logo

logo

logo

logo

logo

الحلم

حلم

Dream(s) - Rêve(s)

 ¢ الحلم

الحلم

 

الحلم Dream هو ظاهرة نفسية تتمثل بنشاطات عقلية لا إرادية تحدث في أثناء مدة معيّنة من النوم، وتتسم بأنها متعددة الأشكال، فهي سلسلة من الصور والأفكار والمشاعر والأحاسيس التي لا يمكن التنبؤ بها أو تجنبها. وهو تجربة شخصية لا يمكن إشراك أي شخص فيها وقت حدوثها، وجميع التسميات القديمة التي أعطيت له كانت مرتبطة بالليل، فسمي maš.ge في اللغة السومرية و tabrît mûši؛ أي رؤيا ليلية، و šuttu حلم في اللغة الأكادية.

هناك عدة أنواع للأحلام، فبعضها يعكس وضع الشخص الحالم العقلي، وبعضها الآخر أحلام تنبّئية أو أنها تنقل رسالة من الآلهة قد تكون إخبارية ليست بحاجة إلى تفسير؛ لأنها تنقل بصراحة إرادة الإله على شكل تحذير أو كأمر إلهي، أو رمزية تستوجب التفسير. وكانت شعوب الشرق الأدنى القديم تعتقد أن الأحلام من صنع الآلهة، وكانوا ينظرون إليها على أنها حوادث حقيقية واقعة، فأعطوها أهميةً كبيرة، وحاولوا تفسيرها أو التحكم بها. ويجب أن يكون مفسر الأحلام إلهاً قادراً على قراءة المستقبل ومعرفة نوايا الآلهة الأخرى (كما في حالة جلجامش) أو شخصاً له صلة بالآلهة عن طريق الكهنة المختصين (سقالو Saqālu). ففي ملحمة جلجامش[ر] تشديد على أهمية إطاعة الرسائل والإشارات الإلهية التي تحملها الأحلام، فهو لم يستجب لها بعد أن روى ما رأى من كوابيس وأحلام لصديقه أنكيدو Enkidu الذي طمأنه، ودعاه لعدم الاكتراث بها، فعاقبت الآلهة أنكيدو بمرض انتهى بموته. وذكر أحد النصوص أن جوديا [ر] أعاد بناء المعبد الرئيسي في لجش وفقاً لمخطط رآه في الحلم بعد أن تلقى أمراً إلهياً بذلك.

وكانت الأحلام التي تبلغ رسالة إلهية تظهر فيها إرادة الآلهة من أكثر الأنواع شيوعاً في النصوص الكتابية الرافدية والمصرية، ووصلت من بلاد الرافدين نصوص تدوّن فيها الأحلام ورغبة الآلهة مثل ختم جوديا، ونقوش الملك آشور- ناصربال [ر] ونبونائيد [ر] الذي رأى الإلهين «مردوخ» و«سين» في الحلم، وأخبره الإله مردوخ أن يهيئ اللبن ليبني معبد حران. وفي بعض الأحيان كانت الرسائل تعبر عن التشجيع الإلهي للحاكم كما في نصب الصقور للملك إي - أنّاتم Eannatum الذي رأى الإله نينجرسو Ningirsu في الحلم، ووعده بالنصر، وكذلك في ختم الملك الآشوري آشور- بانيبال[ر]، الذي تؤكد فيه الآلهة أنه سيخرج منتصراً في المعركة المقبلة بفضل مساعدتها له.

لجأ الملوك إلى أعمال التنجيم والعرافة Necromancy في تفسير الأحلام، وتُعدّ عرافة الكبد Liver Omen أشهر أنواع العرافة السحرية، فبعد أن تقدم الذبيحة أضحية للإله يقوم العراف برفقة الشخص الذي يريد معرفة طالعه بفحص كبد الحيوان، ويقرأ بتمعن العلامات والظواهر غير المألوفة أو التشوهات والفقاقيع التي تظهر على الكبد، وتكون الإجابة إمّا نعم وإمّا لا. وأفضل مثال على ذلك ختم جوديا الذي يذكر: «يستيقظ جوديا من نومه، وكان خائفاً من الحلم. يحني رأسه أمام كلمات نينجرسو، يتفقد كبد حيوان أضحية أبيض، تم فحص الحيوان، وحصل على علامة إيجابية. أصبحت نية نينجرسو الآن واضحة كوضوح النهار لجوديا». يؤكد هذا النص أهمية الفأل في تفسير الأحلام؛ إذ شكلت نصوص الفأل جزءاً كبيراً من النصوص الأدبية المكتشفة في مكتبة آشور- بانيبال، وهو من العادات والتقاليد المتوارثة حتى الآن في المجتمعات الحالية.

عُرفت أيضاً طقوس ممارسة الاستخارة؛ أي النوم في مكان مقدس أو بالقرب منه من أجل الحصول على تعليمات في الحلم من آلهة شافية، في نصوص بلاد الرافدين وخاصةً في أسطورة سرجون [ر] الأكادي.

