logo

logo

logo

logo

logo

اليونان (المسرح في-)

يونان (مسرح في)

Greece - Grèce

المسرح

 

يُعدّ المسرح الإغريقي أصل المسرح الأوربي خاصة، وأحد أصول المسرح العالمي بمفهومه الغربي عامة. وتعود نشأته تقريباً إلى القرن السادس ق.م في ممالك المدن Polis في البر اليوناني؛ عندما انفصلت ظاهرة الفن المسرحي عن طقوس عبادة الإله ديونيسوس[ر] Dionysos في احتفالاته العربيدية الصاخبة في موسمي البذار (الديونيسيا الصغرى) والحصاد (الديونيسيا الكبرى)، لينبثق منها فن دنيوي محوره وهدفه الإنسان في صراعاته مع نوازع نفسه ومع كل ما يحيط به ويؤثر في حياته ومصيره، وبلغ هذا المسرح ذروته في القرن الخامس ق.م في عهد الحاكم بِريْكلس[ر] Perikles. وقد استمد هذا الفن الجديد عناصر مختلفة من الميموس Mimos الشعبي[ر. الإيماء]، ومن أناشيد المديح الجماعية Dithyrambos، ومن شعائر عبادة الإلهة ديميتير Demeter ربة الأرض وأخت زيوس [ر] Zeus. وكانت حاضنةُ العروض المسرحية النظامَ الاجتماعي والنمو الاقتصادي والازدهار الثقافي في ممالك المدن، وديمقراطيتها التي سمحت بمناقشة شؤون الدولة والمواطن علناً ووفرت لها الوسائل المالية والمادية (إنشاء العمارة المسرحية، جوائز الكتّاب، أجور الممثلين والموسيقيين والمغنين، وأخيراً ثمن بطاقة الدخول للفقراء من السكان)، وسمحت بتجمع أعداد هائلة من السكان في مكان واحد ليعبروا عن رأيهم فيما يشاهدونه ويسمعونه من قضايا مهمة يعالجها الكتاب في مسرحياتهم. وصارت مواسم العروض المسرحية احتفالات شعبية كبرى، وأخذت الدول منذ عام 510 ق.م تنظمها في مسابقات Agon مهرجانية في أعياد لينايا Lenaia وأنثِسْتريا Anthesteria ذات الطابع البهيج المرتبط بالرقص والغناء والشراب. في البداية شملت المسابقات عروض المأساة (التراجيديا)[ر. المسرحية] في المدن، في حين كانت عروض الملهاة (الكوميديا) تقدم في الأرياف. وبعد نحو سبعين عاماً صار كلا النوعين يشاركان معاً في المسابقات بالمستوى نفسه من الاحترام والتعامل الجاد. وكانت المأساة تستقي مادتها من الأساطير القديمة، وأشهرها حلقة أساطير سلالة الأتريديين نسبة إلى أتريوس Atreus، وأساطير طروادة وأوديب وأنتيغونِه وهرقل وبرميثيوس وأمفيتريون؛ إذ كانت الآلهة تتدخل إلى هذا الحد أو ذاك في مصائر البشر. وقد كان لكل كاتب تأويله الخاص ـ فلسفياً واجتماعياً وسياسياً ـ للمادة الأسطورية. فشخصيتا إلكترا Elektra وأورست Orest مثلاً عولجتا بتأويلات مختلفة جذرياً بين أسخيلوس[ر] وسفوكليس[ر] وأوريبيديس. أما الموضوعات المعاصرة فقد كانت نادرة، ولم يتبق من أمثلةٍ عليها سوى مأساة «الفُرس» لأسخيلوس التي عالج فيها بأسلوب مبتكر انتصار اليونانيين على الجيوش الفارسية الغازية في معركة سَلاميس Salamis من دون أن تظهر على الخشبة أي شخصية يونانية. في حين كان تعامل الملهاة مع الموضوعات ذات الأهمية الراهنة أكثر اتساعاً وتقبلا كما لدى أريستوفانس[ر] الذي غلفها بأجواء خيالية، أو لدى ميناندروس[ر] في أجواء الحياة اليومية الواقعية. ولاشك في أن معرفة الجمهور المسبقة بالموضوعات في المأساة قد سهَّلت عليه تقبل معالجات الكتاب لها بما يتلاءم مع روح العصر وتوجهات المستقبل الذي يرغب الكتاب ـ بوصفهم مفكرين ـ المشاركة في صياغته. وهذا ما ولَّد عظمة ذلك المسرح كونه مغامرة فكرية فنية في توجيه مستقبل الإنسان اللغز، فقد كانت حكمة معبد دِلفي Delphi منذ القدم «اعرف نفسك»، وتتمة الحكمة هي لاشك: «لتعرف حاضرك ومستقبلك».

