logo

logo

logo

logo

logo

الأموي (المسجد-)

اموي (مسجد)

Umayyad Mosque - Mosquée des Omeyyades

الأموي (المسجد ـ)

 

المسجد الأموي من أشهر المساجد في العالم الإسلامي ومعلم من أبرز المعالم في مدينة دمشق، وأثر رائع من آثار الحضارة الإسلامية العريقة والأثر الرئيسي الذي تقوم عليه شهرة الوليد بن عبد الملك العمرانية.

كان موقع المسجد مُخّصصاً للعبادة منذ أقدم العصور، ففيه أقام الآراميون في مطلع الألف الأول قبل الميلاد، معبداً للإله حَدد، ثم حُول في العهد الروماني إلى معبد للإله جوبيتر Jupiter. وكان هذا المعبد (380 ×300م) يتألف من فناء واسع ورواق يحيط به، له أعمدة من الداخل وسور من الخارج، ويتوسطه هيكل الإله سِلاّ Cella، وأهم ما تبقى من المعبد بوابته  الغربية المحمولة على أعمدة عملاقة التي تشاهد اليوم قبل الدخول إلى المسجد الأموي من بابه الغربي. وفي القرن الرابع الميلادي حين غدت المسيحية ديانة رسمية للدولة أقيم في جزء من المعبد كنيسة سميت باسم كنيسة القديس يوحنا المعمدان.

ومع أن إجماع أكثر المؤرخين العرب على أن الوليد بن عبد الملك هدم كنيسة القديس يوحنا والجامع الذي كان في جوارها وبنى المسجد ما هو عليه اليوم، فإن عدداً من المستشرقين أمثال دوسو Dussaud Diel وسترزيغوفسكي (يوسف) Strzygowskie ووتزنغر Watzinger وفولتنزنغر Wiltzinger ولامانس حاولوا أن يبرهنوا على أن المسلمين قد قاسموا المسيحيين كنيسة القديس يوحنا وحولوها في خلافة الوليد مسجداً، وأن المسجد القائم اليوم باستثناء القبة هو الكنيسة ذاتها، وهذا الزعم باطل في رأي كريزول Creswell الذي بحث الأمر بحثاً مستفيضاً في كتابه عن الفن المعماري في العصور الإسلامية الأولى، وتوصل إلى إثبات ما أورده المؤرخون العرب بأن الوليد هدم الكنيسة والجامع الذي كان في جوارها وشيّد المسجد على أنقاضهما، وأن هؤلاء المستشرقين في تشبثهم في قضية الاقتسام إنما نقلوا عن خبر واحد يذكره ابن عساكر حول الفتح من بين روايات أخرى كثيرة تؤكد كلها أن العرب حينما فتحوا دمشق سنة 14هـ دخلها أبو عبيدة من باب الجابية صلحاً ودخلها خالد من الباب الشرقي عنوة، ثم أجمعوا رأيهم على أن جعلوها صلحاً، وأن خالداً أمَّن أهل دمشق على دمائهم وأموالهم وكنائسهم ألا تُسكن ولا تُهدم، ويرفض البلاذري (ت 286هـ) في كتابه «فتوح البلدان» رواية الهيثم بن عدي من أن أهل دمشق صولحوا على أنصاف منازلهم وكنائسهم ، ويعتمد في ذلك على رواية الواقدي التي يقول فيها «قرأت كتاب خالد بن الوليد لأهل دمشق فلم أر فيه أنصاف المنازل والكنائس وقد رُوي ذلك ولا أدري من أين جاء به من رواه، ولكن دمشق لما فتحت لحق بَشَرٌ كثير من أهلها بهرقل وهو بأنطاكية فكثرت فضول منازلهم فنزلها المسلمون»، ثم إن هناك رواية يوردها البلاذري تُشير إلى أن العرب بعد الفتح اتخذوا مسجداً لهم قريباً من كنيسة القديس يوحنا، و يؤكد ذلك ما ذكره شاهد عيان مسيحي زار دمشق نحو سنة 50هـ/670م أنه رأى كنيسة القديس يوحنا المعمدان دون أن تمس وأنه كان للمسلمين معبد آخر يؤدون فيه شعائرهم الدينية، ويشير المهلبي وهو من مؤرخي القرن الرابع الهجري في كتابه «المسالك والممالك» إلى أن المسلمين بنوا مسجداً لهم إلى جانب كنيسة القديس يوحنا. ومن دراسة الروايات المتعددة وما أورده الباحثون في الآثار يمكن التوصل إلى الحقيقة التالية وهي أن الكنيسة لم تكن موضع الاقتسام بل أرض المعبد الروماني حيث أنشأ المسلمون في نصفها الشرقي الذي يضمه سور ورواق مسجداً لهم بعد الفتح عُرِف بمسجد الصحابة، ومازالت آثار محرابه باقية في الجانب الشرقي من جدار القبلة في المسجد الأموي اليوم، أُطلق عليه في كل العهود محراب الصحابة، وأن الوليد حين بدأ بناء المسجد أمر بهدم ما كان من منشآت في أرض المعبد ومن بينها المسجد السابق والكنيسة واستبقى الجدران ليقيم داخلها المسجد الجديد الذي استغرق بناؤه عشر سنوات، أي مدة خلافة الوليد كلها، وأُنفقت عليه أموال طائلة اختلف الرواة في تقديرها.

تصميم المسجد المعماري وأصالته

شيد مسجد دمشق وفق تصميم جديد يتفق مع شعائر الدين الإسلامي وأغراض الحياة العامة، فجاء فريداً في هندسته، لم يبن على نسقه في العهود السابقة أي بناء آخر. إذ لا توجد كنيسة في الشرق أو الغرب في مثل هذا التصميم تماماً، مع ما يبدو عليه من ظواهر الاقتباس واستخدامه لعناصر معمارية وزخرفية كانت شائعة في الفنون السابقة.

وقد عبر الوليد عن هذه الأصالة  بقول تناقله الرواة: «إني أريد أن أبني مسجداً لم يبن من مضى قبلي ولا يكون بعدي مثله».

وتنقل الروايات عبارة قالها الخليفة العباسي المأمون على مسجد دمشق حين زاره: «إن مما أعجبني فيه كونه بني على غير مثال متقدم».

وهكذا ظهر المسجد الأموي وقتئذ انطلاقة جديدة في فن العمارة، وثورة على البساطة المألوفة في المساجد السابقة. تفنن المؤرخون والرحالة في وصف عناصره المعمارية والزخرفية والتعبير عن الإعجاب، وملؤوا بذلك صفحات من النثر والشعر.

فلقد وُضعت بإشادة مسجد دمشق مبادئ هندسة المساجد الكبرى التي شيدت بعده في العالم الإسلامي. وظل المعماريون قروناً عدة يستوحون فنونه أو ينسجون على منواله.

كان تصميم المسجد على أساس تقسيم مساحة الأرض المستطيلة (156× 97 متراً) إلى جزء مسقوف في الجهة الجنوبية ليكون الحرم وآخر سماوي هو الصحن أو الفناء الذي أحيط برواق من جهاته الثلاث يوفر الاتصال بين  أبواب المسجد والحرم والقاعات الأخرى المقامة في طرفيه الشرقي والغربي التي أطلق عليها اسم المشاهد.

أمّا أقسام المسجد الرئيسة فهي:

السور والأبواب: للمسجد سور مرتفع مبني بالحجر المنحوت، هو سور المعبد الروماني في الأصل. جددت أقسام منه في العهود العربية.

وكان السور مزوّداً في أركانه بأبراج مربعة يصعد إليها بدرج من الداخل، استخدمت في البداية للأذان. وبقي اثنان منها في الجهة الجنوبية، أقيمت عليها مئذنتان. وكان السور متوجاً «بالشرّافات» الضخمة التي لم يبق منها واحدة، إذ تساقطت بفعل الزلازل، كما أثبتت ذلك  كتب الحوليات. ويعتقد أنها كانت من النوع المسنن القديم.

أمّا أبواب المسجد فثلاثة مفتوحة على الصحن وأروقته في الشرق والغرب والشمال، وهناك باب رابع في الجنوب، يؤدي مباشرة إلى الحرم، وهو في الجانب الغربي منه، دعي قديماً باب الزيادة.

وأهم هذه الأبواب من الناحية المعمارية، الباب الغربي (باب البريد) والشرقي المسمى باب جيرون (النوفرة)، فكل منهما يحتوي على ثلاث فتحات مستطيلة، الوسطى منها واسعة يعلوها عقد عاتق حلزوني الشكل. وقد صفحت مصاريعها بالنحاس المزخرف. وكل من البابين يؤدي إلى صحن المسجد عن طريق بهو فخم.

أما الباب الشمالي الذي أطلقت عليه عدة أسماء أقدمها باب الفراديس، ثم باب الناطفيين (صانعي الناطف) ثم باب الكلاسة (نسبة إلى الحي). ويتألف من فتحة واحدة واسعة. وكان على أبواب المسجد الأربعة ميضآت حسنة التنظيم، كثيرة المياه، أحسن وصفها الرحالة ابن جبير وعدّها من محاسن المسجد وأسماها السقايات. كما وصفها المقدسي في القرن الرابع فقال: «وعلى كل باب ميضأة مرخمة ببيوت ينبع فيها الماء وفوارات».

الصحن والأروقة: يحتل الصحن رقعة مستطيلة واسعة طولها 132 متراً وعرضها 50 متراً. ويحيط بالصحن من جهاته الثلاث، الشرقية والغربية والشمالية، رواق عرضه عشرة أمتار، يرتفع قليلاً عن أرض الصحن، ويتألف من صف من القناطر المحمولة على العمد والعضائد، وزعت ليتناوب عمودان مع عضادة وهكذا. والعمود قطعة واحدة من الحجر الكلسي الصلب، وبعض الأعمدة من الغرانيت القديم، تعلوها تيجان من النوع الكورنثي، أما العضائد فمبنية بالحجر ومصفحة بالرخام، وتحمل العمد والعضائد عقوداً نصف دائرية بعضها مدبب الرأس قليلاً. ويعلو هذه العقود صف آخر من العقود الصغيرة، اثنان صغيران فوق كل عقد كبير وبينهما سويرية (عمود صغير). وقد اتبع هذا التنظيم في الحرم أيضاً من أجل زيادة ارتفاع السقوف دونما حاجة إلى استخدام أعمدة بالغة الارتفاع. وللرواق سقف مستو من الخشب صُفِّح سطحه بالرصاص.

ولقد تغيرت معالم الرواق الشمالي حين جدد في أعقاب زلزال عام 1759 م. وبقي الرواقان الشرقي والغربي محافظين على وضعهما الأصيل الأموي.

ويشاهد في الصحن ثلاث قبات صغيرة، أولاها في الجانب الغربي اشتهرت باسم قبة الخزنة، وهي غرفة مثمنة الوجوه، في أحدها باب صغير، محمولة على ثمانية أعمدة مغروسة في بلاط الصحن من غير قواعد، لكنها تحتفظ بتيجانها الكورنثية الجميلة. يذكر الرواة أنها كانت مخصصة لخزينة المسجد ووثائقه وحساباته، وأنها أُنشئت في عهد والي دمشق الفضل بن صالح، أيام الخليفة العباسي المهدي عام 172 للهجرة. وتقع القبة الثانية في الجهة الشرقية وكانت تدعى قديماً بقبة زين العابدين ثم قبة الساعات.

ويتوسط الصحن بركة للوضوء مربعة الشكل، كان عليها قبة، هدمت منذ بضع سنين (أعيدت كما كانت عليه في أعمال الترميم التي بدأت في أوائل التسعينات). وكانت قد جددت آخر مرة في عهد الوالي عثمان باشا، فسمّيت القبة العثمانية، وأسماها القدماء الشادروان.

وهناك على مسافة قليلة من البركة في الجهتين عمودان، غُرسا في الصحن، في رأسيهما ما يشبه الثريا من البرونز المخرم الجميل، عرفا قديماً بعمودي الإسراج، كما وصفهما ابن جبير في القرن السادس الهجري.

وكانت أرض الصحن وأروقته مبلطة بالرخام والفسيفساء الحجرية ثم تغيرت معالمها، وجدد البلاط أكثر من مرة وتغير مستوى الصحن والأروقة نتيجة الردم والتجديد. وقد أمكن معرفة المستوى الأصلي بعد إجراء عمليات سبر ودراسات في عام 1959م، وتم تجديد البلاط وفق هذا المستوى، واحتفظ في الرواق الغربي بقدامة في مكانها الأصلي تمثل البلاط الفسيفسائي القديم.

