logo

logo

logo

logo

logo

المناطيد وصناعتها

مناطيد صناعتها

- - -

المناطيد وصناعتها

 

المنطدة ballooning ركوب المناطيد واستخدامها. والمنطاد balloon مركبة أخف من الهواء تتألف من كيس مرن ضخم يسمى غلافاً يحتوي على هواء ساخن أو غاز أخف من الهواء يرفعه في الجو. يصنع الغلاف من حرير معالج بالبرنيق varnished silk أو المطاط أو النايلون أو أي مادة كتيمة مناسبة، وتربط به سلة أو قمرة.

تصنف المناطيد في ثلاثة أنواع هي: المناطيد المسيرة والمناطيد غير المسيرة والمناطيد الملاحية أو سفن الهواء airships or dirigibles. يحمل المنطاد المسيَّر رباناً أو أكثر في سلة، أما المنطاد غير المسير فيستخدم عادة في البحوث العلمية ويحمل معدات لقياس مختلف الظواهر الجوية أو تسجيلها، ويُعد المنطاد الملاحي لحمل الركاب والحمولات والنقل الجوي.

الشكل (1) منطاد الأخوين جاك إتيين وجوزيف ميشيل مونغولفييه عام 1783

لمحة تاريخية

يرجع تاريخ أول منطاد عملي حلق بالهواء الساخن إلى عام  1782 إلى ارتفاع 305م، وكان من ابتكار الأخوين الفرنسيين جاك إتيين وجوزيف ميشيل مونغولفييه Jacques Étiene and Joseph Michel Montgolfier، وفي ثاني تجربة لهما في حزيران/يونيو 1783 أطلق الأخوان منطاداً من ورق مبطن بالكتان (الشكل 1) في مسقط رأسهما أنوني Annonay ارتفع إلى 1800م. وفي آب/أغسطس من العام نفسه أرسل الفيزيائي الفرنسي جاك ألكسندر شارل Jacques Alexandre Charles في باريس منطاداً ملأه هدروجيناً حلق مدة ساعتين، وبعد ذلك بثلاثة أشهر حلق الفيزيائي الفرنسي جان فرانسوا بيلاتر دي روزييهJean- François Pilâtre de Rozier  ورفيقه مركيز دارلاند D’Arlandes على متن منطاد بالهواء الساخن مربوط بحبال إلى الأرض من صنع الأخوين مونغولفييه في غابة بولونيا في باريس إلى ارتفاع 26 متراً، ثم حلق الاثنان مرة ثانية بعد شهر بمنطاد حر مدة 25 دقيقة واجتازا به مسافة 8.5كم. وفي كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه تم أول تحليق بمنطاد مملوء بالهدروجين من حدائق التويلري في باريس بقيادة جان ألكسندر شارل ومساعده واجتازا به مسافة 43كم. ولم ينقض ذلك العام حتى كانت حمى التحليق بالمناطيد قد عمت فرنسا وانتقلت عدواها إلى بقية القارة الأوربية وإلى بريطانيا، وتنافست المدن فيما بينها على صنع أكبر وأجمل منطاد والأعلى تحليقاً. وفي عام 1785 حاول دي روزييه عبور القنال الإنكليزي على متن منطاد يجمع بين كيس مملوء بالهدروجين فوق غلاف للهواء الساخن، غير أن الهدروجين اشتعل وقتل روزييه ومساعده. وقد سمي نموذج ذلك المنطاد باسم روزييه وأُهمل استعماله نحو مئتي عام. ثم عاد إلى الحياة في أواخر القرن العشرين ليتمكن هواة المنطدة من الدوران به حول الأرض. وفي العام 1785 أيضاً تمكن الفرنسي جان بيير بلانشار Jean- Pierre Blanchard مع الأمريكي جون جيفريز John Jeffries من اجتياز القنال على منطاد، كما قام  بلانشار في عام 1793 باستعراض التحليق  بالمنطاد في فيلادلفيا الأمريكية. وفي القرن التاسع عشر ازدهرت صناعة المناطيد وتضخمت حجومها بحيث بلغت سعة «منطاد ناساو الكبير» The Great Balloon of Nassau  عام 1836 نحو 2410م3، وأبحر في الجو مسافة 800كم بين لندن وڤايبورغ Weilburg (ألمانيا) في 18 ساعة.

