logo

logo

logo

logo

logo

المنفعة (مذهب-)

منفعه (مذهب)

Utilitarianism - Utilitarisme

المنفعة (مذهب ـ)

 

المنفعة أو النفعيّة utilitarianism مذهب فلسفي في الأخلاق، مفاده تقويم الأفعال بمقدار ما تنتجه من منافع، وفقاً «لمبدأ السعادة الكبرى» the greatest happiness principle، ويعني ضرورة سعي الإنسان إلى تحصيل أكبر قدر ممكن من المنفعة.

يعدّ جيرمي بنتام Jeremy Bentham ت(1748-1832) صاحب المذهب، ومؤسس مدرسته الإنكليزية، والمنظّر له، فقد وضع جميع نظرياته في كتاب شهير عنوانه «مدخل إلى مبادئ الأخلاق والتشريع» An Introduction to the Principles of Morals and Iegislation نشر سنة 1789 ونقح سنة 1823. ورّوج تلميذه جون ستوارت مِل[ر] J.S.Mill ت(1806-1873) للمذهب، ودافع عنه، ثم عمل على إدخال تعديلات جوهرية عليه في كتاب نشره سنة 1861، يحمل اسم المنفعة Utilitarianism.

ينقسم فلاسفة مذهب المنفعة إلى فرق عديدة، فريق يقيم مذهبه على قيمة كل فعل على حدة، وبما يستحدثه من نتائج، وهؤلاء هم فلاسفة مذهب منفعة الفعل act utilitarianism، وفريق يصنف الأفعال طبقاً لقواعد الأخلاق، ولا يحكم عليها بما تحققه من نتائج، ولكن بمقدار مسايرتها أو مجافاتها لقواعد الأخلاق، وهؤلاء هم فلاسفة مذهب المنفعة الخلقي أو منفعية القواعد الخلقية rule utilitarianism. وفريق يعرف المنفعة بأنها اللذة، وأصحاب هذا المذهب هم القائلون بالمنفعة القائمة على اللذة hedonistic utilitarianism، وفريق يطلب المنفعة لذاتها، إذ توجد بعض الأفعال الخيرة بذاتها، وتطلب لأنها كذلك بعدّها غايات وليس لأنها وسائل، ويسمى مذهبهم بمذهب المنفعة المثالية ideal utilitarianism.

ويفرق الفلاسفة بين المنفعة التي تخص الفرد ، ومذهبها هو مذهب «الفردية أو الأنانية» egoistic utilitarianism، والمنفعة التي تخص الجماعة، ومذهبها هو مذهب «المنفعة الجماعية» universalistic utilitarianism، وهو المذهب الذي يعرف الفعل النافع بأنه الفعل الذي يزيد من سعادة الجماعة بمقدار ما تتفق نتائجه مع مصلحة الجماعة أو المصلحة العام.

ومن الفلاسفة - أصحاب القواعد الخلقية - من يأخذ مذهب المنفعة باعتباره مذهباً أخلاقيّاً معيارياً normative يبين ما ينبغي فعله (بنتام)، ومنهم من يعده مذهباً أخلاقياً وصفياً descriptive عمله تحليل التفكير السلوكي.

وتاريخياً تمتد جذور مذهب المنفعة إلى المدارس الفلسفية اليونانية القديمة إلى أرستبوس القورينائي Aristippus ت(435-366ق.م) وإبيقور[ر] Epicurus ت(341-270ق.م)، التي تجعل اللذة hedonism المحرك الأول في التصرفات الأخلاقية، فكلاهما من أنصار اللذة ويميلان للقول بالمنفعة الفردية أكثر من الجماعية.

وكان من أنصاره في العصر الحديث هوبز[ر] Thomas Hobbes ت(1588-1779) وجون لوك[ر] John Locke ت(1632-1704) وهتشسون Francis Hutchesonت (1694-1747). وديفيد هيوم[ر] Hume الذي عرف المنفعة بأنها «دراسة وصفية محضة للطريقة التي يصدر الناس بها الأحكام الأخلاقية». ووصف مذهبه بالتفسيري، بمعنى أنه كان يتناول الفضائل القائمة ويحاول تفسيرها.

