الإلغاء
الغاء
Abrogation - Abrogation
الإلغاء
إلغاء التشريع abrogation هو إنهاء قوته الملزمة فيبطل العمل به. وقد يعمد إليه الشارع للاستعاضة عنه بتشريع آخر، أو لزوال الحاجة إلى تنظيم موضوعه بالتشريع. والمراد بالتشريع هنا الدستور والقانون والقرارات التنظيمية وغيرها مما يوضع في حكم القانون.
وقد نصت المادة الثانية من القانون المدني السوري على أنه لايجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع. والنّص مأخوذ من القانون المدني المصري، وقد أخذ به القانون المدني الليبي والقانون المدني الأردني.
والحكم الذي يقرره هذا النّص هو أنّ واضع التشريع هو وحده الذي يملك حق إلغائه. فكما لا يُلغى الدستور إلا من الجهة التي نص عليها وبالصورة التي عينها، فالقانون لا يلغى إلا من الشارع والقرارات لا تلغيها إلا السلطة التي وضعتها. ومن المتفق عليه أن الأدنى من هذه التشريعات يتقيد بالأعلى ولا عكس. كما أن الأعلى منها يلغي ما هو أدنى ولا عكس. فالدستور يلغي القانون والقانون يلغي الأنظمة وقراراتها.
وحَصْرُ سلطة الإلغاء في الشارع، بالنص المتقدم، يمنع إلغاء التشريع بأحدِ أهمِّ مصادره وهو العرف، على خلاف ما ذهب إليه الفقيه الفرنسي الكبير جوسران، وبذلك يمتنع عدُّ التشريع ملغى بالترك والإهمال. والرأي مستقر على أن دولة الواقع التي تتمتع بكل السلطات فعلاً تملك سلطة إلغاء التشريع بكل درجاته، مهما كانت الوسيلة التي تولت بها الحكم من ثورة أو انقلاب أو ما يشبههما.
وإلى جانب تعيين صاحب سلطة الإلغاء الذي نصت عليه المادة الثانية من القانون المدني السوري، نصت هذه المادة على أن الإلغاء كما يكون صريحاً يكون ضمنياً كذلك.
فالإلغاء الصريح abrogation expresse يتم بالنص عليه صراحة كما نص القانون المدني على إلغاء مجلة الأحكام العدلية. وإن توقيت التشريع بزمن محدود يُعد إلغاء صريحاً له بانتهاء مدته كقوانين الإيجار التي صدرت في سورية سنة 1947 وما بعدها لمدة عام واحد.
أمّا الإلغاء الضمني abrogation tacite فله صورتان:
ـ اشتمال التشريع الجديد على نص يتعارض مع التشريع القديم، من غير النص على إلغائه، لعدم إمكان تطبيق تشريعين متناقضين في آن واحد. إلا أنه في هذا النوع من الإلغاء يجب اتفاق التشريعين الحديث والقديم في الخصوص والعموم. فإذا لم يتفقا في إحدى هاتين الصفتين كان الإلغاء محدوداً. فالعام يلغيه العام وكذلك الخاص يلغيه الخاص. ولكن إذا كان اللاحق عاماً يظل العمل بالخاص قائماً فيما وضع له على أنه استثناء من العام اللاحق. وإذا كان اللاحق خاصاً أُلغي من العام السابق ما جاء به وظل العمل سارياً بالباقي من العام.
ـ تنظيم التشريع اللاحق من جديد تنظيماً شاملاً ما كان سبق تنظيمه بتشريع قديم، كالدستور اللاحق الذي ينظم الوضع السياسي للدولة، فإنه يلغي الدستور السابق إلغاءً تاماً من غير النص على إلغائه، ومن غير النظر إلى ما بقي متوافقاً من حكميهما، أو من غير اشتمال الدستور اللاحق على حكم من أحكام السابق.
وعدا ما تقدم من وجوه الإلغاء الصريح والضمني فقد يلغى التشريع القائم بأحد أمرين:
ـ إلغاء ما كان موضوعاً له من القوانين والأنظمة كالأوقاف الذُّرّية مثلاً، فإلغاؤها يستتبع إلغاء القوانين والأنظمة التي سبق وضعها لتنظيم تلك الأوقاف.
