logo

logo

logo

logo

logo

أذربيجان (التاريخ)

اذربيجان (تاريخ)

Republic of Azerbaijan - République d’Azerbaïdjan

أَذْرَبيجان تاريخياً

 

يطلق اسم أَذْرَبيجان في الوقت الحاضر على المنطقة التي تضم جمهورية أَذْرَبيجان (السوفييتية سابقاً) وأَذْرَبيجان الإِيرانية. وقد اختلف في سبب تسمية هذه المنطقة باسم أَذْرَبيجان, فالمؤرخون القدامى يذكرون أنها سميت نسبة إِلى القائد أتروباتس Atropates (الذي تحميه النار) الذي أعلن استقلاله عن الأخمينيين [ر] في الوقت الذي اجتاح فيه الاسكندر المقدوني [ر] منطقة الشرق سنة 328 ق.م, في حين يرى كثير من الباحثين أن صورة الاسم القديمة في الفارسية هي «أذر باذكان» ومعناها خازن النار أو بيت النار, فصحفه اليونان إِلى أتروباتينه Atropatene.

كانت أَذْرَبيجان تدعى «البرزخ الميدي» لأنه عبر طرقها التي يسهل اجتيازها من الشمال الشرقي والشمال الغربي يمكن اختراق الهضبة الإِيرانية من الجبهة الشمالية المنيعة, وقد جلبت هذه المنطقة التي تكوَّن أحد منفذين طبيعيين اثنين (أَذْرَبيجان وخراسان) إِلى قلب إِيران شعوباً كثيرة جاءت واستقرت حول بحيرة أُرْميَة ذات المياه المالحة والتي هي أهم معلم طبيعي في أَذْرَبيجان, وفي هذه البقعة ولدت ونشأت الأسر المالكة في ميدية وفارس, وعند بوابات أَذْرَبيجان كان على الجيوش الامبراطورية الفارسية الأخمينية (559-331ق.م) أن تقف حارساً يقظاً في وجه الشعوب الطامعة القادمة من جبال القفقاس ومن السهوب الروسية الجنوبية, ويمكن القول إِن أَذْرَبيجان بقيت منذ تأسيس الامبراطورية الأخمينية سنة 559 ق.م حتى انهيار الدولة الساسانية على يد العرب إِما تحت سيطرة أُسر فارسية أو أنها كانت تؤلف جزءاً من الامبراطورية الفارسية كما حدث في عهد الأرشاقيين Arshakids (الفرثيين) والساسانيين [ر].

دخلت أَذْرَبيجان ضمن نطاق الدولة العربية الإِسلامية في خلافة عمر بن الخطاب (13- 23هـ/ 634 -643م) وترجح الروايات المتعلقة بتاريخ الفتح سنتي 20و 22هـ حينما توجه حذيفة بن اليمان من نهاوند إِلى أَذْرَبيجان, كما وجهت إِليها حملات أخرى من شهرزور, وصالحَ المرزبان حاكم أَذْرَبيجان حذيفة بن اليمان عن جميع أهل أَذْرَبيجان على 800 ألف درهم على أن لا يقتل منهم أحداً ولا يسبيه ولا يهدم بيت نار, وأن لا يعرض لأكراد البلاسجان Balasagân والسبلان Sabalan وساترودان Shatrudan.

