قزمان (محمد عيسي)
Ibn Kuzman (Mohammad ibn Issa-) - Ibn Kuzman (Mohammad ibn Issa-)

ابن قُزْمان (محمد بن عيسى ـ)

(… ـ 555 هـ/… ـ 1160م)

 

محمد بن عيسى بن عبد الملك بن عيسى الزُّهري القرطبيُّ، أبو بكر، المعروف بابن قُزْمان، شاعر وزجال من أشهر الزجَّالين بالأندلس، نشأ في بيت سيادة من بيوت قرطبة، لم يزل أهله بين عالم ووزير. عُرف اثنــان باسم ابن قُزمان؛ هذا وعمُّه محمد بن عبد الملك الوزير كاتب المتوكل آخر أمراء بني الأفْطس في بَطَلْيَوس، ومما يُذكر أنَّ صـاحب «نفح الطيب» خلط بينه وبين عمِّه محمد بن عبد الملك؛ وسار على نهجه هذا بعض المُحْدَثين منهم «سيبولد» في «دائرة المعارف». وقد لقَّبه «ابن بسَّـام» بابن قزمان الأصغر تمييزاً له من عمِّه.

اشْتُهِرَ بالزَّجل[ر] حتى رُوي زجله ببغداد، وأحسن، فصار شيخ الصِّناعة في الزجل المنظوم بكلام العامَّة في الأندلس. قال المقَّري في «أزهار الرياض»: «لمّا شاع فن التَّوشيح في أهل الأندلس، وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وتصريع أجزائه؛ نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، ونظموا على طريقته بلغتهم الحضريَّة، من غير أن يلتزموا فيه إعراباً، واستحدثوا فنّاً سمّوه بالزَّجل، والتزموا النظم فيه على مناحيهم إلى هذا العهد، فجاؤوا فيه بالغرائب، واتسع فيه للبلاغ مجال … وأوَّلُ من أبدع في هذه الطريقة الزَّجلية أبو بكر بن قُزمان، وإن كانت قيلت قبله بالأندلس، لكن لم تظهر حُلاها، ولا انسبكت معانيها، ولا اشتهرت رشاقتها إلا في زمانه»، وقال ابن سعيد: «رأيت أزجاله مروية ببغداد أكثر مما رأيتها بحواضر المغرب».

كان ابن قزمان قرطبيَّ الدار؛ غير أنَّه تردد كثيراً إلى إشبيلية، وانتاب نهرها، خرج مرَّة إلى متنزه مع بعض أصحابه؛ فجلسوا تحت عَريش وأمامهم تمثال أسد من رخام يصب الماء من فيه على صفائح من الحجر، فقال زاجلاً:

وعريشْ قد قام على دكَّـان

بحــال رُواقْ

وأســد قد ابتلعَ الثُّعبـان

في غِلَظِ سـاقْ

وفتح فمَهْ بحالْ إنســـانْ

بـه الفَــواقْ

من أزجاله التي سارت في الناس قوله:

أُفني زماني على اختيـاري

وأقطع العمـر باجتهادْ

لم يخْلُ حسّ الطَّربْ بداري

حتى يميلْ راسِ للوِسادْ

واحدْ مؤذّنْ سـكنْ جِواري

شـيخْ مليحْ أزهد العِبادْ

إذا طلعْ في السَّحَرْ يَعِظْنِي

يقـولْ حيَّ على الفلاحْ

خرج بالزجل إلى غير الغزل والمجون، فجعله في الوصف والمديح والشكوى، فمن ذلك قوله شاكياً دهره بالعيد:

قُلّي يا عيدْ فيما يسرُّني جِيتْ

أو تجدِّدْ عليّ ما قد نسيتْ

إذا انقطعْ زمــاني الأطولْ

وعليه الثَّنا يكون ما بقيتْ

أخذ معاني بعض زجله من شــعراء المشرق والمغرب، من ذلك ما أخذه عن المتنبي، كما يتضح في قوله في العيد في زجله المذكور آنفاً.

ظل ابن قزمان زعيم صناعة الزجل وإمام الزجالين بالأندلس مطلقاً، إذ يرجع إلى مهارته في نظم الزجل ولعُ الأندلسيين والمغاربة بهذا الفن المستحدث، فنظموا على طريقته، وخرجوا عن الأوزان الخليلية المعروفة، وإن ظهر النظم في بعض زجلهم، غير أنَّهم تركوا الإعراب في كل حال، ولذلك قال ابن قزمان:

وجرَّدت فنِّي من الإعراب

كما يُجَرَّدُ السَّيف من القِراب

قال ذلك نهياً عن تقصد الإعراب وتتبعه والاستكثار منه؛ لئلا يغلب على معظم أزجالهم.

ذكر لسان الدين بن الخطيب أنه كان «نسيج وحده، أدباً وظرفاً ولوذعية وشهرة»، وكان شاعراً أول شأنه؛ غير أنَّ شعره قصَّر عن شعر أعلام العصر كابن خفاجة، فلما انصرف إلى الزَّجل اشْتُهِر، فمن شعره قوله يعتذر ارتجالاً وقد رقص في مجلس شراب، فأطفأ السِّراج بأكمامه:

يا أهلَ ذا المجلس السَّامي سرادقُهُ

ما مِلتُ لكنَّني مالتْ بيَ الرَّاحُ

فإنْ أكنْ مُطفئاً مصبــاحَ بيتِكُمُ

فكلّ مَن فيكمُ في البيت مصباحُ

لايخلو بعض شعره من تكلُّفٍ في اللفظ، أما سائر غزله فرقيق عذب، يصلح للغناء لحلاوة اللفظ وطلاوته كقوله:

يا رُبَّ يومٍ زارني فيه مَن

أطلــعَ من غرَّتهِ كوكبا

ذو شــفةٍ لمياءَ معسولةٍ

ينشعُّ من خدَّيه ماءُ الصبَا

تردد ابن قزمان إلى غرناطة غير مرة، وامتدح جماعـة من أهلها بقرطبة، وجرت عليه في آخر أيامه محنة كبيرة، بسبب شـراسة خُلُقٍ كان موصوفاً بها، وكانت وفاته بقرطبة والأمير أبو عبد الله محمد بن سعد بن مردنيش إذ ذاك يحاصرها.

له «إصابة الأغراض في ذكر الأعراض» وهو جزء من ديوان أزجاله.

علي أبو زيد

 مراجع للاستزادة:

 

ـ أبو الحسن ابن سعيد، المُغْرِب في حُلى المَغْرِب (دار المعارف، مصر 1953) .

ـ أحمد بن محمَّد المقري، نفح الطِّيب (دار الكتب العلميَّة، بيروت 1995).

ـ أحمد بن محمد المقري، أزهار الرياض في أخبار عِياض (المعهد الخليفي للأبحاث المغربية، تطوان 1939).

ـ لسان الدين بن الخطيب، الإحاطة في أخبار غرناطة (مكتبة الخانجي، القاهرة1974).


- النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد الخامس عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 367 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة