logo

logo

logo

logo

logo

الخشب في العصر الإسلامي

خشب في عصر اسلامي

-

 الخشب

الخشب

 

 الخشب في العصر الإسلامي

تعد صناعة الأخشاب جزءاً مهماً من الفنون الإسلامية التي تطورت حرفها مع تطور الحضارة الإسلامية، لتصبح تدريجياً أكثر نضوجاً واستقلالية، وأكثر تعبيراً عن روح هذه الحضارة وأكثر استجابة لمتطلباتها.

ارتبطت صناعة الأخشاب عموماً بفن العمارة الإسلامية، إذ كانت المادة التكميلية المهمة للمساعدة على إنشاء المباني، فاستخدمت دعائم للجدران، وفي صناعة الأبواب والنوافذ والأسقف بأنواعها المختلفة وأشكالها المتعددة، وذلك في شتى أنواع العمائر الإسلامية ولا سيما المدنية منها والدينية، وكذلك كانت الأخشاب المادة الأساسية للأثاث في العصر الإسلامي.

خشبيات أبواب الجامع الأموي

 

وكالعادة في فن صناعة الأخشاب بدأت مبنية على المؤثرات الفنية للفنون السابقة على الإسلام، فقد بقيت الأساليب الهلنستية والساسانية في الحفر على الخشب ظاهرة في منتجات بلاد الشام في العصر الأموي٤١-١٣٢هـ/ ٦٦١-٧٥٠م؛ فامتازت التحف الخشبية آنذاك بالزخارف النباتية والموضوعات القريبة الشبه من الطبيعة، وباستعمال أوراق العنب وتفريعاته وأوراق الأكنتس acanthus وكيزان الصنوبر، وتُظهر نافذة من الخشب المزخرف بتخريقات نباتية في قصر الحير الغربي الموجودة في متحف دمشق نموذجاً رائعاً منها. كما تأثرت في مصر بالأسلوب القبطي الذي امتاز بإقباله الشديد على الزخارف الهندسية البحتة ولا سيما المعيّنات التي تشبه خلية النحل والمحصورة داخل العقود والدوائر وما إليها، وطبعاً إضافة إلى شريط من الكتابات العربية ولا سيما «آية الكرسي».

خشبيات مدخل جامع سنان باشا

خشبيات الجامع الأموي

 

خشبيات مدخل جامع درويش باشا

وقد استمرت هذه الحال طوال القرن الثاني والربع الأول من القرن الثالث الهجري (٨-٩م)، أي طوال القرن الأول من عمر الدولة العباسية ١٣٢-٦٥٦هـ/٧٥٠-١٢٥٨م، وتُظهر قطعة خشبية مزخرفة بألوان نباتية تعود إلى هذا العصر -محفوظة في متحف دمشق- مثالاً مبكراً جميلاً. ولكن بعد ذلك أخذت التحف الخشبية العباسية تتأثر بأسلوب سامراء الثالث على الجص المميز بالبعد عن نقل الطبيعة نقلاً حرفياً، والمكون من زخارف نباتية محورة عن الطبيعة ومنفذة بطريقة الحز (الحفر) المائل العميق الذي يفصل عنصراً عن الآخر، وهي طريقة تحقق الحصول على مستويات متنوعة في سطح الخشب، وأساس الزخارف فيها الوريدات ذات المركز الواحد، والأشكال المجنحة، والوريقات ذات الفصوص الثلاثة، وبعض رسوم الطيور والحيوانات بين الأوراق، وقد انتشر هذا الأسلوب في زخرفة الأخشاب طوال القرنين ٣-٤هـ/٩-١٠م في العالم الإسلامي حتى أصبح من العسير في كثير من الأحيان تمييز الولايات التي صُنعت بها تلك القطع الخشبية.

 

التابوت الخشبي لتربة الصحابي خالد بن الوليد

التابوت الخشبي لتربة الخاتون عصمت الدين

 

برع سكان بلاد الشام في الحرف الخشبية، ومارسوا الزخرفة العربية الأصيلة في مشغولاتهم، كالحفر والتنزيل والتصديف والعجمي. وقد ازدانت القصور والبيوت القديمة في مدن بلاد الشام- كدمشق وحلب وحماة وغيرها- بالزخارف والنقوش الخشبية. واعتمدت الزخرفة الخشبية على العناصر الهندسية والنباتية والكتابية واستعمال الألوان فيها. وسادت العناصر الزخرفية في إظهار التفريعات النباتية بأسلوب الحفر الرأسي والعميق، ثم تمّ الاعتماد على الزخارف الهندسية اعتماداً كبيراً كالزخرفة النجمية السداسية المزخرفة بنقوش نباتية عُرِفت باسم الأطباق النجمية، وتكون غالباً على أبواب المساجد ومنابرها في دمشق وغيرها. ثم بدأ التطعيم الفسيفسائي من العاج وعظم الجمل والصدف على الخشب.