بدأ انتشار الإِسلام في أَذْرَبيجان في خلافة عثمان بن عفان (23-35هـ) عندما أسكن الوالي الأشعث بن قيس جماعة من العرب من أهل العطاء والديوان في أَذْرَبيجان وأمرهم بدعاء الناس إِلى الإِسلام, فلما وليها ثانية في خلافة علي بن أبي طالب وجد أكثرهم قد أسلموا وقرؤوا القرآن, كما أخذت العشائر العربية, من البصرة والكوفة والشام تستقر في مختلف مناطقها. ولأن أَذْرَبيجان كانت من فتوح الكوفة فقد بقيت تابعة إِدارياً لوالي الكوفة حتى سنة 83هـ/702م عندما جعلها عبد الملك بن مروان (65-86هـ/ 684- 705م) ولاية تابعة إِدارياً لوالي الجزيرة, وكانت أَرْدَبيل أكبر مدينة في أَذْرَبيجان وعاصمة لها قبل الفتح, فلما ولي محمد بن مروان الجزيرة وأرمينية وأَذْرَبيجان سنة 114هـ, اتخذ المراغة معسكراً له, وبنى فيها دار الإِمارة, واتبع العباسيون أسلوب الأمويين في جمع أرمينية وأَذْرَبيجان لوال واحد, كما بقي للمراغة أهميتها, ففي خلافة هارون الرشيد (170-193هـ/ 786-808م) عين خُزَيْمة بن خازم بن خزيمة والياً على أرمينية و أَذْرَبيجان, فبنى سور المراغة وأنزلها جنداً كثيفاً. ولما أعلن بابك الخرمي [ر] ثورته على الخلافة العباسية سنة 201هـ, متخذاً من جبال أَذْرَبيجان مركزاً لحركته, لجأ الناس إِلى المراغة فنزلوها وتحصنوا فيها. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها المأمون للقضاء على هذه الحركة, فإِنها استمرت بعد وفاته, لانهماك قواته بحرب البيزنطيين, وحصانة المنطقة الجبلية التي اعتصم بها بابك وجماعته. وسخَّر الخليفة المعتصم (218-227هـ/ 833-841م) كل إِمكاناته وقواته حتى قضى عليها سنة 222هـ, ولكن هذه الحركة لم تنته إِلا بعد أن أفنت عدداً كبيراً من جند الخلافة, وكلفت الدولة الكثير من الأموال وأضعفت سلطة الخلافة في أَذْرَبيجان, وكان آخر الحكام الأقوياء فيها الساجيون (276-318هـ/ 889-930م) وبدأت تظهر بعد سقوط هذه الأسرة أُسر محلية (373-463هـ/983-1070م) فبعد سيطرة ديسم بن إِبراهيم الكردي, سيطر بنو سافر المعروفون ببني السلار من الديلم, ثم بنو الرَّواد الأكراد.

وفي بدايات القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي بدأت جحافل الغُزَّ بالوصول إِلى أَذْرَبيجان, فلما دخلوا المراغة سنة 429هـ وقتلوا أهلها وأحرقوا مساجدها, اتفقت كلمة صاحبي أَذْرَبيجان, ابن ربيب الدولة من الأكراد الهذبانية ووهوذان من بني الرَّواد على الوقوف في وجه الغُز واجتمع معهما أهل همذان فنجحوا في الانتصاف منهم سنة 433هـ/1041م واضطروهم إِلى مغادرة أَذْرَبيجان, إِلا أن أَذْرَبيجان دخلت ضمن نطاق دولة سلاجقة العراق, عندما توجه طُغْرُلْبِك إِليها سنة 446هـ/ 1054م, وأعلن صاحب تَبْريز أبو منصور وهوذان بن محمد الروادي الطاعة لطغرلبك وخطب له وحمل إِليه ما أرضاه, وأعطاه ولده رهينة, كما أرسل إِليه سائر حكام تلك النواحي يبذلون له الطاعة والخطبة, وانقاد العساكر إِليه, فأبقى بلادهم عليهم وأخذ رهائنهم, فلما نزل الضعف بالسلاجقة انقسمت دولتهم إِلى عدة فروع وأخذ المماليك الذين يحملون لقب أتابك ينوبون في الحكم عن الأمراء الفتيان, ثم لم يمض زمن قصير حتى انتقلت مهمة الحكم إِليهم وأصبحوا حكاماً, ونشأ أتابكة أَذْرَبيجان [ر] من أسرة إِيلدكز القبجاقي مملوك السلطان مسعود من سلاجقة العراق, ونعمت أَذْرَبيجان بحقبة من الهدوء والسلام في عهد شمس الدين إِيلدكز (541-568هـ/ 1146-1172م) وابنه محمد بهلوان (568-587هـ/ 1172-1191م) فلما كان حكم أبي بكر بن محمد البهلوان (587-607هـ/1191-1210م) ساءت حالها لسوء سيرته, كما كثرت عليها الغارات من الكرج, وكثر النهب والقتل والسبي في أهلها ومالها, وأنهى الشاه جلال الدين منكبرتي الخوارزمي [ر] شاه خوارزم حكم أسرة إِيلدكز, عندما توجه سنة 622هـ/1225م إِلى المراغة فملكها وأقام بها وأخذ في عمارتها وتحصينها, ثم قصد تبريز فملكها في رجب سنة 622هـ وهزم الكرج ونجح بمساعدة وزيره شرف الملك في أن يسترجع القلاع والمدن التي كان نائب خلاط قد استولى عليها, كما هزم الأمراء البهلوانية الذين انتقضوا عليه وفتح مدناً كثيرة وتسلم أكثر قلاعها ثم سار قاصداً الران.

