عُرف اليمن في المصادر الكلاسيكية باسم العربية السعيدة Arabia Felix، وقد شغل معظم جنوبي الجزيرة العربية، والحديث عن تاريخه القديم إنما يعني الحديث عن موطن العرب وعمقهم التاريخي ومصدر حراكهم البشري عبر الهجرات الجماعية والفردية قبل الإسلام وفي أثنائه وآخر أشكاله فتوح الشام والعراق ومصر.

"/>
يمن (تاريخ قديم)
Yemen - Yémen

التَّاريخ القَدِيم

التَّاريخ القَدِيم

 

عُرف اليمن في المصادر الكلاسيكية باسم العربية السعيدة Arabia Felix، وقد شغل معظم جنوبي الجزيرة العربية، والحديث عن تاريخه القديم إنما يعني الحديث عن موطن العرب وعمقهم التاريخي ومصدر حراكهم البشري عبر الهجرات الجماعية والفردية قبل الإسلام وفي أثنائه وآخر أشكاله فتوح الشام والعراق ومصر.

وقد أثبتت المسوحات الأثرية أنه كان منطقة استيطان بشري منذ أقدم العصور، فقد عثر فيه على دلائل العصر الحجري (القديم ـ الأوسط ـ الحديث) ولاسيما في المرتفعات الغربية ووادي حضرموت، وتؤكد الجهود الأثرية أن أهله مارسوا الزراعة في الألف الرابع ق.م في قيعان المرتفعات الغربية وعلى مشارف الصحراء الشرقية، وتشير المواقع الأثرية أن ثقافة العصر البرونزي انتشرت على نحو واسع في جنوبي الجزيرة العربية.

تتميز البيئة اليمنية بالتنوع والتعقيد، ففيها الصحاري العملاقة (الربع الخالي) والمرتفعات الجبلية والهضاب والأودية والسهول، وجميعها تحد من حركة السكان، بيد أن الإنسان اليمني القديم نزع إلى الاستقرار، فأسس المراكز البشرية التي نمت، وشكلت بنية تحتية لشعب متحضر.

 ومن أشهر الشعوب التي قادت التطور السياسي والحضاري في اليمن (سبأ وأوسان وقتبان وحضرموت ومعين وحِمْـيَر).

اللغة والكتابة

تحدث أهل اليمن القديم باللغة العربية اليمنية القديمة، وهي من أسرة لغات الجزيرة العربية، وتعدّ جذراً من جذور اللغة العربية الفصحى، ومن أهم لهجاتها لهجة سبأ التي كُتب بها أغلب نقوش اليمن القديم المعروفة حتى اليوم، ولهجة قتبان ولهجة حضرموت ولهجة معين.

وكتب أهل اليمن لغتهم بالخط المسند، ويتكون من 29 حرفاً، وتنقش الكلمات على الأحجار، يفصل بينها بخط عمودي، وقد اشتّقت بعض الأقوام العربية في وسط الجزيرة العربية وشماليّها كتاباتها من هذا الخط، وتأثرت به، كما كتب أهل اليمن على الخشب بخط آخر متصل الحروف مشتق من خط المسند يسمى (خط الزبور) أو الخط الشعبي.

الديانــة

اهتم اليمنيون القدماء بعبادة الآلهة ذات الطبيعة الكونية لتوقهم الدائم إلى السماء، فأغلبهم يعيشون على مشارف الصحراء وفي قمم الجبال، وأغنت الرمزية الفكرية في الديانة اليمنية عن تجسيد الآلهة بالتماثيل، ومن أهم الآلهة في اليمن (الإله القمر ـ الإلهة الشمس ـ الإله الزهرة).

وقد عُرف إله القمر في دولة سبأ باسم إل مقة، وفي دولة قتبان باسم عم، وفي دولة حضرموت باسم سين.

وعُبدت الشمس في اليمن باسمها شمس أو بالصفات الدالة عليها، أما الإله عثتر فيعدّ إلهاً قومياً للجزيرة العربية عموماً، وقد عُبد عثتر (الزهرة) في اليمن إلهاً ذكراً، ويأتي ذكره في مقدمة نقوش الدعاء، وله علاقة بالسقي والمطر.

