logo

logo

logo

logo

logo

الموسيقى

موسيقي

Music - Musique

الموسيقى

 

 تنسب كلمة «الموسيقى» إلى إحدى آلهات الفنون الجميلة، الشقيقات التسع المسماة «موز» Muses، اللواتي تُعنين بالموسيقى والرقص والغناء والفنون والشعر والعلوم، في الأساطير «الميثولوجية» الإغريقية. والموسيقى هي إحدى الفنون السمعية والبصرية، وتعني ـ علميا ًـ معالجة توظيف العناصر الصوتية المختلفة، جمالياً، وتعني كذلك فن التعبير عن الأحاسيس بوساطة هذه العناصر. ويعدّ الصوت والأذن البشرية أداتيها الأساسيتين.

الأسس الموسيقية

يتميز الصوت الموسيقي ton, sound [ر. الصوت والصوتيات] بثلاث صفات أساسية حسب نوعية اهتزازاته وهي: الدرجة الصوتية pitch، أي ارتفاع الصوت أو انخفاضه ويُقاس ذلك بعدد تواتر الاهتزازات «الذبذبات» (Hz) Hertz في الثانية، التي لا تقل ولا تزيد على الـ 16000ـ20000 Hz. والجهارة loudness وهي خفوت الصوت أو شدته وتقاس بـ «الديسيبل» (dB) decibel. والطابع timbre وهو طبيعة مصدر الصوت، كأن يكون أحد الصوتين غناءً والآخر عزفاً بآلة موسيقية، أو كلاهما عزفاً بآلتين مختلفتين نوعياً، أي أن يكون لهما طابع صوتي مختلف.

الشكل (1)

يتألف ألف باء الموسيقى من سبعة أصوات (درجات أو علامات) تؤلف سلّماً موسيقياً أو مقاماً scale حين تكون متعاقبة بإضافة الدرجة الأولى- تكراراً- إليها ببعد ثمانيّة (أوكتاف) octave وهي: أوت Ut أو دو Do ـ ره Re ـ مي Mi ـ فا Fa ـ صول Sol ـ لا La ـ سي Si (الشكل 1). ويقابلها في الإنكليزية والأنغلوساكسونية والجرمانية الأحرف الهجائية الآتية (كانت مستخدمة قديماً): A (لا) B ـ أو H (في الألمانية) (سي) C ـ (دو) D ـ (ره) E ـ (مي) F ـ (فا) G ـ (صول). وثمة سلم موسيقي خماسي pentatonic تتألف أصواته من خمس درجات بدلاً من سبع، إذ يخلو من نصف الأبعاد بين درجاته مثل: دو، ره، مي، صول، لا، وكان شائع الاستعمال ـ قديماً ـ في ألحان شعبية إنكليزية وسكوتلندية وغيرها، ومازال مستخدماً ـ حاليا ًـ في بعض دول إفريقيا كالسودان، وفي أقصى الشرق مثل الصين. ويعود الفضل في تسمية درجات السلم الموسيقي (دو ـ ره ـ مي …) إلى العالم الموسيقي الإيطالي غويدو داريتسو G. d’Arezzo (نحو عام 992م ـ1050) الذي اتخذ حرفين أبجديين من كل شطر من أبيات النشيد الديني المخصص للقديس يوحنا المعمدان. تدوّن الدرجات الموسيقية في مدرج موسيقي staff مؤلف من خمسة أسطر أفقية متوازية ذات أربعة فراغات بينها. ولما كانت الأصوات الموسيقية التي تميزها الأذن البشرية الحساسة تزيد على ثمانين صوتاً بقليل في طبقات صوتية مختلفة، كما في آلة البيانو [ر] piano استخدمت إشارات (مفاتيح) clef ترسم في بداية كل مدرج لتعطي اسمها للسطر الذي ترتكز عليه، فتسمى بقية الدرجات تبعاً له. والمفاتيح ثلاثة (الشكل 2) هي: «صول» ويرتكز هذا المفتاح على السطر الثاني من المدرج وهو مخصص لتدوين الأصوات الحادة «الصادحة» (سوبرانو) soprano، و«دو» ويرتكز على كل سطر من أسطر المدرج الذي يتخذ وفق ذلك درجة دو الوسطى، ليدل على إحدى الطبقات الصوتية متوسطة الارتفاع مثل «الآلتو» alto الذي يرتكز المفتاح فيها على السطر الثالث من المدرج، و«فا» ويرتكز عادة على السطر الرابع من المدرج وهو مخصص للأصوات المنخفضة «الجهيرة» (باص) bass. ويستخدم مفتاحا صول وفا معاً، ويُسمّى (المدرح الكبير)، لتدوين جميع الطبقات الصوتية (تقريباً) مثل آلة الهارب [ر] harp، والآلات من ذوات لوحة الملامس (أو المفاتيح) keyboard.

الشكل (2)

تتألف الأصوات الغنائية من سبع طبقات موسيقية غنائية يتوازعها الأطفال والنساء والرجال وهي (من الحادة إلى المنخفضة أصوات النساء: «الصادحة العليا» (السوبرانينو)، sopranino، و«الصادحة» (السوبرانو)، و«نصف الصادحة» mezzo Sop.، و«الرخيمة» (الآلتو). وتتألف أصوات الرجال ـ المستخدمة ـ من ثلاث طبقات: «الصادح» (التنور) tenor، و«الصادح الأوسط» (الباريتون) baritone و«الجهير» (المنخفض) bass. وثمة طبقة صوتية ثامنة (وسطى) يؤديها الرجال المخنثون تسمى (الأصوات البيضاء) تعادل تقريباً طبقة «الآلتو» النسائية. وتقارب كل طبقة صوتية من هذه الطبقات «الديوانين» (الأوكتافين) والنصف. يسمى التباين في الذبذبات بين صوتين «بعداً» أو «فاصلة» interval، ولاسيما بين صوتين متعاقبين في السلم أو المقام.

يتوضح الاختلاف بين الموسيقى العربية والموسيقى الغربية بما يأتي:

أ ـ بتنوع الأبعاد وتقسيماتها بين الدرجات المتوالية في المقام، إذ تتألف أبعاد أصوات المقام العربي من بعد كامل ومن أجزائه غير المتساوية فيما بينها، وذلك تبعاً للتقسيمات الطبيعية للبعد (في «التوافقيات» overtone، كما كان شائع الاستعمال سابقاً في العصور الوسطى وعصر الباورك [ر]، في الموسيقى عامة). في حين تتألف أبعاد السلم الموسيقي الغربي من بعد ونصف البعد «المعدّل» tempered فقط، إذ لمّا كانت الضرورة ماسة لإيجاد حل يتناسب مع متطلبات الآلات الموسيقية المبتكرة (من ذات الأصوات الثابتة كالكلافيكورد clavichord والكلافسان clavecin [ر. البيانو] آنئذ)، عُدّلت أجزاء البعد الموسيقي إلى نصفين متساويين، رياضياً. وهكذا أصبح السلم الموسيقي الغربي يتألف من اثني عشر نصف بُعد متساوٍ، مما دعا يوهان سباستيان باخ [ر] J.S.Bach، وجان فيليب رامو [ر] J.Ph.Rameau إلى التزام هذا النظام الموسيقي الذي أفسح المجال للموسيقيين في تسهيل الأداء في الآلات الموسيقية ذات الأصوات الثابتة وتطويرها. وألّف باخ في هذا الصدد كتاباً (في جزأين) يحوي ثمانياً وأربعين قطعة موسيقية من نوع «البريلود» prelude، و«التسلل» (الفوغة) fugue [ر. الصيغ الموسيقية] بعنوان «الآلات ذات جهاز الملامس المعدل جيداً».

ب ـ ونتيجة لإقرار السلّم المعدل هذا، أصبحت السلالم الموسيقية الغربية تتألف من ثلاثة أنواع: «السلم الكبير» major، و«السلم الصغير» minor الذي يتألف أيضاً من ثلاثة أنواع أساسية «الطبيعي» و«الانسجامي» Harmonic و«اللحني» Melodic إضافة إلى نوع رابع «باخي» (نسبة إلى باخ الذي استخدمه في كثير من ألحانه). أما النوع الثالث من هذه السلالم فهو «الملون» chromatic الذي يتألف من أنصاف الأبعاد الموسيقية المتتالية. أما المقامات العربية فيزيد عددها على مئة مقام، وذلك بسبب تنوع أجزاء البعد فيها إلا أن المستخدم منها نحو 15 مقاماً (الشكل 3).

الشكل (3)

ج ـ تعتمد الموسيقى العربية في ألحانها النظام «المونوفوني» monophony (أحادي الصوت)؛ أساساً، في حين تعتمد الموسيقى الغربية النظام «البوليفوني» مثل «الانسجام»[ر] (الهارمونية) و«الطباق» (الكونتربوان) counterpoint. فالانسجام هو تعدد الأصوات عمودياً، أما الطباق فهو تعدد الألحان أفقياً.

د ـ تعتمد الموسيقى العربية، أساساً، الإيقاع والغناء المنفرد، أما الموسيقى الغربية فتعتمد موسيقى الآلات، إلى جانب الجوقات الغنائية، ولاسيما في الأوركسترات والكورالات المتعددة الأنواع.

تاريخ الموسيقى

ليس هناك تاريخ محدد لأصول الموسيقى، ولكن من المؤكد أن الموسيقى نشأت مع الإنسان البدائي الذي عاشت معه وعبّرت عن أحاسيسه، فتعرّفها عندما بدأ يترنم بنغمة واحدة رتيبة وبصوت عاطفي مقلداً أحياناً بعض الطيور، ثم تابع ترنيمه بصوتين متعاقبين ثم في ثلاثة وهلم جرّا؛ إلى أن ارتقى الغناء وأصبح من ضرورات الحياة والتعاطف مع الآخرين. ثم كان الإيقاع ملازماً للغناء الذي تجلّى بالرقص، فاستخدم التصفيق بالأيدي والوقع بالأرجل. وكان قرع الأشياء الصلبة بعضها مع بعض كالأحجار وقطع الخشب مرافقاً للرقص أيضاً. ومع تطور الحياة الإنسانية ابتكرت الآلات الموسيقية [ر]. وفي ثَبتٍ لبعض علماء الموسيقى أن أصول ابتكار الآلات الموسيقية الوترية (ذات النقر) تعود إلى الرجل البدائي؛ الذي كان ينزع قشور الأشجار اليابسة بأظافره فيعطي بعضها رنيناً محبباً؛ مما دعاه إلى استخدام خيوط نباتية متينة مشدودة على جسم ما، ثم أضاف إليه زنداً لشد الخيوط وتغيير نغمات عزفه. ولاشك في أن أصول ابتكار الآلات الموسيقية - عامة - يغوص في أغوار الماضي المجهول.

يمكن تقسيم تاريخ الموسيقى إلى المراحل الآتية:

أولاً: الموسيقى لدى الشعوب القديمة

أ ـ شاعت الموسيقى لدى كثير من الشعوب القديمة، فقد كانت في حضارة «ما بين النهرين» [ر] شديدة الارتباط بالألوهية. ففي داخل أسوار المعابد، في الألف الرابعة ق.م، كان الكهنة وعلماء أحكام النجوم يزاولون هم أيضاً الموسيقى الغنائية المسماة «كالوتو» Kalutu، وكانت غالباً ما ترافق بالآلات الموسيقية. وتؤكد مشاهد النحت البارز bas-relief عندهم مزاولة الموسيقى الدنيوية أيضاً مثل الاحتفالات المختلفة والأعياد وإنشاد المغنيات. أما الآلات الموسيقية فهي كثيرة ومتنوعة لديهم، ومنها ما وجد صالحاً للاستخدام ـ في مدينة أور الأثرية ـ منذ القرن الخامس والعشرين ق.م. أما الآلات الموسيقية الوترية فكان أكثرها من نوع آلة الهارب.

ب ـ كانت الموسيقى عند المصريين القدماء [ر. مصر] تُسمّى «هي» Hy أي بهجة، ويعدّونها ذات أصول إلهية، ولذلك ارتبطت بالدين. وكانت يزاولها الرجال والنساء في غناء مرافق بالرقص وبعض آلات القرع البدائية مثل «المصلصلة» السيسترو sistrum (وهي حلقات دائرية عدة من الجلد المقوى تطرق بعضها مع بعض). وكان أفراد الشعب المصري بجميع فئاته يزاول الموسيقى في ألوف الأغاني الشعبية الشائعة وقتذاك؛ المسماة «مانرو» maneros، ولكن من دون مرافقة آلية. وارتبطت الموسيقى لدى المصريين القدماء بعلم الفلك فكانوا يشركون الأصوات الموسيقية (الدرجات) السبع مع أيام الأسبوع؛ والكواكب السبعة التي كانت معروفة لديهم حينذاك. وكانت الآلات الموسيقية كثيرة الأنواع، ولاسيما الإيقاعية منها والنفخية التي كان يُصنع قسم منها من الفضة أو الذهب، مثل الأبواق التي وجدت في مقبرة الفرعون توت عنخ آمون[ر].

 ج ـ أعطى الإغريقيون أهمية كبيرة للموسيقى، فاستخدموها في تربية النشء وعدّوها مصدراً مهماً للتربية الأخلاقية عامة (كتاب جمهورية أفلاطون)، كما كان معظم الشعراء والفلاسفة موسيقيين؛ مثل الفيلسوف وعالم الرياضيات فيثاغورس [ر] Pythagors الذي اخترع «آلة المونوكورد» monochord (آلة موسيقية ذات وتر واحد)، درس بوساطتها علاقة الأصوات بعضها مع بعض وتقسيماتها. وكان الإغريقيون يفضلون آلات «السيتارة» cithara واللير lyre [ر. القيثارة] والآولوس aulos [ر. الآلات الموسيقية]. وكان البعد الموسيقي الرباعي tetrachord أساساً للسلالم الموسيقية السبعة المستخدمة لديهم.

د ـ بدأت الموسيقى تنمو وتتطور في روما وضواحيها منذ القرن الثامن قبل الميلاد، ولا سيما في الغناء المنفرد والجوقات الغنائية الدينية، إضافة إلى تمجيد قادة الحروب في انتصاراتهم المرافقة أحياناً بآلة النفخ «التيبيا» Tibiae. وكان أول مشهد موسيقي جماهيري يعود إلى عام 364ق.م في روما، وكان يتألف من ممثلين وراقصين مرافقين بآلة التيبيا، ثم أصبح الشباب يؤدون مشاهد فنية مماثلة ومختلفة.

وتطورت الموسيقى والمسرح الروميان في القرن الثالث قبل الميلاد نقلاً عن مثيليهما اليونانيين، وأصبحت الحضارة الرومية على اتصال دائم بتلك اليونانية. وهكذا تركز المسرح المأساوي (التراجيدي) والهازل (الكوميدي)، في روما، في نسق مثيله اليوناني، ولكن باللغة اللاتينية. وشاعت الأغاني المنفردة والثنائية المسماة «كانتيكا» canticae، باللغة المحكية والمرافقة أحياناً بالجوقة الغنائية. وفي حقبة الامبراطورية الرومية، أصبحت روما مركزاً فنياً يستقطب الفنانين من كل صوب؛ إيطالي ويوناني ومشرقي، فتعددت وتنوعت المشاهد الفنية المختلفة والمرافقة ببعض الآلات الموسيقية المتطورة آنذاك.

هـ ـ أما الموسيقى عند العرب، فقد كانت قبل الإسلام عفوية وسماعية وليست مبنية على قواعد وأصول معينة [ر. العربية (الموسيقى ـ)]، وكان الحداء هو الغالب في مزاولة الغناء. ولم تظهر الموسيقى العربية غناءً متقناً وعلماً دراسياً؛ إلا بعد الإسلام عندما بدأ يفد إلى الحجاز مغنون ومغنيات «قيان»، بعضهم ذوو أصول فارسية، وكان أكثرهم يجيد نظم الشعر إضافة إلى الغناء، مثل عزة الميلاء (؟ ـ 705م) ومعبد[ر]، وإبراهيم وابنه إسحاق الموصلي [ر] وزرياب [ر] «الذي هاجر إلى الأندلس» وولادة بنت المستكفي [ر]، إضافة إلى علماء موسيقيين أيضاً شهيرين من مختلف الشعوب العربية والأجنبية كالفرس، منهم: الكندي [ر] والفارابي [ر] وأبو الفرج الأصفهاني والأرموي البغدادي [ر] وصفي الدين الحلي [ر] ومحمد بن عبد الحميد اللاذقي. وقد أحصى المستشرق والعالم الموسيقي الإيرلندي هنري جورج فارمر H.G.Farmer ت(1882ـ1965) في كتابه «مصادر الموسيقى العربية» (عن الحضارة العربية الإسلامية) الكتب التي عُنيت كلياً أو جزئياً بالموسيقى العربية، حتى القرن السابع الميلادي، فبلغت ما يربو على 350 مخطوطة. ومع ذلك، فقد عُثر في مدينة أوغاريت الأثرية (رأس شمرا ـ شمالي مدينة اللاذقية في سورية) على رُقُم موسيقية غنائية تعود إلى 1400 عام قبل الميلاد، وتعدّ أقدم مدونة موسيقية في العالم. كما عُثر فيها على قيثارة سومرية تعود إلى 2500 سنة قبل الميلاد وهذا دليل على وجود حضارة موسيقية فنية منذ عصور غابرة في سورية العربية.

ثانياً ـ الموسيقى في أوربا الحديثة:

أ ـ البوليفونية:

كانت الموسيقى الكنسية في أوربا غناء «مونوفونياً» (ذا سير لحني منفرد) تجلّت بـ«الغناء الغريغوري» [ر] في بداياته. وبدأت موسيقى (تعدد الأصوات) «البوليفونية» تتألف في القرن التاسع الميلادي بصيغ «الديافوني» diaphony ثنائية التصويت أو «الأورغانوم» organum. وكان الصوتان يسيران بتوازٍ بأبعاد الرباعية والخماسية والأوكتاڤ. وفي القرن الثالث عشر ثبت شكل «الديسكانت» Discanto الذي يختلف عن الأورغانوم بحركته المغايرة (المعاكسة). كما ولدت صيغة «الفالسوبوردونه» Falso Bordone التي تتألف من ثلاثة أصوات متطابقة في ثلاثية وسداسية الأبعاد على أن تنتهي بالبعد الخماسي أو الأوكتاڤ.

وتنسب ظاهرة تعدد الأصوات إلى الموسيقي الفرنسي بيروتان Pérotin (نحو 1160ـ1240) في «موضوع مسيّر» Conductus الذي كان متبعاً في بداية القرن 12 بأداء أحادي الصوت. وهناك صيغة بوليفونية مهمة في القرن ذاته وهي «الموتيت» Motet التي دامت حتى القرن 14 (وهي تختلف عن موتيت القرن 16).

كما ظهر «الطباق» في نهاية القرن 14 وهو سير لحني أفقي متواز في أصوات عدة عمودية (هارمونية) مختلفة. ومن أهم مؤلفي هذا النمط الموسيقي الفرنسيان فيليب دي ڤيتري Ph.de Vitry ت(1291ـ1361) وغيوم دي ماشو G. de Machaut (نحو 1300ـ1377).

ب ـ الشعراء الغنائيون الجوالون[ر] (التروڤير والتروبادور) Trouvères, Troubadours:

شاع تجوال التروڤير في القرنين 12و13، وكانت بداية ظهور الغناء الدنيوي، ولاسيما في فرنسا عام 1087 في منطقة البروڤانس Provence (شمالي فرنسا). أما التروبادور فهم شعراء الجنوب الجوالون بين القرنين 11و13. وفي ألمانيا نشط الشعراء الجوالون «المينيزينغر» Minnesinger  في القرنين 12و13. أما (المايستر زينغر) Meistersinger «الأساتذة المغنون» فقد ازدهروا بين القرنين 14و16 وهم المغنون الذين أحياهم المؤلف الموسيقي الألماني ريشارد ڤاغنر[ر] R.Wagner في أوبراه «معلمو غناء نورنبرغ» Die Meistersinger von Nürnberg. كما كتب المؤلف الموسيقي الإيطالي جوزبيه ڤيردي [ر] G.Verdi موسيقى أوبرا «التروڤاتي» Trovatore (أي التروڤير).

ج ـ المسرح الغنائي [ر. الأوبرا]: اجتمعت نخبة من الشعراء والموسيقيين الإيطاليين في نهاية القرن 16 في قصر الكونت دي باردي De Bardi في فلورنسا؛ لإيجاد نمط فني جديد ضد فن «الطباق» المسيطر و«البوليفونية» وأطلقوا على أنفسهم لقب «الرفاق الفلورنسيون» La Camerata Fiorentina، وتمخضت المداولات الفنية عن ظهور أول أوبرا بعنوان دافنه Dafne للموسيقي ياكوبو بيري J.Peri، إلا أنها لم تحظ باستحسان الجمهور الذي شاهدها واستمع إليها. ثم لحن بيري مسرحية غنائية أخرى «إوريديتشه» Euridice بمناسبة زواج ماريا دي ميديتشي بملك فرنسا هنري الرابع في إيطاليا، وأغنى هذه الأوبرا بالموسيقى والغناء، وقُدِّمت عام 1600، ولاقت رواجاً كبيراً. وتعدّ هذه المسرحية الغنائية أول تظاهرة فنية للأوبرا. ثم قدم كلاوديو مونتڤيردي [ر] C.Monteverdi «أورفيو» Orfeo في مدينة مانتوڤا Mantova عام 1607 جاءت غنية بتفاصيلها الفنية والتي تعدّ بحق أول أوبرا في تاريخ المسرح الغنائي. وتوالى شيوع الأوبرا في جميع أنحاء أوربا، ولاسيما في إيطاليا التي نبغ فيها عدد كبير من مؤلفي الأوبرا والأدباء والموسيقيين في القرن 19.

د ـ العصر الاتباعي [ر] Classicism ابتدأ العصر الموسيقي الاتباعي بظهور الأوبرا، وثبوت صيغ موسيقى الآلات الموسيقية مثل «السوناتا» sonata، و«السمفونية» symphony، و«الحوارية» (الكونشرتو) concerto، وبعض أشكال موسيقى الحجرة [ر] chamber music، وكذلك تطور الأسلوب الأوركسترالي السمفوني من قبل مدرسة مانهايم الموسيقية Mannheim، وبتركز الإشعاع الفني في مدينة ڤيينا، وبتطور الآلات الموسيقية الوترية من ذوات لوحة الملامس، وبتبوؤ البيانو على عرشها. وتميزت فرنسا بالمسرح مثل الأوبرا والباليه [ر] ballet. ويعد هذا العصر حجر الأساس للموسيقى الجادة (التقليدية) التي يُطلق عليها خطأً (الكلاسيكية). ومن عمالقة هذا العصر: هايدن [ر] Haydn، وموتسارت [ر] Mozart، وبتهوڤن [ر] Beethoven (المشترك في أواخر أعماله مع العصر الإبداعي [ر] Romanticism). وتتميز أواخر العصر الاتباعي بمرحلة انتقال من موسيقى عهد تبعية القصور إلى الحرية التي يمثلها أوائل الموسيقيين الإبداعيين.

هـ ـ العصر الإبداعي والقرن 19: حلّقت أسماء كثير من المؤلفين الموسيقيين في أجواء هذا العصر مثل: ڤيبر Weber، وبتهوڤن، وشوبرت Schubert، و شومان Schumann، ومندلسون Mendelssohn، وليست Liszt، وبرليوز Berlioz، وڤاغنر، وجميعهم من موسيقيي القرن 19، منهم من عاش ربعه الأول فقط، ومنهم من حضن معظم القرن مثل ڤيردي (1813ـ1901) فأغناه بأعماله الأوبرالية التي بلغت الست والعشرين، معظمها قيّم وجميل.

تأثرت الموسيقى في القرن 19، بالتطور الفكري والأدبي والفني الذي أدى إلى الإبداعية، فتمخضت عنه اتجاهات موسيقية [ر. الموسيقية الاتجاهات] كثيرة غيّرت مجرى الحياة الموسيقية في أوربا التي شعّت منها منذ القرن 17، إلى معظم بلدان العالم. ويسجل القرن ذاته أيضاً غروب الاتباعية، إذ أتاح لموسيقييه الفرصة للتعبير عن أهوائهم الفنية، مما دعا إلى ولوج باب التوصيف الواسع، ولاسيما الذي خص ترجمة المشاعر نقلاً عن الأعمال الأدبية والفلسفية أيضاً؛ إلى الأصوات الموسيقية، مما أدى إلى ظهور صيغ موسيقية كثيرة، إضافة إلى ابتكار «اتفاقات» chords جديدة، واستخدام الأصوات الملونة Chromatism، وقطع الموسيقى المرتجلة improvisations، وتطور الطوابع و الكتابة الأوركسترالية، وظهور المدارس الموسيقية المختلفة ذات الطابع المحلي المستقى من الإرث الشعبي والفولكلوري للغناء والرقص القوميين.

وـ موسيقى الآلات منذ القرن 19: كان حب تقليد الظواهر الطبيعية والتعبير عن المشاعر الإنسانية حيالها موسيقياً قديماً جداً. فظاهرة الموسيقى المبرمجة program music الحديثة مثلاً تصدرت أعمال كثير من موسيقيي القرنين 17و18؛ وإن لم تكن تُشير إلى هذا العنوان، مثل ڤيڤالدي[ر] Vivaldi في مؤلفته «الفصول الأربعة»، وباخ في «نزوة بابتعاد الأخ»، وبوكريني [ر] Boccherini في خماسيته «موسيقى ليلية في مدريد»، وغيرها كثير من أعمال تلك الحقبة في هذا المجال، وقد تمخض عن ذلك القصيد السمفوني poem symph. الذي عمّ النصف الثاني من القرن 19، وهو قطعة أوركسترالية تُستوحى من موضوعات أدبية أو فنية أو أسطورية أو طبيعية مثل «السمفونية السادسة» (الريفية) Pastorale لبتهوڤن، و«السمفونية الفانتازية» Fantastique لبرليوز اللتين يمكن تصنيفهما ضمن هذا التعريف من دون الإشارة إليه؛ إذ أراد المؤلفان وصف مشاعرهما حول حدث ما بالموسيقى.

كان برليوز وليست من أشهر مؤلفي «القصيد السمفوني» إضافة إلى تابعيهم مثل ريمسكي ـ كورساكوف Rimsky-Korsakov، وتشايكوڤسكي Tchaikovsky، وسيبليوس Sibelius، ولا سيما ريشارد شتراوس Strauss، وسان ـ سانس (وكلهم [ر]) الذي عبّر في مؤلفته «رقصة الموتى» Danse Macabre ت(1874) عن قرقعة الهياكل العظمية للأموات بأصوات آلة الإكسيلوفون xylophone [ر. الآلات الموسيقية] الإيقاعية.

ثالثاً ـ الموسيقى المعاصرة:

كان لاستقرار الأحوال الاجتماعية والاقتصادية في أوربا في القرن 19 أثر بارز في موسيقاه ولا سيما «الرومنسية»، مما أدى إلى تحول التعبيرات الموسيقية نحو تيارات موسيقية جديدة ملائمة لعصر «القرن العشرين» إذ تأثرت بالأحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية التي انعكست على الآداب والفنون والعلوم، ولاسيما الموسيقى التي تمخضت عنها أساليب معقدة وتيارات غريبة تعدّ نشازاً عن سابقاتها، منها:

آـ اللامقامية atonality التي يغيب فيها استقرار «المقام» tonal الموسيقي وسيطرته على اللحن الرئيس كله؛ فتصبح المؤلفة الموسيقية ليست ذات مقام محدد، كبيراً كان أم صغيراً مثلاً، إذ إنها لا تتقيد بقواعد «المقامية» البارز من حيث الارتكاز والبداية والنهاية أيضاً. وقد استخدم شونبرغ [ر] Schoenberg كثيراً هذا التيار الموسيقي في ألحانه. و«متعددة المقامات» Polytonality (ذات مقامين مختلفين أو أكثر). ومن أبرز ممثلي هذا الأسلوب هولست M.G.Holst، وداريوس ميو D.Milhaud.

ب ـ الدوديكافونية Dodecaphony، أو الاثنتا عشرية، أو الموسيقى النسقية serial mus.، وهي أسلوب يستخدم الاثنى عشر نصف الصوت الذي يتألف منها المقام، في اللحن الأساس للعمل الموسيقي الذي يصبح نتيجة لذلك، مبهماً لا يعطي راحة سمعية أو نفسية للمستمع. وكان شونبرغ أبرز من اعتنق هذا الأسلوب ونادى به في موسيقاه. كما أن هناك موسيقيين كثيرين أصبحوا يطلقون عنوانات تجريدية مبهمة على مؤلفاتهم لا تنطبق مع واقع العمل الموسيقي المشار إليه مثل: ميو في مؤلفاته: «الرجل وأمنيته» (1918)، و«الثور فوق السطح» (1919)، و«خليط السلطة» Salade. ت(1924)

ومن المجددين الموسيقيين، في هذا القرن: ريشارد شتراوس، وديبوسي Debussy، وراڤيل Ravel، وميو، وهندميت Hindemith، وبارتوك Bartok، وستراڤنسكي Stravinsky، وبروكوفييف Prokofiev، وشوستاكوڤيتش Shostakovich، وخاتشادوريان Khachaturian وغيرهم كثير.

ج ـ الموسيقى الإلكترونية [ر] التي تتزعمها الآلات الموسيقية الإلكترونية بديلاً من الآلات الموسيقية التقليدية. وكانت «موجات مارتنو» Ondes Martenot (نسبة إلى مبتكرها الفرنسي موريس مارتنو (1898ـ 1980) من أولى الآلات المستخدمة موسيقياً. وقد استخدمها كل من أونيغر [ر] A.Honegger في عمله الموسيقي أوراتوريو «جان دارك للحرق» (1937)، وميسيان [ر] O.Messiaen في سمفونية «تورانغاليلا» Turangalila.ت(1948)

د ـ الموسيقى الراقصة [ر. الرقص] شاعت الفرق الموسيقية الراقصة «الجاز» [ر] في كل مكان، ولاسيما موسيقى أمريكا الجنوبية التي طغت على الموسيقى الأوربية في بداية القرن ذاته. وسيطرت أيضاً موسيقى «الروك» Rock، و«البلوز» [ر] Blues في أمريكا الشمالية وعمت دول العالم. وأصبحت تتوالى أنواع هذه الموسيقى المختلفة بسرعة، واستلهم منها كثير من المؤلفين الموسيقيين في أعمالهم، ونبغ عدد منهم فأصبح عالمياً بفضل استقائه منها مثل غيرشوين [ر] G.Gershwin (الأمريكي) صاحب «رابسودي إن بلو»Rhapsody in blue، كما اشتهر عدد غير قليل من رؤساء فرق الجاز وعازفيها مثل الأمريكي ديوك إلنغتون [ر] D.Ellington.

حسني الحريري

الموضوعات ذات الصلة:

 

الإبداعية ـ الاتباعية ـ الباروك ـ العربية (الموسيقى ـ) ـ الموسيقية (الاتجاهات ـ).

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ كورت زاكس، تراث الموسيقى العالمية، ترجمة سمحة الخولي (دار النهضة العربية، القاهرة 1948).

- M. KENNEDY, The Concise Oxford of Music (Oxford Univ. Press, N.Y. 1990).


التصنيف : الموسيقى والسينما والمسرح
النوع : موسيقى وسينما ومسرح
المجلد: المجلد العشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 38
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 796
الكل : 60506569
اليوم : 57777

السلاوي (أحمد بن خالد-)

السلاّوي (أحمد بن خالد ـ) (1250ـ1315هـ/1835ـ1897م)   أبو العباس أحمد بن خالد بن حماد بن محمد، الشهير بابن ناصر الورعي. وينتهي نسبه إلى عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب زوج زينب شقيقة الحسن والحسين. ويعرف بالسلاّوي نسبة إلى سلا، المدينة التي ولد فيها بالمغرب الأقصى.     السلاوي مؤرّخ، فقيه، مفسّر، ناقد، أديب وشاعر.
المزيد »