logo

logo

logo

logo

logo

التنور (خربة-)

تنور (خربه)

-

 التنّور

التنّور (خربة -)

 

 

تقع خربة التنّور جنوبي الأردن على قمّةٍ جرداء في الجهة الجنوبية من شعب جبلٍ حمل هذا الاسم في العصر الحديث، وتبعد نحو ١٠ كم شمالاً من خربة الذَّريح [ر] ونحو ٣٠ كم جنوباً من مدينة الكرك . ويقع هذا الجبل الذي يبلغ ارتفاعه ٧٠٠ م عن سطح البحر عند ملتقى وادي الحسا ورافده وادي اللعبان على بعد نحو ١ كم شرقاً من الطريق القديم الممتد من دمشق شمالاً إلى أيلة (أيْ العقبة) جنوباً، والمعروف باسم طريق الملوك أو الطريق السُّلطاني King’s Highway.

وكان اكتشاف الموقع - الذي يوصل إليه بوساطة ممرٍّ حُفر جزءٌ منه في الصخور- على يد ضابطٍ في الشرطة الأردنية، وسرعان ما زاره غلوك N.Glueck عام ١٩٣٦ فأدرك أنه واحد من أهم المزارات الدينيّة التي خلّفها الأنباط، ويدلّ على ذلك كثرة مذابح القرابين ومجامر البخور، ومخلّفات التقدمات. ولذا تولّى غلوك إدارة بعثة أثرية مشتركة من الباحثين الأمريكيِّين والأردنيِّين نقّبت هناك في مواسم متتالية.

 

يشغل الحرم في هذه الخربة القمّة المنبسطة بأجمعها، ويشمل معبداً ورواقَين معمَّدين في الشمال والجنوب وحجراتٍ ومقاعد للولائم الدينية Triclinia حيث تؤكل لحوم القرابين. ويضمّ المعبد حمى Temenos مبلّطاً، يتم الدخول إليه من الشرق عبر بوّابة واسعة، وفي داخله المَقدِس Cella المُسوّر، وهو ذو شكل مربّع طول ضلعه نحو ١٥ م، وفي وسطه مذبح مربّع على هيئة صندوق طول ضلعه ٥,٣م.

أعاد غلوك تاريخ هذا المعبد النبطي – الذي قد يكون مسبوقاً بمعبدٍ أدومي لم يبق شيء من آثاره - إلى أواخر القرن الثاني ق.م، وذهب إلى وجود تأثير بارثي وهلنستي في مخطط بنائه وفي ما يحويه من منحوتات وزخارف. وذكر أنّه بُني في ثلاث فترات متتالية، فكان الحمى في أولاها (الممتدّة من بدء القرن الأول ق.م حتى عام ٢٥ أو ١٠ ق.م) محاطاً بجدارٍ منخفض، ويضمّ مذبحاً مربعاً مزخرفاً من الخارج طول ضلعه١.٥م وارتفاعه ١.٧٥م، وهو مملوء بطبقات من الرّماد والجصّ، ثم أُقيم أمامه -قبيل انتهاء هذه الفترة- رصيف مبلّط فوق سطحٍ مدرَّج خلّف كِسَراً من الخزف النبطي الرقيق، وأُخفِيَ تحته صندوقان صغيران يحويان بقايا محروقة من القرابين الحيوانية . ولمّا عُثر في الموقع على نقش نبطي يقول فيه كاتبه إنه بنى المبنى في السنة الثانية من حكم حارثة الرابع (٩ق.م – ٤٠ م)؛ حيث جعل غلوك ذلك التاريخ أيْ عام ٧ ق. م بداية الفترة الثانية التي تمّ فيها بناء معظم المعبد، وكذلك واجهة المَقدِس بما فيها من أعمدةٍ نبطية تحمل تيجاناً، كما أُقيم مذبحٌ حول المذبح الأول ونُحتت على الجانب الشرقي من مدخله حليّ معمارية ورديّة الشكل. أما الفترة الثالثة التي اقترنت بدايتها بزوال الدولة النبطية ونشأة الولاية العربية Provincia Arabia عام ١٠٦م فقد بُني فيها مذبحٌ جديد مُغلق حول مذبح الفترة الثانية. اعترض بعض الباحثين على هذا التسلسل الزمني، ومنهم ستاركي J.Starcky الذي أعاد المبنى كله إلى الفترة الثانية.