ـ عدم تحقق شرط تشريعي كنص الدستور على إعطاء السلطة التنفيذية حق إصدار المراسيم التشريعية (القرارات بقانون) في بعض الحالات بشرط عرضها على السلطة التشريعية في مدة معينة، فهي تلغى إذا مضت تلك المدة وإن ظل ما نفذ بمقتضاها قائماً.
والتشريع الملغى لا يعمل به عند إلغاء التشريع الذي ألغاه إلا بالنص على ذلك.
وتنحصر الآثار التي تترتب على إلغاء التشريع مبدئياً في انقطاع العمل به، كما سبقت الإشارة في فاتحة البحث، والشروع في تطبيق التشريع الجديد إذا كان الإلغاء قد استعاض به عن القديم. ولكن هذه القاعدة التي تبدو سهلة لأول وهلة هي على جانب كبير من الصعوبة في التطبيق. فالحقوق التي نشأت في ظل التشريع القديم قد يختلف تأثرها بالإلغاء بحسب مقتضى موضوعها. وإذا كان الإلغاء قد جاء بتشريع جديد فهذا التشريع لا يسري مبدئياً على الماضي إلا إذا نص القانون الصادر، في غير الأمور الجزائية، على أن يكون له أثر رجعي، كما قرر ذلك دستور سورية سنة 1973 في مادته الثلاثين. ولكن النص على الأثر الرجعي في القانون الجديد يجب أن يكون محدوداً جداً في نطاق ضيق حتى يطمئن الناس على حقوقهم ولا تزول ثقتهم بالقانون في تعاملهم.
وفيما عدا النص قد يسري التشريع الجديد على الماضي، بلا نص، بأحكامه المتعلقة بالنظام العام[ر] والآداب أو بالعقوبات الأخف والأصلح للشخص.
على أن عدم سريان التشريع على الماضي باستثناء ما تقدم، كالإلغاء المجرد نفسه، قد تبدو له صعوبات جمة في التطبيق. فهو لا يسري على ما تم تنفيذه من التصرفات فأنتج أثراً مكسباً للحق droit acquis. ولكن ثمة ما لا يكون كذلك، ولاسيما في التصرفات التي يتتابع أثرها فتكون لها آثار تظهر مستقبلاً، فما زالت في نطاق مجرد الأمل simples expectatives يسري عليها التشريع الجديد. أي إن نطاق التفريق بين ما يسري عليه التشريع الجديد وبين ما لا يسري عليه يتحدد بنظرية الحق المكتسب ومجرد الأمل. ولكن الفقه هاجم هذه النظرية بعنف بحجة أنها لا تضع تحديداً دقيقاً للحق المكتسب ولمجرد الأمل، حتى إن القضاء نفسه قد اضطرب في تطبيقها فلجأ إلى النظام العام في تسويغ الكثير مما استثناه من قاعدة عدم رجعية القانون. والصحيح، على ما يراه الفقه هو وجوب التفريق بين مفهوم الأثر الرجعي والأثر الفوري للقانون. فالقانون، وفقاً لهذا الرأي، يسري من يوم نفاذه لأنه ذو أثر فوري، وهذا هو الوجه الإيجابي لسريانه، ولا يسري على ما سبق يوم نفاذه، لأنه ليس له أثر رجعي، وهذا هو الوجه السلبي لسريانه.
ويرى الفقيه الفرنسي روبيه Robiet الذي يعود إليه الفضل الأكبر في عرض رأي الفقه الحديث أن الأساس في تحديد مبدأ عدم رجعية القانون وتحديد مبدأ الأثر الفوري للقانون الجديد يجب أن يرجع إلى مفهوم المركز القانوني situation juridque ومعرفة تاريخ تكونه وانقضائه وترتب آثاره. فإذا كان القانون الجديد متعلقاً بشروط تكوين المركز القانوني أو انقضائه فليس له أثر على المراكز القانونية التي تم تكوينها قبل نفاذه وإلا كان له أثر رجعي.
