logo

logo

logo

logo

logo

بوروندي

بوروندي

Burundi - Burundi

بوروندي

 

بوروندي Burundi إحدى دول إفريقية الشرقية، وهي جمهورية تقع في الطرف الغربي من الهضبة الإفريقية الشرقية ـ هضبة البحيرات ـ شرق الفرع الغربي لأخدود الانهدام السوري الإفريقي، بين أهم حوضين نهريين: حوض النيل الذي تقع بعض أعاليه في بوروندي، وحوض نهر الكونغو الذي تأتي بعض مياهه من بحيرة تنغانيكة Tanganyika، والتي تؤلف أغلب حدود بوروندي الغربية. وتقع بوروندي في المنطقة الاستوائية، عند تقاطع خط العرض 3ْ جنوباً مع خط الطول 30ْ شرقاً، وهي دولة داخلية حبيسة.

تتمتع بوروندي بأهمية اقتصادية كبيرة بالموازنة مع دول إفريقية أخرى تفوقها مساحة، فمساحتها صغيرة، لا تتعدى 27834كم2(بما فيها مياهها الإقليمية في البحيرة). عاصمتها بوجمبورا[ر] Bujumbura. وهي بلدة صغيرة وجميلة على أطراف بحيرة تنغانيكة. واللغة الرسمية في بوروندي هي اللغة الفرنسية، إلى جانب اللغة المحلية المعروفة بالروندية.

الأوضاع الجغرافية الطبيعية

تنحصر أراضي بوروندي بين كل من رواندة في الشمال، وتنزانية في الشرق والجنوب، والكونغو الديمقراطية (زائير سابقاً) في الغرب، إذ تفصل بين أراضيهما مياه بحيرة تنغانيكة ونهر روزيزي. وتتألف من ثلاث مناطق:

1ـ منطقة منخفضة في الغرب، تمتد من شمال بحيرة تنغانيكة إلى أطرافها الشرقية. يراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 800 و1000 م. ويؤلف جزء منها يقع شمال شرقي العاصمة، منطقة زراعية واسعة تعرف باسم تيزا Tiza تربتها خصبة جداً. وهذه المنطقة المنخفضة هي جزء من غور الفرع الغربي من الانهدام السوري الإفريقي الكبير الذي تغطي البحيرات جزءاً كبيراً منه.

2ـ تتصل المنطقة المنخفضة السابقة من جهة الشرق، بوساطة خواصر صخرية وجروف ومدرجات، بمنطقة جبلية مرتفعة مقطعة كتلاً يزيد ارتفاع قممها على 2600م عن سطح البحر، كما في قمة جبل توينيوني Twinyouni التي ترتفع إلى 2651م. وقمة جبل هيها Hiha التي ترتفع إلى 2670م. وقمة جبل كافومي Kavumie التي ترتفع إلى 2684م. وتؤلف هذه القمم التي تشرف غرباً ومن بعيد على سهول ساحل البحيرة، خط توزيع المياه بين حوضي النيل شرقاً، وبعض حوض الكونغو غرباً. وهي جزء من الحافة الانكسارية الشرقية للانهدام السوري الإفريقي الكبير التي قطعتها الصدوع إلى كتل جبلية.

3ـ تطل المنطقة الجبلية العالية السابقة، من جهة الشرق على هضبة مركزية واسعة، تشغل معظم مساحة وسط البلاد، وتنتهي في الشرق بأراضي كوموزو Kumoso المنخفضة التي تنتشر فيها البحيرات الضحلة والمستنقعات، لسوء تصريف المياه فيها. ويراوح ارتفاع هذه الهضبة عن سطح البحر بين 1200 و1400م.

وتؤلف هذه المناطق الثلاث جزءاً مهماً من كتلة الهضبة الإفريقية الشرقية القديمة، التي تعرف أيضاً باسم هضبة البحيرات. وتظهر الصخور الأركية في عدة أماكن، وقد قطعتها الصدوع والأخاديد، وكوّنت فوقها حافات انكسارية، وحفراً انهدامية، تنتشر فيها بحيرات واسعة، تحيط بها سهول خصبة، كما هي حال سهل تيزا على أطراف بحيرة تنغانيكة.

