثلاثة مدافن تتضمن إشارات إلى عمليات دفن مصحوبة بالحريق، وعثر على تمثالين بازلتيين يمثلان امرأتين جالستين. كما عثر على أنصاب حجرية تحمل مشاهد حيوانات وصيد بالعربات وكائنات خرافية، حمل بعضها نقوشاً كتابية قصيرة تذكر اسم الآمر بإنجاز اللوحات، وهو الأمير كبارا وأنها نقشت في معبد إله الطقس.

كما تمّ الكشف عن أمكنة على شكل مدافن بُنيت على نحو كامل فوق الأرض، واحتوت مدخلاً وحجرة أو حجرتين للدفن، بنيت باللبن، وغُطِّيت بقبوات، وُجد فيها القليل من بقايا الجثث، وبعض التقدمات. ويبدو أنها ليست مدافن خالصة، بل هي أماكن نُفِّذت فيها طقوس تذكارية خاصة بالأسلاف. وربما ترتبط بهذه الأمكنة الجنائزية قاعة الشعائر، وهي شاهد معماري من عصر كبارا عثر فيها على تمثالين بشريين جالسين وتماثيل لرجال في حالة الوقوف (ربما يمثل أحدها إله الطقس) ومقعد من الطين الأحمر المشوي، ومحراب دينيّ مربع الأضلاع. وتدفع تجهيزاتها الوافرة جداً إلى استخلاص مظاهر دالة على نوع من شعائر تقديس الأسلاف أيضاً. وقد عثر على جرار تحتوي على رماد الموتى برفقة بعض التقدمات الدينية المتنوعة، ومن المفترض أن هذه الجرار وما تحتويه تخص المرأتين اللتين وضع تمثالاهما قرب مدخل المدفن بوضعية الجلوس، وربما كانتا أميرتين أو كاهنتين.

منحوتة من تل حلف

النصوص الكتابية: قدمت التنقيبات الأثرية في تل حلف الكثير من الوثائق التي تلقي الضوء على تاريخ هذه المملكة، فقد تم الكشف في الجناح الشرقي من القصر الغربي عن ٩٨ نصّاً تضمنت مراسيم ملكية ورسائل ووثائق اقتصادية، يعود تاريخها إلى زمن الملك أدد- نِراري الثاني (٨١٠-٧٨٣ ق.م)، وفترة حكم الموظف الآشوري منوكي ـ آشور (٧٩٣- ٧٨٣ ق.م) لجوزان، والذي أطلق اسمه على سنة ٧٩٣ق.م. وقد ساعدت هذه النصوص على فهم تفاصيل مهمة من تاريخ المدينة، كما أظهرت طريقة تعاطي الملوك الآشوريين مع الإمارات التابعة لهم بوصفها نموذجاً لهذه العلاقة.

كما تمّ العثور على العديد من الألواح الطينية الصغيرة المثلثية الشكل التي كتبت بالخط المسماري، وتحمل الكثير من الأسماء الشخصية معظمها أكادي الأصل، وهي وثائق اقتصادية وإيصالات تجارية يعود تاريخ معظمها إلى الفترة الواقعة بين ٦٤٩ و٦١٢ق.م، وتتضمن إقراضاً وتبادلاً للمواد الزراعية، ومنها الشعير، وتحمل طبعات أختام الدائنين والشهود. وقد تعرضت هذه الوثائق للضياع في أثناء دمار متحف برلين خلال الحرب العالمية الثانية. كما عثر على نص كتب باللغة الآشورية ويخص الملك كبارا بن خاديانو، فيظهره مهتماً ببناء القصور والمعابد والأبراج بما يليق بالملوك؛ أكثر من أسلافه «ما لم يعمله أبي عملته أنا». ويُعدّ النص المنقوش على تمثال هد يسعي ملك جوزان والذي عثر عليه في تل الفخيرية[ر] المجاور من أهم النصوص الآرامية وأقدمها؛ لكونه كتب باللغتين الآرامية والآشورية، علاوة على أنه وثيقة تاريخية مهمة تلقي الضوء على تاريخ جوزان ومملكة بيت بحيان الآرامية.

أخيراً يُشار إلى ضياع الكثير من مكتشفات تل حلف وتماثيله وتدميرها بما في ذلك تماثيل واجهة المعبد التي نقلت إلى برلين بعد تعرضه للتدمير في أثناء عرضها في جناح خاص بمتحف برغامون نتيجة قصفه خلال الحرب العالمية الثانية، وقد نجحت مؤخراً عملية ترميم بعض هذه التماثيل والمنحوتات. كما تعرض قسم من آثار تل حلف التي كانت محفوظة في الموقع للدمار أيضاً خلال المرحلة نفسها تقريباً، فيما يحتوي متحف حلب على مجموعة من القطع الأخرى بلغ عددها ١٨٣ قطعة بينها تماثيل آلهة ولوحات حجرية منحوتة وغيرها.