أثارت هواية المنطدة فضول كثيرين، كما تفتحت آفاق جديدة لهذا الاختراع ليتحول من رياضة إلى وسيلة تمكن الإنسان من الخروج من محيطه الأرضي و التفتيش عن استعمالات أخرى له، وخاصة في المجال العسكري، كالرصد والاستطلاع. غير أن المشكلة كانت تكمن في إيجاد الطريقة المناسبة للتحكم بالمنطاد وتسييره لأن المنطاد كان خاضعاً لتأثير أي نسمة ريح. وقد طرحت لذلك حلول كثيرة منها استخدام المجاديف والشراع والمراوح وغيرها، إلا أن أكثرها نجاعة كان تركيب سطوح متحركة يمكن التحكم بها لتوجيه المركبة بالاتجاه المطلوب، ومن هنا أتت فكرة سفينة الهواء أو المنطاد الملاحي، فأصبح الغلاف متطاولاً بدلاً من شكله الكروي الأصلي، مع تركيب محرك يمكنه من السير بغض النظر عن فعل الهواء والريح. وكانت المشكلة الرئيسية آنذاك إيجاد محرك مناسب خفيف الوزن.

أنواع المناطيد (البالونات)

يمكن الاستعانة بأي غاز أخف من الهواء لرفع المنطاد كالهدروجين والهليوم والميتان والأمونيا (غاز النشادر) والغاز الطبيعي والغاز المصنّع (المستخرج من الفحم أو منتجات النفط) إضافة إلى الهواء المسخن. وأول المناطيد كانت بالهواء الساخن وغالباً ما كانت تجهز بمجمرة (وعاء معدني) لحرق الفحم، ثم زودت بعدها بحراق يعمل على مشتقات النفط.

استخدمت المناطيد في بادئ الأمر لغايتين: الرياضة والبحث العلمي كما استخدمت في الشؤون العسكرية والدعاية. وتستعين معظم المناطيد الرياضية بالهواء الساخن لأنه أسهل مناورة وتحكماً من منطاد الهدروجين، في حين يبقى منطاد الهدروجين أو الهليوم مدة أطول في الجو. ويراوح قطر غلاف (كيس) المنطاد الرياضي عندما يمتلئ بالهواء بين 10-20 متراً. أما المناطيد المخصصة للبحث العلمي فغالباً ما تملأ هدروجيناً أو هليوماً أو ميتاناً أو أمونيا.

1- المناطيد العلمية: في عام  1803 أطلق أول منطاد علمي لقياس كهربة الهواء، بلغ ارتفاعه 7400م، وبعد سنة من ذلك التاريخ قام الفيزيائي الفرنسي جوزيف لوي غاي- لوساك Joseph Louis Gay-Lussac بتجربة لقياس تركيب الهواء بوساطة منطاد. وطوال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كان المنطاد الوسيلة الوحيدة المتوفرة لدراسة الأرصاد الجوية والمجال الجوي. وقد خاطر علماء كثيرون بالتحليق إلى ارتفاعات عالية جداً لإجراء تجاربهم. ففي عام 1931 ارتقى الفيزيائي السويسري أوغست بيكارد Auguste Piccard إلى طبقة الستراتوسفير في منطاد كروي مملوء بالهدروجين سعته 14000م3 يحمل قمرة معدنية محكمة الإغلاق ووصل إلى ارتفاع 15797م، وبعد سنة أعاد التجربة ووصل إلى ارتفاع 16940م وتمكن مع مساعده من جمع معلومات قيمة عن الأشعة الكونية [ر].

الشكل (2)منطاد علمي مصنوع من المطاط الصناعي

في عام 1933 قام ضابطان من سلاح الجو الأمريكي بالتحليق بمنطاد إلى ارتفاع 22080م لجلب عينات من الهواء في طبقة الستراتوسفير، وفي عام 1957 حلق الرائد الطبيب دافيد سايمونز David Simons من سلاح الجو الأمريكي إلى ارتفاع 31110م وبقي في الجو 32 ساعة لدراسة ردود فعل الجسم البشري على الارتفاعات العالية، كما قام النقيب الطيار جوزيف كيتينغر Joseph Kittinger في عام 1960 بالصعود إلى ارتفاع 31354م مسجلاً رقماً قياسياً للتحليق بمنطاد مملوء بالهليوم. ورقماً جديداً للهبوط بالمظلة.

ثمة ثلاثة نماذج من المناطيد المستخدمة في البحث العلمي: المناطيد المطاطية rubber balloons، ومناطيد الضغط صفر  zero-pressure balloons ومناطيد الضغط العالي المغلقة  superpressure sealed balloons.

أ- المنطاد المطاطي: ويصنع من المطاط الصناعي neoprene ويستخدم لقياس طبقات الجو شاقولياً، ويجهز بمسبار راديوي لجمع المعلومات عن الأحوال الجوية وبثها إلى الأرض. يملأ المنطاد بغاز أخف من الهواء وفي أثناء ارتقائه ينتفخ ويتضاعف حجم الغاز فيه 30 -200 ضعف بسبب حرارة الشمس ثم ينفجر ويتلف، وتسقط الأجهزة التي يحملها بالمظلة (الشكل 2).

الشكل (3) منطاد الضغط صفر يستخدم لقياس عناصر الجو

ب- منطاد الضغط صفر: ويصنع من اللدائن (بولي إيتيلين غالباً) ويستخدم لقياس الجو مع تحرك المنطاد أفقياً. يعبأ المنطاد بالغاز جزئياً وهو على الأرض. وعندما يرتفع في الجو تحت أشعة الشمس يتمدد الغاز فيملأ الغلاف المزود بصمام يفتح أتماتياً حين يبلغ المنطاد الارتفاع المطلوب فيسمح للغاز بالخروج ويبقى على ذلك الارتفاع، وتدفعه الريح فيتحرك أفقياً، ومع غروب الشمس يتبرد الغاز ويتقلص حجمه فيهبط المنطاد إلى الأرض ما لم ترم الأثقال التي يحملها (الشكل 3).

ج- منطاد الضغط العالي: هذا المنطاد صلب محكم الغلق لا يتمدد غلافه المصنوع من شرائح كتيمة من اللدائن. ويستخدم كذلك لقياس الجو أفقياً. حين يبلغ المنطاد الارتفاع المحدد له يبدأ التحرك أفقياً. وأي اختلاف في درجة حرارة الشمس يحدث تغيراً في ضغط الغاز داخل المنطاد لكن حجمه يبقى ثابتاً. ويبقى المنطاد محافظاً على ارتفاعه مادام الضغط فيه مناسباً. وقد تم التوصل إلى صنع هذا النوع من اللدائن في ستينات القرن العشرين، وصار من الممكن بقاء المنطاد محلقاً بضعة أشهر (الشكل 4).

تستخدم المناطيد العلمية بأنواعها يومياً على البر في مختلف أنحاء العالم لإجراء أكثر من 1000 نوع من القياسات في الطبقات العليا من الجو، كسرعة الريح واتجاهها ودرجات الحرارة والضغط والرطوبة. أما إجراء هذه القياسات فوق المحيطات فتستخدم لها مناطيد ضغط عالٍ مجهزة بتقنيات السبر الأفقي العالمي global horizontal sounding technique (GHOST). وهي تسير مع الريح وتدور حول الأرض مدة طويلة قد تزيد على السنة.

تستخدم مناطيد الضغط العالي كذلك منصات لمختلف التطبيقات العلمية كحمل أجهزة رصد فلكية أو قياس الأشعة تحت الحمراء، أو دراسة العلاقة بين غازات الكلوروفلوروكربون chlorofluorocarbons المنطلقة من الأرض وطبقة الأوزون التي تمتص الأشعة فوق البنفسجية للشمس. ويمكن أن تعمل هذه المناطيد على ارتفاع يزيد على 30كم، وقد يبلغ قطر بعضها 150م.

الشكل (4-أ) منطاد ضغط عالي غلافه مصنوع من شرائح كتيمة من اللدائن

الشكل (4-ب)منطاد ضغط عالي لقياس عناصر الجو

2ـ المناطيد الرياضية: تستخدم المناطيد الرياضية للمتعة والمغامرة والمنافسة، على النقيض من المناطيد العلمية أو التجارية أو العسكرية. وتعد جائزة غوردون بنيت لسباق المناطيدGordon Bennett Balloon Trophy من أشهر منافسات هواة رياضة المنطدة. وقد أقيمت سنوياً بين عامي 1906- 1936 (خلا سنوات الحرب الأولى) في كثير من المدن الأوربية والأمريكية للحصول على كأس من يجتاز أطول مسافة ويبقى أطول مدة في الهواء. وما تزال رياضة المنطدة  ومهرجاناتها تتمتع بشعبية كبيرة في أوربا إلى اليوم باستخدام مناطيد الهواء الساخن الأكثر أمناً مع استخدام النايلون المقاوم للتمزق غلافاً، واستخدام حرَّاق يعمل على غاز البروبان لتسخين الهواء. و أشهرها مهرجان ألباكركي الدولي Albuquerque International Balloon Fiesta (الشكل 5) في نيو مكسيكو الأمريكية الذي كان منطلقه عام 1971. وفي عام 1978 تمكن رجل الأعمال الأمريكي بِن ل. أبروزو Ben L. Abruzzo ورفيقاه لأول مرة من اجتياز المحيط الأطلسي على منطاد رياضي قاطعاً مسافة 5000كم في 137 ساعة وست دقائق، وقد كسر هذا الرقمَ عام 1992 ابنُه ريتشارد أبروزو وزميل له في سباق لعبور الأطلسي، غير أن الريح ساقته إلى المغرب ليهبط في فاس. وسبق ذلك الحدث ورافقه وتلاه محاولات كثيرة لعبور الأطلسي؛ غير أن طموحات الرياضيين من هواة المنطدة والمغامرة تحولت إلى محاولات الدوران حول الأرض.

الشكل (5) مهرجان الباكركي: انطلاق المناطيد المشاركة في مهرجان الباكركي عام 2007

تستخدم المنطدة الرياضية الحديثة كذلك مناطيد من نوع الضغط صفر zero-pressure، غير أنها لاتستطيع البقاء في الجو أكثر من سبعة أيام، ولا تصلح للدوران حول الأرض. لذلك فكرت شركتان إنكليزيتان لصناعة المناطيد هما ليندستراند Lindstrand Balloons Ltd. وكامرون Cameron Balloons Ltd  بالعودة إلى مبدأ منطاد روزييه الآنف الذكر بالجمع بين كيس يحوي غازاً أخف من الهواء ومنطاد الهواء الساخن، بحيث يستطيع التحليق مدة أسبوعين على الأقل. يتألف منطاد ليندستراند من كيس كروي مملوء بالهليوم تحته غلاف مخروطي للهواء الساخن. يسخن الهواء الحار الهليوم فوقه فيرفع المنطاد ويساعده الهواء الساخن في داخل المخروط. أما منطاد كاميرون روزييه فيتألف من كيس للهليوم تحيط به قوقعة خارجية يفصلها عن كيس الهليوم من فوق بالون كروي صغير. يسري الهواء الحار حول كيس الهليوم كله لدى تشغيل الحرّاق.

يستعمل الحرّاق في النموذجين للمحافظة على الارتفاع في الليل عندما يبترد الهليوم في الكيس فتزداد كثافته ويبدأ المنطاد بفقد الارتفاع. وهكذا يستفاد من  الهواء الساخن للارتقاء ولتعديل الارتفاع ولركوب الريح المناسبة وتجنب أحوال الطقس السيئة، وعند الهبوط يطلق الهليوم.