على الرغم من أن النقوش اليمنية تُصنف بأنها نقوش نذرية دينية فإنها تعكس الصفة النفعية لآلهة اليمن القديم إذ تكثر نذور الحمد والشكر، وتقل نقوش الدعاء، وهذا يعني أن المتعبد كان يقدم النذر بعد ما يعتقد أن الإله قدّم له منفعة مثل حصوله على الثمار الوافرة أو ارتزاقه الأبناء الأصحاء، وقد بنى أهل اليمن لآلهتهم معابد كثيرة، أكبرها وأشهرها محرم بلقيس (معبد أوام) الخاص بالإله السبئي (إل مقة) سابقاً في العاصمة مأرب.

الزراعــة

كانت الزراعة في اليمن منذ الألف الرابع ق.م تقريباً الحرفة الرئيسة للسكان كما هي الحال اليوم، وتؤكد الآثار والنقوش عراقة هذه الحرفة ومهارة العاملين فيها، وتنم على معرفة شاملة بأنواع التربة والسقي ومواسم البذر والحصاد ومواقيت المطر، وهناك نقوش قانونية تنظم أمور الزراعة كالملكية والشراكة في الأرض والمياه، وتشير أخرى إلى أنواع المزروعات وأهمها الحنطة والشعير والنخيل والعنب… وغيرها.

لأهمية الزراعة في اليمن القديم فقد قامت جميع الدول وعواصمها على ضفاف الأودية الزراعية، وتتجلى إبداعات تلك الدول في قدرتها على استغلال أراضيها وإدارة الري ومستوى التحكم والتصريف لمياه السيول.

مقومات الدولة ونظام الحكم:

كان الاشتراك في اللغة والعقيدة الدينية والفن والزراعة والتجارة والتحالفات الاجتماعية والسياسية من أهم مقومات الدولة في الحضارة اليمنية، وقد عرف اليمن القديم نظام الحكم الوراثي؛ أي وراثة الابن أباه في السلطة، بيد أن الحاكم لم يكن مطلق السلطات، فالنقوش القانونية تؤكد وجود مجالس تشريعية عرفت باسم مسود كانت تشارك الحكام في إصدار القوانين التي تنظم حياة المجتمع، وفي النصف الأول من الألف الأول ق.م تلقب حكام اليمن بلقب «مكرب» ومن معانيه المقرب بين الناس والآلهة أو (الموحد والمجمِّع)؛ ومن ثم فهو الزعيم السياسي والديني للشعوب التي تؤلف دولته، وبعدها انتقل الحكام إلى اللقب (ملك).

ويمكن تقسيم التاريخ اليمني القديم إلى مرحلتين:

أولاً: مرحلة التنوع

تمتد هذه المرحلة من نهاية الألف الثاني ق.م إلى نهاية الألف الأول ق.م وأبرز سماتها:

 ـ ازدهار الحضارة اليمنية في مشرق اليمن: نشأت وتزامنت الدول اليمنية في الأودية الشرقية، وتنوعت إمكاناتها الاقتصادية وأهمها:

ـ دولة سبأ: هي أقدم الدول اليمنية وأهمها، نشأت في وادي سبأ (وادي أَذَنَة)، وعاصمتها الشهيرة مأرب أكبر المدن القديمة في اليمن، ومن مدنها صرواح وصنعاء التي أسسها السبئيون في نهاية عصرهم في أعلى المرتفعات الغربية، وأصبحت منذ 22أيار/مايو1990م العاصمة السياسية لليمن الموحد.

وتميزت سبأ بإمكانات زراعية كبيرة، وخصها الله تعالى (بسورة سبأ) في القرآن الكريم وأشار إلى إمكاناتها الاقتصادية بقوله: ]لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُور[ (سبأ 15).

كما أشار إلى ملكة سبأ واحتكامها للشورى وعلاقتها بالنبي سليمانu بقوله تعالى: ]قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ[ (النمل 32 ـ 34).

ـ دولة أوسان: قامت على وادي مرخة، ويتسم تاريخها بالغموض، ولكنها كانت على علاقة تجارية بالقرن الإفريقي عبر مينائها الرئيس عدن، ويرد في النقش السبئي المعروف باسم (نقش النصر) الذي يعود إلى نهاية القرن الثامن وبداية القرن السابع ق.م ما يفيد أن دولة أوسان سيطرت على أغلب أراضي جارتيها دولتي حضرموت وقتبان، ودخلت في صراع مع دولة سبأ أيام الحاكم السبئي (كرب إيل وتر) فهزمت وانتهت على إثره.

ـ دولة قتبان: قامت مملكة قتبان على وادي بيحان وحريب إلى الغرب من دولة حضرموت وإلى الجنوب من دولة سبأ، وتكمن أهميتها في أن أشجار المر كانت تنمو في أراضيها، وكانت عاصمتها (تَمْنَع) من المحطات التجارية المهمة على طريق البخور، ويعدّ سوق شمر في وسطها من أهم الأسواق العربية القديمة وأقدمها إذ كان البيع والشراء فيه يتم وفقاً لقانون مدون على مسلة من الحجر منتصبة في وسط السوق، وأهم ما جاء فيه تحديده حقوق التجار القتبانيين والأجانب وواجباتهم.

 ـ دولة حضرموت: تقع إلى الشرق من دولتي قتبان وسبأ، وكانت أكبر الدول اليمنية مساحة إذ ضمت وادي حضرموت، وامتدت شرقاً حتى أطراف جبال عمان، وامتلكت سواحل طويلة على البحر العربي، من أشهر موانئها على هذا البحر ميناء (قَنأ = بير علي) الذي كان يستقبل السفن من الهند والبحر الأحمر والقرن الإفريقي.

وتكمن أهمية حضرموت في أنها أرض اللبان إذ تنمو أشجاره فيها في إقليم المهرة وظُفار، وارتبطت بها كبرى الجزر العربية اليمنية في البحر العربي جزيرة سقطرة، ومن أشهر مدنها عاصمتها شَبْوة، وقد انتهت دولة حضرموت على يد بني ذي ريدان (الحميريين)، وأصبحت جزءاً من دولة الوحدة في نهاية القرن الثالث الميلادي.

 ـ دولة مَعِيْن: تقع في منطقة الجوف إلى الشمال من دولة سبأ، وقد تكونت من مجموعة من المدن التجارية على امتداد وادي مذاب، وعاصمتها قرناو، واستغل المعينيون أراضيهم التي تتميز بخصوبة التربة ووفرة المياه بالزراعة كما برعوا في استغلال موقعهم شمالي اليمن بالمتاجرة مع شمالي الجزيرة ومراكز الحضارات الأخرى، وأسسوا لهم جاليات تجارية في دادان (العلا حالياً) في شمال الجزيرة العربية.

 ـ إدارة التنوع في اليمن القديم: استطاعت دولة سبأ أن تفرض نفسها أساساً متيناً للحضارة اليمنية القديمة ولاسيما بعد إنجاز سد مأرب، أعظم مشروع اقتصادي عرفه العرب في تاريخهم القديم إذ وفّر هذا السد بإروائه الجنتين في مأرب غذاء السبئيين، فجعل تجارتهم في حدود تجارة القوافل الخفيفة (ما خفّ وزنه، وغلا ثمنه) ومن ثم مصدراً يدرّ الثروة، وكانت الدول الأخرى (أوسان ـ قتبان ـ حضرموت ـ معين) أقل شأناً، فلا تقوى إلا بضعف سبأ، وقد نجحت دولة سبأ في توحيد اليمن القديم في عهد المكرب السبئي (كرب إيل وتر) في نهاية القرن الثامن ق.م، وكسرت هذه الخطوة حواجز العزلة، وقللت من مسألة التمايز التي تفرضها الجغرافيا، وفي النصف الثاني من الألف الأول ق.م، دخلت سبأ مع الدول اليمنية المتزامنة معها في تكامل اقتصادي عزز الإطار الحضاري الواحد لليمن القديم.

 ـ التكامل الاقتصادي للدول اليمنية القديمة: تميّز اليمن بموقع مهم وملائم لقيام تجارة مزدهرة بحكم إطلاله على بحرين من بحار التجارة العالمية، هما البحر الأحمر والبحر العربي، فموقعه محور ارتكاز الطرق التجارية البرية والبحرية للجزيرة العربية، وقد اكتشف أهل اليمن أهمية الموقع، وعملوا على استثماره اقتصادياً، فتمرسوا في التجارة وأجادوا الربط بين العمل على الإنتاج والبحث عن الأسواق، وتنبهوا إلى ما تجود به بلادهم من منتجات زراعية تجارية مثل اللبان والمر والصبر والعنبر وغيرها، ونجحوا في ربط جنوبيّ الجزيرة العربية بالمراكز الحضارية للمشرق العربي والبحر المتوسط، وفرضوا أنفسهم مصدرين لمنتجاتهم ووسطاء لمنتجات الهند والقرن الإفريقي عبر الطريق الذي عرف باسم أشهر منتجاتهم (طريق البخور)، ويبدأ من حضرموت الموطن الأصلي للبان ـ وعاصمتها شَبْوَة ـ ومن هناك يأخذ الطريق مساره ماراً بجميع عواصم اليمن القديم، فمن شَبْوَة إلى تَمْنَع عاصمة قتبان، ومنها يتجه شمالاً إلى مأرب عاصمة سبأ، ومنها إلى قرناو عاصمة معين وبقية مدنها التجارية في الجوف، ومنها إلى مدينة نَجْران، ومنها يتفرع اتجاهان: طريق يتجه إلى الجرهاء (لعلها المقير) على الخليج العربي عبر قرية الفَاو عاصمة مملكة كِنْدة. أما الطريق الرئيس فيواصل سيره شمالاً في الجهة الغربية للجزيرة العربية ماراً بيثرب، ومنها إلى دادان (العلا حالياً)، ومنها إلى البتراء عاصمة الأنباط، ومنها إلى غزة وبقية مدن الشام التجارية.

 ـ العلاقات الخارجية: كان اليمنيون أصحاب تجارة وسلام في القرن الإفريقي وآشور وبلاد الشام ومصر واليونان، ولهذا حرصوا على اجتياز مضيق باب المندب والاتصال بالقرن الإفريقي. وتشير الدلائل الأثرية والنقشية وأسماء الأماكن والآلهة الحبشية إلى أن التجار اليمنيين نقلوا حضارتهم إلى الحبشة وأن الحضارة الحبشية بنت شرعية للحضارة اليمنية القديمة، فخط المسند اليمني القديم لا يزال أثره في الكتابة الحبشية حتى اليوم.

وقد تاجر اليمنيون بمنتجاتهم ومنتجات القرن الإفريقي مثل العاج وصدف السلاحف وأنياب الفيل كما تاجروا بمنتجات الهند وعلى رأسها التوابل.

وأشارت الحوليات الأشورية للعلاقات السلمية بين آشور واليمن؛ إذ يذكر الملك الآشوري سرجون الثاني (720ق.م) أنه تلقى هدايا من الذهب والأعشاب والأحجار الكريمة من الملك السبئي(يَثَعَ أَمَر)، واستقبل الملك الآشوري سنحاريب (685ق.م) ممثلاً للحاكم السبئي (كَرْب إيل وَتَر) وهدايا من الطيوب والأحجار الكريمة لضمان سلامة القوافل التجارية السبئية في غرب الفرات.

وارتبطت اليمن بعلاقات تجارية مع مصر القديمة عبر البحر الأحمر، إذ تتحدث الوثائق المصرية القديمة عن رحلات للأسطول المصري باتجاه جنوب البحر الأحمر لجلب السلع المقدسة للمعابد المصرية وعلى رأسها البخور. وفي العصر البطلمي ترك التجار اليمنيون بعض نقوشهم في مصر، ومنها النقش الذي نحت على تابوت خشبي لتاجر معيني كان يمول المعابد المصرية بالمنتجات اليمنية وأهمها البخور والمر، وقد تحملت تلك المعابد نفقات دفنه على الطريقة المصرية.

وهناك نقوش يمنية مَعِيْنِيَّة متفرقة تتحدث عن التجارة مع آشور ومدن الشام مثل صيدا وصور، كما عُثر في اليمن على بعض المنتجات الزجاجية والخرز المستورد من سورية ومصر، وكان التجار الأجانب أحياناً يحضرون بعض الاحتفالات الرسمية؛ إذ شارك تجار من الهند ومن تدمر في احتفال لأحد ملوك حضرموت.

وعثر في اليمن وبعض الجزر اليونانية على لقى أثرية تؤكد التواصل التجاري والحضاري بين اليونان واليمن، كما عثر على نقوش لتجار يمنيين في جزيرة ديلوس (DELOS) اليونانية، وقد تحدثت المصادر اليونانية والرومانية عن رواج التجارة اليمنية وثراء اليمن القديم، وحفز ذلك اليونانيين منذ زمن الإسكندر على التخطيط للسيطرة على تجارة الجزيرة العربية.

وقد مارس البطالمة الحصار الاقتصادي للتضييق على تجارة الجزيرة العربية، وهو ما فعله الرومان، وزادوا عليه، فبعد سيطرتهم على سورية 64ق. م ومصر 30ق.م جربوا الأسلوب العسكري؛ إذ وجهوا عام 25/24ق.م حملة رومانية بقيادة ايلوس جاللوس لغزو اليمن براً من الشمال والسيطرة على تجارته، بيد أن الحملة أخفقت في تحقيق هدفها بفعل المقاومة العربية لها على طول الطريق الصحراوي وصمود المراكز الحضارية اليمنية وتحصيناتها فضلاً عن وعورة الطرق وحرارة المناخ التي أرهقت الغزاة قبل وصولهم إلى جنوبيّ الجزيرة العربية.