ويجسد تعريف بنتام للمنفعة جوهر مذهبه، إذ يقول: إن المنفعة هي «كل لذة أو كل سبب لإيجاد لذة، إنها القدرة الكافية في غرض معين على إنتاج ربح أو نفع أو امتياز أو لذة أو خير أو سعادة»، وهذه كلها معان تكاد تكون مترادفة، وتشكل الوجه الإيجابي للمنفعة، أما الوجه السلبي، النافع في سلبيته، فيحدده بنتام «بأنه القدرة الكائنة في غرض ما على منع حصول خسارة أو سوء أو ألم أو حزن، لذلك الذي نأخذ مصلحته بعين الاعتبار». وبهذا يكون المبدأ النفعي هو «تحري الإنسان دائماً لأكبر سعادة يستطيع التمتع بها»، و«تحقيق أكبر سعادة ممكنة لأكبر عدد ممكن». ومن ثم فإن مبدأ المنفعة يتناول أعمال الأفراد والجماعات والحكومات، فيكون له علاقة مباشرة بالتشريع والسياسة، فيتحول بذلك إلى مبدأ سياسي، إذ إن كل مبدأ تشريع يوفر أكبر قدر من السعادة القصوى والمنفعة الجماعية universalistic لا الفردية أو الأنانية egoistic الذي يفصل بنتام بينهما بوضوح.

لذلك يربط بنتام المنفعة بالنظم الاجتماعية والدين، فيدعو إلى أخلاق التعاطف التي تصبح فيها منفعة شخص هي منفعة الآخر، محدداً السبل التربوية التي تجعل الناس يرغبون في أن يتبنى بعضهم مافيه نفع الآخرين وفائدتهم، الأمر الذي يضيّق من عمل الدولة ووظائفها، ويدعو إلى إعادة بناء المجتمع، وتنظيم أوضاعه من جديد ، والإفادة من التشريع والقضاء والتجارة والتربية لنصرة الأخلاق، وكان يرى أن مبدأ المنفعة وحده صالح لأن يكون شريعة أي حكم، وما عداه لايصلح لأن ينظم القوانين التي تحكم أفراد المجتمع. ويمكن عدّ مذهب بنتام «راديكالياً» فلسفياً وسياسياً، فقد اقتربت أفكار هذا المذهب من الديمقراطية والأفكار المتقدمة المطالبة بحقوق الشعب والأفراد التي جعلت من مصلحة كل فرد مصلحة المجموعة.

كما يحدد بنتام المنفعة مذهباً أخلاقياً وصفياً مهمته تحليل التفكير السلوكي، ومذهباً معيارياً يسترشد به لما ينبغي عمله على النحو التالي، وكان يدعو بهذا إلى قيام «علم الواجبات أو منظومة الأخلاق» deonotology، وهو «صناعة القيام بما يليق فعله». أو هو «فن عمل ما يجب عمله» الذي يعكس تطبيقات مبدأ المنفعة في الواقع الحياتي.

ويذكر بنتام نوعين أساسيين من المبادئ المناهضة لقانون المنفعة: مبدأ مخالف باستمرار، وهو مبدأ التنسك principle of asceticism، ومبدأ متعاطفاً حيناً ومتنافراً حيناً آخر  ويسميه مبدأ التعاطف والنفور principle of sympathy and antipathy. فالأول يؤيد أي عمل إنساني أو أي تصرف ينقص سعادة الفرد، ويعارض كل مبدأ يزيد هذه السعادة؛ والثاني يحكم على الأعمال والتصرفات من منطلق ذاتي محض، أي من العاطفة.

ولما كان صواب أي عمل من الأعمال، إنما يحكم عليه بمقدار ما يسهم في زيادة السعادة الإنسانية - اللذة، أو التقليل من شقاء الإنسان وألمه، يحدد بنتام المصادر التي تأتي منها اللذة أو الألم، يعدّها علة فاعلة لا علة غائية، ويحصرها في أربعة، وهي: المصدر الطبيعي أو الفيزيائي؛ والمصدر السياسي؛ و المصدر الأخلاقي أوالشعبي؛ والمصدر الديني. كما يلجأ إلى وضع سبعة معايير لقياس  كمية اللذة أو حجم الألم هي: الشدة intensity والدوام duration والتأكد أو عدمه certainty or uncertainty والقرب والبعد propinquity or remoteness والخصب fecundity والصفاء والنقاوة purity والامتداد أو الانتشار extent، وهذه المعايير تسهم في تقييم الأعمال المراد القيام بها واتجاهاتها نحو الصلاح أو نحو السوء.

