logo

logo

logo

logo

logo

تدمر(التاريخ-)

تدمر(تاريخ)

Palmyra - Palmyre

تدمر عبر العصور

 

يعود أقدم ذكر لتدمر باسمها الحالي إلى مطلع الألف الثاني ق.م، ولا يعرف لهذا الاسم معنى مؤكد. على أن من المقبول أن يكون اسمها مشتقاً من دَمَرَ، التي تعني حَمَى في اللهجات الغربية من لغات الجزيرة العربية القديمة. وقد أُطلق عليها باللغتين الإغريقية واللاتينية واللغات المتطورة عنها اسم بالميرا Palmyra المشتق من اسم النخيل.

تدمر في عصور ما قبل التاريخ

في العصر الحجري القديم، كان المنخفض القائم إلى الجنوب الشرقي من موقع تدمر، المعروف باسم الملاّحة، بحيرة واسعة عذبة، ترتادها الطرائد التي كان يقتات منها الإنسان القديم، الذي كان يأوي إلى الجبال المجاورة. وقد ترك لنا أدواته الحجرية في جرف العجلة والثنية البيضاء والدّوارة، ولاسيما من النموذج الموستري، الذي يرقى إلى قرابة 75ألف عام.

وقد وقع الباحثون على شواهد من العصر الحجري الحديث في الأكمات المحدقة بالنبع والواحة، وهي ترقى للألف السابع قبل الميلاد. وثمة شواهد من أزمنة أكثر حداثة في التل الأثري الذي يقوم عليه معبد بِل (وهو بعل في اللهجة الكنعانية ومشتقاتها).

أدت أعمال التنقيب في التل المذكور إلى اكتشاف فخار سوري من أواخر العصر المعروف باسم البرونز القديم في حدود 2200 إلى 2100ق.م. لكن أقدم نصوص تذكر تدمر باسمها الحالي وجدت في معمَّرة كانيش الآشورية (كولتبة) بمقاطعة كبادوكية في الأناضول. وهي من مطلع الألف الثاني ق.م، وتليها نصوص عُثر عليها في مدينة ماري (تل الحريري على الفرات) تعود للقرن التاسع عشر قبل الميلاد، وأخرى من إيمار (مسكنة على الفرات) من القرن الرابع عشر قبل الميلاد. كما ذكرت تدمر باسمها الحالي أيضاً في حوليات الملك الآشوري تغلات بيلاصَّر الذي عاش في القرن الحادي عشر ق.م (1112-1074).

تدمر أيام السلوقيين والرومان (زنوبيا ملكة تدمر)

لا يُعرف الكثير عن تدمر في زمن الدولة البابلية الحديثة (الكلدانية 612- 539 ق.م) أو في أيام الدولة الأخمينية (الفارسية 538- 333 ق.م) لكن من المؤكد أن تدمر كانت مدينة مهمة في العصر السلوقي (312- 64 ق.م).

ظلت تدمر إمارة عربية ذات حكم ذاتي طوال عصر الدولة السلوقية في بلاد الشام، شأنها في ذلك شأن إمارة حمص ومملكة الأنباط والإيطوريين وغيرهم. ويذكر المؤرخ بوليبيوس اشتراك أمير يحمل اسماً تدمرياً هو «زبديبل» مع عشرة آلاف عربي بنصرة السلوقيين على البطالمة في معركة رفح (217ق.م).

احتفظت تدمر باستقلالها بعد احتلال الرومان لسورية عام 64ق.م، كما يستنتج من المؤرخين بلينيوس الأكبر وأبيانوس، اللذين يذكران أهمية دورها التجاري بين الفرس والرومان. وألحقت بالامبراطورية الرومانية في أواسط القرن الأول الميلادي، ثم اشتركت اشتراكاً فعالاً في مشروعات الدولة الرومانية، وقام رماتها ومختلف قواتها بحماية حدودها من الصحارى العربية حتى حوض الدانوب وشمال إنكلترة، وانتقل لها دور البتراء التجاري بعد سقوط دولة الأنباط في 106م.

منح الامبراطور هادريان (117- 138هـ) تدمر وضع المدينة الحُرّة، الذي يؤهلها لسن قوانينها وتحديد رسومها. ونشطت نشاطاً واسعاً في كل النواحي، ولاسيما في ميدان اقتصاد القوافل والتوسع التجاري والمعماري والفني، وأعطاها الامبراطور كركلا من السلالة السيفيرية صفة المعمَّرة الرومانية في عام 212م، عندما منح المواطنية الرومانية لجميع السكان الأحرار في الامبراطورية.

وكان من نتائج قيام السلالة الساسانية في فارس و وصولها إلى الفرات في عام 228م، فقدان تدمر لسيطرتها على الطرق التجارية المارة في شط العرب والخليج العربي وبداية مصاعبها المادية. ولم تستطع رومة أن تقيل عثرة تدمر، فقام بالمهمة حاكم الولاية السورية الملك العربي أذينة (حكم 258- 267 أو 268م) الذي قهر الفرس، ورد قواتهم إلى عاصمتهم المدائن (طيسفون) مرتين (262م و267م)، وتمتع بكل الألقاب الرفيعة اللائقة، وليس أقل من لقب «مصلح الشرق كله» و«ملك الملوك». وقُتل أذينة وولي عهده هيروديان في ظروف غامضة، فقامت زوجته زنوبيا بالوصاية على ابنهما وهب اللات، واتخذت معه ألقاب الأباطرة، واحتلت مصر والأناضول إضافة إلى بلاد الشام، ثم لم يحالفها الحظ في قراعها مع الامبراطور الروماني أورليان، فسقطت تدمر، وأُسرت الملكة العربية في عام 272م، وظل مصيرها موضع خلاف بين المؤرخين، ولكنها تركت في الشرق والغرب قصة رائعة دخلت ميدان الأسطورة.

تدمر بعد زنوبيا

كانت المسيحية قد رسخت في تدمر في القرن الرابع الميلادي، ولمّا أغلقت المعابد الوثنية زمن الامبراطور تيودوسيوس في نهاية ذلك القرن، قلبت الهياكل الرئيسية في معبد بل ومعبد بعلشمين وغيرهما إلى كنائس. وفي أواخر القرن الخامس والقرن السادس الميلادي كانت تدمر إحدى مراكز الغسانيين حلفاء دولة الروم. وقد روى المؤرخ بروكوبيوس أن الامبراطور البيزنطي جستينيان (527- 565م) سعى لتدعيم أسوار تدمر، بإضافة أبراج مستديرة لها، كما تم في عهده إصلاح شبكة المياه.

وفي عام 634م استولى خالد بن الوليد (قائد الجيوش العربية الإسلامية) على تدمر سلماً، واستعادت تدمر في ظل الأمويين قدراً من أهميتها السابقة، ثم أهملت أيام الخلافة العباسية، وفي بداية القرن الحادي عشر أصابها زلزال عظيم هدم أبنيتها ومات تحت الأنقاض قسم من سكانها. ونهضت من جديد أيام البوريين[ر]، أتابكة دمشق (القرن الثاني عشر الميلادي) والأيوبيين (القرنان الثاني عشر والثالث عشر الميلادي) والمماليك (الثالث عشر حتى الخامس عشر الميلادي). وفي تلك الأيام صار معبد بل الحصن الذي يضم معظم البلدة، وغدا هيكله المركزي مسجداً جامعاً. ويشيد ابن فضل الله العمري في القرن الرابع عشر الميلادي ببيوت تدمر وبساتينها وتجارتها. وفي عام 1401م نهبت تدمر بعض قوات تيمورلنك. وتسارع سوء حال تدمر أيام العثمانيين (1516-1919م)، وآل أمرها إلى قرية تعاني غزوات البدو. أما القلعة التي تشرف على تدمر، وتسمى باسم القلعة العربية فهي تنسب لفخر الدين المعني (1595- 1634م)، على خلاف حول ذلك. ونهضت تدمر بعد استقلال سورية وصارت من جديد سيدة البادية وعقدة أساسية في مواصلاتها.

استكشاف تدمر

غدت تدمر وملكتها النبيلة الشجاعة قصة تخلب ألباب العالم الغربي بعد عصر النهضة. وأوحت تدمر وزنوبيا لأدباء فرنسيين، مثل دوبينياك ولابرويير وموليير عدة مسرحيات، كما مُثلتا بالرسم والسجاد. وقد دفعت هذه الشهرة الكبيرة الكثيرين من الرحالة الأوربيين للمخاطرة بزيارتها، منهم الإيطالي دلاّفالي (1616 و1625) والفرنسي تافرنييه (1638م)، وتلاهما تجار إنكليز وآخرون من مختلف البلدان الأوربية، وقام الإنكليزيان وود و دوكنس عام 1751 بزيارة تدمر، ومسْحها أثرياً، وكان كتابهما «أطلال تدمر» الذي نشر بالفرنسية والإنكليزية عام 1753 فاتحة الدراسات المنهجية عن تدمر، وعلى أثره قام الفرنسي بارتلمي والإنكليزي سوينتون بتفسير الكتابات التدمرية، وتلا هذه الزيارة زيارة العشرات من الباحثين والرسامين والمهتمين بالمسألة الشرقية. وفي 1881 اكتشف الأرمني الروسي اباماليك لازاريف نص القانون المالي التدمري الذي نقل فيما بعد إلى متحف الإرميتاج في سان بطرسبرغ في روسية، وهو أطول النصوص المالية من ذلك الزمن وأكثرها أهمية. ثم نشر الألماني فيغاند مؤلفاً ضخماً عن تدمر بعد أعمال أثرية فيها خلال 1902 و1917. وأرسلت الأكاديمية الفرنسية بعثة لنسخ الكتابات التدمرية في عام 1914. وآل المشروع في النهاية لنشر مؤلف «جامع الكتابات السامية» والجزء الثاني منه مخصص لتدمر. ومنذ 1924 بدأ الدنماركي هرالد إنغولت أعمال تنقيب في تدمر، وفي 1929 نقلت بلدة تدمر من داخل المعبد إلى مكانها الحالي بمساع من العالم الفرنسي هنري سيريغ. وبعد الاستقلال قامت السلطات الأثرية السورية بالتنقيب في تدمر وترميم آثارها، وما زالت هذه الأعمال مستمرة.

التدمريون، لغتهم وكتابتهم

أسماء الأعلام التدمرية والطقوس والشعائر الدينية في تدمر، وعدد كبير من الأرباب التدمرية تشكل برهاناً قاطعاً على أن الكثرة الساحقة من سكان تدمر وإقليمها هم من العرب، وقد احتفظوا بتقاليدهم العربية، وظل نظامهم الاجتماعي الأساسي نظام قوافل وتجارة قافلية. وكان التدمريون يستخدمون في كتاباتهم الآرامية التي كانت لغة الكتابة والمراسلات في آسيا الغربية منذ أيام الأخمينيين، وإن كانت آرامية تدمر تستخدم بعض المصطلحات والصيغ العربية.

إن أهم مصدر عن تدمر هو النصوص التدمرية المنتشرة من بادية الشام إلى شمال إنكلترة، وفي مدينة تدمر نفسها عثر حتى اليوم على نحو ثلاثة آلاف نص تدمري، بينها مئات محررة بالتدمرية والإغريقية التي كانت اللغة الرسمية للحكم الروماني في سورية. أما النصوص اللاتينية في تدمر، فهي تعد على أصابع اليدين. أقدم نص تدمري معروف يعود لعام 44ق.م، وأحدثه يعود لعام 272م، وهو عام سقوط تدمر بيد الامبراطور الروماني أورليان. والتاريخ السلوقي (تشرين الأول 312ق.م) هو المنطلق في تأريخ النصوص التدمرية.

الوضع الاقتصادي

جعل الاقتصاد المزدهر من تدمر واحدة من أمهات المدن في العالم القديم، وكانت في وقت ما قلب التجارة الدولية بين الشرق والغرب. وقد ولّدت تجارة القوافل طبقة ثرية من أصحاب القوافل تتباهى برفع عمائر ومدافن رائعة باذخة الزخرف، وخلقت في المدينة كل أسباب الحياة الراقية من مسرح وحمامات وقاعات ولائم . سمى العالم روستوفتسيف تدمر «مدينة القوافل»، فكل تدمري حر ميسور كان تاجراً وبصورة أخص صاحب قافلة أو مشاركاً في نشاطها. كانت القافلة لب الاقتصاد التدمري، وقد أثرت القوافل على شكل تنظيم المدينة وعلى إنتاجها وعلى قوانينها المالية وعلى صورة حياتها اليومية.

الديانة

تتصف الديانة التدمرية بالاصطفائية والتوفيقية، وفي مجمع الأرباب التدمريين نحو ستين معبوداً، على رأسها الرب البابلي الأصل بل (أي مردوخ)، وقد وحِّد في أيام اليونان والرومان بالرب زفس/جوبيتر، ومع بل يكون عادة الربان يرحبول (الشمس) وعجلبول (القمر). وكان للرب نبو ابن بل شعبية كبيرة في تدمر، أما الرب الكنعاني بعلشمين (رب السموات) فكان على رأس مجموعة أخرى من الأرباب. وكان التدمريون يتعبدون الّلات والعزى ومنوه ورضو وشمس وغير ذلك من المعبودات العربية. وكان أهم مظهر من مظاهر الشعائر الدينية التدمرية الطواف حول الهيكل المركزي للمعبد، وحمل صنم المعبود على جمل تحميه قبة حمراء من أدم، كما هي العادة لدى بعض القبائل العربية أيام الوثنية، وكانت الكهنوتية منظمة، ولها درجات واختصاصات منها الحجبة، كما يستنتج من النصوص.

 

 

 


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 230
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1006
الكل : 59401428
اليوم : 33738

توتوفينتس (فاهان-)

المزيد »