logo

logo

logo

logo

logo

هردر (يوهان غوتفريد-)

هردر (يوهان غوتفريد)

Herder (Johann Gottfried-) - Herder (Johann Gottfried-)

هردر (يوهان غوتفريد ـ)

(1744 ـ 1803)

 

يوهان غوتْفريد هِرْدَر Johann Gottfried Herder مُنظّر وناقد أدبي وفيلسوف ولاهوتي ألماني وأبرز شخصية في حركة «العاصفة والاندفاع» Sturm und Drang [ر. ألمانيا (الأدب)]. مهّد بكتاباته للمرحلة الكلاسيكيّة والرومنسية في الأدب الألماني، ويعدّ من أبرز من لفت الأنظار إلى الأدب الشعبي في الثقافات العالمية.

ولد هردر في بلدة مورونْغِن Mohrungen في بروسيا الشرقية (حالياً موراغ Morag في بولندا) وتوفي في مدينة ڤايمار Weimar مركز إشعاع الحركة الكلاسيكية. كان والده عامل نسيج ثم دخل في خدمة الكنيسة البروتستنتية وعمل مشرفاً على خدماتها وقارعاً لنواقيسها ومغنياً في جوقتها ومعلماً في مدرسة للبنات، مما سمح لابنه بالانتساب إلى المدرسة اللاتينية، حيث تعلم اللاتينية واليونانية والعبرية إلى جانب المقررات الأخرى باللغة الألمانية. وقد أهله ذلك للانتساب إلى جامعة كونيغزبرغ Königsberg (كالينينغراد Kaliningrad التابعة لروسيا حالياً) حيث درس اللاهوت والفلسفة على يدي كانْت[ر] Kant ويوهان هامَن J.G.Hamann؛ صادق الأخير وتأثر به، ودخل في جدل فلسفي مع الأول حول مفهوم «العقل المحض» die reine Vernunft. عُيِّن في عام 1764 معلماً في مدرسة كاتدرائية مدينة ريغا Riga (عاصمة لاتڤيا Latvia حالياً)، وثُبِّت بعد عام معلماً وواعظاً فيها، وصار منذ عام 1767 واعظاً رئيسياً في كنيستين كبيرتين معاً في المدينة نفسها. وأبدى منذ ذلك الوقت اهتماماً بالأدب والشعر الشعبي لشعوب بحر البلطيق وتعاطف مع المضطهدين، ولاسيما مع الأقنان. وكان من ثمار انشغاله الثقافي الدؤوب في مرحلة ريغا كتاباته في النقد الأدبي وعلم الجمال «في الأدب الألماني الحديث - شذرات» Über die neuere deutsche Literatur- Fragmente ت(1767 في ثلاثة أجزاء)، و«غابات نقدية أو تأملات بصدد علم وفن الجمال» Kritische Wälder oder Wissenschaft und Kunst des Schönen betreffend ت(1769 في ثلاثة أجزاء) التي هدفت إلى الارتفاع بالذائقة الفنية بالمعنى الذي طرحه لسينغ[ر] Lessing في «الرسائل الأدبية»، مع تطوير الفكرة تطبيقاً على النتاج الأدبي الأحدث في اللغة الألمانية.

تأثر هردر بعدد من المفكرين الفرنسيين مثل مونتسكيو[ر] وروسو[ر]، والإنكليز مثل شافْتسْبِري وإدوارد يَنغ Edward Young ت(1683-1765)، والألمان أيضاً مثل ڤينكِلْمَن Winckelmann وهامَن وموزَر Möser، مما طوَّر لديه نوعاً من التفكير التاريخي - الجيني genetic تأسيساً لمنهج البحث في التاريخ الثقافي واللغوي والفلسفي والأدبي صار أسلوبَه المميز والمؤثر في أعماله اللاحقة.

