logo

logo

logo

logo

logo

خالد بن الوليد (مسجد-) /حمص/

خالد بن وليد (مسجد) /حمص/

-

 خالد بن الوليد

 خالد بن الوليد (جامع -)/ حمص

 

 

يقع جامع خالد بن الوليد في مدينة حمص شمال أسوارها القديمة بنحو ١٢٠٠م، في منطقة الخالدية، على بقعة مرتفعة شمال ساحة حمص الرئيسية، ضمن حديقة جميلة واسعة، شرق الطريق العام المتجه إلى حماة.

والجامع منشأة أثرية، بدأت مملوكية، وانتهت عثمانية، تحوي– عدا الجامع- الضريح والقبور ضمن الحرم؛ وصحناً شماليه وتكية شرقيه.

عندما تُوفَّي الصحابي الجليل خالد بن الوليد سنة ٢١هـ/٦٤٢م؛ دُفن في جبّانة عند قريته الخالدية، ويقول ابن جبير وهو يتحدث عن حمص التي زارها في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي: «وبشرقيها جبّانة فيها قبر خالد بن الوليد رضي الله عنه سيف الله المسلول ومعه قبر ابنه عبد الرحمن وقبر عبيد الله بن عمر رضي الله عنه». وأول من أنشأ تربة تليق بمقام هذا الصحابي الجليل هو السلطان المملوكي الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحي. ويقول ابن عبد الظاهر عن الظاهر بيبرس: «توجّه السلطان إلى حمص، فنزل بها في سابع وعشرين شعبان، وأمر بإبطال الخمور والمنكرات، ورسم ببناء مسجد بحمص» (مسجد خالد)، وذلك بعد انتصاريه في عين جالوت على المغول؛ وفي صفد على الصليبيين، وقد أوقف إحدى قرى صفد لخدمة ضريح خالد. وتشير إلى ذلك كتابتان تأريخيتان بالخط النسخي على قطعتين خشبيتين: الأولى على باب الضريح الخشبي، مطلع نصّها: «بسم الله الرحمن الرحيم أمر بإنشائه على حرم قرية سيف الله وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد مولانا الملك الظاهر......»، والثانية على حشوة خشبية بالضريح، مطلع نصّها: «بسم الله ....أمر بإنشائه على ضريح سيف الله ........»، وتحدد الكتابتان تاريخ إنشاء الجامع في شهر ذي الحجة سنة أربع وستين وستمئة (٦٦٤هـ/١٢٦٥م)، وأوقف عليه أوقافاً. كما أمر الظاهر بيبرس بصنع ضريح من الخشب المحفور النفيس لقبر خالد، وزيّن بمحاريب خماسيّة وزخارف نباتيّة متداخلة وآيات قرآنية بخط الثلث والكوفي، وذلك بمناسبة انتصاره على المملكة الأرمنية في كيليكيا، وفتحه مدينة سيس سنة ٦٦٥هـ/١٢٦٦م. وقد نُقش على شباك للضريح ثمانية أسطر تُخلّد ذكرى انتصار الملك الأشرف خليل بن السلطان قلاوون على الصليبييّن ودحرهم نهائياً عن بلاد الشام، وذلك سنة ٦٩٦هـ/١٢٩٦م. كما قام أخوه الملك الناصر محمد ببعض الإصلاحات في الضريح، خلّدت اسمه بخط الثلث على قطعة مستطيلة أبعادها ٢١٥×١٥سم. ومما يؤكدّ وجود القبر والمسجد في العصر المملوكي ما قاله ابن بطوطة وهو يصف حمص التي زارها في منتصف القرن ٨هـ/١٤م أنّ: «بخارج هذه المدينة قبر خالد بن الوليد سيف الله ورسوله وعليه زاوية ومسجد، وعلى القبر كسوة سوداء».