أما جون ستيورات مل فقد تبنى مذهب سلفه بنتام، ووضعه في إطاره التاريخي (على خلاف بنتام الذي أهمل هذا الجانب)، وردّه إلى أبي النفعية سقراط[ر] Socrates في جداله مع السفسطائي بروتاغوراس Protagoras ت(481-411ق.م)، فطرحه كمشكلة أخلاقية: مشكلة الغاية من العمل البشري، أي المنفعة، وخلص إلى أن «السعادة هي وجود اللذة وغياب الألم»، والسعادة هي المقياس الوحيد الملموس لكل عمل أخلاقي، بل لكل عمل إنساني، والغاية القصوى لتصرف الفرد، والهدف الأخير لسعي البشرية الدؤوب، وانطلاقاً من هذه الرؤية، قام مِلْ بإدخال تعديلات أساسية على مذهب بنتام، أهمها: مفهوم الكيف quality أي مفهوم صفات اللذات ونوعيتها- بوصفه مذهب بنتام لايأخذ في الحسبان نوعية العمل الأخلاقي - ثم الدوافع والشعور بالإلزام الأخلاقي والواجب، متأثراً بمبدأ كَانْط[ر] Kant «تصرف بطريقة تجعل قاعدة تصرفك قابلة لأن يتبناها كقانون عام جميع الكائنات العاقلة».

ويؤكد مِلْ بأن هناك شعوراً طبيعياً قوياً  ينسجم مع الأخلاق النفعية التي تجعل من السعادة العامة مثلها الأخلاقي الأعلى، وهو مجموعة المشاعر الاجتماعية للإنسانية، أي الرغبة في العيش بانسجام مع بقية الناس، والشعور بالترابط بين كل أفراد المجتمع، وهنا يلعب التعاطف والتربية دورهما الأساسي، حيث يجد الفرد نفسه محاطاً بمؤسسات وجمعيات عدة، تهتم بالمصلحة العامة وبمنفعة الآخرين، وتقدم الإنسانية، وهنا يلتقي مِلْ[ر] أوغست كونت[ر] Comte ت(1798-1857)، المؤمن بتطور المعرفة الإنسانية، وتقدم البشرية التي تجعل من سعادتها ديناً جديداً، وكان مل معيارياً جمعياً من أنصار اللذة.

وهكذا فقد أدى مذهب المنفعة دوراً مهماً في تاريخ الفلسفة المعاصرة، وفي الفكر الإنكليزي خاصة، محاولة لحل مشكلات الإنسانية كافة، واستمر مقترناً بالحركات السياسية التقدمية بعد وفاة مؤسسه بنتام، فكان بمنزلة حلقة وصل بين الليبرالية التجارية والسياسية والحلقات الاشتراكية التي عرفتها إنكلترا في القرن التاسع عشر، والفضل في ذلك أولاً لجيمس مِلْ[ر] James Mill ت(1773-1836) والد جون ستيوارت الذي ظل مدافعاً جريئاً عن فكرة سعادة الإنسان في العالم، وإمكانية تحقيق ذلك. لكن بدأ هذا المذهب يخبو شيئاً فشيئاً منذ منتصف القرن أمام صعود مذهب المثالية[ر] idealism وتوهجه، فكان من أشهر رواد مذهب المنفعة المثالي في الفكر المعاصر جورج مور[ر] Moore ت(1873-1958)، وراشدال Hastings Rashdall ت(1858-1924).

عدنان شكري يوسف

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الأبيقورية ـ الأخلاق ـ بنتام ـ المثالية ـ مل ـ مور.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ وليم ديغوسون، النفعيون، ترجمة محمد إبراهيم (مكتبة نهضة مصر، القاهرة 1975).

ـ عادل العوا، المذاهب الأخلاقية (مطبوعات جامعة دمشق، 1964).

ـ يوسف كرم، تاريخ الفلسفة الحديثة (دار المعارف، القاهرة 1966).


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
النوع : دين
المجلد: المجلد التاسع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 742
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 589
الكل : 31228066
اليوم : 53223

عثمان (محمد-)

عثمان (محمد ـ) (1855ـ 1900)   محمد عثمان موسيقي مصري، أحد أعلام التلحين والغناء في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولد في القاهرة وتوفي فيها. كان والده الشيخ عثمان حسن فقيهاً ومدرساً في جامع السلطان أبي العلاء، فتفتحت مدارك الطفل محمد في حلقات الذكر، ونمت ذائقته الموسيقية، وتمتع منذ صغره بجمال الصوت.
المزيد »