ولكن الفقه، على ما وفق إليه من نقد نظرية «الحق المكتسب ومجرد الأمل» التقليدية لم يتمكن هو الآخر من وضع ضابط دقيق للتفرقة بين المركز العقدي وبين النظام القانوني، فلم يبين بدقة نطاق رجعية القانون الجديد وعدم رجعيته فظل القضاء متمسكاً بالنظرية التقليدية مستفيداً من نقد الفقه لها في تنويع الحلول التي أخذ بها في مختلف الحالات وفقاً لقواعد العدالة.
بيد أن القوانين السورية الحديثة قد وضعت لتنازع القوانين في الزمان أحكاماً حلت بها كثيراً من المسائل المختلف عليها في القضاء وفي الفقه.
فالقانون المدني قد وضع أحكاماً صريحة لتنازع قوانين الأهلية وتنازع قوانين التقادم وتنازع قوانين الأدلة، كما أن قانون أصول المحاكمات المدنية وضع أحكاماً لسريان تنازع قوانين الأصول وكذلك قانون العقوبات.
وإلى جانب الإلغاء وفق ما تقدم، هنالك الإلغاء بحكم القضاء الإداري. وإن دعوى الإلغاء في القضاء الإداري هي الدعوى التي يقيمها الأفراد والهيئات أمام ذاك القضاء بغية الحصول على إلغاء قرار إداري غير مشروع صادر عن سلطة إدارية.
وهذه الدعوى قد ابتدعها وطورها مجلس الدولة الفرنسي، وأخذ بها قانون مجلس الدولة[ر] الصادر في عهد الوحدة بين سورية ومصر برقم 55 لسنة 1959.
ومع سعة هذه الدعوى وأصول إقامتها في اجتهاد مجلس الدولة الفرنسي؛ فهي على ما يراه الفقه والقضاء الإداريان في سورية ومصر لا تشمل إلا القرارات الإدارية النهائية والقرارات المتعلقة بالموظفين التي نصت عليها المادة الثامنة من قانون مجلس الدولة (الفقرات 4 و5 و6).
إن نصوص هذه الفقرات واسعة جداً تضارع سعة الاجتهاد الفرنسي ولاسيما الفقرة/6/ التي يتناول نصها كل القرارات الإدارية النهائية (حتى إنه يشمل نص الفقرتين 4 و5 المتعلقتين بالموظفين).
أمّا أصول إقامة هذه الدعوى فتتقيد بوجوب تقديمها، خلافاً للاجتهاد الفرنسي، من محام مقيد بجدول المحامين الأساتذة المقبولين أمام مجلس الدولة، وبعريضة موقعة منه بعد تسديد الرسوم. ومدة إقامتها محددة بستين يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه بالجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح أو من تاريخ تبليغه لصاحب الشأن به. إلا أن هذه المدة تنقطع بالتظلم، وتسري وفق ما تقدم من صدور قرار برفض التظلم أو انقضاء مدة ستين يوماً على تقديمه من دون أن تجيب عنه السلطة المختصة التي قدم إليها التظلم (المادة 22 من قانون مجلس الدولة).
وأسباب دعوى الإلغاء بموجب المادة الثامنة من قانون مجلس الدولة تنحصر في عدم الاختصاص والعيب في الشكل ومخالفة القوانين واللوائح (أي الأنظمة)، أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها وإساءة استعمال السلطة.
أسعد الكوراني
الموضوعات ذات الصلة |
البطلان ـ التشريع ـ القرار.
مراجع للاستزادة |
ـ عدنان القوتلي، الوجيز في الحقوق المدنية، المدخل إلى العلوم القانونية، الجزء الأول، الطبعة السابعة (دمشق 1963).
ـ سليمان محمد الطماوي، قضاء الإلغاء (القاهرة 1967).
ـ هاشم القاسم، المدخل إلى علم القانون (دمشق 1978).
- التصنيف : القانون - المجلد : المجلد الثالث - رقم الصفحة ضمن المجلد : 305 مشاركة :