الشكل (6) منطاد «روح الحرية»

في عام 1997 عرضت شركة أنهاوزر - بوش الأمريكية Anheuser-Busch Corporation جائزة مليون دولار لمن يدور حول الأرض بمنطاد من دون توقف. وحاولت فرق عدة الحصول على الجائزة على منطاد من صنع شركة كاميرون، واستخدمت ثلاث فرق أخرى نموذج ليندستراند، وفي آذار/مارس 1999 تمكن عالم النفس السويسري برتراند بيكارد Bertrand Piccard  من الحصول على الجائزة مع مساعده على متن منطاد من نموذج كاميرون دار به حول الأرض من الغرب إلى الشرق في 19 يوماً و21 ساعة انطلاقاً من سويسرا وهبوطاً في مصر. وفي تموز/يوليو 2002 نجح الأمريكي ستيف فوسِت Steve Fossett منفرداً على منطاد من طراز كاميرون - روزييه سماه «روح الحرية» Spirit of Freedom (الشكل 6) في الدوران حول الأرض من دون توقف في 14 يوماً و20 ساعة مجتازاً مسافة 33972كم انطلاقاً من كالغورلي Kalgoorlie  (أستراليا) وعودة إلى كوينزلَند Queensland (في شمالي أستراليا).

الاستخدامات العسكرية للمناطيد

استخدمت المناطيد في الحرب البروسية الفرنسية (1870-1871) للرصد من كلا الطرفين المتحاربين، كما استخدمت في الحرب العالمية الأولى للغرض نفسه وعلى نطاق واسع، وكانت تربط بحبال إلى الأرض، فإذا ما ظهرت طائرات معادية كانت تنزل إلى الأرض بسرعة. أما في الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) فقد استخدمت المناطيد حواجز لحماية لندن من الهجمات الجوية، وكانت تصنع من قماش سميك وتربط بكبول فولاذية إلى الأرض على صفوف على ارتفاع 1000م. كذلك أطلقت اليابان ما يزيد على 9000 منطاد (بالون) ورقي مملوء بالهدروجين من نموذج فو- غو Fu-Go (الشكل 7) قطر الواحد 10م، ويحمل قنابل حارقة، ومجهز بآلية توقيت لإلقاء الأثقال، وذلك للإبقاء على المنطاد في مسرى تيار الريح المعروفة جت ستريم jet stream التي تهب من الغرب إلى الشرق وتتجه نحو الساحل الغربي للقارة الأمريكية.

الشكل(7) منطاد نموذج فو-غو

كذلك استخدمت المناطيد في الحرب الباردة، حين قامت القوى الجوية الأمريكية بإطلاق مئات المناطيد المجهزة بكاميرات تصوير فوق أراضي الاتحاد السوڤييتي. وقد جهزت الكاميرات بموقتات لالتقاط الصور، وبعد أن تلتقط الكاميرا الصورة يرتفع المنطاد بسرعة وينفجر في الجو وتهبط الكاميرا بالمظلة في المحيط الهادئ، حيث تقوم سفن البحرية الأمريكية بالتقاطها. وبدءاً من ستينات القرن العشرين حلَّت الطائرات التي تطير على ارتفاعات عالية وكذلك السواتل محل المناطيد.

سفن الهواء (المناطيد الملاحية) 

سفينة الهواء أو المنطاد الملاحي مركب أخف من الهواء مجهز بكيس (غلاف) متطاول أو إهليلجي مملوء بالغاز لرفع المنطاد، ووسائل للدفع تتألف من محركات ومراوح، ووسائل لضبط التوازن والتعليق في الهواء كصمامات إطلاق الغاز للهبوط وأثقال موازنة يرميها للتسلق (رمل أو ماء غالباً)، إضافة إلى قمرة واحدة أو قمرتين للطاقم وللركاب وللمحركات. يستعمل الربان دفات شاقولية متمفصلة لتسيير السفينة أفقياً وروافع أفقية للتحكم بحركتها ارتفاعاً وانخفاضاً.

تطورت سفن الهواء عن المناطيد الكروية، وهي ثلاثة أنواع: ذات كيس مطاوع (لين) nonrigid or blimp airship (الشكل 8)، ينتفخ تحت ضغط الغاز، وكيس نصف مطاوع (شبه صلب) semirigid airship (الشكل 9) يحافظ على شكله المبدئي بفضل روافد طولية ويأخذ شكله النهائي تحت ضغط الغاز، وكيس جاسئ يدعى زيبلين zeppelin  rigid airship or (الشكل 10) ذو بنية صلبة يمنحه شكله الدائم. والأنواع الثلاثة مناطيد ملاحية قابلة للتوجيه تقنياً.