لم ينعم جلال الدين طويلاً بانتصاراته, إِذ جاء المغول في أعقابه, وبوصول هولاكو سنة 654هـ/ 1256م أصبحت أَذْرَبيجان مركز امبراطورية ضخمة, واتخذ المغول المراغة عاصمة لهم في بادئ الأمر ثم تبريز التي ازدهرت في أيام غازان أو قازان خان وأصبحت مركزاً تجارياً وثقافياً مهماً في القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي إِذ شرع قازان خان ببناء أرباض كبيرة فيما يلي سورها القديم الذي بني بعد زلزال سنة 434هـ/1043م وزاد خلفاؤه على أبنيته كثيراً من المساجد الكبيرة وغيرها من الأبنية داخل المدينة.

بعد المغول وخلفائهم الجلائريين احتل التركمان أَذْرَبيجان فحكمها القرة قيونلو Kara Koyunlu (782-874هـ/ 1380-1469م) والآق قيونلو Ak Koyunlu [ر] (806-914هـ/1403-1508م) ثم صارت بيد الصفويين [ر] الذين ينتمون إِلى الشيخ صفي الدين الأردبيلي, عندما نجح إِسماعيل بن حيدر في الاستيلاء على تبريز من الآق قيونلو, وتوج شاهاً لأَذْرَبيجان في تموز 907هـ/1501م ثم بادر إِلى الاستيلاء على إِيران كلها, وأصبحت أردبيل عاصمة في أيام الدولة الصفوية, قبل أن ينقلوا قاعدة ملكهم إِلى تبريز أولاً ثم إِلى أصفهان. وبين سنتي 920و1012هـ/1514و1603م احتل العثمانيون تبريز مراراً ومناطق أخرى, غير أن الشاه عباس (986-1038هـ/1578-1628م) استطاع أن يستعيد هذه المناطق, ثم عاد العثمانيون فاستولوا على أَذْرَبيجان وولايات أخرى غربي إِيران في أثناء الغزو الأفغاني (1132-1141هـ/1722-1728م) حتى طردهم منها نادر شاه من أسرة إِفشار (1153هـ/1740م).

شهد القرن الثامن عشر كذلك نهوض روسية عسكرياً وتوسعها على حساب تركية وإِيران واستطاعت نتيجة حروب طويلة أن تستولي على دربند وباكو وشيروان وشيكي وغانجا وناختشيفان والقسم الجنوبي من تاليش Talish بموجب معاهدة كلستان (غلستان) Gulistan (1229هـ/1813م) ومعاهدة تركمنشاي Turkmanchai (1244هـ/1828م) وتعينت منذ ذلك الوقت الحدود بين أَذْرَبيجان الروسية وأَذْرَبيجان الإيرانية.

كان معظم سكان جمهورية أَذْرَبيجان من أصول إِيرانية, إِلا أن سيطرة السلاجقة في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي أدى إِلى تتريكها واستمر هذا التتريك حتى بعد الغزو المغولي لها, إِذ أجبرت أعداد كبيرة من العائلات من آسيا الوسطى, وآسيا الصغرى على الاستقرار فيها, ولذلك فإِنه عندما احتلت القوات التركية باكو في 15 أيلول سنة 1918م أعاد نوري باشا قائد القوات التركية تنظيم هذه المنطقة, وأطلق عليها اسم أَذْرَبيجان, لأن معظم سكان أَذْرَبيجان الإِيرانية وسكان هذه المنطقة من أصول واحدة تقريباً, ويتكلمون التركية, وعندما عاد الحلفاء, فاحتلوا باكو إِثر معاهدة مودرُس Mudros في 17 تشرين الأول 1918م اعترف الجنرال ثومسون Thomson بحكومة حزب المساواة في أَذْرَبيجان. وبعد جلاء الحلفاء عنها, أُعلن النظام الشيوعي في باكو في 28 نيسان 1920م من دون مقاومة تذكر, وأصبحت أَذْرَبيجان واحدة من جمهوريات ثلاث في الاتحاد الفدرالي الذي ضم أَذْرَبيجان وجورجية وأرمينية ولكن العداوات العرقية والدينية أدت إِلى إِخفاق هذه المحاولة وأصبحت أَذْرَبيجان ابتداءً من الخامس من كانون الأول 1936م جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفييتي, وقد استقلت عن الجمهوريات التي كانت تؤلف الاتحاد السوفييتي في أواخر عام 1991م وغدت جمهورية مستقلة ذات سيادة. أما أَذْرَبيجان الإِيرانية, فهي التي تقع إِلى الجنوب من جمهورية أَذْرَبيجان المستقلة, وفي الزاوية الشمالية الغربية من إِقليم فارس.

ولصعوبة تحديد كل من أَذْرَبيجان والرّان وأرمينية, عدها الجغرافيون العرب إِقليماً واحداً سماه المقدسي إِقليم الرحاب تمييزاً   له من إِقليم الجبال Media وإِقليم آقور (الأرض المطمئنة وهي الجزيرة).

استولى الأتراك على أَذْرَبيجان الإِيرانية في أثناء الحرب العالمية الأولى, كما استولى الروس عليها في الحرب العالمية الثانية, وأعلن الاتحاد السوفييتي تأسيس جمهورية أَذْرَبيجان وعاصمتها تبريز ولكن القوات الإِيرانية استعادت المنطقة الإِيرانية من أَذْرَبيجان سنة 1947م.

تنقسم أَذْرَبيجان الإِيرانية اليوم إِلى قسمين: أَذْرَبيجان الغربية ومساحتها 39216كم2 وعاصمتها أُرْمِية وسكانها 1688000 نسمة (إِحصاء 1983) ومعظمهم من الأتراك إِضافة إِلى أقليات من الأكراد والأرمن, ويسكن الأكراد في المنطقة الممتدة من نهر أراكس Araxes في الشمال إِلى قرب خُوي Khǘy  في الجنوب. أما الأرمن فهم قلة منتشرة في الشمال الغربي. وتُعدّ الزراعة التي تتوضع في حوض أُرْمِية عماد اقتصادها.

أما أَذْرَبيجان الشرقية [ر. إِيران] فمساحتها 67102كم2 وعاصمتها تبريز, وهي جبلية تخترقها سلسلة جبال زاغروس الشرقية من الشمال إِلى الجنوب, كما أن فيها مرتفعات بركانية شاهقة أبرزها جبل سبلان ويقدر عدد سكانها بنحو 3679000 نسمة (عام 1983). ومعظمهم من الأتراك إِلى جانب الأرمن وقلة من الأكراد, والأتراك مسلمون شيعة, والزراعة عماد حياتهم, وتصل شبكة من الطرق والسكك الحديدية بين مدنها المهمة, تبريز والمراغة وأردبيل وأهار Ahar وميانة Mianeh ومرند وسَرَب, كما أن هناك خط أنابيب نفط يمتد من تبريز إِلى طهران.

 

نجدة خماش

 

التصنيف : التاريخ
النوع : سياحة
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 755
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 569
الكل : 30991014
اليوم : 46815

تقي الدين محمد بن معروف

تقي الدين محمد بن معروف (نحو 932 ـ 993هـ/1525 ـ 1585م)   تقي الدين محمد بن معروف بن أحمد، عالم فلكي، وراصد رياضي ومهندس ميكانيكي، اشتهر أوائل الحكم العثماني. ورد اسمه كاملاً ومدوناً بخط يده على مخطوط له عنوانه «الطرق السنية في الآلات الروحانية». يرجع في نسبه إلى الأمير ناصر الدين منكويرس، ابن الأمير ناصح الدين خمارتكين. أشارت معظم المراجع إلى أنه من مواليد مدينة دمشق، ثم انتقلت أسرته إلى مصر، حيث استقرت فيها. نشأ تقي الدين في بيت علم ودين، فقد كان والده قاضياً في مصر. ودرس هو علوم عصره، وأصبح قاضياً مثل أبيه. تحدث عن نفسه في أحد مؤلفاته، وهو «سدرة منتهى الأفكار في ملكوت الفلك الدوار» فقال: «ولما كنت ممن ولد ونشأ في البقاع المقدسة، وطالعت الأصلين «المجسطي»، و«كتاب إقليدس في الأصول» أكمل مطالعة، ففتحت مغلقات حصونها، بعد الممانعة والمدافعة. ورأيت ما في الأزياج المتداولة (الجداول الفلكية) [ر] من الخلل الواضح، والزلل الفاضح، تعلق البال والخلد بتجديد تحرير الرصد». وهذا يدل على أن تقي الدين قد اطّلع على الكتب العربية التي وردت فيها الأرصاد والحسابات الفلكية والأزياج فسعى لإصلاحها. واستخرج زيجاً وجيزاً مستعيناً بأبحاث أَلُغ بك، كما ذكر في كتابه «الدر النظيم في تسهيل التقويم». ويبدو من أقوال تقي الدين، التي وردت في كتابه «الطرق السنية في الآلات الروحانية» أنه زار اصطنبول، مع أخيه عام 953هـ/1546م. وربما كان ذلك بحكم وظيفته، أو رغبة في طلب العلم.  وفي تلك المدينة قام بمشاركة أخيه بتصميم آلة لتدوير سيخ اللحم على النار، فيدور من نفسه من غير حركة الحيوان. عمل تقي الدين في خدمة الوالي علي باشا، الذي كان يحكم مصر من قبل السلطان سليمان القانوني، بدءاً من عام 956هـ/1549م. فأهداه كتابين من مؤلفاته وهما «الطرق السنية في الآلات الروحانية»، و«الكواكب الدرية في البنكامات الدورية». وجاء في كتاب «كشف الظنون» أنه في عام 975هـ/1568م ألف تقي الدين كتاب «ريحانة الروح في رسم الساعات على مستوى السطوح» في قرية من قرى نابلس. ثم شرحها العلاّمة عمر بن محمد الفارسكوري شرحاً بسيطاً بإشارة من المصنف، وسماها «نفح الفيوح بشرح ريحانة الروح»، وفرغ منها في ربيع الأول 980هـ، ولها ترجمة إلى اللغة التركية موجودة نسخة منها في المكتبة الظاهرية بدمشق. رحل تقي الدين بعد ذلك إلى اصطنبول، حيث تقرّب من الخواجه سعد الدين، معلّم السلطان، وصار من خواصه الملازمين. ونظراً لبراعة تقي الدين في العلوم الفلكية دعمه الخواجه سعد الدين ليكون رئيساً للمنجمين في أواخر حكم السلطان سليمان، وكان ذلك عام 979هـ/1571م. كان تقي الدين يرغب في إنشاء مرصد في اصطنبول، على غرار مرصد مراغة، الذي أنشأه أَلُغ بك، لذلك قدّم تقريراً للسلطان، عن طريق الصدر الأعظم محمد باشا، ووساطة الخواجه سعد الدين، وشرح في تقريره أن الجداول الفلكية الموجودة صارت غير قادرة على إعطاء معلومات صحيحة، لذلك صارت الحاجة ملحة لعمل جداول فلكية تستند إلى أرصاد جديدة. استجاب السلطان لطلب تقي الدين، وبدأ بإنشاء المرصد أوائل عام 983هـ/1575م، وانتهى بناؤه وتجهيزه بالأجهزة والأدوات بعد ذلك بعامين. وحدث في ذلك الوقت ظهور مذنب في سماء اصطنبول، ولما شاهده تقي الدين في مرصده تقدم بالتهنئة للسلطان، متنبأ له بالنصر على الفرس، الذين كانوا في حرب مع الدولة العثمانية. وقد تحقق ذلك النصر، لكنه لم يكن مجرداً من الخسائر الفادحة. كما أن وباء الطاعون انتشر انتشاراً واسعاً في ذلك الوقت. فانتهز الفرصة قاضي زاده شيخ الإسلام هو وجماعته المنافسون للصدر الأعظم وللخواجه سعد الدين، وشنوا حملة معادية لإنشاء المرصد، ونجحوا بإقناع السلطان بهدمه، فتم لهم ذلك في عام 1580م. كان السلطان مراد قد كافأ تقي الدين، عقب إنشائه المرصد، فمنحه راتب القضاة، كما منحه قطائع درت عليه دخلاً كبيراً. إلا أن هدم المرصد كان له تأثير سيء في نفس تقي الدين، وقد توفي بعد ذلك بخمس سنوات، ودفن في مدينة اصطنبول. كان تقي الدين، كما يقول عن نفسه، في كتابه «الكواكب الدرية في البنكامات الدورية»، مغرماً منذ حداثته بمطالعة كتب الرياضيات، إلى أن أتقن الآلات الظلية والشعاعية علماً وعملاً، واطلع على نسب أشكالها وخطوطها. كما اطّلع على كتب الحيل الدقيقة والميكانيك، ورسائل علم الفرسطون والميزان وجر الأثقال. وكان يتقن معرفة الأوقات ليلاً ونهاراً، معتمداً على عدة أشكال من الآلات، وخاصة البنكامات الدورية (الساعات). وقد دوَّن فن الساعات الميكانيكية ومبادئها، وذكر عدداً من الآلات التي اخترعها. ولكي يبرهن على مدى تقدمه في العلوم الرياضية، ورغبته في نشر المعرفة، وضع عدة مؤلفات، منها رسالة «بغية الطلاب في علم الحساب»، وكتاب في الجبر عنوانه «كتاب النسب المتشاكلة». وكتاب في الفلك عنوانه «سدرة منتهى الأفكار في ملكوت الفلك الدوّار». وسجل في كتابه الأخير المشاهدات الفلكية التي حققها في مرصد اصطنبول. ووصف الآلات التي استعملها فيه، وماكان منها من مخترعاته، محتذياً في ذلك حذو العلامة نصير الدين الطوسي الذي كان يعدّه المعلم الكبير. كان تقي الدين وافر الإنتاج العلمي، قام بتصنيف عدد من الرسائل والكتب، ولما يزل أكثرها مخطوطات محفوظة في عدة مكتبات عالمية. وفي عام 1976 قام أحمد يوسف الحسن بتحقيق ودراسة مخطوط «الطرق السنية في الآلات الروحانية»، ونشره مصوراً في كتاب عنوانه «تقي الدين والهندسة الميكانيكية العربية»، وبين بالرسم والشرح شكل وعمل الآلات التي وردت في هذا الكتاب، وقال: «إن أهمية كتاب الطرق السنية في أنه يكمل حلقة مفقودة في تاريخ الثقافة العربية، وتاريخ الهندسة الميكانيكية». أما موضوعات الكتاب فتشمل مقدمة وستة أبواب. تكلم تقي الدين في مقدمة هذا الكتاب على الآلة المعروفة بحق أو علبة القمر، وهي مشابهة في تركيبها للساعات الميكانيكية. وفي الباب الأول: تكلم على أربعة أصناف من البنكامات، وهي ساعات رملية أو مائية، مما عرفه العرب في مطلع حضارتهم. وفي الباب الثاني: ذكر ثلاث آلات لجر الأثقال. وفي الباب الثالث: وصف أربع آلات لرفع الأثقال ومثلها لرفع الماء. وفي الباب الرابع: تكلم على عمل آلات الزمر الدائم والنقارات (ثلاثة أنواع) والفوارات المختلفة الأشكال (أربعة أنواع). وفي الباب الخامس ذكر أنواعاً شتى من آلات طريفة (أحد عشر نوعاً). وفي الباب السادس: وصف لسيخ اللحم الذي يدور بصورة آلية على البخار.   محمد زهير البابا   مراجع للاستزادة:   ـ بنو موسى بن شاكر، الحيل، تحقيق أحمد يوسف الحسن (معهد التراث العلمي العربي، حلب). ـ تقي الدين، الطرق السنية في الآلات الروحانية، تحقيق أحمد يوسف الحسن (معهد التراث العلمي العربي، حلب).
المزيد »