صورة جوية تظهر الموقع العام للجامع

وقد شيّد الظاهر بيبرس جدران الجامع المملوكي من مداميك الحجر البازلتي الأسود، وغطّاه بسقف متين معقود ومقبّب؛ له قبّة نصف كروية ملساء مدببة مطلية بالكلس ومتوّجة بالهلال. ويتبيّن على نحو تقريبي ومن خلال الصور التي توفّرت عن الجامع المملوكي في سنة ١٣١٧هـ/١٨٩٩م أنّه كان يتمّ الولوج إلى حرمه ذي المسقط المستطيل والدعائم الضخمة من مدخل شمالي محوري ضمن كتلة بارزة مرتفعة ذات عقود نصف دائرية. ومئذنة الجامع ذات جذع مربّع تحمل قلنسوة ذات قبة صغيرة نصف كروية ملساء، ترتكز على رقبة ذات فتحات معقودة. وللجامع صحن واسع تتوسّطه بركة الميضأة الكبيرة، يحيط به رواقان شرقي وغربي ذوا دعائم حجرية مربعة تحمل عقوداً مدببة، تحمل من ثم القبوات المتقاطعة التي يغطّيها السقف المستوي. وقد أدّت صاعقة أصابت الجامع سنة ١١٢١هـ/١٧٠٩م إلى هدم المئذنة. وفي العصر العثماني صنع إسماعيل السباعي منبراً خشبياً مزخرفاً عَلَت بابه ثلاثة أبيات من الشعر تذكر صانعه، وتؤرّخ له سنة ١١٩٧هـ/١٧٨٢م. وقد وُضع عن يمينه ويساره شمعدانان كُتب عليهما رفعت باشا سنة ١٢٦٦هـ/١٨٤٩م، ثم قام متولي الوقف حسين الزين بترميم الجامع سنة ١٢٩٩هـ/١٨٨١م، وأهدى عبد الغني باشا العابد شمعدانين نحاسين كبيرين سنة ١٣٢٣هـ/١٩٠٥م للجامع وضعا عن يمين المحراب ويساره.

منظر عام - الواجهة الغربية

وفي أواخر العصر العثماني في مطلع القرن ١٤هـ/٢٠م؛ قرّر السلطان عبد الحميد خان الثاني أن يبني جامعاً فخماً يتناسب مع عظمة القائد خالد بن الوليد رضي الله عنه، وذلك في مدة ولاية ناظم باشا للشام، وتبرّع السلطان لبنائه بستة آلاف ليرة ذهبية من ماله الخاص، كما تنصّ على ذلك لوحة التأسيس المثبتة فوق مدخل الحرم الرئيسي، وأضاف إليها ثمن الحلي التي كانت على الضريح، وعهد بتصميم الجامع وتنفيذه إلى المهندس المعمار العثماني علاء الدين عبد الله أولصون، وجرى تكليف رئيس بلدية حمص آنذاك عبد الحميد باشا الدروبي الإشراف على البناء.

الموقع العام (١٣٤٥هـ/١٩٢٦م

بدأ العمل بهدم الجامع القديم كاملاً، وتم ترحيل الأنقاض وإزالة معظم القبور المحيطة به، وبُدئ بتشييد الجامع الجديد وفق الطراز العثماني المشابه لجامع محمد علي باشا في قلعة صلاح الدين بالقاهرة. وقد استُعملت اليد العاملة ومواد البناء المحلية في إنشائه؛ فالحجارة البازلتية السوداء من وعر حمص، والحجارة الكلسية البيضاء من مقالع الرستن، والكلس والفخّار المشوي (الطوب القرميدي) من صناعة أفران حمص. وانتهى العمل بالجامع ليصبح آية في الجمال والإتقان والتناسق سنة ١٣٣١هـ/١٩١٢م. ولكن لم تُرفع باقي القبور المحيطة بالجامع على نحو كامل حتى سنة ١٣٧٨هـ/١٩٥٨م، وحُولّت الجبّانة القديمة والحمام الأثري الموجود ضمن موقعها إلى حديقة للجامع سنة ١٣٨٠هـ/١٩٦٠م. وكان قد استُكمل الصحن بأروقته الشمالية والجنوبية والشرقية بما تحتويه من قاعات متعددة حتى نهاية سنة ١٣٦١هـ/١٩٤٢م. ثم قام الرئيس الراحل حافظ الأسد بترميم الجامع سنة ١٣٩١هـ/١٩٧١م، وجعل في رواقه الشرقي معهداً وقاعةً للمحاضرات.

 
المسقط الأفقي

للجامع أربع واجهات ضخمة، مرتفعة وشبه متماثلة، جُزّئت إلى ثلاثة أجزاء رأسية شُيّدت من الحجر البازلتي الأسود، وتوزّعت فيها الفتحات؛ وفُصل بين أجزائها بدعامات بارزة عن سمت الواجهة شُيّدت من الحجر الكلسي الأبيض على قاعدة من الحجر الأسود، وقد جمع بينها إفريز علوي عريض حجري كلسي أبيض. فأما الواجهة الجنوبية فتُلفى في جزأيها الشرقي والغربي نافذتان متماثلتان مستطيلتان ومؤطّرتان بإطار حجري كلسي أبيض غُطّيت بمصبّعات معدنية، ويُنصّف أعلاهما نافذة واحدة مماثلة. وتعلو كل جزء من جزأيها قبّة صغيرة نصف كروية ملساء متوّجة بالهلال ترتكز على رقبة مثمنة لها ثماني نوافذ معقودة بعقد وتري. وأما الجزء الأوسط لهذه الواجهة -وهي كتلة المحراب- فُتلفى فيه نافذتان تعلوهما ثلاث نوافذ متماثلة؛ وتعلو هذا الجزء نصف قبة واسعة نصف كروية ملساء ترتكز على رقبة مستطيلة مصمتة، والتي تعلوها من ثمّ القبة المركزية للحرم، وهي نصف كروية ملساء متوّجة بالهلال ومرتكزة على رقبة ذات ست عشرة ضلعاً حوت ست عشرة نافذة معقودة بعقد وتري، وذات زجاج ملون، وهي ترتكز من ثمّ على رقبة مربعة مصمتة بارتفاع قمة نصف القبة أسفلها. ويلتصق بالجزء الشرقي من هذه الواجهة سور التكية المشيّد من مداميك الحجر الأبلق (الأسود والأبيض) ينصّفه باب جنوبي معقود بعقد وتري، يليه دعامة من الحجر الكلسي الأبيض ثم واجهة غرفة جنوبية للتكية مشيّدة أيضاً من الحجر الأبلق، تنصّفها نافذة مستطيلة ذات إطار حجري أبيض.

 
 
 
 

وأما الواجهة الشرقية للجامع فيحتوي جزآها الشمالي والجنوبي على صفّين من الشبابيك المزدوجة المماثلة، ويحتوي جزؤها الأوسط على صفّين من الشبابيك الثلاثية المماثلة. ويميّزها وجود المئذنة في زاويتها الشمالية. وأما الجزء المضاف إلى هذه الواجهة فهو يتألف من كتلة التكية التي زال جزؤها الشمالي الشرقي البارز، وكتلة بارزة عنها قليلاً تحوي قاعات الرواق الشرقي للصحن. والكتلتان مشيدتان من الحجر الأبلق، وتتوزع فيهما النوافذ بشكل متناظر ومتماثل. وينصّف الكتلتين مدخل شرقي يؤدي إلى الصحن.

وأما الواجهة الغربية للجامع فهي تماثل الشرقية تماماً سوى وجود المئذنة في زاويتها الشمالية ووجود غرفة بارزة عن سمت الواجهة بكاملها تغطي وتلتصق بالجزء الجنوبي منها. وهذه الغرفة ذات مسقط شبه مربع، شُيّدت جدرانها من مداميك الحجر البازلتي الأسود بارتفاع منتصف واجهة الجامع، وقد أُطّرت زواياها ونهايتها بأفاريز حجرية كلسية بيضاء، وغُطّي سقفها بقبّة صغيرة نصف كروية ملساء. ويلتصق بالمئذنة مدخل الجامع الرئيسي المرتفع والمعقود بعقد مدبب، ثم سور الصحن المشيّد من مداميك الحجر الأبلق الذي ينصّفه مدخل الصحن، ثم ينتهي بارتفاع أعلى مُشكّلاً الواجهة الغربية للرواق الشمالي للصحن.