حرم معبد خربة التنور

يشاهد المرء في الإفريز المعمّد بأعمدة تعلوها تيجان نبطية مزخرفة، والذي يعلو واجهة الحرم؛ تماثيل ومنحوتات نافرة لآلهةٍ في صورة زوجين أيْ ذكرٍ وأنثى، ولكنها ليست مصحوبة بنقوش تحدّد هوية أصحابها. ويرى الباحثون أنّ زخارف الأشكال المختلفة والرموز المرافقة لها – كسنابل القمح وأوراق الأكانثوس acanthus والصولجان والدلفين والأسد والنّسر والثور والأفعى - تدلّ على الصفات والأوجه المتعدّدة لآلهة الأنباط؛ فالأنثى منها هي إلهة النبات والخصب لأنها محاطة بالثمار وأوراق الأشجار ويعلوها نسرٌ باسط الجناحين، وإلهة البحر أو الدلفين لأن دلفينين اثنين يتواجهان على غطاء رأسها، وإلهة السموات والأفلاك في منحوتٍ قيل: إنه يُمثّل إلهة النصر الإغريقية نايكي Nike حاملةً سعفة نخلٍ وقرن الخصب ولها جناحان، وفي منحوتٍ ثانٍ تظهر فوق رأسها دائرة البروج الفلكية موزّعةً على نصفين؛ ستة منها على اليسار لبروج الصيف، وهي من الأعلى إلى الأسفل: الحَمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والعذراء؛ وستة على اليمين لبروج الشتاء، وهي من الأعلى إلى الأسفل: الميزان والعقرب والقوس والجدي والدّلو والحوت، ويتوسط الدائرة أنثى قيل: إنها إلهة الحظ الإغريقية تيكه Tyche. وقد اختلف الباحثون في تحديد هويتها؛ فهي أترغاتيس[ر] عند غلوك، واللات[ر] عند هاموند Ph.Hammond، والعزّى عند فوزي زيادين، وأيّاً ما تكن فإنّ تلك الصفات والرموز تعود كلها – كما يقول غلوك - إلى الإلهة الكبرى عند الأنباط .

تمثال أترغاتيس آلهة الخصب والثمار عند الأنباط عثر عليه في خربة التنور عام 1936

أمّا الإله فيُرى شاباً ملتحياً جالساً على عرشه مطوّقاً بلبدة الأسد حاملاً في يده حزمةً من البرق ومحاطاً بثورين، ويُرى كذلك في تمثالين نصفيَّين – خُرّبَ رأسُ أحدهما - شاباً مرتدياً لباساً إغريقياً، ويظهر خلف كتف الأول صولجانٌ مزيّن بأفعى وخلف كتف الثاني قيثارةٌ لها سبعة أوتار. اتفق الباحثون على أنه قرين الإلهة المذكورة؛ ولكنهم اختلفوا في تحديد هويته أيضاً، فقيل: إنه هرمس- مركوري Hermes-Mercury، وقيل: هو قوس- زيوس، وقيل: إنه أدد- زيوس، وهو صنوٌ لذي الشرى إله الأنباط الأكبر. ونتج من ذلك نسبة المعبد إلى آلهةٍ مختلفة؛ فهو لذي الشرى تارةً ولأترغاتيس- أفروديت تارةً أخرى ولقوس تارةً ثالثة. ومردّ هذا الاختلاف إلى أمرين، أحدهما: أنّ الصفات والخصائص والرموز مشتركة بين بعض الآلهة ممّا يعني صعوبة الجزم في تحديد هويتها، والآخر: أنّ الباحثين يقارنون نمط المعبد والمكتشفات الأثرية في هذا الموقع بما يرون أنه يناظرها أو يشابهها في المواقع النبطية الأخرى كخربة الذريح، ومعبد الأسود المجنّحة ومعبد قصر البنت في البتراء، ومعبد وادي رم شمالي العقبة، ومعبدَيْ سيع قرب السويداء وسواها؛ وبنظائرها البارثيّة والهلنستية وفي الحضر Hatra كذلك، فتنتهي تلك المقارنات إلى نتائج مختلفة.

ويظهر أنّ الزلزال الذي وقع عام ٣٦٣ م ألحق دماراً كبيراً بهذا الموقع، فهُجر زمناً حتى جاءته جماعات متفرقة من سكان المنطقة لتبحث فيه عن مواد يمكن الاستفادة منها، ثم طواه النسيان حتى اكتشافه في العقد الرابع من القرن العشرين.

رفعت هزيم

مراجع للاستزادة:

-N.Glueck , Deities & Dolphins, The Story of the Nabataeans, New York 1965.

-J.Starcky , Le temple nabateen de khirbet Tannur. Revue Bib-

lique 75 (1968) , pp. 206-235 .


التصنيف :
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1075
الكل : 45602865
اليوم : 3548