logo

logo

logo

logo

logo

المعرفة (مجتمع-)

معرفه (مجتمع)

Knowledge society - Société de la connaissance

المعرفة (مجتمع ـ)

 

يوصف العصر الحديث الذي رافق انتشار المعلوماتية والاتصالات بأنه عصر المعلومات. وقد لازمته هذه الصفة تماشياً مع ما درج عليه المؤرخون والباحثون في إطلاق صفة على كل عصر تتناسب مع النشاط العلمي أو الاقتصادي الأوسع انتشاراً أو الأكثر تأثيراً في الحياة. ويتجه الاقتصاد العالمي أكثر من أي وقت مضى نحو الاقتصاد المبني على المعرفة أو العلم و«التكنولوجيا»، كما يزداد اعتماد النمو الاقتصادي والاجتماعي على المستوى «التكنولوجي» وعلى نمو هذا المستوى، وقد شاع تسمية هذا المجتمع بمجتمع المعرفة knowledge society

تتعاظم أهمية المعرفة في الاقتصاد، وتدخل المعرفة عنصر أساسياً أكثر فأكثر في تنافسية الصناعة وفي تنمية قطاعات الإنتاج والخدمات كافة. ويتجلى ذلك في زيادة نسبة الصادرات المعرفية في مجمل الصادرات كما تزداد صادرات الخبرة know-how، وصادرات الخدمات المعرفية من استشارات ومعلومات وغير ذلك. وكذلك تزداد نسبة تكلفة المعرفة في التكلفة الإجمالية للمنتجات والخدمات. ومن الظواهر الأخرى لهذه التغيرات تحول المعرفة إلى سلعة، مما يستدعي حمايتها والحفاظ على سريتها. كما أدى ذلك إلى تغير أساسي في حسابات الأصول الثابتة والأصول غير المادية للشركات لمصلحة الأصول المعرفية التي ازدادت قيمتها إلى حد كبير.

وهكذا ينتقل الاقتصاد المعتمد على إنتاج السلع والخدمات المبنية على المادة في مجتمع المعرفة إلى الاعتماد على السلع والخدمات المبنية على المعرفة. ويؤدي ذلك أيضاً إلى تغير في عمليات الإنتاج والتسويق، إذ إن السلعة المعرفية تُنتَج مرة واحدة، وتُباع ملايين المرات بخلاف السلع المادية التي يجب أن تُنتَج كل مرة. إن هذا التغير يجعل أرباح الشركات - مثل شركات البرمجيات العملاقة - والدول التي تنتج المعرفة أرباحاً خيالية.

بناء مجتمع المعرفة

يتلخص بناء مجتمع المعرفة بتوفير البيئة المناسبة لاكتساب المعرفة وتطويرها وتبادلها وتوظيفها لخدمة الاقتصاد الوطني. وقد ظهرت نظريات ومعايير وتوصيات تهدف إلى تحضير البيئات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ لتتلاءم مع متطلبات مجتمع المعرفة ولتجعل عملية الانتقال إليه أسهل وذات مردود أعلى.

إن هذا الاتجاه يحاكي ما توفره كل دولة للصناعيين فيها عندما تمدهم بالكهرباء والماء، وخدمات الطرق والاتصالات اللازمة لبناء المنشآت الصناعية وتشغيلها، وتضع تحت تصرفهم المعايير والمقاييس والمواصفات الضرورية لضبط الإنتاج وجودة المنتجات، وتفرض مجموعة من القوانين والأنظمة التي تحدد إجراءات إنشاء هذه الشركات والطرق والأساليب التي ينبغي أن تطبقها في أثناء عملها اليومي.

يمكن تلخيص متطلبات بناء مجتمع المعرفة بما يأتي:

 أ ـ تكوين الأطر البشرية

تُعد الأطر البشرية المكوِّن الأهم في مجتمع المعرفة، وتُعدّ إجراءات تكوين الأطر البشرية أهم الإجراءات في الوصول إلى مجتمع المعرفة، كما أن عوائد الاستثمار في تكوين الأطر البشرية أعلى من عوائد الاستثمار في أي من المجالات الأخرى في المجتمع. تنطلق إجراءات تكوين الأطر البشرية عادةً من دراسات ترصد الوضع الراهن، وتستشرف مستقبل العلم و«التكنولوجيا»؛ لتستنبط الاختصاصات التي ينبغي التركيز عليها في تكوين القوى العاملة، كما تشمل هذه الإجراءات أيضاً تحسين نوعية التكوين، وإحداث مؤسسات تعليمية جديدة تواكب الاختصاصات الجديدة؛ وإعادة النظر في المناهج المعتمدة في مراحل التعليم كافة بهدف زيادة المواد التي تسهم في الانتقال إلى مجتمع المعرفة، مثل تكنولوجيا المعلومات وضبط الجودة والتقييس. ومن الإجراءات أيضاً الاعتناء بالتكوين المستمر وتبني فكرة التعلم مدى الحياة خاصة في المجالات «التكنولوجية» سريعة التطور وتوفير التمويل لأعمال التدريب، وزيادة عدد الموفدين في مجالات العلوم و«التكنولوجيا»؛ وتوسيع الاهتمام بالدراسات العليا في الجامعات في المجالات العلمية و«التكنولوجية»؛ وربط هذه الدراسات بالمجتمع ربطاً محكماً. كما تشمل هذه الإجراءات تعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي مع المؤسسات الإقليمية والدولية وفق خطة واضحة وهادفة.

 ب ـ الإجراءات القانونية

 وتتضمن إصدار التشريعات التي تنظم عقود اكتساب المعرفة وعقود شراء وسائل الإنتاج والتجهيزات وتحديثها على نحو يضمن نقل بعض المعرفة للوطن، والتشريعات الخاصة بضبط الجودة والمواصفات والمقاييس، وتشريعات حماية الملكية الفكرية؛ وتشريعات حرية الفكر والترجمة والتأليف والنشر؛ والتشريعات المحفزة للقطاع الخاص لتمويل أنشطة العلوم و«التكنولوجيا» وقيام الشركات الاستشارية في شؤون الإنتاج والخدمات.

 ج ـ الإجراءات المالية

وتشمل منح تحفيز ضريبي ومالي للقطاع الخاص والعام للاستثمار في البحث والتطوير، وإدخال «التكنولوجيا» الحديثة في قطاعات الإنتاج والخدمات؛ ومنح تسهيلات ضريبية وجمركية تشجع نشوء قطاعات اقتصادية تستند إلى المعرفة؛ وإجراءات توفير رأس المال المخاطر لدعم قيام مؤسسات إنتاجية وخدمية مبنية على المعارف الوطنية الجديدة، وإجراءات زيادة المصروف على البحث والتطوير نسبة من الناتج الإجمالي. كما تشمل الإجراءات اللازمة  لتحسين وضع العاملين في العلم و«التكنولوجيا» ومنع هجرة العقول.

 د ـ الإجراءات المؤسسية

وتشمل تشجيع إحداث مؤسسات العلم و«التكنولوجيا» وتسهيله؛ وتفعيل مؤسسات البحث والتطوير في القطاعين الخاص والعام؛ والتركيز على بناء القدرات الوطنية؛ والتنسيق والربط بين مؤسسات العلم و«التكنولوجيا» وفعاليات الإنتاج والخدمات، مثل حدائق العلم وحاضنات الأعمال والمؤسسات الوسيطة التي تربط بين البحث والتطوير من جهة والإنتاج والخدمات من جهة أخرى؛ ومؤسسات النشر العلمي وشبكات المعلومات وقواعدها والجمعيات العلمية و«التكنولوجية» ومؤسسات المواصفات والمقاييس والجودة ومؤسسات الاعتماد.

هـ ـ توفير البنية التحتية

لابد من إنشاء «بنوك» المعلومات وتطويرها؛ ووسائل الوصول إلى المعلومات وتبادلها وتطويرها، وذلك بوساطة توفير وسائل الاتصال ومراكز المعلومات، وتخفيض كلف الاتصال وتحسين سرعتها لجعلها في متناول أوسع شريحة من أفراد المجتمع. ويلاحَظ في هذا المجال الاعتماد المتزايد على الشبكات الرقمية الوطنية التي توفر الوسائل الموثوقة والرخيصة لتبادل المعلومات سواءً بين مواقع العمل المختلفة لمؤسسة معينة أو بين الأنظمة الوطنية الموزعة بين عدة مؤسسات. في المراحل المتقدمة تصل الحكومات إلى مايُطلق عليه مصطلح الحكومة الإلكترونية التي تتلخص باستخدام الأنظمة المعلوماتية والشبكات لتقديم الخدمات الحكومية للمواطنين والمؤسسات والشركات.

الفرص والتحديات التي يفرضها مجتمع المعرفة

ثمة علاقة وطيدة بين امتلاك المعرفة ومعدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويمثل الانتقال إلى مجتمع المعرفة فرصة أمام الدول والمجتمعات النامية وتحدياً في الوقت ذاته.

تشير الدراسات الاقتصادية إلى أن عائدات الاستثمار في البحث والتطوير أعلى بعدة مرات من أي شكل من أشكال الاستثمار الأخرى، وقد تنبهت الدول والشركات لهذه الظاهرة؛ ولذلك فإن نسبة ما تصرفه الدول المتقدمة على البحث والتطوير في القطاعين العام والخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي كان في ازدياد مطّرد في العقود الأربعة الأخيرة. من جهة أخرى تنبهت بعض الدول النامية لذلك، وزادت ما تصرفه على العلم والتقانة لديها إلى حد كبير؛ مما أدى إلى معدلات نمو مرتفعة عندها.

وفي الطرف المقابل يؤدي ضعف المستوى المعرفي و«التكنولوجي» لدى البلدان النامية إلى ازدياد نسبة البطالة؛ وضعف التنوع الاقتصادي؛ وانخفاض معدلات النمو؛ وهجرة العقول والرساميل؛ وزيادة المديونية. هذا كله يؤدي من ثم إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي وعدم المقدرة على التنمية الاجتماعية والإنسانية.

ويبدو أن الميزات التفاضلية التقليدية للدول النامية (رخص اليد العاملة، توفر المواد الأولية، توفر الأرض) تقل أهميتها تدريجياً بالمقارنة مع ازدياد أهمية الميزات التنافسية المبنية على المعرفة؛ والتي تؤدي إلى زيادة في الإنتاجية وفي القدرة التنافسية.

وقد نشأت بنتيجة تباين سرعة استجابة المؤسسات والحكومات لمتطلبات مجتمع المعرفة اختلافات جذرية في البنى الاقتصادية والعلمية ، وأحياناً الاجتماعية، وتمثلت في الإمكانات المتوافرة لكل مواطن للاستفادة من ثمار التطور العلمي والتقني. وقد أوجد هذا التباين تحديات حقيقية أمام الدول التي تسعى إلى اللحاق بركب التقدم نتيجة صعوبة توفير مستوى مماثل لما تقدمه الدول المتقدمة لمواطنيها ومؤسساتها من تسهيلات سواء للاستفادة من منتجات العلم والتقانة في مجالات الحياة اليومية أو في تطوير قطاع اقتصادي جديد؛ هو اقتصاد المعلومات أو اقتصاد المعرفة. ونشأ مفهوم ديموقراطية المعلومات للدلالة على ضرورة توافر المعلومات لكل من يهتم بها، وعدم فرض قيود تقنية أو قانونية تؤدي إلى عدم التكافؤ في الحصول على المعلومات المفيدة؛ مما يؤدي إلى خلل في القدرة التنافسية في المجالات المختلفة.

الخاتمة

تعتمد التنمية الاقتصادية والبشرية في بداية القرن الحادي والعشرين أكثر من أي وقت مضى على المعرفة واستعمالها في هذه التنمية، وإن هذا النمط التنموي هو الذي يمكن أن يؤدي إلى تنمية  مستدامة ومنافسة.

يتضمن الانتقال إلى مجتمع المعلومات تضافر عدة أنواع من الإجراءات والعمل على عدة محاور متكاملة يؤدي كلٌ منها دوراً خاصاً ضمن نسق عام يهدف إلى رفع المستوى العلمي والتقني لأفراد المجتمع؛ ليتمكنوا من الاستفادة من منتجات العلم و«التكنولوجيا» في نشاطاتهم المهنية والاجتماعية.

إن هذا النمط الاقتصادي الجديد - ذا المردود العالي - يعدّ فرصة أمام الدول النامية التي لم تتمكن من الاستفادة من الثورة الصناعية، وعليها أن تستجيب بسرعة لمتطلبات بناء مجتمع المعرفة؛ وإلا فإنها لن تستفيد من الميزات التنافسية للمنتجات المعرفية وقد تخسر حتى ميزاتها التنافسية التقليدية.

 

راكان رزوق

الموضوعات ذات الصلة:

الثورة المعلوماتية ـ الحكومة الإلكترونية ـ الشبكة العالمية للمعلومات ـ المعرفة (اقتصاد ـ).

مراجع للاستزادة:

ـ محمد مراياتي، التطور التكنولوجي لاستدامة الصناعة في ظل منافسة عالمية واقتصاد المعرفة (منشورات اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، الأسكوا).

- DONALD A. SCHON et al., High Technology and Low Income Communities (MI 1999)..


التصنيف : التقنيات (التكنولوجية)
النوع : تقانة
المجلد: المجلد التاسع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 85
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 480
الكل : 31187956
اليوم : 13113

ما بعد الأخلاق

ما بعد الأخلاق   ما بعد الأخلاق meta-ethics، فرع من علم الأخلاق ethics يدرس البناء المنطقي للغة الأخلاقية، ولدلالة المصطلحات والأحكام الأخلاقية. وهو علم  يعلو على الأخلاق المعيارية ويسبقها، فلا يهتم بوضع معايير أخلاقية كما هي الحال - على سبيل المثال - عند كانْت [ر] Kant وجون ستورات مِلْ [ر] Mill، بل يسعى إلى نقد وتحليل المعايير والمفاهيم الأخلاقية التي وضعها الفلاسفة فعلياً في نظرياتهم، وبذلك تكون علاقة علم مابعد الأخلاق بالنظريات الأخلاقية كعلاقة «فلسفة العلم» بالنظريات العلمية. وقد أدخل هذا المصطلح في علم الأخلاق  الوضعيون المناطقة، تشبيهاً بعلم مابعد الطبيعة، ولتمييز الأخلاق الفلسفية الخالصة من الأخلاق المعيارية.
المزيد »