logo

logo

logo

logo

logo

النشر والطبع

نشر طبع

Publication and printing - Publication et imprimerie

النَّشر والطبع

 

لعل أبسط تعريف للنشر في قوانين المطبوعات هو: عملية نقل المخطوط إلى مطبوع وعرضه على الجمهور. ويُعرَّف الناشر بأنه: من يحصل على حق نشر المخطوطة ويتولى تحضيرها وتجهيزها للطبع ونشرها. وعلى الرغم من بساطة هذا التعريف يُلحظ أنه يقصر النشر على المطبوع فحسب؛ في حين يتسع مفهوم النشر ليشمل ما هو مطبوع ومسموع ومرئي وإلكتروني أيضاً. وقد ارتبط النشر عضوياً بالاتصال البشري منذ أن كان الإنسان بدائياً ينقش الرموز على جدران الكهوف، ثم باستخدام الطبول والنار والدخان، وتطبيق نظام بريد المراسلات الرسمية على ظهور الخيول إلى مواقع معينة وفي أوقات معلومة شبه منتظمة، واكتشاف اللغة ثم التدوين، وظهور الخطب والمسارح أنظمة للنشر المسموع، ثم اكتشاف السينما والتلفاز أنظمة للنشر المرئي، ثم الأنظمة الإلكترونية التي تعتمد على نشر كل ما هو قابل أن يكون رقمياً من نصوص وصوت وصور.

بدأ الاتصال الجماهيري مع اختراع الطباعة لأنها الطريقة الفعالة الأولى لنشر الأفكار والمعلومات من المصدر إلى الجمهور. وينسب توزيع الكلمة المطبوعة إلى تغيرات سياسية واجتماعية كبيرة، وينظر المؤرخون إلى الطباعة على أنها صاحبة دور فعال في إحداث النوبات الرئيسة في العلم والفن والسياسة وأنماط الفكر، فقد أحدثت تطوراً غير مسبوق في فكر الإنسان، ورسمت ملامح حضارته الجديدة وغدت الوعاء الأنسب لنشر علومه ومعارفه وخبراته، فقد ساور الإنسان حلم تكرار المواد التي يريد نشرها وتوزيعها منذ القدم، فاستخدم المصريون القدماء طريقة الحفر على الخشب لطباعة الوثائق الرسمية على ورق البردي، وصنع الصينيون والكوريون من خشب الكمثرى ألواحاً وقوالب طباعية؛ عندما حفروا الأجزاء المحيطة بالمناطق الطباعية وتركوا الأخيرة بارزة على الألواح بشكل معكوس، لتُحبر ثم تكبس على الورق. وتورد العديد من المراجع اسم المخترع الصيني «بي شانغ» Be Shang أول من وضع الأحرف الخزفية المتحركة لنقل الحروف والرسوم المراد طباعتها، ويرى آخرون أن الكلدانيين هم أول من عرف الطباعة الخشبية، وهم من أوجدوا فكرة الحفر على الآجر وشيّه لإكسابه صلابة يمكّن من استخدامه في طباعة عدد كبير من النسخ؛ وهم الذين توصلوا إلى فكرة الحفر على الخشب بدلاً من الآجر، وعرف العالم ـ إلى جانب الطباعة باستخدام الخشب ـ الطباعة الحجرية المعروفة بالليثوغرافية Lithography، وليثو تعني الحجر وغراف تعني الرسم وكلاهما الرسم الحجري، وقد طورها فيما بعد ألويس سنفيلدر Aloys Senefelder ت(1771ـ1834)، وتقوم على فكرة الكتابة على حجر أملس بمادة زيتية تستقطب الحبر، وعند وضع الورق على الحجر والضغط عليه تنتقل الكتابة أو الرسم على الورق. وعلى الرغم من أهمية فكرة الطباعة بالقوالب الخشبية يرفض الكثيرون تسميتها بالطباعة ويفضلون تسميتها بالكليشيه، ويرجعون بداية تاريخ الطباعة لاختراع الأحرف المتحركة على يد غوتنبرغ.