تتألف البنية التكوينية للمأساة الإغريقية من: 1 ـ برولوغ (نشيد البداية) prologos،ء 2 ـ بارودوس (دخول الجوقة منشدة) parodos، ء 3 ـ إبيزوديا (الأجزاء الحوارية الخمسة = الفصول) epeisodia، ء4 4 ـ ستاسيما (أناشيد الجوقة الأربعة بين الفصل والآخر) stasima؛ وسياق الحدث عبر الفصول يؤدي إلى 5 ـ بِريبتي (الذروة) Periptie، ء 6 ـ كتاستروفِه (الكارثة) katastrophe، ء 7 ـ إكسودوس (خروج الجوقة منشدة) exodos. ومنذ المرحلة الهلينستية[ر] تلاشى دور الجوقة وبقيت الفصول الخمسة قاعدة أساسية حتى نهاية القرن التاسع عشر تقريباً. وكان هدف المأساة هو تحقيق التطهير katharsis؛ بمعنى تخليص المواطن من الانفعالات غير السوية عن طريق إثارة الخوف في نفسه من أن يواجه مصير الشخصية التي أصابتها الكارثة، والشفقة عليها لما أصابها.

وتختلف بنية الملهاة اختلافاً طفيفاً عن المأساة من حيث إضافة عنصر بارابازِه (المرافعة) parabase، عندما ينزع قائد الجوقة قناعه ويخاطب الجمهور مباشرة بلسان المؤلف عارضاً مشكلة راهنة الأهمية، أو مهاجماً شخصيات سياسية أو قضائية محددة لفسادها. وكان موقع هذه المرافعة إما في منتصف الحدث ـ مما كان يؤثر سلباً في السياق ـ وإما في الخاتمة. وكما حدث في تطور المأساة، سقط عنصر المرافعة وكذلك الجوقة من الملهاة منذ مرحلة «الملهاة الجديدة» في العصر الهلينستي.

يدل التحليل التشريحي لبنية المسرحية الإغريقية على أنها قد انطوت على المأساة ذات الفصول الخمسة والمحددة النهاية، كما على المسرحية الملحمية ذات النهاية المفتوحة، وكذلك الأمر على صعيد الملهاة؛ هذا إلى جانب المسرحية المبنية على مبدأ التماهي identification أو على مبدأ التغريب estrangement، ما يعني تأسيس المهاد الغني والواسع لتطور المسرح الأوربي ومن ثم العالمي.

أما المسرحية الساتورية satyrplay فقد اشتق اسمها من حاشية ديونيسوس، وهي كائنات ماجنة هازلة شهوانية، لها شكل البشر ولكن بآذان وذيول وحوافر خيولٍ أو تيوس. وتؤلف المسرحية الساتورية عادة الجزء الأخير من رباعيةٍ أجزاؤها الأولى مآسٍ، وكان على الكاتب التراجيدي أن يتقدم للمشاركة بالمسابقة المسرحية برباعية، بيد أن هذا الشرط لم يستمر طويلاً، فقد خرقه كل من سفوكليس وأوريبيديس. وتتسم المسرحية الساتورية بطابع ملهاوي صارخ بتناولها موضوع الثلاثية المأساوية نفسه ولكن من منظور ساخر. ولم يبق من هذه النصوص عبر التاريخ سوى نص «كوكلوب أو سيكلوب» Kyklop كاملاً لأسخيلوس، وبعض الشذرات لكتاب آخرين.

كان أرسطو[ر] في كتابه «فن الشعر» أول من قدم تعريفاً للدراما الإغريقية، رأى فيه أن حكاية fable المسرحية هي روح العرض المسرحي وقلبه، وكان ثِسْبيس Thespis أول مؤلف مسرحي بدأ حياته المهنية ممثلاً ثم منظماً للمسابقات الأولى. ومنذ سفوكليس توقف المؤلفون عن المشاركة في التمثيل وتحولوا إلى عملية الإخراج. وقد حفظت سجلات المسابقات المسرحية أسماء مؤلفين مأساويين ـ ضاعت نصوصهم ـ مثل فرونيخوس Phrynichos، وأغاثون Agathon، إضافة طبعاً إلى العمالقة الثلاثة المعروفين. وعلى صعيد الملهاة هناك إبيخارموس Epicharmos وفورميس Phormis وأويبوليس Eupolis وكراتينوس Kratinos، إضافة إلى أريستوفانس من مرحلة «الملهاة القديمة»؛ وهناك من مرحلة «الملهاة المتوسطة» نحو 160 اسماً، بيد أن النصوص المتبقية نادرة؛ أما من مرحلة «الملهاة الجديدة» فهناك ديفيلوس Diphilos وفيلِمون Philemon وميناندروس. وتمثل المرحلتان الأخيرتان نوع «ملهاة الشخصية» comedy of character ذات التأثير الكبير في الملهاة الأوربية لاحقاً، علماً أن الجوانب السياسية الشهيرة لدى أريستوفانس قد تقلصت هنا حتى التلاشي.

وفي القرن الرابع ق.م ظهر في منطقة الثقافة الإغريقية في جنوبي إيطاليا نوع من الهزلية farce الخشنة والبذيئة باسم phlyak نسبة إلى Phlyax وهو شيطان ديونيسي، وهي نوع من المحاكاة التهكمية parody لشخصيات رفيعة المقام مثل هرقل أو زيوس. أبرز كتابها هو رينتون Rhinton نحو 350 ق.م.

مع بزوغ شمس الحضارة الرومانية على حساب الحضارة الإغريقية تحولت إنجازات الأخيرة إلى معين ثرٍ لا ينضب لكتاب الحضارة الجديدة الذين انكبوا على دراسة درره والاستفادة من أدبها وفنها وفكرها.

وبسبب الظروف السياسية الصعبة التي مرت بها اليونان منذ ذلك الحين حتى استقلالها عن الامبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر؛ تراجع دور الفن المسرحي على صعيد التأليف والعرض بصورة لافتة، ولم يعد إلى البروز من جديد إلا مع زيارات بعض الفرق المسرحية الإيطالية والفرنسية منذ عام 1863؛ مما أدى بعد سنتين إلى ظهور أول فرقة يونانية محترفة. وعند منقلب القرن أُنشئ في أثينا مسرحان ضخمان كثرت في عروضهما مسرحيات هنريك إبسن[ر]. وفي عشرينات القرن الماضي تأسس في أثينا معهد عال للفنون المسرحية، وكثرت الفرق المسرحية الخاصة مثل «فرقة المسرح الهلينستي» و«فرقة المسرح الحر». أما «فرقة المسرح القومي» الممولة من قبل الدولة فقد تأسست عام 1932 في أثينا. وفي عام 1927 بدأت حركة استعادة التراث بتقديم مسرحية أسخيلوس «بروميثيوس في الأغلال» في مسرح دلفي [ر. المدرج]، في حين أخذ المسرح القومي على عاتقه إخراج العروض التراثية في مسرح هيرودِس Herodes في أثينا، وفي مسرح إيبداوروس Epidauros. وفي تلك المرحلة برز اسم ماريكا كوتوبولي Marika Kotopuli ـ مديرة فرقة ومخرجة وممثلة ـ ولاسيما في «إلكترا» لسفوكليس عام 1972. وفي مسرحها بدأ كارولُس كون Karolus Koun عام 1934 العمل مخرجاً، ثم أسس عام 1942 «المسرح التقاني» Teatron Technis الذي صار بعد عام 1945 أحد أبرز المسارح في العالم وأنجحها، وقد عملت معه الممثلة البارزة كاتينا باخينو Katina Paxinou. وفي عام 1954 أقام المخرج رونديريس A.Rondirisأول مهرجان دولي للمسرح الإغريقي في مسرح إبيداوروس، وبدأ منذ عام 1957 بجولات عالمية بمسرحيات إغريقية من إخراجه، وكانت الممثلة أسباسيا بباثناسيو Aspasia Papathanasiou تؤدي الأدوار النسائية الأولى، وفازت عام 1960 بجائزة «مهرجان مسرح الأمم» في باريس عن دورها في «إلكترا» لسفوكليس. ومن المخرجين البارزين هناك تاكيس موزِنيدس Takis Mouzenides الذي كان مديراً للمسرح القومي في أثينا بين 1967 ـ 1974، وألكسيس مينوتيس Alexis Minotis مخرجاً في المسرح القومي منذ عام 1950 وفي مسرح إبيداوروس؛ وميخائيل كوكويانيس M.Cocoyannis الذي عمل في لندن ونيويورك وفي المسرح القومي ـ أثينا، وستافروس دوفيخيس Stavros Doufixis الذي عمل في سالونيك وفي ألمانيا الاتحادية، ثم في المسرح القومي منذ عام 1980.

أما على صعيد التأليف المسرحي المعاصر فقد كان الإنتاج ضعيفاً وتابعاً للتيارات المسرحية التي ازدهرت في أوربا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية.

 نبيل الحفار

 

 

 


التصنيف : الموسيقى والسينما والمسرح
النوع : موسيقى وسينما ومسرح
المجلد: المجلد الثاني والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 629
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1088
الكل : 45602393
اليوم : 3076

رماية السهام

رماية السهام   رماية السهام هي إحدى أنواع رياضة الرماية التي تحظى باهتمام كبير بعدما دخلت الألعاب الأولمبية ونظمت لها بطولات العالم، وترجع بدايات هذه الرياضة إلى اخترع إنسان ما قبل التاريخ القوس والسهم، فأحدث بذلك ثورة في طرائق الصيد البدائية، بحيث أصبح بمقدوره قتل الحيوانات عن بعد. وكان قدماء المصريين أول من عُرفوا باستخدامهم القوس والسهام على نطاق واسع، إذ يعود ذلك إلى 5000 سنة قبل الميلاد، وتلاهم الآشوريون والفرس.
المزيد »