النصيرية
نصيريه
Nusayriyyah - Nusayriyyah
النصيرية
النصيرية
النصيرية طائفة شيعية تبجل الإمام علي بن أبي طالب حتى القداسة، نشأت في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي، تنسب إلى مؤسسها محمد بن نصير النميري الذي كان يؤمن بالإمام الشيعي العاشر «علي الهادي» (ت254هـ)، وكان ابن نصير التلميذ المفضل للإمام الحادي عشر «الحسن العسكري» (ت260هـ) الذي ائتمنه كما تروي الروايات النصيرية على وحيٍ جديد؛ مفاده أن يؤلف نواة عقيدة النصيرية، وقد أُطلق على هذه الطائفة في المصادر القديمة اسم النميرية، ولكن ابتداءً من القرن الخامس الهجري عرفت هذه الطائفة باسم النصيرية كما ورد في كتابات الأسترابادي وابن حزم والسمعاني والشهرستاني.
كشفت كتابات النصيرية عن أسماء تلامذة المؤسس الذي وضع أسس العقيدة النصيرية السرية، فقد خلفه محمد بن جندب الذي لا يُعرف عنه شيء سوى اسمه، أما تلميذه أبو محمد عبد الله الجنبلاني الجنّاني (البستاني) (ت287هـ) فيبدو أنه كان فارسياً هاجر من منطقة فارس إلى العراق (تقع جنبلا بين الكوفة وواسط)، ومن المرجّح أنه المسؤول عن إدخال بعض العادات الإيرانية في العقيدة النصيرية، ومنها تبني أعياد النيروز (وهو أول يوم من أيام السنة الشمسية عند الفرس) والمهرجان إذ يحتفل بهما النصيريون أيضاً، كما أورد أبو محمد عبد الله في مؤلفه كتاب «الأكوار والأدوار النورانية» العديد من النقول المتعلقة بتقويم الاحتفالات النصيرية.
كان قائد الطائفة النصيرية في ضاحية الكرخ جنوب بغداد أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي وكان شاعراً ذا موهبة كبيرة (وقد تم حفظ ديوانه)، ويبدو أنه كان يكسب رزقه في بلاط البويهيين [ر] في العراق وغرب إيران، وفي قصور الحمدانيين [ر] في الموصل وحلب، ومن الواضح أنه هو الذي نقل عقائد المذهب إلى شمالي سورية، وكان قد أهدى كتابه «الهداية الكبرى» إلى سيف الدولة الحمداني، توفي الخصيبي في حلب سنة 346هـ/957م، ويقع قبره شمال حلب، ولايزال النصيريون يجلونه حتى اليوم.
كان خليفة الخصيبي في حلب محمد بن علي الجلّي (من الجليّة عند مصب العاصي) الذي كان من الناجين عندما احتل الإمبراطور البيزنطي نِقْفور فوكاس Nicephorus Phocas سنة 358هـ/969م كيليكيا و أنطاكية ومن الإمبراطور تزيمسكس Tzimisces عندما استولى على الساحل السوري سنة 363هـ/975م، ومن المرجح أنه مات في حلب بعد سنة 384هـ.
أما أبو سعيد سرور بن القاسم الطبراني خليفة الجلي والملقب بالميمون المولود في طبريا وإليها نسبته فقد انتقل إلى حلب ثم غادرها إلى اللاذقية التي كانت حينذاك تحت السيطرة البيزنطية، وغدا المؤسس الحقيقي للطائفة النصيرية السورية. ووفقاً لما يرد في تاريخ العلويين، تبنى التنوخيون [ر] في اللاذقية العقائد النصيرية، كما لجأ الطبراني إلى هداية القرويين في الجبال الواقعة خلف المدينة. وتؤلف مؤلفات الطبراني الجزء الأكبر من تاريخ النصيريين المكتوب. توفي الطبراني في اللاذقية سنة 426هـ/1034م، ولايزال قبره موضع إجلال واحترام، ويقع داخل جامع الشعراني قريباً من المرفأ.
ومع أن تاريخ النصيرية غامض غير واضح، لكن المعروف أنّ الصليبيين احتلوا الجزء الغربي من أراضي النصيرية عندما استولى تانكريد Tancred النورماندي على اللاذقية بعد حصار طويل 496هـ/1103م، وأضحت المنطقة الشمالية مما يُسمى جبل النصيرية جزءاً من إمارة أنطاكية النورماندية، وفي عام 527هـ/1132م باع أمير الكهف قلعة قدموس للإسماعيلية النزارية أصحاب قلعة ألموت الذين تملكوا بعد ذلك العديد من القلاع في جنوب الجبل: الكهف، الخُريبة، مصياف ثم الخوابي والرصافة، أثارت إقامة الإسماعيليين في المنطقة أثارات صراعات مع النصيريين، ومع أنه عُقد في صافيتا سنة 690هـ/1291م مجلس ديني لإيجاد صيغة للصلح (التوحيد) مع الإسماعيليين، لكنه أخفق في التوصل إلى حل.
وفي عام 584هـ/1188م استولى صلاح الدين الأيوبي [ر] على جبلة واللاذقية وعلى حصون الفرنجة: صهيون وبلاطنس وهو حصن منيع بسواحل الشام مقابل اللاذقية من أعمال حلب، فغدا الجبل جزءاً من السلطنة الأيوبية.
في أواخر الحقبة الأيوبية قدمت قبائل بدوية من جبل سنجار يقودها الأمير حسن المكزون السنجاري [ر] واستقرت في الجبل، وكان قدومها استجابة لنداء من النصيريين لمساعدتهم في صد هجمات الإسماعيليين، فاجتاح الأمير السنجاري الجبل أول مرة سنة 617هـ/1220م، لكنه هُزم فانسحب إلى جبل سنجار ثم عاد سنة 620هـ/1223م واستقر نهائياً في منطقة أبي قبيس (شمال غربي حماة) ويقال إن من مجموعاته بزغت عشائر النصيرية الأساسية: الحدادية، والمتاورة، والخياطين، والكلبية وهم النواصرة أو الرشاونة. ومن فروعهم: المهالبة، والدراوشة، والنميلاتية، وأبو علي، والبشارغة، والحيدرية.
في العهد المملوكي استولى بيبرس البندقداري (658ـ676هـ) على حصون الإسماعيلية وقام بمحاولات عديدة لهداية النصيريين إلى المذهب السني، فمنع تلقين الشعائر النصيرية والدخول في المذهب، وأمر ببناء جوامع في كل منطقة. وبعد ثورة النصيرية عاد السلطان قلاوون (678ـ689هـ) وأمر مرة أخرى بمنع التبشير الديني وأمر ببناء جامع في كل بلدة ليضع السكان المحليين أمام الأمر الواقع، ولكن ابن بطوطة الذي زار المنطقة في القرن الثامن الهجري/الرابع عشر ميلادي أورد أن هذه الجوامع كانت كلها مهجورة. وقد أدانت فتوى ابن تيمية (ت728هـ/1328م) الشهيرة النصيرية، وأمرت بالجهاد ضدهم ويورد ابن قاضي شهبة في التاريخ عن حملة سنة 745هـ/1344م تمّ فيها مصادرة كتب تحتوي على العقائد النصيرية.
على الرغم من الاضطهاد بقيت الطائفة حية واستمرت نشطة حتى العهد العثماني، وعندما اجتاز الرحالة الألماني نيبور Niebuhr الجبل عام 1766م كان النصيريون محكومين من قبل أربعة مقدمين: في البهلولية قرب اللاذقية، وفي سومرين، وفي بلاد الشوابي، وفي صافيتا، وكانوا تابعين لباشا طرابلس. وفي سنة 1854 سيطرت الحكومة العثمانية على الجبل بطريقة غير مباشرة عن طريق تعيين قائد محلي اسمه إسماعيل بك حاكماً لمنطقة صافيتا ومنحته سلطة واسعة، فاتخذ من دريكيش مركزاً له؛ نجح في إنهاء النزاع المتواصل بين مختلف العائلات المتنافسة وأخضعهم لسلطته: لكن الحكومة لم تلبث أن عزلته سنة 1858 عندما رأت أنه أضحى قوياً وذا نفوذ كبير في المنطقة كما اجتاحت الجيوش العثمانية مناطق النصيرية عدة مرات ما بين عامي 1870ـ 1877 حتى نجحت أخيراً في تحطيم نفوذ العشائر وإقامة إدارة مباشرة فيها.