لم تكن الأحلام دائماً جميلة مطمئنة، بل كانت مخيفة ومرعبة في بعض الأحيان، لذا كان الناس يتضرعون للآلهة القادرة على رد شر بعض الأحلام بالدعاء التالي (وعن الحلم الذي تعرفه أنت ولا أعرفه أنا، فإن كان طيباً؛ فلا تحرمني من طيبه، وإن كان سيئاً؛ فلا تجعل شره يصلني). ومن آلهة الأحلام في بلاد الرافدين الإله زاقيقو Zaqiqu والإلهة مامو Mamo أو ماخير Makhir وزقار Zaqar، وقد أطلق على شماش Shamash اسم رب الأحلام بيل بيري Bel Biri. وهناك دليل نصي على واقعية الأحلام من مدينة نفر يذكر مجموعة أحداث تمت مشاهدتها في الأحلام، وهو يعود إلى العصر الكاشي.

لم تكن الآلهة وحدها هي التي تظهر في الأحلام؛ بل الأموات والأحياء أيضاً، وكانت تتشابه فكرة الحلم والموت في النصوص الأدبية الرافدية، ففي أثناء النوم يتشابه الشخصان النائم والميت؛ لأن النائم محكوم عليه بعدم الحركة كالميت، ويُنظر للنوم على أنه ما يسبق الموت، ويبقى الحلم الوسيلة لرؤية ما يحدث في العالم الآخر.

تشير المعطيات الأثرية إلى أن بلاد الرافدين هي أسبق حضارة قدمت نصوصاً أدبية منذ الألف الرابع ق.م، وفيها ذكر لأحلام الملوك مع تفسير لها. ويُعدّ النص الأدبي الذي يروي حلم دموزي Dumuzi ملك أوروك من أقدم الأحلام المدونة في التاريخ، وهو جزء من ملحمة هبوط إنانا Enanna للعالم السفلي. ويُعدّ من الأحلام التنبّئية؛ لأنه ينبئ بموت دموزي. فالنص يذكر الحلم، ويتضمن تفسيراً له من قبل جشتين - أنّاGeshtin-anna شقيقة دموزي المرأة الحكيمة التي تعرف معنى الأحلام. وهناك نصوص أخرى من الألف الثالث ق. م من جرسو (حالياً تللو)، ومن بداية الألف الثاني ق. م من ماري التي عثر فيها على مكتبة من المراسلات كانت الأحلام جزءاً مهماً بينها، وتبين من خلالها أن سكان المدن الخاضعة لماري كانوا يروون أحلامهم للحاكم وخاصةً مما يعتقدون أنه ذو صلة بمستقبل المملكة، ثم يرسلونها إلى الملك. كما أشارت بعض نصوص العصر البابلي القديم إلى الأحلام، في حين قل ذكرها في نصوص أوغاريت الأدبية العائدة إلى النصف الثاني من الألف الثاني ق.م. وتبقى نصوص العصر الآشوري المتأخر (الألف الأول ق.م) الأكثر شهرة وأهميةً في هذا المجال بما قدمته من معلومات وافية ومتنوعة عن الأحلام. فألواح كتاب الأحلام الآشوري الاثنا عشر كانت جزءاً من محتويات مكتبة آشورـ بانيبال، وهي تضم نحو ثمانين كسرة رقيم حول تفسير الأحلام. يحتوي اللوح الأول والثاني عشر على أدعية وتعاويذ لطرد الأذى والأرواح الشريرة المذكورة في بقية الألواح، وحملت الألواح الأخرى التي تحتوي على تفسير للأحلام وتنبؤات عناوين مختلفة (باستثناء اللوح السادس المفقود)، وكانت مرتبة بحسب المواضيع. (الإله زاقيقو رب الأحلام) للوح الثاني، (إذا صنع رجل في حلمه باباً) للوح الثالث، (إذا كان رجل مرتدياً الفضة) للوح الرابع، (إذا رأى رجل في حلمه الإله إنليل) للوح الثامن، (إذا دخل رجل من البوابة الرئيسية لمدينته) للوح التاسع، (إذا نام رجل على جانبه الأيسر، وكان حلمه مشوشاً) للوح العاشر و (إذا كانت أحلام الرجل مرتبكة) للوح الحادي عشر. ويُعدّ هذا الكتاب مرجعاً قيّماً في فهم معاني الأحلام، فهو يقدم تفسيراً للكثير من الرؤى في مواضيع مختلفة مثل التنقل والسفر، واستهلاك أغذية ومشروبات متنوعة، وإنتاج بضائع مختلفة وصنعها، ونقل أدوات من قبل الحالم، ومواضيع أخرى مثل البول والغائط.

إن ذكر الأحلام ووصفها في كثير من الرسائل والنصوص الشعائرية وفي الأساطير والنصوص الأدبية التاريخية يدل على الأهمية الكبيرة التي أولتها شعوب الشرق القديم للرؤى والأحلام.

سوزان ديبو

مراجع للاستزادة:

- سامي سعيد الأحمد، «معتقدات العراقيين القدماء في السحر والعرافة والأحلام والشرور»، المؤرخ العربي، العدد الثاني، ١٩٧٥.

- C. Hoffman, Dumuzi’s Dream: Dream Analysis in Ancient Mesopotamia. Dreaming, 14 (4), (Bridgewater, 2004), pp. 240-251.

- A. L. Oppenheim, The Interpretation of Dreams in the Ancient Near East. With a translation of an Assyrian Dream-Book, Transactions of the American Philosophical Society NS 46/3, )Philadelphia, 1956).

 


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 575
الكل : 31771327
اليوم : 46788