الشكل(8) سفينة هواء حديثة من النوع المطاوع
الشكل (9) سفينة هواء حديثة من النوع نصف المطاوع

صممت أول سفينة هواء عملية من قبل مهندس فرنسي اسمه هنري جيفار Henri Giffard عام 1852 وسماها «ديريجيبل» dirigible (من اللاتينية، ومعناها «ممكنة التوجيه»). كان كيسها مطاوعاً على هيئة سيجار متطاول بطول 44م ملأه بالهدروجين، وتسيرها مروحة حلزونية قطرها 3.35م يديرها محرك بخاري استطاعته 2.2 كيلواط (3 أحصنة)، وقد حلقت في سماء باريس بسرعة 10كم/سا.

غير أن أول سفينة أثبتت قدرتها على الانطلاق والعودة إلى مكانها الأول على الرغم من الريح الخفيفة كانت تدعى «فرنسا» La France (الشكل 11)؛ طورها ضابط مهندس يدعى شارل رينار Charles Renard وزميل له، وتسيرها مروحة قطرها 7.01م  يديرها محرك كهربائي استطاعته 6.7 كيلواط (9 أحصنة). وقد حلقت هذه السفينة بسرعة 23.5كم/سا في دائرة قطرها 8كم وعادت إلى مكان إقلاعها واستغرقت الرحلة 23 دقيقة.

في مطلع القرن العشرين تم تصميم كثير من سفن الهواء في أوربا وأمريكا ولكن المشكلة الرئيسية التي اعترضت تطورها كانت عدم توفر المحرك بالوزن والقوة المناسبين لها. وفي عام 1900 أتم المخترع الألماني الكونت فيرديناند فون زيبلين صنع أول سفينة هواء مجهزة بهيكل جاسئ كانت النموذج الأول لسفن كثيرة بعدها، وكانت تتألف من 17 صفاً من غرف الغاز المعزولة بقماش متين مشرب بالمطاط ضمن هيكل شبه أسطواني يغلفه قماش قطني ناعم. بلغ طول المنطاد 128م وقطره 12م وسعته الإجمالية من الهدروجين 11.300.000 لتر. وللسفينة دفة أمامية ودفة خلفية ويسيرها محركان دايملر Daimler استطاعة كل منهما 11 كيلواط (15 حصان) يديران مروحتين دافعتين. جُهزت السفينة بقمرتين Gondola من الألمنيوم للطاقم والركاب والمحركات معلقتين في المقدمة والمؤخرة، وحلقت على ارتفاع 390م وقطعت مسافة 6كم في 17دقيقة وعلى متنها خمسة ركاب.

الشكل (10) منطاد زيبلن طراز lz  127

أما أول سفينة هواء تجارية لنقل الركاب جواً في رحلات منتظمة فكانت من نوع زيبلين أيضاً، وتدعى دويتشلَند (ألمانيا) Deutschland سنة 1910. ومع بدء الحرب العالمية الأولى كانت هناك عشر سفن زيبلين في ألمانيا، وأنتج غيرها لمصلحة القوات المسلحة، جاوز مجموعها 67 منطاداً لم يبق منها حتى نهاية الحرب سوى 16 سُلمت للحلفاء وفق معاهدة فرساي (1919). وكان لفرنسا أيضاً أسطول من سفن الهواء بغلاف نصف مطاوع، غير أن خبرة الحرب أثبتت ضعفها أمام هجمات الطيران. ومع توافر إمكانات إنتاج غاز الهليوم بكميات كبيرة تشجعت بريطانيا في أواخر الحرب على صنع مناطيد من هذا النمط، فأنتجت عام 1919السفينة ر 34  R34 بطول 196م وسعة 56.070.000 لتر قامت بأول رحلة إلى نيويورك عبر المحيط الأطلسي عن طريق كندا ذهاباً وإياباً استمرت 183 ساعة و15 دقيقة اجتازت بها 11200كم. وفي عام 1921 اشترت الولايات المتحدة سفينة بغلاف نصف مطاوع تدعى «روما» سعتها 34.000.000 لتر وطولها 125م مجهزة بستة محركات 12 أسطوانة استطاعة 300 كيلواط (400 حصان) فقدت عام 1922. وفي عام 1923 صنعت البحرية الأمريكية أول سفينة هواء أمريكية خالصة من طراز زيبلين طولها 206م وسعتها 59.890.000 لتر تحطمت عام 1925 في عاصفة هوجاء. وفي عام 1924 تسلمت الولايات المتحدة من ألمانيا سفينة هواء من طراز زيبلين من ضمن تعويضات الحرب، طولها 198م وسعتها  70.080.000 لتر تحمل قمرة القيادة فيها ترتيبات لثلاثين مسافراً مع تجهيزات المنامة الفاخرة دعيت لوس أنجلس، وقامت بـ 250 رحلة إلى بويرتو ريكو و بنما قبل أن تتوقف عن الخدمة عام 1932.

الشكل(11) سفينة «فرنسا» الهواذية الشكل (12) سفينة الهواء هندنبورغ

كذلك أنتجت مصانع زيبلين عام 1928 سفينة هواء حملت اسم مؤسسها بطول 235م وسعة 105.000.000 لتر اجتازت في تسع سنوات ما مجموعه 1.600.000كم فعبرت المحيط الأطلسي إلى أمريكا الشمالية والجنوبية 139 مرة وأتمت رحلة حول الأرض مع توقف واحد في أربع مدن فقط.

أما سفينة الهواء الشهيرة هندنبورغ Hindenburg (الشكل 12) من طراز زيبلين فبلغ طولها 245م وسعتها 190.000.000 لتر، وقد قامت بعشر رحلات نظامية عبر الأطلسي عام 1936 ودمرت بحريق عام 1937 في أثناء هبوطها عند ليكهورست (نيوجرسي) وقتل 35 شخصاً من ركابها وطاقمها البالغ عددهم 97 شخصاً. ومع تحطم هندنبورغ تم الاكتفاء بالمناطيد الملاحية الصغيرة ذوات الكيس المطاوع، واستخدم معظمها في الحرب العالمية الثانية للقيام بدوريات على السواحل ومرافقة القوافل ومكافحة الغواصات، كما استعملت بعد الحرب وإلى اليوم للتصوير التلفزيوني والرياضة والنزهة وللدعاية. ومنذ العام 1980 تجدد اهتمام البحرية وخفر السواحل الأمريكية بسفن الهواء لاستخدامها في حمل أجهزة الإنذار المبكر والحرب الإلكترونية وحرب الغواصات.

 

محمد وليد الجلاد

الموضوعات ذات الصلة:

الحرب العالمية الثانية ـ الطيران، الطيران (تاريخ وتطور ـ) ـ النقل الجوي.

مراجع للاستزادة:

- JOHN TOLAND, The Great Dirigibles, Their Triumphs and Disasters, (Dover Publications, 1972).

- DICK WIRTH, Ballooning, Hot Air as a Way of Life, (Random House USA Inc, 1988).

- JOHN CHRISTOPHER FINE, Free Spirit in the Sky, (Athenum Books for Young Readers, 1994).

- PAUL FRANCIS, British Military Airfield Architecture: From Airships to the Jet Age, (Patrick Stephens Limited (Haynes Group,1996).

- ANTHONY SMITTH & MARK WAGNER, Ballooning, (Patrick Stephens Limited Haynes Group 1999).

KEITH WEST, Livewire Investigates, Hot - Air Ballooning,(Hodder Muray 2005).

- STEVE FOSSETT & WILL HASLY, Chasing the Wind: The Autobiography of Steve Fossett, (Virgin Books 2006).


التصنيف : الصناعة
المجلد: المجلد التاسع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 516
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 624
الكل : 31610775
اليوم : 45630

أبوليوس (لوشيوس-)

أبوليوس (لوشيوس -) (نحو 125-180ق.م)   لوشيوس أبوليوس Lucius Apuleius كاتب وفيلسوف وبلاغي لاتيني كبير، ولد في الجزائر من أبوين ينتميان إلى أسرة مرموقة وثرية، وقد أظهر أبوليوس منذ صغره ولعاً بكشف المعارف على مختلف أنواعها، فدرس البلاغة في قرطاجة، والفلسفة في أثينة، وأولى الطقوس والشعائر الدينية اهتماماً كبيراً، ولاسيما تلك التي كانت متبعة في عبادة آلهة مصر إيزيس Isis.
المزيد »