 

خشبيات القاعة الدمشقية (بيت مردم بك)

 

أما المرحلة التي بدأت سنة ٤٨٧هـ/١٠٩٤م واستمرت حتى نهاية سنة ٥٦٧هـ/١١٧١فهي من أكثر المراحل تطوراً، إذ صارت صناعة الخشب أكثر إتقاناً وصار الفنان أكثر ميلاً لزخرفة المساحات وأشكال الثمار مع المحافظة على إظهار التفاصيل؛ وعاد الفن لاستخدام الأوراق النباتية الطبيعية وأشكال الثمار مع المحافظة على تأثيرات طراز سامراء الثالث من أفرع معقدة وأنصاف أوراق. كما بدأ يظهر أسلوب آخر من الزخارف على الخشب وهو الزخارف الهندسية التي تقوم أساساً على الشكل النجمي الذي أطلق علية اسم «الطبق النجمي»، الذي يعد إضافة إسلامية خالصة في صناعة الأخشاب لم تلبث أن صارت بمنزلة هوية فنية وسمت العديد من منتجات الفن الإسلامي وميّزتها، وقد ظهر أسلوب الحشوات المجمعة في زخرفة الأخشاب عن طريق تجميع عدة حشوات صغيرة ذات أشكال نجمية أو سداسية، وعلى كل حشوة منها زخرفة قائمة بذاتها، ولكن على الرغم من هذا لم يُكتب للطبق النجمي الاكتمال إلا في العصر الأيوبي في مصر ٥٦٧-٦٤٨هـ/١١٧١-١٢٥٠م، وفي بلاد الشام ٥٧٠-٦٥٨هـ/١١٧٤-١٢٦٠م. و ظهر أول مرة مكتملاً في محراب المسجد الأقصى المصنوع في حلب في العصر السلجوقي في عهد السلطان نور الدين محمود بن زنكي على يد فناني أسرة ابن معالي الحلبية المشهورة بهذه الصناعة وذلك في سنة ٥٦٤هـ/١١٦٨م، ومن أجمل نماذج هذه الفترة السلجوقية الحاجز الخشبي لجامع المصلى بدمشق الموجود بمتحف دمشق، والمنبر الخشبي في الجامع النوري بحماة. ثم ظهر الطبق النجمي مكتملاً ثانية في تابوت الإمام الشافعي في القاهرة ٥٧٤هـ/١١٧٨م أيضاً على يد فناني الأسرة الحلبية ذاتها، وكذلك في تابوت الخاتون عصمت الدين الموجود في متحف دمشق.

 

الطبق النجمي الكامل المنبر الخشبي في جامع جراح - دمشق

 

كما يوجد في متحف الفن الإسلامي في القاهرة أيضاً ثلاثة محاريب خشبية متحركة تعود إلى القرن ٦هـ/ ١٢م، وأبدعها محراب السيدة نفيسة، الذي ازدانت حنيته بعناصر نباتية وأشرطة هندسية تكون أشكالاً متعددة الأضلاع. وله إطار مزين بالخط الكوفي المزخرف الذي يقترب إلى الخط النسخي.

وقد قدم أسلوب الحشوات المجمعة الذي لم يلبث أن انتشر في العالم الإسلامي إمكانية الاستفادة من القطع الخشبية الصغيرة المتبقية من استخدام الأخشاب الجيدة في أغراض النجارة، وذلك لأن القطع الخشبية الصغيرة يمكن أن تتمدد وتنكمش تبعاً لاختلاف درجات الحرارة من دون أن يؤدي ذلك إلى تقوّس الأدوات الخشبية وخرابها.

باب بيت دمشقي مصفح

وتعد صناعة الخشب في العصر الأيوبي تطوراً عن أساليب العصر الفاطمي؛ غير أن الخط النسخي بدأ يحل محل الخط الكوفي نهائياً، كما أن الحشوات ذات الزخارف النباتية ازدادت دقة وانسجاماً.