منظر عام للجامع المملوكي

(صورة في سنة ١٣١٧هـ/ ١٨٩٩م)

صحن الجامع
 (صورة في سنة ١٣١٧هـ/ ١٨٩٩م)

ومدخل الجامع الرئيسي الغربي له باب ذو مصراعين يفتح على الرواق الجنوبي للصحن. والصحن ذو مسقط مستطيل تبلغ أبعاده ٤٧×٣٦م، مفروشة أرضيته بالحجر الأبلق، تتوسّطها بركة الميضأة المربعة. ويحيط بالصحن ثلاثة أروقة متماثلة شمالية وشرقية وجنوبية. يتألف كل رواق من عقود مدببة مبنية من الحجر الأبلق ترتكز على أعمدة أسطوانية رُخامية بيضاء ذات قواعد مربّعة مرتفعة وتيجان بسيطة. ويغطّي الأروقة سقف مستوٍ جُعل في طرفه المطلّ على الصحن إفريز وشُرّافات نباتية حجرية كلسية بيضاء. والرواق الشمالي لا يحوي سوى مدخل للصحن في ثلثه الغربي. وأما الرواق الشرقي فيحوي أربع قاعات، شُيّدت جدرانها من الحجر الأبلق، وحوت كل واحدة منها باباً وشباكين متناظرة ومعقودة بعقود وترية، ولها إطارات حجرية كلسية بيضاء. تُستعمل القاعتان الشماليتان منهما كمعهد علمي شرعي، والوسطى كمتحف إسلامي، ثم باب يفتح على دهليز يؤدي إلى المدخل الشرقي للصحن، ثم قاعة جنوبية تستعمل ميضأة للرجال. وأما الرواق الجنوبي للصحن فهو الرواق الرئيسي المهم الذي يحوي الواجهة الخارجية الشمالية للحرم، والجدار الشمالي للتكية الذي ينصّفه مدخل ذو عقد وتري له باب ذو مصراعين يُنزل عبره إلى فناء التكية ذي المسقط المستطيل بأبعاد تبلغ نحو ٣٥×١٠م. وللفناء رواق شرقي يشابه أروقة الصحن، غير أنه قد سُدّ جزؤه الشمالي ليكون ميضأة ومطهرة للنساء ومطهرة للرجال، وبقي جزؤه الجنوبي مفتوحاً على خمس غرف ذات مسقط مستطيل.

في أثناء بناء الجامع العثماني في سنة ١٣٢٤هـ/ ١٩٠٦م الحرم بعد انتهاء بناء الجامع العثماني في سنة ١٣٣٠هـ/ ١٩١٢م

وأما الواجهة الشمالية الخارجية للحرم فهي تماثل الواجهات الباقية؛ غير أنها محصورة بمئذنتين في زواياها الغربية والشرقية، وقد شُيّدت جدرانها من مداميك الحجر الأبلق، واستمرت مماثلة للواجهات الباقية في جزئها العلوي المرتفع عن سقف الرواق. ويُلفى أيضاً في جزأيها الغربي والشرقي محراب ذو حنية نصف دائرية بين شباكين، يُستخدمان للصلاة صيفاً. وينصّف هذه الواجهة مدخل الحرم المعقود بعقد وتري تعلوه اللوحة التأريخية للسلطان عبد الحميد خان الثاني، ويتوضع مدخلان مشابهان للمدخل الرئيسي عن يمينه ويساره. ولهذا المدخل الرئيسي باب خشبي ذو مصراعين يفتح على الحرم مباشرة.

صورة للجامع مع المقبرة المحيطة به والحمام الأثري
في منتصف القرن ١٤هـ/ ٢٠م
الواجهة الشرقية

والحرم ذو مسقط شبه مربع بأبعاد تبلغ نحو ٣١.٥×٣٠.٥م ، وهو ذو سقف مقبب بشكلٍ متصالب إضافة إلى أربع قباب ركنية. وتتربع القبة المركزية الضخمة المرتفعة في وسط الحرم بقطر يبلغ نحو ١٢م وارتفاع نحو ٣٠م، وهي تحوي ١٦ نافذة في محيط رقبتها الذي يؤطّره درابزين الممر الدائري؛ والتي ترتكز على عقود مدببة مرتفعة ومحزّزة، وقد وفّرت المثلثات الكروية الركنية الانتقال من الشكل المربع إلى الدائري. وعلى محور القبة المركزية الأفقي والرأسي غُطّي السقف بأربعة أنصاف قباب ترتكز على الدعائم الوسطية والجدارية. وغُطّي سقف أركان الحرم بأربع قباب نصف كروية صغيرة تحوي ثماني نوافذ في محيط كل رقبة من رقباتها، وهي ترتكز على عقود مدببة أقلّ ارتفاعاً، ترتكز بدورها على الدعائم الوسطية والجدارية. وإن جميع القباب وأنصافها قد شُيّدت من الطوب القرميدي، وغُطّيت بالكلسة البيضاء. وأما الواجهات الداخلية الأربع للحرم فهي شبه متماثلة ومغطاة بالكلسة البيضاء مع وجود وزرة رخامية في أسفلها وأسفل الدعائم الوسطية. والواجهتان الشرقية والغربية متماثلتان؛ سوى أن هناك باباً في الجزء الجنوبي من الواجهة الغربية يفضي إلى غرفة بارزة مربعة جُعلت للإمام. والواجهة الجنوبية متناظرة ينصّفها جزء وسطي ذو ثلاثة عقود جدارية مدببة مرتفعة، وينصّف أوسطها محراب رئيسي مشغول بالزخارف الرخامية الهندسية والنباتية الملونة، وهو ذو حنية نصف دائرية تعلوها طاسة معقودة بعقد نصف دائري يرتكز على عمودين رخاميين، تعلوها من ثمّ زخارف كتابية ومتنوعة، وينصّف أعلاها شباك مستطيل معقود بعقد وتري. ويُلفى عن يمين المحراب منبر رخامي جميل، زُخرفت ريشتاه بزخارف مفرّغة، وله باب معقود بعقد نصف دائري تعلوه مقرنصات بديعة، ويُصعد من خلاله عبر درج رخامي إلى جلسة الخطيب المحاطة بأربعة أعمدة رخامية تحمل قبّة صغيرة نصف كروية متوّجة بالهلال. وأما العقود عن يمين عقد المحراب ويساره فتتضمّن شباكين: سفليّاً وعلويّاً متماثلين. وأما الجزآن الطرفيّان للواجهة الجنوبية فهما متماثلان ومتناظران، ينصّف كل جزء منهما محراب مشابه للرئيسي؛ ولكنه أصغر وأقل تزييناً، ويُلفى شباكان مماثلان عن يمين المحراب ويساره ينصّف أعلاهما شباك مماثل. والواجهة الداخلية الشمالية للحرم مماثلة للواجهات الباقية في فتحاتها، ولكنها غنيّة بمفرداتها المعمارية، فهي تحوي في جزئها الأوسط على دكّة المبلّغين الخشبية، وهي ذات مسقط مستطيل ترتكز على الجدار الشمالي وعلى أربعة أعمدة خشبية، يُصعد إليها عبر سلّمين خشبيّين لولبيّين في الزاويتين الشماليتين للدكّة. ويتوضّع في زاوية الجزء الشرقي لهذه الواجهة قبر عبيد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما محاطاً بسياجٍ معدني.

منظر للواجهتين الغربية والجنوبية الواجهتان الشمالية والغربية

وتقوم في الزاوية الشمالية الغربية لهذه الواجهة تربة الصحابي الجليل خالد بن الوليد. وهي ذات مسقط مربع يبلغ طول ضلعها ٥.٥م، ولها واجهات متماثلة، شُيّدت جدرانها من الرخام الأبيض بارتفاع نحو متر، ثم عُملت فوقها شبابيك خشبية مستطيلة مرتفعة من الزجاج المغطى بالزخارف النحاسية ومعقودة بعقد وتري، يفصل بينها أعمدة أسطوانية من الرخام الأبيض. وينصّف الواجهة الشرقية للتربة مدخلها المعقود بعقد نصف دائري، تعلوها زخارف كتابية، يعلوها من ثمّ عقد وتري ذو زخارف كتابية أيضاً؛ ولهذا المدخل باب ذو مصراعين من خشب الصندل العتيق وقفل من الفضة. ويغطّي سقف التربة بكامله قبّة خشبية نصف كروية مرتفعة ومحزّزة، مدهونة بالطلاء الأخضر ومتوّجة بالهلال؛ وهي ترتكز على رقبةٍ ذات ست عشرة ضلعاً مفتوحةً بنوافذ زجاجية مغطّاة بالزخارف النحاسية. وتتضمّن التربة القبرين الرخاميّين لخالد بن الوليد وابنه عبد الرحمن رضي الله عنهما. وقد نُقل الضريح الخشبي المملوكي والقنديل العثماني الزجاجي المزخرف والمموّه بالميناء والذهب الذي ينير التربة إلى المتحف الوطني بدمشق.

الرواق الجنوبي للصحن بركة الصحن ورواقاه الشمالي والشرقي
الدعائم والعقود الحاملة للقبة المركزية الواجهة القبلية للحرم

 

 

وأما مئذنتا الجامع الرشيقتان والمتماثلتان فقد شُيّدتا من الحجر الكلسي الأبيض؛ وهما قائمتان في زاويتي واجهة الجامع الشمالية؛ غير أن المئذنة الغربية منهما تبرز عن سمت الواجهة الشمالية للجامع، كما تبرز المئذنة الشرقية عن سمت الواجهة الشرقية. وإنّ كلّ مئذنة منهما ذات قاعدة مربعة، أسفلها من الحجر البازلتي الأسود، ترتفع لمستوى سطح الجامع، ثم تنتقل عبر مثلثات هرمية في الأركان إلى جذعٍ ذي مسقط مثمن تتخلله كوات الإنارة والتهوية، يرتفع ليصل إلى شرفة المؤذن التي يحيط بها درابزين معدني، والبارزة عن الجذع عبر مقرنصات حجرية متدرجة. ثم يرتفع الجذع المثمن لينتهي بقلنسوة نصف كروية متجاوزة، تنتهي بشكل بصلي صغير متوّج بالهلال.

 

واجهة مدخل التربة الضريح الخشبي لقبر خالد بن الوليد (المتحف الوطني بدمشق) الحرم
   
  التربة من الداخل  

وللجامع أهمية تاريخية وسياسية؛ فعندما غزا تيمورلنك بلاد الشام، ووصل إلى حمص؛ حاوره علماؤها، وذكروا له أفضال خالد رضي الله عنه، فقال: «تركت حمص لخالد بن الوليد». وقد أبدى سلاطين المماليك والفرق العسكرية العثمانية اهتماماً كبيراً بزيارة ضريح خالد رضي الله عنه قبل الذهاب للفتوحات طالبين من الله النصر ببركته. وقد زار هذا الضريح الرحالة العالم عبد الغني النابلسي، ونظم فيه القصائد، وكذلك زاره الأمير عبد القادر الجزائري معظِّماً. وفي القرن ١٤هـ/٢٠م زارته كثير من الشخصيات العربية والدولية كعبد الناصر وتيتو ونهرو وغيرهم.

ولذلك كله يُعدّ هذا الأثر من أهم معالم السياحة الدينية. وقد بادرت وزارة الأوقاف ومحافظة حمص في سنة ١٤٣٦هـ/٢٠١٤م إلى تشكيل لجنة لترميم الجامع بعد ما ناله من أضرار فادحة بسبب الأحداث الأليمة التي تعصف بالبلاد. وقد بدأت الدراسات وأعمال التدعيم، وستليها أعمال الترميم والتأهيل حتى يعود الجامع والضريح إلى حلّتهما الأثرية القشيبة بإذن الله.

زكريا كبريت

 

مراجع للاستزادة:

- أحمد فائز الحمصي، روائع من العمارة العربية الإسلامية في سورية (وزارة الثقافة، دمشق ١٩٨٢م).

- أحمد وصفي زكريا، جولة أثرية (دار الفكر، دمشق ١٩٨٤م).

- محمد فيصل شيخاني، حمص عبر التاريخ، مراجعة هشام الحلاق (وزارة الثقافة، دمشق ٢٠١١م).

- منذر الحايك، تاريخ حمص وتراثها الشعبي (دار صفحات، دمشق ٢٠١٥م).


التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 604
الكل : 31556875
اليوم : 73280