ثانياً: مرحلة الوحـدة

تمتد هذه المرحلة من نهاية الألف الأول ق.م إلى القرن السادس الميلادي، وأبرز سماتها:

ـ ظهور بني ذي ريدان (الحميريين): ظهر بنو ذي ريدان قوة فتية صاعدة في الزاوية الجنوبية الغربية من اليمن منذ عام 115ق.م، وهو التاريخ الذي اتخذوه بداية لتقويمهم المعروف بالتقويم الحميري، وبنوا قصرهم ريدان في عاصمتهم ظفار الواقعة ما بين صنعاء وعدن مستفيدين من الإمكانات الزراعية للمنطقة التي استقروا فيها ومتكيفين مع ازدهار التجارة البحرية من خلال مينائهم موشج Muza (مَوْزَع) في جنوب البحر الأحمر، وانتشار تجارتهم على طول الطريق التجاري البحري عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي.

ـ توحيد اليمن: دخل بنو ذي ريدان (الحميريون) في صراع مع السبئيين طوال القرون الثلاثة الميلادية الأولى على اللقب الملكي (ملك سبأ وذي ريدان) انتهى بانتصارهم وتوحيدهم الفعلي لسبأ وذي ريدان، واتجهوا إلى ضم حضرموت إلى دولة الوحدة، وتم لهم ذلك في نهاية القرن الثالث الميلادي، وتلقب ملكهم (شمر يُهَرْعِش ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنة)، وفي مطلع القرن الخامس الميلادي وصل ملكهم (أبو كَرْب أسعد) المعروف باسم (أسعد الكامل) إلى وسط الجزيرة العربية وضم أعراب نجد والحجاز وتهامة إلى دولة الوحدة، وتلقب باللقب الطويل (ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت وأعرابهم في الطود وتهامة).

ـ انتقال الثقل الحضاري من مشرق اليمن إلى غربيّه: بظهور بني ذي ريدان وتوحيدهم لليمن أصبحت عاصمتهم (ظفار) عاصمة العواصم اليمنية القديمة، وازدهرت إلى جانبها مدن أخرى في الزاوية الجنوبية الغربية من اليمن فضلاً عن الميناءين موزع وعدن.

ـ مقاومة الأطماع الأجنبية: دخلت الديانتان اليهودية والمسيحية إلى اليمن، وكان لزاماً على بني ذي ريدان (الحميريين) مقارعة أطماع الغزاة من الأحباش والرومان والبيزنطيين طوال القرون الخمسة السابقة للإسلام، فقد أدرك البيزنطيون خلفاء روما في المنطقة صمود الدولة اليمنية الموحدة في وجه الأطماع الاقتصادية الرومانية والحبشية ونجاحها في تأسيس مملكة كِنْدَة لإدارة القبائل العربية في وسط الجزيرة العربية وأطرافها، فقرروا تحريض الأحباش ودعمهم لغزو اليمن متذرعين بنصرة الدين المسيحي، وبعد معارك طاحنة دخل اليمن تحت الاحتلال الحبشي عام 525ـ575م، وذاق أهل اليمن مرارة الاحتلال وقسوته واستغلاله، وتصاعدت المقاومة العربية اليمنية ضد الاحتلال، واستطاعت بقيادة الملك سيف بن ذي يَزَن الانتصار على الأحباش ودحرهم.

وحاك الفرس مؤامرة قتل فيها الملك سيف بن ذي يزن ودخلت اليمن عام 598م تحت الاحتلال الفارسي، فتصاعدت المقاومة اليمنية ضد الاحتلال الجديد وأعوانه، وعند ما جاء الإسلام كان نفوذ الفرس في اليمن قد انحصر في صنعاء، وبعد دخول أهل اليمن الإسلام أصبح اليمن جزءاً من الدولة العربية الإسلامية، فخرج اليمنيون بآخر حراك بشري واسع إلى العراق والشام وشمال إفريقيا لنصرة الفتوحات الإسلامية ونشر الإسلام.

 نعمان أحمد سعيد العزعزي

 

 

 


- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - النوع : سياحة - المجلد : المجلد الثاني والعشرون، طبعة 2008، دمشق مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة