logo

logo

logo

logo

logo

المدجنين الأندلسيين (فن-)

مدجنين اندلسيين (فن)

Mudejar art - Art mudéjar

المدجنين الأندلسيين (فن ـ)

 

يطلق لفظ «المدجنين» على المسلمين الأندلسيين الذين سمح لهم بالبقاء في إسبانيا بعد زوال الحكم الإسلامي عنها، واستيلاء الملوك الكاثوليك تدريجياً عليها، وذلك لما تميز به هؤلاء المسلمون الأندلسيون من خبرات معمارية وفنية مختلفة كانت البلاد بحاجة ماسة إليها وإليهم لمتابعة مختلف الفعاليات، وعليه فإن فن المدجنين هو فن هؤلاء المسلمين.

استمر هؤلاء المسلمون الأندلسيون متمسكين بعقيدتهم وعاداتهم، يتابعون فعالياتهم المعمارية والفنية، وذلك عقب اندلاع حرب الاسترداد وسقوط طليطلة عام 478هـ/1085م وقرطبة عام 634هـ/1236م وإشبيلية عام 646هـ/1248م وأخيراً غرناطة عام 898هـ/1492م، مما جعل كثيرين من سكانها المسلمين الأندلسيين الأشراف وأبناء الطبقات الراقية يهاجرون من الأندلس إلى الأقطار الإسلامية المجاورة. وبقي في الأندلس كثيرون من أولئك المسلمين الأندلسيين الذين تدجنوا وتآلفوا مع الواقع الجديد، فعرفوا باسم «المدجنين» mudéjares. وعرف فنهم باسم «فن المدجنين» الذي يمثّل حركة فنية تظهر هنا وهناك في القرن الثالث عشر حتى القرن السادس عشر. استمر فنهم نحو 300 سنة بعد سقوط غرناطة وأفول نجم الحكم الإسلامي نهائياً عن الأندلس. ومع بداية عصر النهضة الأوربية وانتشار تذوق الطراز المعماري الكلاسي اليوناني والروماني بدأ أفول نجم طراز فن المدجنين المسلمين الذين أبدعوا روائعهم المتميزة في مختلف أنحاء إسبانيا. وأخيراً في عهد الملك فيليب الثالث في القرن السادس عشر تقرر القضاء نهائياً على وجود المسلمين الأندلسيين في إسبانيا.

برج كنيسة القديسة ماري البيضاء

كان فن المدجنين قد ازدهر جنباً إلى جنب مع الفن الرومانسكي، ثم مع الفن القوطي اللذين أفادا كثيراً من الفن الإسلامي وتقنياته. وقد أدى التفاعل بين الفن الإسلامي من جهة والفن الرومانسكي ثم القوطي من جهة أخرى إلى إنجاز أعمال تتميز بالتناسق والتوازن والجمال.

وإذا كان الفن الأندلسي فناً إسلامياً، وكانت من منجزاته المدن الجديدة والمباني المعمارية الرائعة (كالجوامع والمساجد والقصور والجسور والحصون والقلاع والحمامات والمدافن الجنائزية وغيرها)، فإن فن المدجنين قد أبدع لغير المسلمين منجزاته المعمارية، ولاسيما الكنائس والأديرة والقصور المنتشرة في طليطلة وسرقسطة ومدريد وبرغش وقرطبة وإشبيلية ووادي الحجارة وشريش وشقوبية وغرناطة وغيرها. إضافة إلى فنونهم التطبيقية، ولاسيما الفخار والخزف والحلي والأسلحة والمصنوعات الجلدية وغيرها.

ويوصف فن المدجنين بكونه فناً خليطاً art mixte أو فناً مركباً art composite تعتمد تقنياته على الأشكال الإسلامية المغاربية والتقنيات المشرقية المختلفة المعتمدة على استخدام الآجر في المباني المعمارية والجص في الزخارف الفنية، إضافة إلى تقنيات السقوف وتقنيات الترصيع والتنزيل.

استمر فن المدجنين وتتابع في مناوبات متعاقبة، كانت فيها الأشكال والطرق الفنية المغربية تتألق أو تفقد ظهورها في أشكال وتقنيات الفن المسيحي. وتدين إليه منجزات الفن الشعبي، ولاسيما العديد من مباني الكنائس المهمة التي تشكل عمارتها مدارس معمارية مختلفة، وذلك حسب مناطقها وعصورها.

وكان فن المدجنين يبدع أعماله المعمارية (مثل فن عمارة القصور والبلاط الملكي)، فتبدو أكثر قرباً إلى الفن الإسلامي المعاصر له. وكانت هذه المنجزات المعمارية ذات مسحة فنية إسلامية واضحة في فترة عصر النهضة.

منذ نهاية القرن الثاني عشر وفي القرن الثالث عشر حتى زمن متقدِّم من العصر القوطي، شيّدت مبان من أولى مدارس فن المدجنين الشعبي في قشتالة ومنطقة ليون Leon وشيّد العديد من الكنائس بطراز معماري شبه إسلامي مغربي وشبه رومانسكي، اعتمد فيها على الآجر والزخارف المعمارية أو الزخارف الملونة. وكانت هذه المباني متشربة بعمق من الموضوعات ذات الأصول الإسلامية. فثمة في أراغون كاتدرائيات مثل: كاتدرائية سرقسطة Zaragoza وكنيسة طرجونة Tarragona وكنيسة تيرويل Teruel فيها أربعة أبراج مبنية في عرض الطريق تجتازها العربات من عقد في أسفل البرج. وهناك قصر الجعفرية في شرق سرقسطة من القرن الحادي عشر، وكان يعرف باسم «دار السرور»، والعديد من الكنائس التي كانت جدرانها وأبراج نواقيسها المربعة أو المضلعة ذات كسوة من الزخارف المتداخلة أو المتعددة الألوان. وفي جنوبي الأندلس هناك أجمل المباني المعمارية في قرطبة وغيرها. وإضافة إلى ذلك هناك كنائس القرى والمدن المعتمدة على الحجر أو الآجر، تميزت زخرفتها وكسوتها بطابع فن عصر الخلفاء وعصر الموحدين، في حين أن الأبواب والأقواس والواجهات كانت ذات أشكال قوطية.

برج باحة دولاس في مبنى القصر (الكازار) في إشبيلية

وهناك صروح معمارية أخرى من فن المدجنين تميزت منذ القرن الحادي عشر وفي القرن الرابع عشر بخصائص أقل شعبية، وباستلهامها مباشرة من المباني الإسلامية. ونجد أمثلة ذلك في برغش، وقرطبة، وإشبيلية وطليطلة وشقوبية وشلمنقة وغيرها.

ففي مشارف برغش هناك دير أخوية لاس هويلغاس monastère de Las Huelgas يبدو أثر فن المدجنين في مبانيه وزخارفه وعقوده العربية، وفي سقف أحد أروقته الداخلية، إضافة إلى كتابات كأنها رسوم تجميلية. والجدير بالذكر أن هذا المبنى كان حصناً من القرن الثاني عشر بني مصيفاً لملوك قشتالة، ثم جعل ديراً يضم الضريح الملكي.

وفي قرطبة هناك المصلّى الملكي الذي تعود زخارفه إلى القرن الثالث عشر، شيّد في مبنى جامع قرطبة الكبير الذي حوِّل إلى كاتدرائية.

وفي طليطلة كنيسة ذات قاعة كبيرة لها مدخل، زيّن سقفها بنقوش وزخارف المدجنين. وهناك قصور عديدة شيدت في الوقت نفسه لكبار الشخصيات البارزة في بلاط قشتالة. ومن أهم عمارات المدجنين في طليطلة مبنى كنيس شيده صموئيل هاليفي Samuel Halevi عام 1357، وقد تحول هذا المبنى بعدئذ إلى كنيسة اسمها نوتردام دي ترانزيتو Notre Dame de Transit.

والجدير بالذكر أنه في القرن الرابع عشر شيد أيضاً مبنى كنيس في طليطلة تحول إلى كنيسة اسمها كنيسة القديسة ماري البيضاء Sainte- Marie- La- Blanche. يمثل المبنى أحد المنجزات المعمارية الأكثر جمالاً وكمالاً لفن المدجنين، مستوحى مباشرة من الفن الإسلامي الموحدي.

وفي شقوبية ـ التي تعدّ من أعرق مدن مملكة قشتالة ـ قصر ملكي، له في قاعة العرش سقف عربي، تزينه زخارف من المقرنصات ونقوش من فن المدجنين.

وفي إشبيلية هناك قسم من مبنى القصر «الكازار» الذي شيده الملك بطرس الجبار Pierre le Cruel جانب القسم الذي كان مشيداً من قبل ألفونسو العالِم (أو الحكيم)[ر] Alfonso the Wise بطراز قوطي. كما شيد في إشبيليا، في عصر النهضة، بطراز فن المدجنين الأكثر صفاء ونقاء، عدد من المباني مثل :

- قصور أمراء الطريف Tarifa ودوق آلبا، ولاسيما دار بيلاتوس Casa de Pilatos ودار لاس دوينَس Casa de las Duenas.

- الجناح الصغير الذي شيد للملك شارلكان في حدائق القصر «الكازار» وذلك من قبل خوان هرنانديز Juan Hernandez عام 1543.

- باحة دار بيلاتوس التي تشبه باحات قصور قرطبة وغرناطة، وهي ذات عقود عربية، وتتوسطها نافورة مرمرية، وكُسيت جدرانها بألواح بلاطات القيشاني بنقوشه وألوانه، إضافة إلى الكتابات العربية مثل (الملك الدايم لله، العز القائم لله).

يلاحظ الباحثون أن السقوف الخشبية كان يعهد بها في كل مكان إلى الصناع الفنيين المسلمين المدجنين الذين تأكدت خبرتهم وبراعتهم المعمارية والفنية، ولاسيما في الميادين الآتية:

- بناء السقوف والقباب والأقواس بأنواعها (الحدوية، والمفصصة، والمتداخلة).

- الباحات الداخلية وبحيرات المياه والنوافير.

- الزخارف بالمقرنصات.

- الإفريز والأشرطة الكتابية الزخرفية.

ويتجلى نبوغ الصناع المدجنين في أشغال الخشب وصناعة الفخار والقيشاني والمنسوجات الحريرية وغيرها، ويؤكد باحثون أنه ليس هناك في أوربا كلها ما يضاهي السقوف الإسبانية المغطاة والمسماة Artesonado، ولاتزال المصطلحات الفنية للنجارة في إسبانيا عربية. وهذه الأنواع المختلفة من تربيعات القيشاني في كل من إسبانيا والبرتغال هي من آثار المسلمين. وتتجلى عبقرية المدجنين في أسمى مراتبها في الفخار والخزف المشهور باسم «ذي البريق المعدني» الذي اشتهرت به مالقة ومانيسيس في مملكة بلانسية. وكان هذا الفخار والخزف العربي يصنع للباباوات والكرادلة ولكبار العائلات الإسبانية والبرتغالية والإيطالية والفرنسية. وقد أشار الكاردينال خيمينيز Ximénez إلى هؤلاء الصناع المدجنين الموهوبين قائلاً: «إنهم فقراء إلى ما لدينا من إيمان، ونحن فقراء إلى ما لديهم من صناعة فنية». واشتهرت قرطبة بالجلد وقد أبدع مجلدو الكتب المدجنون أعمالهم المتميزة بالدقة والإتقان والجمال. كما تألقت شهرة المدجنين في صناعة السيوف والحلي المتميزة بالجمال، إضافة إلى صناعة الأشياء المختلفة، كمفاتيح الحديد التي كانت تشكّل أسنانها أحياناً أشكال الحروف المتداخلة والكلمات المكتوبة بالكوفية المربعة.

أسهم فن المدجنين في ظهور الفن القوطي ومهّد لظهور فن الباروك.

إن المدجنين المسلمين هم الذين أسهموا في إغناء الطراز الفني القومي الإسباني. ويعدّ فن المدجنين ركناً من أركان الحضارة الإسلامية والإسبانية التي نقلها فاتحو القارة الجديدة الأمريكية معهم إلى قارة العالم الجديد.

بشير زهدي

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

إسبانية.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ محمد عبد الله عنان، الآثار الأندلسية الباقية في إسبانيا والبرتغال (مؤسسة الخانجي، القاهرة 1961).

ـ وجدان علي بن نايف، الأمويون، العباسيون، الأندلسيون ـ سلسلة التعريف بالفن الإسلامي (دار البشير للنشر، عمّان 1988).

ـ إرنست كونل، الفن الإسلامي، ترجمة أحمد موسى (دار صادر، بيروت 1966).

- Élie Lambert, L’Art en Espagne et au Portugal (Larousse, Paris 1945).


التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : عمارة وفنون تشكيلية
المجلد: المجلد الثامن عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 206
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 532
الكل : 31687552
اليوم : 42134

كراناش (لوكاس المعروف ب-الأكبر-)

كراناش (لوكاس المعروف بالأكبر ـ) (1472 ـ 1553)   لوكاس كراناش المعروف بـ (الأكبر) Lucas Cranach (l’Ancien ou l’Aîné) (ويلفظ بالألمانية كراناخ)، فنان تشكيلي ألماني من مواليد كروناش الواقعة على بعد 90كم شمال نورنبرغ Nürnberg، وتوفي في مدينة فايمار السكسونية Saxe-Weimar. اسمه الحقيقي لوكاس مولر Lucas Müller، ويُعد من رواد الفن السكسوني، وأحد أهم الفنانين التشكيليين تأثيراً في الفن الألماني في القرن السادس عشر. تعلم كراناش الفن على يد والده هانس مولر Hans Müller الذي كان رساماً معروفاً. وعمل في مجالات الرسـم والتصوير والحفر المطبوع بالخشب woodcuts، وخصص أهم أعماله الفنية وأبرزها التي أنتجها في حياته للكنيسة والمصلحين (البروتستنت Protestants)، إضافة إلى صور الوجوه، والنساء العاريات، أو الرافلات بثياب أنيقة، وقد استوحى غالبية هذه الموضوعات من الأساطير أو من الإنجيل.
المزيد »