تمكن يوحنا غوتنبرغ Johannes Gutenberg ت(1395ـ1468) بالتعاون مع شريكه فوست Fust من اختراع أحرف الطباعة المعدنية المتحركة وطباعة الكتاب المقدس عام 1456 بوساطة مطبعة تعمل بطريقة الكبس في مدينة ماينـز Mainz الألمانية، ويقع الكتاب في 1280 صفحة، وتقع كل صفحة من صفحاته في 42 سطراً؛ لذلك يطلق عليه إنجيل 42 سطراً. وتتلخص طريقة طباعة غوتنبرغ بصناعة سبيكة معدنية مصنوعة من الرصاص والإثمد مضاف لها بعض المعادن الأخرى تكسب الرصاص صلابة، وقد صنع منها الأحرف المتحركة المستخدمة في الطباعة. ونتيجة صلابتها تقاوم البلى السريع وتعطي نتائج طباعية مرضية، على الرغم من الضغط على الحروف في أثناء الطباعة التي استلهم فكرتها من عصَارة العنب، وظل هذا الاتجاه في الطباعة مستخدماً لأكثر من مئتي عام.

وقد واجه اختراع غوتنبرغ :تيارين أحدهما مشجع لنشر المعلومات وتداولها باستخدام الطباعة، وآخر معارض أقام معارضته على فكر ديني، ومن هؤلاء الخلفاء العثمانيون. وكان الوطن العربي في تلك الآونة تحت سيطرتهم وبذلك حُرِّمت الطباعة في بداية ظهورها في مناطق النفوذ العثماني، كما عارض هذا الاختراع أصحاب مهن النسخ والرسم؛ لأنهم أدركوا أن شيوع الطباعة سيقضي على مهنتهم.

ولكن حاجة العالم ـ ولاسيما أوربا ـ المتزايدة إلى الإنتاج السريع والرخيص للوثائق المكتوبة والتوسع في المجال التجاري والحكومي، واتساع معرفة الناس بالقراءة والكتابة وظهور الجامعات وارتفاع أسعار الكتب المنسوخة، فضلاً عن عدم قدرة النسّاخ مجاراة الطلب المتنامي على الكتب جعلت طريقة غوتنبرغ في الطباعة تنتشر، وأسهمت ثورة الاتصال في الزيادة الكبيرة في معدل انتشار المطبوعات، ونتيجة لذلك ظهرت الصحف، ونتيجة تنامي الطلب على الكتب والصحف ظهرت آلات الطباعة الأحادية (المونوتيب Monotype) والسطرية (اللينوتيب Linotype والإنترتيب Intertype) لمخترعها الأمريكي «أوتمار مرغنثتيلر» Ottmar Mergenthaler في عام 1885م، لتضيف إلى الطباعة بعداً آخر، وبدأ الفكر يأخذ منهج التسلسل أو التتابع، وتبين أثره فيما بعد في ظهور مفهوم العجلة والآلة وخط الإنتاج المتتابع، مما يتماشى مع الطباعة وحروفها المرصوصة جنباً إلى جنب. ثم تطورت الآلات التي جعلت من الرسالة المفردة رسالة مضاعفة، أومكرّرة أومكبّرة؛ لأن مثل هذه الآلات جعلت الاتصال الجماهيري ممكناً، وبذلك قربت هذه التقنيات من مدى الحصول على المعلومات، مما زاد من احتمال اهتمام الجمهور بها.

لقد تمتع الناشرون مدة طويلة بالاستقرار في ميدان صناعة النشر المطبوع، ولكن هذه الصناعة ذاتها تتعرض حالياً لانقلاب كبير، فمن كان لديه أفكار أو رؤية مكتوبة في صفحات ويرغب في نشرها اعتاد أن يذهب إلى ناشر يقوم بمراجعة النص وإبداء الملاحظات والاتفاق مع الكاتب على النشر، وليس أمام المؤلف سوى قبول شروط الناشر؛ لأن المؤلف لا يستطيع أخذ الأمر على عاتقه لأنه مُكْلف جداً. ويمتلك الناشر وسائل الطباعة من ورق وحبر وعمالة، إضافة إلى معرفته بآليات السوق، لذلك تمتع الناشرون بالاحتكار المهني لنشر المؤلفات حتى أصبح لهم تأثير كبير في صياغة الرأي العام.

ومع نجاح النشر والتوسع فيه انتشرت المكتبات، لتستوعب ملايين الكتب التي تطبع سنوياً، وتنامى أعداد الصحف والمجلات، ولابد لها من تسويق وأمكنة للتخزين والحفظ، فظهرت المكتبات العامة والخاصة والتجارية بفضل نشاط وسائل النشر التي استطاعت أن تنشر الكلمة الجيدة والرديئة! ولكن هذا الامتياز والاستقرار الذي تمتع به الناشرون لمدة طويلة أصبح مهدداً منذ نهاية القرن الماضي، وقد يقضي على النشر التقليدي الذي اعتاد عليه المجتمع منذ قرون، فمنذ ظهور الإنترنت وانتشار استخدامه، تحققت مقولة مكلوهان «العالم يعيش في قرية صغيرة» في ظل الإمكانات الهائلة التي يمكن أن تنتج من الإنترنت وعنه.

اعتاد الناس على شراء المطبوعات مطبوعةً على ورق ولها أحجام وأوزان وتحفظ في أمكنة يتفاخرون بها، وبما يملكون من كتب تراها العين مرصوصة على الرفوف، ولكن مع بداية هذا القرن أصبح هذا الأمر محلّ نظر، فقد تم اختراع آلات رقمية (متعددة) تستطيع تخزين مجموعة كبيرة من الكتب في جهاز يوضع في الجيب. بل تطورت هذه الصناعة وأصبحت في متناول الجميع على الرغم من كونها في بداية عهدها، ومن المؤكد أنها ستتطور إلى الأفضل، وطبع الناشرون العديد من المؤلفات لتكون متاحة للقارئ في أوعية إلكترونية (كتب ـ أدلة ـ صحف ـ مجلات)، يتوقع لها أن تكون وسيلة القراءة في المستقبل. وتتسابق دور النشر على تحويل إنتاجها إلى نسخ إلكترونية، وثمة ميل إلى استخدام هذه الوسيلة لأنها أرخص وأوفر، ولها قيمة بيئية كبيرة.

إن الرؤية المستقبلية قد تبقي على الناشر، للحاجة إلى وجود وسيط يجمع طرفي العقد وهما القارىء والمؤلف، ولكن الصناعة جميعها ربما ستختلف في بناها عما هو قائم اليوم على نحو كبير؛ إذ إن الوجود المادي للكتاب ذاته غير ضروري بل يمكن للراغب في الحصول على نسخته أن يدفع القيمة فيجد ما يريد في حاسوبه الشخصي (المتصل بالإنترنت) أو على قرص مدمج أو على جهاز قارئ صغير يمكن حمله في الجيب، يستطيع القارئ به أن يطّلع على مكتبة بمحتوياتها كافة، بل سيتمكن من سماع الكتاب بدلاً من قراءته إن رغب في ذلك.

وقد ظهرت وسائط عديدة منافسة للنشر المطبوع، منها المسموع والمرئي، جمعها معاً التحول إلى الرقمية، وهي في ازدياد مطّرد وذلك لتأثير المؤثرات الصوتية والمرئية وزيادة الإقبال عليها، مما يضاعف القلق على مستقبل النشر الورقي. وقد انطلقت فكرة النشر المسموع لتوسيع قاعدة القرّاء في عصر قلّ فيه الإقبال على المطبوع، وفي الوقت نفسه بقي النشر الورقي قائماً مما سيعزز في المستقبل من فرص النشر العام.

محمد خليل الرفاعي

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الصحافة ـ الطباعة ـ نشرة الأخبار ـ وكالات الأنباء.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ أشرف صالح، الطباعة وتيبوغرافية الصحف (العربي للنشر والتوزيع، القاهرة 1989).

ـ بكر توفيق إبراهيم، دراسات موجزة في علم الطباعة (مؤسسة روز اليوسف، القاهرة د. ت).

ـ شمس الدين الرفاعي، تاريخ الصحافة السورية، الجزء الأول (دار المعارف القاهرة 1969) محمود علم الدين، تكنولوجيا المعلومات وصناعة الاتصال الجماهيري (العربي للنشر والتوزيع، القاهرة 1990).


التصنيف : الصحافة و الإعلام
المجلد: المجلد العشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 674
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1130
الكل : 45609446
اليوم : 10129

الأقزام

الأقزام   الأقزام pygmies من الناحية الأنتروبولوجية هم الأفراد الذين لا يزيد طول قامة الذكر البالغ فيهم على 130سم، والمرأة البالغة على121سم. والقزمية (القماءة) حالة مرضيّة نوعيّة ناتجة عن قصور الهرمونات التي تفرزها إحدى الغدتين، الدرقية أو النخامية، وتترافق القزمية عادة بظواهر واضطرابات مرضيّة كالبلادة والغباء وسرعة التعب والشيخوخة المبكرة، وعدم تناسب أعضاء الجسم، وقد تستمر طبائع الطفولة لدى القزم حتى بعد سن البلوغ، إذا كانت قزميته ناجمة عن قصور غدته النخامية خاصة، وأكثر الأقزام شهرة نيكولاس فيري Nicolas Ferry الشهير بالطفل (21سم عند الولادة و90سم عند سن البلوغ)، والأميرة فلو (Floh  80سم)، وبورفيلافسكي Borwilawesky  (78سم).
المزيد »