عصر حلف

أخذت الحضارة الحلفية اسمها من تل حلف، وهي أول حضارة واسعة الانتشار ومتجانسة امتدت من شمال شرقيّ بلاد الرافدين حتى سواحل المتوسط في الغرب؛ ومن الأناضول شمالاً حتى البقاع جنوباً، ودامت هذه الحضارة نحو ألف سنة (الألف السادس قبل الميلاد). ويُعدّ تل الأربجية[ر] شمال نينوى في العراق الموقع الأهم لهذه الحضارة؛ إذ أمكن تتبع ثلاثة أدوار للحلفيين فيه، وهي:

ــ حلف الباكر، وتتميز ببيوت بسيطة مستطيلة الشكل مبنية من الطين والقصب، كما ظهر فيه نوع جديد من البيوت الدائرية رقيقة الجدران مستطيلة المداخل مقببة السقوف شبيهة بخلايا النحل، ولهذا أطلق عليها اسم ثولوس، أما فخار هذه الفترة فقد صنع باليد، وكان من نوعية متوسطة اقتصرت زخارفه على بعض الأشكال الهندسية كالخطوط العمودية المتوازية، ورسوم الطيور والأسماك والثعابين وبعض الأشكال الإنسانية. ولونت هذه الزخارف بالأحمر أو البني، وتميزت منها طاسات الحليب cream bowl المصقولة. وقد استخدم الحلفيون خلال هذه المرحلة الأختام، وتزينوا بالقلائد، ومارسوا طقوس دفن خاصة، فصلوا الجماجم عن الجسد، ووضعوها في جرار كبيرة رافقتها أوانٍ فخارية مزخرفة.

ــ حلف الوسيط، يعاصر هذا الدور فترة العمق (س)، واتسعت رقعة انتشارها حتى وصلت تلال: شغاربازار [ر]، وحموكار [ر] في سورية، وياريم تبه II في شمالي العراق. بيوت هذه الفترة أكبر من سابقتها، تراوح قطرها من ٣- ٩م. عاش الحلفيون خلال هذه المرحلة في مناطق الزراعات المطرية على شكل تجمعات قروية صغيرة تفصل بينها مسافات قليلة، وزرعوا القمح والشعير والكتان والقنب، ودجنوا الغنم والماعز والخنزير، واصطادوا الغزال والحمار الوحشي والثور البري. وقد استمرت طقوسهم الدينية بدفن الجماجم مستقلة؛ ولكنهم مارسوا أول مرّة حرق الموتى. كما انتشرت الدمى الطينية الأنثوية «الإلهة الأم» [ر].

تنوع الفخار خلال هذه الفترة، فاستمر استخدام فخار الفترة السابقة، مع ظهور فخار رقيق الجدران وغير ملون، أما الفخار الأكثر نموذجية خلال هذه الفترة فكان البوليكروم polychrome وهو من النوع الملون والمشوي جيداً، والمصبوغ بألوان بينها الأبيض الكريم والأحمر والبني، ويحمل زخارف ذات ألوان فاتحة على خلفية غامقة، تتضمن رسوماً لرأس الثور الذي يرجح أنه كان له مكانة مقدسة. انتهت فترة حلف الوسيط بالتزامن مع اختفاء فترة سامراء، وبدأت الفترة الأخيرة من عصر حلف.

ـ حلف الأخير، لم يحصل خلال هذا الدور تغير كبير في الحياة الاقتصادية، فاستمرت زراعة الحبوب وتربية المواشي، ولوحظ غياب أبنية الثولوس؛ ليحل مكانها بيوت مستطيلة كبيرة الحجم، جهزت أحياناً بمحاريب، كما في موقعي ياريم تبه II وتل حالولة [ر]؛ مما يشير إلى وظيفة دينية لها. تميزت هذه الفترة بانتشار الأختام المسطحة المصنوعة من الحجر أو الفخار، وتحمل زخارف هندسية منوعة؛ مما يدل على ظهور الملكيات الخاصة، وعلى حركة تبادل تجاري واضحة دلّ عليها الكثير من الأدوات المصنعة من الأوبسيديان [ر]. لكن التطور الأهم خلال هذه الفترة كان على صعيد الفخار؛ إذ ارتقت صناعته ليصبح أقل سماكة حتى إنه لقب بـ «قشرة البيضة»، وتعددت ألوانه وزخارفه، فاستخدم اللون الأبيض والأحمر والبني على خلفية وردية أو كريم، ورسمت عليه أشكال منوعة، أهمها الوردة ذات الوريقات الأربع أو أكثر والتي عرفت باسم صليب مالطة؛ علاوة على أشكال نباتية وهندسية أخرى.

عمار عبد الرحمن ـ محمود حمود

مراجع للاستزادة:

-Nadja  Cholidis, Lutz Martin, Der Tell Halaf und sein Ausgräber Max Freiherr von Oppenheim: (Berlin, 2002).

-Max von Oppenheim, Der Tell Halaf: Eine neue Kultur im altesten Mesopotamien. (Leipzig, 1931(.

-Mirko Novak, Gozan and Guzana. Anatolians, Aramaeans and Assyrians in Tell Halaf. in: D. Bonatz, L. Martin (eds.): 100 Jahre archäologische Feldforschungen in Nordost-Syrien – eine Bilanz. Harrassowitz, (Wiesbaden 2013), pp. 259-281 .

 


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 485
الكل : 31265527
اليوم : 13715