في سنة 1924 نشر نصيري من أضنة هو محمد أمين غالب الطويل قائد شرطة عدة ولايات كتابه «تاريخ العلويين» الذي تمّ فيه أول مرة استبدال التعبير «نصيري» بالتعبير «علوي» الذي غدا منذئذ متداولاً عامة، وكانت غايته من تأليف هذا الكتاب تحرير النصيرية مما علق بهم من شائعات تتهمهم بالهرطقة أو حتى بعبادة الأوثان، وأظهر حقيقة أنهم حقاً من الشيعة الاثنى عشرية. ومنذ ذلك الوقت تمّ تعيين قضاة من الجعفرية (الاثنى عشرية) في المدن الواقعة في المنطقة النصيرية.
بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وإقامة الانتداب الفرنسي على سورية قسمت مناطق النصيرية إلى ثلاثة أجزاء: كيليكيا التي تمّ النزول عنها للجمهورية التركية، وسنجق الإسكندرون الذي وضع تحت إدارة خاصة، وفي 30 أيلول/سبتمبر 1920 أقام الفرنسيون كياناً مستقلاً للعلويين ضم سنجق اللاذقية والقطاع الشمالي من سنجق طرابلس وجزءاً من قضاء مصياف، وفي 12 تموز/يوليو 1922 أُعلنت دولة العلويين لتؤلف مع دمشق وحلب اتحاد الدول السورية الفيدرالية، وفي بداية عام 1924 حُلّت الفيدرالية وغدت دولة العلويين دولة مستقلة يرأسها حاكم فرنسي وتألف مجلس من تسعة ممثلين لمختلف الأقليات (9من العلويين، 3من السنة، 3 من المسيحيين الأرثوذكس، وواحد من الإسماعيليين، وواحد يشمل بقية الطوائف المسيحية من الأقليات)، وفي عام 1930 أُعيد تسمية الدولة العلوية باسم حكومة اللاذقية، وفي 10 كانون الثاني/يناير 1937 تحولت إلى محافظة في دولة سورية الجديدة واستبدل بعَلَم العلويين (وهو شمس على خلفية بيضاء) العلم السوري المثلث الألوان وذي النجوم الثلاثة، وفي عام 1939 تنازلت فرنسا عن سنجق إسكندرون لتركيا.
يقع مركز النصيرية في سورية اليوم في جبل النصيرية المعروف حالياً باسم جبل العلويين، بين الحفة شمالاً وتل كلخ جنوباً، ومن هذه النواة انتشرت النصيرية وغطت أجزاءً من السهول المجاورة؛ السهل الساحلي غرباً، وسهل الغاب شرقاً وصولاً إلى سهل عكار في الجنوب الغربي؛ لكن المدن المحيطة بالجبل بقيت على الدوام ذات أغلبية غير علوية (اللاذقية، جبلة، بانياس، طرطوس، صافيتا، تل كلخ، حمص، مصياف، وحماة) وتتوزع أقليات علوية جنوب حمص في الهضبة الواقعة بين مصياف ونهر العاصي وشمال شرقي حماة، وفي منطقة معرة النعمان وإدلب وحلب ودمشق. وهناك أقلية علوية في لبنان تقطن إلى الجنوب مباشرة من الحدود السورية، أما ضمن الحدود التركية السورية الحالية فيقطن عدد كبير من هذه الأقليات في هضبة القصير، وأنطاكية، وسهل العاصي الأسفل بين أنطاكية وبين مصب النهر، والسهل الساحلي جنوب غربي الإسكندرون.
وقد تأسست مستوطنات نصيرية في كيليكيا منذ القرن التاسع عشر على الأخص في طرسوس وأضنة، وكذلك في المناطق المجاورة لهاتين المدينتين.
ماري شهرستان
الموضوعات ذات الصلة: |
الإسماعيلية ـ الإمامية الاثنا عشرية.
مراجع للاستزادة: |
ـ محمد أمين غالب الطويل، تاريخ العلويين
- The Encyclopaedia of Islam, New Edition, Article:Nusayriyya.
- SULAYMAN EFENDI, Al-Bakura al-sulaymaniyya fi kashf asrar al-diyana al-nusayriyya (Beirut 1864).
- R. DUSSAUD, histoire et religion des Nosairis. Paris 1900.
- R. STROTHMANN, Festkalender der Nusairier, in Isl., xxvii (1944-6).
- التصنيف : التاريخ - النوع : دين - المجلد : المجلد العشرون، طبعة 2008، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 706 مشاركة :