أما في العصر المملوكي ٦٥٨-٩٢٢هـ/١٢٦٠-١٥١٦م فقد استطاع النجارون أن يبدعوا إبداعاً معجزاً في زخارف الحشوات، وأصبح أهم مظهر لهذه الزخارف تجميعها على شكل أطباق نجمية، وفي القرن٧هـ/١٣م طُعِّمت الزخارف بالعظم والسن والعاج، واستعملت أخشاب ذات ألوان طبيعية مختلفة. كما ازدهرت صناعة المشربيات والكراسي والحواجز الخشبية للمقصورات في المساجد والدكك والمنابر، وأنتج أغلبها بطريقة الخرط التي عرفت وشاعت بهذا العصر. وكذلك شاعت المقرنصات الخشبية في كثير من العناصر المعمارية في دمشق كتيجان أبواب المنابر، والمقرنصات الحاملة لشرفات المآذن، وغير ذلك في الأعمدة والأثاث. ومن الأمثلة الرائعة في سورية: المنبر الخشبي في جامع جراح بدمشق، وتابوت الصحابي خالد بن الوليد في متحف دمشق.

وفي العصر الصفوي في فارس أبدع الصناع في زخرفة الأدوات الخشبية بألوان «اللاكيه» اللامع، مع استخدام المناظر التصويرية التي كانت شائعة في المخطوطات.

ومع النمو المطرد لأراضي الدولة العثمانية وامتداد فتوحاتها إلى أوربا ثم إلى مصر والشام ٩٢٣-١٣٣٨هـ/١٥١٦-١٩١٩م وبلاد العرب وشمالي إفريقيا شهدت صناعة التحف الخشبية نهضة ملحوظة ولا سيما في المواد الخام والأساليب الصناعية والزخرفية وأشكال التحف، فقد استخدم الصناع أنواعاً عديدة من الأخشاب في عمل التحف، ومنها أسلوب التطعيم الذي يعتمد على حفر أرضية السطح الخشبي المراد زخرفته، وبعد ذلك يتم تنزيل القطع الصغيرة ولصقها بالغراء ثم يتم صقلها وتلميعها.

الأبواب الخشبية في الخزائن الجدارية للقاعة الدمشقية المصاريع الخشبية في القاعة الدمشقية

 

وقد كثر في هذه الفترة استخدام طريقة التطعيم بالعاج والأبنوس أو الصدف، وهي الطريقة التي عرفت لدى العثمانيين باسم «صدفكاري»، إضافة إلى استخدام عظم درع السلحفاة في تطعيم الأخشاب. وكان النجارون يستخدمون طريقة التطعيم بحفر الزخرفة على سطح التحف المراد تطعيمها، وتُثبَّت بداخل الزخرفة المحفورة مادة التطعيم، واستخدمت أيضاً طريقة التطعيم «الكاذب» الموزاييك، وذلك بإضافة طبقة خارجية من مادة التطعيم (قشرة) تلصق على سطح التحفة من دون حفر. أما من حيث الأساليب الزخرفية فيلاحظ أن بعض زخارف هذه التحف جاءت انسجاماً مع التطور الزخرفي الذي مر به الفن العثماني في النصف الثاني من القرن ١٠هـ/١٦م من حيث استخدام العناصر النباتية المحاكية للطبيعة من أفرع وأوراق وأزهار وثمار وورود، إلى جانب العناصر المحوّرة والمجردة من طراز الرومي وطراز الهاتاي. كما شهدت هذه الفترة تطوراً ملحوظاً من حيث أشكال التحف ولاسيما كراسي المقرئين وكراسي المصاحف، فضلاً عن صناديق المصاحف التي انفردت مجموعة منها باتخاذها هيئة بعض العناصر المعمارية ولا سيما القباب الضريحية السلجوقية والمملوكية بأشكالها المختلفة وما يحويه ظاهرها من زخارف.

حشوة خشبية بزخارف محفورة حشوات خشبية فاطمية

وبوجه عام قدم الفنانون المسلمون إلى صناعة الأخشاب إضافات لم تسبق، فقد قدم أسلوب الخرط للقضبان الخشبية (البرامق) منذ العصر المملوكي فوائد اقتصادية حين أتاح للنجارين في بلدان العالم الإسلامي الفقيرة عموماً بالأخشاب الاستفادة من القطع الخشبية الصغيرة، كما أسهم الفنانون المسلمون في تعزيز الإبداع الفني لخدمة أغراض مختلفة، ومنها أهداف اجتماعية حين ساهمت المشربيات في ستر داخل البيت الإسلامي وتحقيق قدر كبير من الخصوصية حيث يرى من بداخل المسكن من في خارجه من دون أن يُرى؛ إذ تتيح نوافذ المشربيات للنساء داخل المنزل مشاهدة الطريق العام وتلمس نسمات الهواء من دون أن يلمحهن المارة لاختلاف كمية الإضاءة بين خارج المنزل وداخله.

كما أضاف فن تطعيم الخشب بالعظم والسن والعاج والصدف الذي ابتكره أيضاً النجارون المسلمون إلى منتجاتهم خصوصية وشخصية فنية؛ إذ لم يعد الاعتماد في إبراز الجماليات على الزخارف المحفورة وحدها، وإنما أضيف إلى ذلك البعد اللوني الذي لم يكن معروفاً قبل ذلك.

خشبيات مئذنة جامع خوبان - دمشق

 

كما تنوعت السقوف الخشبية في العمارة الإسلامية، وفاضت الوثائق بذكر العديد من المصطلحات، مثل «مسقف نقياً» أي من الخشب المستورد، أو «مسقف غشيماً» أي من الخشب البلدي أو من جذوع النخل، أو «مسقف غرد» أي من البوص، كما ترد مصطلحات عديدة لأنواع التسقيف التي تدل على شكل السقف أو طرازه، مثل «مسقف سكندرياً»، أي ذي كمرات (جسور) طولية بينها ألواح، و»مسقف شامياً»، أي السقف ذي الجسور الطولية ولكن بينها عروق صغيرة عرضية. وقد أبدع الفنانون بزخرفة هذه الأسقف وتلوينها حتى صارت لوحات فنية تبهر المشاهدين ولا سيما في بلاد الشام حيث نُفذت أغلب هذه الزخارف بـــ «فن العجمي» المشهور الذي لقي تطوراً كبيراً في العصر العثماني، وهي حرفة يدوية تعتمد على الزخرفة الهندسية والنباتية والكتابية وإكسائها بعجينة سميكة تطلى بالألوان بعد جفافها فتظهر بارزة أو ملساء. وقد استخدمه الحرفيون في بلاد الشام ولا سيما في دمشق وحلب وحماة وغيرها في كثير من مساجدهم ومدارسهم وقصورهم وبيوتهم العريقة؛ كالأسقف الموجودة في دكّة المبلغ في الجامع الأموي وجامع سنان باشا، وأسقف القاعة الشامية بمتحف دمشق وجدرانها، وفي قصر أسعد باشا العظم وبيت خالد العظم وغيرها الكثير.

وقد تنافس الفنانون المسلمون بصناعة الأبواب الخشبية، فتم الحفر عليها بزخــارف بارزة أو غائرة أو مفرغة أو مكسوة بصفائح النحاس المطروق أو بحليات من البرونز المصبوب بتصميمات هندسيـة أو نباتيـة، وهو ما يُشاهد في أبواب المساجد والمدارس المملوكية في مصر والشام.

صندوق خشبي مطعّم بالموزاييك

 

فاطمي
عجمي كرسي المقرئ في المسجد

 

ومن الأبواب القديمة أيضاً باب الجامع الأزهر الذي أمر الحاكم بأمر الله بصناعته، ويحتفظ به الآن متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، وكذلك باب البيمارستان النوري بدمشق المؤرخ سنة ٥٤٩هـ/١١٥٤م والذي يُعد أقدم الأبواب المصفحة الباقية في مدينة دمشق، كما يحتفظ الجامع الأموي بعدد من الأبواب المملوكية البديعة، وكذلك باب جامع تنكز. كما تعد الأبواب الخشبية في تربة السلطان سليمان القانوني بمدينة إسطنبول (٩٧٤هـ/١٥٦٦م) من أهم النماذج التي أُنتجت خلال الفترة العثمانية، وكذلك في دمشق ظهرت نماذج رائعة من الأبواب الخشبية كأبواب التكية السليمانية وباب جامع درويش باشا وباب جامع سنان باشا وأبواب قصر وخان أسعد باشا العظم وأبواب وشبابيك بيت خالد العظم ومردم بك. كما تعد الأبواب والحشوات الخشبية بقاعة الصدف في قصر يلديز- التي بنيت للسلطان عبد الحميد الثاني- من أهم نماذج أشغال الصدف التي ترجع إلى القرن ١٣هـ/١٩م.

كما تعد المنابر وصناديق المصاحف وكراسيها وكراسي المقرئين وغيرها من التحف الأخرى -بما تزدان فيه من الأشرطة الزخرفية والأطباق النجمية أو أشكال المعينات التي تعج بها المتاحف في العالم- منتجات مميزة تظهر الشخصية الإسلامية المتفردة لفن صناعة الأخشاب في العصر الإسلامي ولا سيما متحف دمشق، الذي يوجد فيه القاعة الشامية (مردم بك) المزدانة بالجداريات والأثاث المتنوع الرائع.

غزوان ياغي

 

 


التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 515
الكل : 31257706
اليوم : 5894