غادر هردر مدينة ريغا إلى فرنسا بحراً في عام 1769، فدرس في مدينة نانت Nantes اللغة والأدب الفرنسيين، ثم انتقل إلى باريس حيث التقى ديدرو[ر]، وغادر فرنسا إلى هامبورغ بعد عدة محطات في بروكسل وأنتْڤرْبِن (أنتويربن) وأمستردام، وكانت ثمرة هذه الرحلة كتاب «يوميات رحلتي في عام 1769» Journal meiner Reise im Jahre 1769 المهم فكرياً والذي لم ينشر إلا في عام 1846. وفي هامبورغ التقى هردر لسينغ ثم صار مرافق رحلات ومعلماً لابن أمير وأسقف مدينة أويتين Eutin شمال شرقي هامبورغ، وزار معه ستراسبورغ Strasbourg في عام 1770 حيث التقى الشاب غوته[ر] وترك في نفسه أثراً عميقاً غيَّر نظرته إلى الثقافة والفن. وقد تبدى هذا التأثير لاحقاً في نتاج غوته ومعاصريه مثل الأخوين ڤيلهلم وفريدريش فون شليغل[ر] والأخوين ياكوب وڤيلهلم غريم[ر] وهومْبولت[ر] وهيغل[ر]، وكذلك أيضاً في نتاج ڤيلهلم ديلتاي W.Dilthey على صعيد نظرية المعرفة epistemology وأرنولد غيلِن Arnold Gehlen على صعيد علم الإناسة anthropology. وفي العام نفسه منحته أكاديمية العلوم في برلين جائزتها السنوية عن مقالته المهمة «دراسة في أصل اللغة» Abhandlung über den Ursprung der Sprache التي توصل فيها إلى أن أصل اللغة يكمن في الإنسان نفسه، فأسس بذلك لاتجاه مادي في فلسفة اللغة. وعلى أثر ظهور أعراض مرض في عينيه تخلف هردر في ستراسبورغ عن ركب الأمير للعلاج، ثم انتقل في عام 1771 إلى مدينة بوكبورغ Bückeburg حيث عمل واعظاً رئيسياً في كنيستها، ثم مديراً لشؤونها حتى عام 1776. وفي هذه الأثناء تعرف هردر في مدينة دارْمشتات Darmstadt كارولينِه فلاكسْلَند Caroline Flachsland وتزوجا في عام 1773 فكانت خير رفيقة درب في حياته وعمله. وقد أثمرت مرحلة بوكبورغ دراسات مهمة، منها «أسباب انحطاط الذوق عند مختلف الشعوب» Ursachen des gesunkenen Geschmacks bei den verschiedenen Völkern ت(1773) و«كيف صوَّر القدماء الموت؟» Wie die Alten den tod gebildet? ت(1774) و«فلسفةُ تاريخٍ أيضاً بغرض تربية البشرية» Auch eine Philosphie der Geschichte zur Bildung der Menschheit ت(1774) و«أغانٍ شعبية قديمة» Alte Volkslieder ت(1774) و«تفسير العهد الجديد اعتماداً على مصدر شرقي مكتشف حديثاً» Erläuterungen zum Neuen Testament aus einer neueröffneten morgenländischen Quelle ت(1775). إلا أن أهم دراستين نقديتين من تلك المرحلة هما مقالته «شكسبير» Shakespeare ت(1773) و«مقاطع من مراسلاتٍ حول أوسْيان وأغاني الشعوب القديمة» Auszug aus einem Briefwechsel über Ossian und die Lieder alter Völker ت(1773) - التي نشرت في بيان manifest شارك فيه كل من غوته وموزر - تحدث فيها هردر عن سمات في حياة الإنسان مازالت خفية حتى اليوم وبدأت تتكشف بفضل الوظيفة الإبداعية للغة الأديب. فالأديب في رأيه «هو الذي يخلق الأمة ويمنح أفرادها عالماً مرئياً ويقود أرواحهم بيده إلى هذا العالم» فالقدرة الشعرية ليست حكراً على المثقفين/المتعلمين، بل مثلها مثل اللغات الأم للبشرية جميعها، تتجلى في أبهى نقائها وقوتها في المراحل غير المتحضرة لدى كل أمة من الأمم، كما في «العهد القديم» وملاحم هوميروس[ر] وملاحم الإدّا Edda، على سبيل الذكر لا الحصر؛ وأوسيان أو أويسين Oisín هو الشاعر والمحارب الإيرلندي الذي تعمم اسمه أوربياً من خلال بالادات[ر. البالادة] الشاعر الاسكتلندي جيمس مَكْفرسون J. McPherson منذ عام 1762 في الملحمتين «فينغال» Fingal و«تيمورا» Timora. وانطلاقاً من هذا الموقف يمكن تفسير اهتمام هردر بالأغاني الجرمانية القديمة وبقصائد المينِّسينغر[ر. التروبادور] وكذلك بالأساطير الاسكندناڤية، وعلى نحو خاص بلغة مارتين لوتر[ر].

بفضل نفوذ غوته تبوأ هردر منذ عام 1776 مناصب مهمة عدة في بلاط ڤايمار وفي كنائسها البروتستنتية. ونشط هنا بكل طاقاته على صعيد الأغاني الشعبية والدراسات الفلسفية والأدبية والفنية، وكان على اتصال دائم بكبار شخصيات ڤايمار، ولاسيما مع غوته. وقد سبقه إلى وضع نظرية عامة في المورفولوجيا ساعدته على إدراك خصوصية الأحداث والشخصيات التاريخية وفرادتها في ظروفها، مما أكسبه أهمية ريادية في تاريخ المنطق الجدلي. ومنذ بداية هذه المرحلة بدأت آراؤه الفكرية تتطور من عاطفية «العاصفة والاندفاع» إلى عقلانية «الكلاسيكية». والجدير بالذكر من أعماله الكثيرة في مرحلة ڤايمار «في إدراك روح الإنسان وتفهمها» Vom Erkennen und Empfinden der menschlichen Seele  ت(1778) و«رسائل بصدد دراسة اللاهوت» Briefe, das Studium der Theologie betreffend ت(1780-1781) و«في روح الشعر العبري» Vom Geist der ebräischen Poesie  ومجموعة «أغانٍ شعبية» Volkslieder ت(1782-1783). وفي عام 1785 أسهم هردر إسهاماً كبيراً في إصلاح المناهج التعليمية المدرسية، وصار عام 1787 عضو شرف في أكاديمية العلوم البرلينية. وعندما وقعت الثورة الفرنسية 1789 رحب هردر بأهدافها وشعاراتها ولاسيما بالنظام الجمهوري. ولكن تحت ضغط المرض المتفاقم منذ عام 1800، وحرصاً على مستقبل ابنه مالياً قدم هردر التماساً للحصول على لقب النبالة von ومنحتِه السنوية، وحصل عليهما في عام 1801، على الرغم من عدائه المضمر لكل ما يتعلق بالأرستقراطية.

وصل إبداع هردر الفكري ذروته في ڤايمار متمثلاً في كتابيه «ورقات متناثرة» Zerstreute Blätter ت(1785-1797) و«أفكار في فلسفة تاريخ البشرية» Ideen zur Philosophie der Geschichte der Menschheit ت(1784-1791) وكذلك في «رسائل من أجل تطوير الإنسانية» Briefe zur Beförderung der Humanität ت(1793-1797). أما عمله الأخير «أدراستيا» Adrastea ت(1801-1803) فقد تضمن أطروحات في التاريخ والفلسفة وعلم الجمال تؤكد الهدف التربوي/التعليمي للأدب، مما يتناقض مع نظريته حول الاستقلالية الكاملة للعمل الأدبي أو الفني التي دافع عنها وشرحها في معظم أعماله السابقة.

لقد جرب هردر قلمه على استحياء شعرياً ومسرحياً، إلا أن محاولاته على الصعيدين لم تلق استجابة مشجعة في الأوساط الأدبية والفنية، لا في حينها ولا لاحقاً، في حين كان لدراساته الفلسفية والأدبية واللاهوتية تأثير تجاوز حدود ألمانيا إلى الفكر والأدب عالمياً. وقد ترجمت معظم دراساته هذه إلى اللغات الأوربية، وبعضها إلى العربية منذ مطلع القرن العشرين.

نبيل الحفار

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الاتباعية (الكلاسيكية) ـ الأدب الشعبي ـ ألمانيا.

 

 مراجع للاستزادة:

 

- AUTORENKOLLEKTIV, Deutsche Literaturgeschichte (Stuttgart- Weimar 2001).

- H. J. GEERDTS, hrg., Deutsche Literaturgeschichte in einem Band (Berlin 1966).

- W. GRABERT & A.MULOT, Geschichte der deutschen Literatur (München 1966).


التصنيف : الآداب الجرمانية
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الواحد والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 427
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1103
الكل : 40539203
اليوم : 69018

اللوجستية

اللوجستيّة   يعود أصل كلمة اللوجستية logistics إلى الإغريقية logo؛ وتعني التفكير والفهم والحساب، وتعني logistikos التفكير المنطقي. ويقال: إن الأصل يعود إلى الفرنسية loger بمعنى تأمين الإقامة. أُدركت معظم الوظائف اللوجستية في مواقع إدارية عسكرية ومدنية مختلفة وفي عمليات التنظيم الصناعي؛ إلا أن التطور التاريخي لمفهوم اللوجستية أدى إلى إيجاد فوضى ذات طبيعة لغوية واصطلاحية ولا سيما عندما أخذت عمليات متماثلة أسماء مختلفة. لذلك يعدّ ترتيب الوظائف اللوجستية ودمجها في مصطلح شامل وواضح ومقبول من قبل الجميع أمراً معقداً.
المزيد »