logo

logo

logo

logo

logo

النقد الفني

نقد فني

Art criticism - Critique d’art

النقد الفني

 

تخضع قراءة العمل الفني إلى دربة ودراسة وإلى موقف القارىء إزاء العمل الفني، وتسمى هذه القراءة النقد الفني critique d’art، والناقد الفني هو متذوق في أعلى درجات نمو الرؤية الفنية؛ لأن ثقافته في فلسفة الفن وفي تاريخه وتقنياته تصل إلى حد الاختصاص، أما المتذوق العادي فليس عليه أن يكون اختصاصياً، بل قارئاً جيداً للعمل الفني، يعتمد في قراءته على ثقافة وممارسة في الاطّلاع على الأعمال الفنية، مما يدفعه إلى اقتناء هذه الأعمال الفنية وإلى تشجيع الفنانين عن قناعة وثقة.

وإذا كان الإبداع الفني يقوم على الحدس ـ أي على العقل والعاطفة ـ فإن النقد يقوم على الحدس أيضاً عندما يمارس أدواره في تحديد المستوى الفني للفنان. وأول هذه الأدوار الدور التصنيفي الذي يقارن فيه العمل الفني بغيره، والمدرسة الفنية بغيرها. والدور الثاني هو دور تاريخي إذ يحدد العلاقة القائمة بين عمل اليوم وعمل الأمس، وبين الأساليب المعاصرة والأساليب التي تتالت عبر تاريخ الفن والحضارة. والدور الثالث إرشادي، وكثيراً ما كان للناقد أثر في تكوين الفنان كما له دور في تكوين الرؤية النقدية عند الجمهور.

وبصورة عامة، فإن الناقد يقوم بدور تقييمي عندما يحدد مشروعية العمل ومستواه الفني، هل هو فن أم لا؟ هل هو فن جاد أم فن هابط؟.

النقد الفني وعلم الجمال

تبدو أبحاث النقد الفني ملازمة لأبحاث علم الجمال بوصفه فرعاً من الفلسفة، ولكنه ينتمي أيضاً إلى الأدب، ضمن مقاييس كان ديدرو [ر] Diderot قد وضعها ولكنها تعتمد في تعريف النقد على الذائقة الأدبية، ولكن الحكم التقييمي على العمل الفني يبقى التعريف الأقرب لمفهوم النقد، ولا سيما أن شرط الجديّة في الحكم ينفي التصورات الشعرية التي لا تنتج حكماً صحيحاً.

ومن الممكن الزعم أن النقد الفني بوصفه علماً قد بدأ أكثر وضوحاً في كتاب «الاستطيقا» الذي وضعه باومغارتن Baumgarten، وقد استوحى هيغل [ر] Hegel ما قاله سقراط [ر] من أن قراءة العمل الفني هي معرفة ماهية الجمال فيه، عندما رأى أن الجمال «حقيقة كلية».

ولا شك أن هيغل يتصور قارئ العمل الفني فيلسوفاً يبحث عن معنى العمل الفني، ولكن كانْت [ر] Kant في كتابه «نقد ملكة الحكم» (1790) أثار مسألة الحكم الجمالي والحقيقة الكلية. واختلف الفلاسفة في تحليل مفهوم الفن وعلاقته بالأدب والعلم والطبيعة والحياة الاجتماعية والعوامل النفسية. ولم يخرج واحد منهم في بحثه عن خيمة الفلسفة، وهذا ما جعل قراءة العمل الفني أو ما يسمى بالنقد الفني مختلفة متعددة الوجوه والمقاصد، فكانت آلية قراءة العمل عند برغسون [ر] Bergson تقوم على الحدس Intuition، وكان الهدف من النقد الفني عند ديوي [ر] Dewey الكشف عن الخبرة، وكانت عند هايدغر[ر] Heidegger تقوم على الدراسة الظواهرية (الفينومونولوجية). ويرى سوريو Souriau أن النقد الفني هو علم يبحث في معرفة أشكال الأشياء وعالم الصور.

واقتحم مسألة النقد الفني عدد كبير من الأدباء والنقاد، مثل بول ڤاليري [ر] P.Valéry وأندره مالرو [ر] A.Malraux وسارتر [ر] P.Sartre وألبير كامو [ر] A.Camus وانتقلت هذه القراءة إلى مجال الدراسات اللسانية السيمانتية عند دي سوسور [ر] De Saussure.

آليات النقد الفني

تقدم النقد الفني فأصبح قراءة مركبة تعتمد على الفكر والخيال وعلى الثقافة والمعرفة، ثم على الموقف الخاص والظرف الاجتماعي والسياسي. وليس سهلاً الاعتماد على واحد من هذه الآليات فقط لتسمية قراءة النص الفني قراءة نقدية. والنقد الفني لا يعتمد في دراسة الواقعة الجمالية على الذائقة والمشاعر واللذة فحسب ـ وهي حالات حدسية ـ بل لابد أن يعتمد أيضاً على حكم موضوعي لتحديد القيمة الجمالية كما يرى شارل لالو [ر] Ch. Lalo؛ إذ إن تذوق عمل فني هو إدراك لقيمته في حياة الإنسان، فالأعمال الفنية الواقعية أو غير الواقعية ليست مهمة لنقلها ما هو مألوف؛ ولكن بوصفها أشياء تختلف عن الواقع المألوف، وتقدم عالماً جديداً من الصور المختلفة التي تجدد معرفتنا بالأشياء حتى إن كانت صورتها الأولى طبيعة أو وجوهاً أو أشياء صامتة؛ هي موضوع العمل الفني.

والنقد الفني يقدم مفهوماً جديداً للنص الفني، لم يكن الفنان قد قصده أو توقع الوصول إليه، إن مهمة الناقد أن يكتشف في النص الفني ما هو ممكن فيما وراء هذا النص، وأن يكتشف العام الجماعي في الخاص الفردي. وإذا كان الجمال يحدد بلاغة النص فإن برغسون يرى أن العمل الفني يتصف بالجمال حينما يكون عامراً بالإيحاء.

 وفي طرف آخر يرى ديوي في النقد الفني طريقاً للكشف عن الحالة السعيدة التي وصل إليها الفنان في نصه الفني بسبب الخبرة الجمالية السوية المكتملة التي تستوعب ذكريات الماضي وآمال المستقبل، واستطاعت أن تحقق في الحاضر الوحدة والتكامل، مما يرقى إلى المستوى الأمثل في الجمال والحضارة.

وإذا كان ديوي فيلسوفاً في صوغ أفكاره عن الخبرة في الفن، فإن أندره مالرو صاغ أفكاره بقالب نقدي في كتبه الموسوعية، ولاسيما في كتابه الشهير «أصوات الصمت»، وكتابه «الإبداع الفني»، وهو يرى أن الناقد الفني متجه في قراءته إلى الكشف عن الجوانب الغامضة والملتبسة في العمل الفني والتي مازالت تنتظر من يكتشفها ويفسرها ويعيد خلقها من جديد، أما القارئ العادي فإنه يبحث عن المنفعة والمتعة الجمالية المرتبطة بذكرياته ومطامعه. ولقد عارض ميرلوبونتي Merleau- Ponty أفكار مالرو في دراسات موسعة. فهو يرى أن قراءة العمل الفني تهدف إلى الكشف عما يقدمه الفنان مرئياً بعد أن ساءل العالم المرئي.

 ويتجه النقد الفني إلى الكشف عن الفن وعن الجمال في النص الفني، ويتجلى الفن في العمل الإنساني والموقف والرؤية الخاصة بالفنان، ويبدو الجمال في صيغ الانسجام والوحدة والتوازن في طبيعة الأشياء الجامدة والحية.

ويعتمد الناقد الفني في كشفه على ثقافة معرفية فلسفية وعلمية وتاريخية، وعلى حدوسه التي تعادل حدوس الفنان في عملية إبداعه الفني. وللناقد دور في تصنيف العمل الفني وفي تحديد تطوره وتداخله مع الفنون والطرز والمبدعين الآخرين، ولكنه لا يستطيع أن يتصدى لذاتية المصور وحريته الإبداعية، فليس عمله معيارياً وليس إرشادياً ولكنه معنيّ بتأويل مضمونه من دون محاولة سجن العمل الفني في إطار معايير تختلق عناصره، كما أنه قادر على مقارنة النص بغيره من النصوص لتوضيح أوجه الاختلاف والمشاركة.

ولا يعني نقض المعيارية عدم تقييم العمل الفني وفق أحكام فلسفية جمالية، ولكن ليس من مجال لأحكام أدبية أو رومانسية أو أيديولوجية.

وليس النقد إبداعاً مهما كانت ملكة الحدس الفني قوية عند الناقد، ولكن من المفضل أن يتمتع بملكة الإبداع لكي يكشف عن آلية الإبداع في النص الفني المقروء، ثم ليكشف عن الجمال الفني في هذا النص، مؤازِراً القارئ العادي في الكشف عن أسرار الجمال، إذ إن مهمة الناقد توسيع المعرفة الفنية وربط الأثر الفني بالحياة، وهذا هو مفهوم البراكسيس Praxis عند الماركسيين.

النقد الفني والألسنية

يرى هربرت ريد H.Reed أن الفن لغة رمزية، وعلى هذا يرى علماء الألسنية أن النص الفني بوصفه لغة يتضمن دالاً ومدلولاً. ويكمن دور الناقد في ممارسة قراءة النص قراءة جمالية تخترق ظواهرية الشكل إلى أعماقه، ولمعرفة الشفرات الملغزة أو الملتبسة التي كونت النص. وهذا دور سيميائي تحليلي sémiologie analytique يقوم به الناقد.

ومع أن القراءة النقدية ليست اعتباطية؛ لكنها غير قاعدية أيضاً، فالنظرية السيميائية ليست قاعدة بل هي توضيح لآلية القراءة مع الاعتراف بمسؤولية هذه القراءة إزاء النص الذي أصبح بذاته منتـَجاً ثقافياً حضارياً. ولذلك فإن التنظير السيميائي ليس أيديولوجيا بل هو تنظيم منهجي. وتبحث القراءة السيميائية باستمرار عن طرائق جديدة لقراءة النص وتفكيكه، ورسم المسار في دهاليز النص المعقدة للوصول إلى المدلول الأكثر عمقاً وشمولاً؛ المدلول المنفصل عن الشكل الظاهري والمتصل بالموقف الذاتي، فالعالـَم الذي يكتشفه المتلقي في أعماق النص، عالـَم قد لا يكون المؤلف قد رآه. على أن قراءة النص ليست مجانية، بل تخضع لقيم تتجلى في تحويل التأويل نحو الأسمى إنسانياً وفكرياً.

والقراءة السيميائية قراءة حرة ومسؤولة عن حماية النص الذي أصبح منتجاً حضارياً. ويُقصد بالمسؤولية عدم المجانية في عملية التأويل بل هي تخضع لقيم تتجلى في دفع النص نحو الأسمى إنسانياً وفكرياً.

يدخل الناقد إلى النص من الباب الذي يختاره، فهو حر في فتح عالم الدلالة وإغلاقه من دون التقيد بمدلول مسبق، ولكن دون أن تصبح علاقته مع المؤلف علاقة خلافية أو كيدية أحياناً.

تربية النقد الفني

أصبحت ثقافة الناقد من المسائل التربوية المهمة، وكان لابد من تغذيتها عن طريق التربية والتعليم، بيد أن تربية التذوق على اختلاف درجاته ليست سهلة، ذلك أن التذوق يرتبط بعوامل مختلفة بعضها نفسي وبعضها اجتماعي وبعضها أخلاقي، ومع ذلك يبقى هدف التربية التذوقية، تقوية الموقف النقدي إزاء شيء جمالي أو فني. ويتم ذلك عن طريق تقوية ملكة الحدس لديه، وتقوية ملكة الحكم أيضاً.

ومهمة التربية النقدية رفع مستوى الدراسات الصحفية إلى مستوى النقد الفني.

عفيف البهنسي

الموضوعات ذات الصلة:

 

الجمال (علم ـ).

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ عفيف البهنسي، النقد الفني وقراءة الصورة (دار الكتاب العربي، القاهرة 1997).

ـ ثروت عكاشة، المشاكل المعاصرة للفنون العربية (دراسة منشورة في مجلة «مواقف»، بيروت أيار 1974).

- A.G. BAUMGARTEN, Esthétique (éd. de l’Herne, Paris 1988).

- A.MALRAUX, Les voix du silence (Gallimard, Paris 1951).

- A.MALRAUX, La création artistique (Skira 1948).

- MERLEAU- PONTY, Signes (Gallimard, Paris 1960).


التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : عمارة وفنون تشكيلية
المجلد: المجلد العشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 832
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 526
الكل : 31119796
اليوم : 21186

الدفاع النفسي (آليات-)

الدفاع النفسي (آليات -)   آليات الدفاع النفسي defence mechanisms آلية سيكولوجية لا شعورية، يستخدمها الفرد لإضعاف الحصر (القلق) الناجم عن نزاعات داخلية بين المقتضيات الغريزية والقوانين الأخلاقية والاجتماعية، وهو مفهوم تحليلي نفسي يستخدم في وصف البنى النفسية الثابتة نسبياً والارتكاسات الدفاعية المنفردة اللاشعورية التي يحول الأنا بمساعدتها حماية نفسه من الصراعات النفسية التي يمكن أن تنشأ عن التباعد بين رغبات الهُو ومطالب الأنا الأعلى أو حتى من مطالب الأنا نفسه، وهي جزء من المنظومة النفسية التي تهدف إلى تحديد طاقة الدوافع المهددة والمثيرة للقلق وتلعب دوراً في توازن الشخصية، غير أنها يمكن أن تتحول إلى آليات مرضيات ومعيقة إذا أصبحت هي الشكل الغالب من الدفاع.
المزيد »