الحرم: يبلغ طول الحرم 136 متراً وعرضه 37 متراً. ويتألف من ثلاثة «أجنحة» طولية، أو بلاطات كما سماها بعض القدماء كابن جبير. وهي تمتد من الشرق إلى الغرب موازية جدار القبلة، يفصل بينها صفان متوازيان من العقود المحمولة على الأعمدة، وفوق العقود السفلى عقود صغيرة، كما هو الحال في أروقة الصحن.

ويتعامد مع البلاطات الثلاث واحدة تمتد من الصحن إلى المحراب تسمى المجاز، وهي أكثر ارتفاعاً واتساعاً من البلاطات الأخرى. في وسطها قبة يقارب ارتفاعها الثلاثين متراً، حملت على عضائد ضخمة وعقود، أسماها القدماء قبة النسر.

ولواجهة المجاز المطلة على الصحن باب فخم من ثلاث فتحات مقنطرة، الوسطى أكثر اتساعاً، ثم ثلاث قناطر أصغر فوقها، ضمن عقد كبير، وفي الأعلى جهة مثلثة، على غرار جهات المعابد في العمارة القديمة (الكلاسيكية).

وكانت واجهة الحرم على غرار أروقة الصحن قبل حريق عام 461هـ/1067م، وقد تم تجديدها بعد ذلك في العهد السلجوقي من دون أعمدة.

وفي داخل الحرم، في الجانب الشرقي منه ضريح قيل إنه ضريح النبي يحيى، جدد بنيانه من الرخام بعد الحريق الأخير الذي حدث في عام 1310هـ /1893م، بعد أن كان من الخشب. وتذكر الروايات أنه عثر على رأس النبي يحيى مدفوناً في هذا المكان، عند حفر أساسات المسجد فأمر الوليد بأن يترك في مكانه ويوضع عليه عمود مُميَّز.

يستمد الحرم نوره من نوافذ مفتوحة في جداريه الكبيرين الجنوبي والشمالي، وعددها 22 نافذة في كل جدار ويضاف إليها نوافذ المجاز المفتوحة في واجهتيه وجداريه الجانبيين، وكذلك نوافذ رقبة قبة النسر التي تعد المجاز، أو المجاز القاطع.

وكان للنوافذ شمسيات من الجص المعشق بالزجاج الملون، مزخرفة بأشكال نباتية وهندسية، أكثر الشعراء والرحالة من وصفها، وسماها ابن جبير «بالشمسيات»، فقال في وصف نوافذ الجدار الشمالي للحرم: «رقيٌّ جصية مخرَّمة كلها على هيئة الشمسيات، فتبصر العين من اتصالها أجمل منظر وأحسنه». ووصف النوافذ الجنوبية بقوله: «وإشراق شمسياته المذهبة الملونة، واتصال شعاع الشمس، وانعكاسه إلى كل لون فيها، حتى ترى الأبصار منه أشعة ملونة، يتصل ذلك بجداره القبلي كله».

المشاهد: يلاحظ في مخطط المسجد (الشكل 1)، في جانبيه الشرقي والغربي أربع قاعات كبيرة مستطيلة، أُطلق عليها اسم المشاهد منذ القديم، وسمي كل منها باسم واحد من الخلفاء الراشدين. فالمشهد الجنوبي الشرقي دعي باسم أبي بكر، والجنوبي الغربي مشهد عمر. وهما على طرفي الحرم. أما الشمالي الغربي فدعي مشهد عثمان، والشمالي الشرقي مشهد علي، ثم اشتهر باسم زين العابدين، أقيم خلفه من الشرق مشهد الحسين، ويروى أن رأس الحسين مدفون فيه.

وتغيرت أسماء المشاهد مع الزمن، واستخدمت في أغراض شتى، كالتدريس والصلاة والاجتماعات، ولخزائن الكتب، ومستودعاتٍ أحياناً.

المآذن: للمسجد ثلاث مآذن، اثنتان منها أقيمتا على جانبي الحرم، فوق برجي  المعبد الروماني. ويرجع تاريخ المئذنة الغربية القائمة اليوم إلى عام 893هـ /1488م، حين جددت أيام السلطان المملوكي قايتباي.

أما المئذنة الشرقية فتدعى مئذنة عيسى، وجددت أكثر من مرة كان آخرها بعد زلزال عام 1759م.

أما المئذنة الثالثة فتدعى مئذنة العروس، وقد أقيمت في عهد الوليد، عند الباب الشمالي، وهي أقدم مآذن الجامع، لكنها صيغت بترميمات وإضافات في العهود اللاحقة، فقسمها الأوسط مجدد في العهد الأيوبي، في إثر حريق عام 575هـ/1174م. أما قسمها العلوي فقد أضيف في العهد العثماني.

العناصر الزخرفية في المسجد

اعتمد بناة المسجد في زخرفته وتجميله على عنصرين، هما الفسيفساء والرخام، واستخدم الرخام لكسوة الجدران والعضائد، فكان يؤلف وزرة ارتفاعها نحو أربعة أمتار. وكان الرخام من النوع المجزع يغلب عليه البياض.

ولهذا الترخيم ما يشبهه في قبة الصخرة في القدس، وفي أياصوفيا في القسطنطينية (اصطنبول).

ولقد زالت الكسوة الرخامية من جدران المسجد بسبب الحرائق والزلازل، وبقيت أجزاء قليلة منها عند دهليز الباب الشرقي تدل على الأصل.

أما الفسيفساء، فكانت تلي الترخيم حتى السقف، وكسيت بها كذلك العضائد والعقود وواجهات القناطر. ويغلب في الفسيفساء  الفصوص الزجاجية الملونة التي يقارب حجمها سنتمتراً مكعباً. بينها ما هو مذهب أو مفضض، وبينها قليل من فصوص الرخام الملون والأصداف.

ويتكون من رصف هذه الفصوص لوحات رائعة تمثل مشاهد معمارية، فيها المنازل والجسور والأنهار، تحف بها حدائق وأشجار. ويحيط بهذه اللوحات  إطارات ذات أشكال هندسية. وكانت تحتوي كما وصفها المؤرخون القدماء كالمسعودي والمهلبي، على آيات قرآنية ونصوص تاريخية وصور المدن المشهورة لكنها تساقطت واندثرت من معظم أنحاء المسجد في أحداث الحرائق والزلازل. ويشاهد أهم ما بقي منها في الرواق الغربي للصحن، وفي واجهة المجاز وفي قبة الخزنة. وتظهر هنا وهناك قطع غير أموية أضيفت في عهود مختلفة. وقامت وزارة الأوقاف في سورية منذ سنوات بترميم ما تبقى من الفسيفساء القديم وتقويمها. وجرت محاولة لتجديد ما فقد منها، ولكن أُوقف هذا الاتجاه خشية اختلاط القديم بالجديد، وضياع الأصالة. وتشاهد اليوم القطع المحدثة محاطة بخط آخر يميزها من القديمة.

تاريخ المسجد ومكانته الحضارية

تعرض المسجد لثلاثة حرائق كبيرة، حدث أولها في العهد الفاطمي في أثناء ثورة الأهالي على القائد بدر الجمالي، واحترق الحرم في منتصف شعبان من عام 461هـ/1068م.

ووقع الحريق الكبير  الثاني عند اجتياح تيمورلنك لمدينة دمشق في عام 803هـ/1401م. ثم كان الحريق الأخير الذي قضى على الحرم في عام 1310هـ/1893م.

أما الزلازل التي ألحقت أضراراً بالمسجد، فأهمها زلزال عام 233هـ/847م. وزلزال عام 597هـ/1200م، وزلزال عام 1172هـ/1758م، وفي هذا الأخير تهدم الرواق الشمالي، ثم جدد على نحو مختلف من دون أعمدة، كما يشاهد اليوم.

لم تكن وظيفة المسجد تقتصر على الصلاة والعبادة، بل كان حافلاً في كل العهود بمختلف النشاطات الثقافية والاجتماعية والسياسية، وكان مركزاً للإشعاع الثقافي والعلمي، أقيمت عشرات المدارس حوله وفي داخله، وكانت حلقات الدرس تتوزع في أنحائه للصغار والكبار ولمختلف العلوم، وفيه زوايا يتخذها الطلبة للدرس والنسخ.

وكان عند كل عمود من أعمدة مسجد دمشق شيخ يكتب عنه العلم.

ويورد النعيمي في الإحصاء الذي وضعه في القرن العاشر الهجري لمدارس دمشق معلومات عن مدارس  كانت مقامة في أنحاء المسجد الأموي، اشتهرت بينها المدارس التالية:

المدرسة الغزالية: نسبة لحجة الإسلام الغزالي. وكانت تحتل ركناً من مشهد عثمان، أسسها السلطان صلاح الدين وأوقف عليها قرية من قرى حوران، وكانت مخصصة لأصحاب المذهب الشافعي. كما أسس زاوية للمالكية  إلى جوار المقصورة الحنفية في الجانب الغربي من الحرم.

المدرسة المنجائية: نسبة إلى ابن المنجا المتوفى سنة 695هـ لكونه أول من درَّس فيها. وخصصت للحنابلة.

المدرسة القوصية: نسبة للشيخ القوصي المتوفى سنة 653هـ، وكانت للشافعية.

زاوية المالكية: وهي في الجانب الغربي، وقفها نور الدين للمغاربة الغرباء ووقف لها أوقافاً كثيرة. وكان الطلاب المغاربة يجتمعون في هذه الزاوية فيتلقون العلم، وينالون الأجر المعلوم، ويسكنون في الصوامع المخصصة للطلبة والغرباء.

دار الحديث الفاضلية: بناها القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني العسقلاني بالكلاسة، وأضافها للمسجد الأموي، وعقد فيها حلقات للحديث ووقف عليها الأوقاف. وأول من درس فيها التقي اليلداني، ثم درس فيها النجم أخو البدر مفضل (ت 657هـ).

دار الحديث العُروية: بالجانب الشرقي من صحن المسجد وتُعرف قديماً بمشهد علي بن أبي طالب، وهي تنسب إلى شرف الدين محمد بن عروة الموصلي (ت 620هـ) الذي وقفها على دروس الحديث، ووقف لها خزائن كتب عظيمة. أول من تولى المشيخة فيها الفخر بن عساكر ثم الحافظ البرزالي.

المدرسة التاجية: وهي في زاوية المسجد الأموي الشرقية، غربي دار الحديث العروية، أشهر من درس فيها تاج الدين الكندي وزيد بن الحسن البغدادي النحوي.

المدرسة الصلاحية: بالقرب من البيمارستان النوري بالكلاسة، وقفت للشافعية درس فيها شمس الدين الكردي الأعرج وعماد الدين بن أبي زهران الموصلي وجمال الدين المعروف بحمار المالكية، ثم زين الدين الزواوي.

وكان المسجد الأموي عامراً بخزائن الكتب، وفي طليعتها مصحف عثمان النادر، وكان محفوظاً في خزانة خاصة بجانب المحراب والمقصورة، زال أثره في أعقاب الحريق الأخير.

وكان في مشهد عروة (مشهد عمر سابقاً) مخطوطة عيون الأنباء في طبقات الأطباء للطبيب ابن أبي أصيبعة المتوفى سنة 668هـ /1269م من عشرة مجلدات. قال ابن كثير إنه كان من أوقاف المسجد.

وكان عند أبواب المسجد أماكن مخصصة للوراقين، وعاقدي الأنكحة والشهود. وكانت تُقرأ في المسجد مراسيم تقليد القضاء، ويُحتفل بتعيين الولاة وبالأعياد الرسمية. وكان في العصر الحديث مقراً للاجتماعات السياسية وإلقاء الخطب، لإعداد المظاهرات المنددة بالاستعمار أو المعبرة عن مطالب الشعب وحقوقه.

وكان يتولى شؤون المسجد ناظر المسجد وتعد وظيفته من الوظائف الكبيرة، وحوله عدد من المؤذنين والموقتين، ذكر ابن كثير المؤرخ أنّ عدد المؤذنين كان في عام 764هـ/1362م ثلاثين مؤذناً.

وكان للمسجد أوقاف غنية تجمعت على مر العصور، بينها قرى بأكملها، وخانات وأسواق وحمامات، أثبتتها السجلات وكتب الوقف، ونصوص منقوشة على عمد المسجد وحجارته. وكانت تحفظ وثائق الوقف وحساباته في قبة الخزنة وعليها أقفال الحديد كما قال أبو البقاء البدري صاحب «نزهة الأنام في محاسن الشام» في القرن التاسع الهجري.

النفائس والتراث الفني

إضافة إلى ما ذكرته كتب التاريخ من خزائن الكتب ونفائس المخطوطات والمصاحف التي كان من أهمها مصحف عثمان، فقد كانت في المسجد قناديل من الذهب والفضة والبلور، معلقة بسلاسل الذهب، بلغ عددها ستمئة سلسلة. وكان على كل باب من أبواب المسجد في العهد المملوكي سراج كبير من نحاس يتسع لقنطار من الزيت.

كذلك اشتهر مسجد دمشق بما يملكه من الساعات التي تنوعت بحسب العصور. اشتهرت منها واحدة كان لها نظام للنهار وآخر لليّل، وصفها بدقة الرحالة ابن جبير في القرن  السادس الهجري (12م)، وكانت عند الباب الشرقي (باب جيرون): طاق كبير يحيط بطيقان صغيرة، لها أبواب من نحاس، كلما مضت ساعة يغلق واحد منها، وقبل انغلاقه تسقط بندقتان من فمي بازين في طستين من النحاس، فيسمع لهما دوي. ولهذه الساعة في الليل تدبير آخر يعتمد على وجود  أدراج من الزجاج مستديرة عند كل طاقة. وخلف كل زجاجة مصباح يدور به إطار، وكلما انقضت ساعة احمرت الدائرة الزجاجية بأكملها، وهكذا في كل ساعة.

وكان المسجد في القرون الأخيرة يعتمد في التوقيت على الساعات الشمسية والساعات الفلكية التي أطلق عليه اسم «البسيط».

وقد عثر في عام 1958 على واحدة من هذه الأخيرة مصنوعة من الرخام كانت ملقاة تحت الأرض. صنعها المؤقت المشهور ابن الشاطر الدمشقي في عام 773هـ/1371م، وهي محفوظة في متحف دمشق الوطني.

عبد القادر الريحاوي

 

الموضوعات ذات الصلة

 

الأمويون - دمشق - الفن العربي الإسلامي.  

 

مراجع للاستزادة

 

ـ ابن عساكر، تاريخ دمشق، المجلد الأول والثاني، تحقيق صلاح الدين المنجد (مطبوعات المجمع العلمي في دمشق 1951-1954).

ـ ابن جبير، الرحلة (دار صادر، بيروت 1964).

ـ ملكة أبيض، «الدور التربوي للمسجد الجامع بدمشق من الفتح حتى عام 86هـ/705م»، مجلة دراسات تارخية، العدد 7 (كانون ثاني 1982).

- SRESEELL (K.A.C), Early Muslem Architecture, Vol. I (Oxford 1932).

- DUSSAUD, Le temple du Jupiter Damaeenien et ses transformations aux epoques chertiennes et Musulmanes. Vol. III (Syria 1922).


التصنيف : التاريخ
النوع : دين
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد : 652
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 559
الكل : 31199342
اليوم : 24499

كنتال (أنتيرو دي-)

كِنتال (أنتيرو دي ـ) (1842ـ 1891)   أنتيرو دي كِنتال Antero de Quental، أحد أبرز الأسماء في الشعر البرتغالي الحديث، ورائد ما يسمى «جيل كويمبرا». ولد لعائلة أرستقراطية في ساو ميغِل São Miguel إحدى جزر الآزور البرتغالية في المحيط الأطلسي. ومع انتقاله للدراسة في البر البرتغالي انتسب إلى جامعة كويمبرا Coimbra، وأظهر تميزاً لافتاً بين أقرانه الذين شاركوه الثورة على الجيل القديم والشكلية السائدة في الأدب، وطالبوا بالإصلاح والتجديد، ليس على صعيد الأدب فحسب، بل في مختلف المجالات الأخرى السياسية والاجتماعية.
المزيد »