وعلى الرغم من وقوع بوروندي في المنطقة الاستوائية المرتفعة الحرارة والشديدة الرطوبة، فإن ارتفاع الجزء الأكبر من أراضيها كوَّن هضبةً في الوسط، وجبالاً عالية في الأطراف، مما يخفف من ارتفاع درجات الحرارة وشدة الرطوبة فيها، ويجعلها صالحة لسكن الإنسان، فهي واحدة من مناطق الكثافة السكانية المرتفعة في إفريقية. فصل الأمطار في بوروندي طويل، تهطل فيه كميات تتجاوز 1000مم سنوياً، مما يسمح بجريان سطحي وفير يرفد البحيرات وبدايات الأنهار الكبرى في القارة، وبوجود حياة نباتية غنية ومتنوعة، تظهر في مراعي السافانا الطويلة والقصيرة، وأدغال مدارية تغطي القسم الأكبر من السفوح الجبلية، وهي مصدر للأخشاب الجيدة، ومأوى لبعض الحيوانات البرية الضخمة في الأطراف، ولأنواع كثيرة من الزواحف والقردة في الداخل.

الأوضاع البشرية والاقتصادية

بلغ عدد سكان بوروندي في عام 1975 نحو 3780 ألف نسمة، وصار في بداية عام 1998 يزيد على 6548 ألف نسمة. لذلك فهي ذات كثافة سكانية عالية تبلغ 223نسمة/كم2، ويزداد السكان بمعدل 30 بالألف، إذ يبلغ معدل المواليد 45 بالألف والوفيات 15 بالألف.

يؤكد الاختلاف الذي مازال قائماً حول أصول السكان الحاليين في بوروندي، أن اختلاطاً كبيراً كان قد جرى فيها بين قبائل البانتو[ر] الذين قَدموا من الجنوب هرباً من الجفاف، وبين الحاميين النيليين الذين قَدموا فيما بعد من الشمال، من أطراف منابع النيل. إلا أن هذا الاختلاط لم يحقق الاندماج التام، وبقي تعدد العناصر سبباً رئيساً للمنازعات العرقية المستمرة في المنطقة حتى اليوم. وقد استغل المستعمرون هذه النزاعات لإطالة مدة بقائهم في المنطقة، كما أن القوى الوطنية لم تتمكن بعد الاستقلال من وضع حد لها. ويتألف السكان حالياً من المجموعات العرقية التالية:

1ـ مجموعة الهوتو Houtu: وينحدر أفرادها من قبائل البانتو التي جاءت مهاجرة من الجنوب، لتستقر قبل غيرها في أطراف منابع النيل والكونغو، وتعمل في زراعة الأرض. ومع أنهم يؤلفون السواد الأعظم من السكان (85٪)، فقد أُجبروا على الخضوع لسيطرة فئة التوتسي، الرعاة الذين جاؤوا بعدهم وأمسكوا بالسلطة، ولتعسف طبقة ملاك الأراضي الأرستقراطيين.

2ـ مجموعة التوتسي Toutsi: وهي طبقة مُسيطرة، تحتل قمة السلم الاجتماعي. ينحدر أفرادها عموماً من الرعاة النيليين الحاميين الذين تسللوا من رواندة على مدى طويل ليمسكوا بزمام السلطة، ويفرضوا سيطرتهم على الجميع مع أن نسبتهم لا تتعدى 14٪ من مجموع السكان. وهم يأنفون من العمل في الأرض، ومهنتهم الأساسية الحرب والقتال، لذلك يعمل أكثرهم في صفوف القوات المسلحة.

3ـ مجموعة التوا Twa: التي لا تزيد نسبة أفرادها على 1٪ من مجموع السكان، ويتصفون بقاماتهم القصيرة، وهم العنصر المتخلف في المجتمع البوروندي، وينحصر عملهم في الصيد وصناعة الخزف. وفي البلاد قلة من الأوربيين والآسيويين، أغلبهم بلجيك وهنود.

وعلى الرغم من اعتناق نحو 70٪ من السكان في بوروندي الديانة النصرانية على يد المبشرين الذين رافقوا المستعمرين، أو جاؤوا فيما بعد، فإن الكثير من المعتقدات الوثنية لا تزال موجودة، بشعائرها التي يمارسها زعماء دينيون يؤثرون في أتباعهم في المجالات الدينية والدنيوية. ولهذه الطقوس نتائج بعيدة الأثر في الحياة الاجتماعية العامة، وكذلك في الحياة السياسية والاقتصادية.

أما الإسلام الذي دخل عن طريق التجار، فقد بقي انتشاره في هذه المنطقة الداخلية من القارة الإفريقية محدوداً، بخلاف ما حصل في سواحلها الشرقية التي انتشر فيها الإسلام انتشاراً واسعاً.

تتمتع بوروندي بخصائص طبيعية وبيئية مواتية للتطور الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن ما حدث كان مخالفاً لما هو متوقع، فقد تراجعت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيها، بل تدهورت لتصل إلى ما يشبه كارثة مدمرة مصحوبة بأبشع أشكال القتل والتشريد والتجويع وتعطيل الإنتاج وإيقاف التقدم، كل ذلك بسبب تدهور الوضع الأمني والسياسي واستمرار الاقتتال بين الفئات السكانية. وقد وصل الناتج الإجمالي لعام 1994 إلى 1001 مليون دولار أمريكي، يسهم القطاع الزراعي بنحو 53٪ منه والقطاع الصناعي بنحو 18٪ والخدمات بنحو 29٪ منه. ويعمل أكثر من 91٪ من السكان في الزراعة واستثمار الغابة، وفي تربية الحيوانات التي تحظى باهتمام كبير، ويعيش أفراد هذه الشريحة في ظل اقتصاد اكتفائي، في تجمعات ريفية متواضعة صغيرة ومبعثرة في أطراف الأدغال، والمراعي فوق الهضبة الوسطى المركزية، وفي وسط السهول الزراعية شمال وشرق البحيرة وفي أقصى الشمال الشرقي من البلاد. أما أعلى كثافة سكانية فتوجد في الجزء المرتفع من الحافة الجبلية حيث يعتدل المناخ نسبياً، وأقلها في المناطق المنخفضة ولاسيما المغلق منها، حيث تكثر المستنقعات وتنتشر الأمراض كما في منطقة كوموزو.

تزيد نسبة مساحة الأراضي الزراعية في بوروندي على 40٪ من مجموع المساحة العامة، والمحاصيل الزراعية والثروات الحيوانية وفيرة، وذلك بسبب خصوبة التربة في السهول، وجودة المراعي في السفوح وفي الهضبة. وأهم المحصولات فيها: المانيهوك والبطاطا الحلوة والموز والذرة الرفيعة والسرغم والبن والشاي والقطن وقصب السكر والنخيل الزيتي. تؤلف المحاصيل الزراعية 90٪ من صادراتها، ولاسيما البن والقطن، وتضم الثروة الحيوانية أعداداً لا بأس بها من الأبقار في الدرجة الأولى، يليها أعداد أقل من الماعز والأغنام والخنازير.

يعيش أغلب سكان بوروندي في الأرياف في تجمعات سكانية صغيرة مبعثرة، أما سكان المدن فيتوزعون على عدد محدود من البلدات الصغيرة، أكبرها العاصمة بوجمبورا [ر]، ولا يزيد عدد سكانها على 300 ألف نسمة (1994)، وهي مركز النشاط الاقتصادي والإداري والسياسي.

ويلي العاصمة من حيث الأهمية عدد من البلدات الداخلية الصغيرة، التي تقع عند تقاطع محاور الطرق الرئيسية في البلاد، مثل بلدة موبنغو Mubingo، ونيانزا Nianza، وكيتيغا Kitéga مقر ملوك بوروندي سابقاً.

ويعمل سكان هذه المدن الصغيرة وغيرهم في بعض الصناعات الخفيفة الغذائية، وفي أعمال منجمية محدودة، كما في منجم موزونكاتي للنيكل وفي أماكن التنقيب عن النفط والغاز والمعادن المشعة التي يُعتقد بوجود احتياطي كبير منها لم يُكشف عنه النقاب بعد. وتُقدر نسبة العاملين في الصناعة بنحو 8٪ من السكان، ثم في أعمال صيد الأسماك من البحيرة (نحو 15 ألف طن سنوياً)، كما يعمل قسم منهم في الوظائف الحكومية والمؤسسات والأعمال التجارية وفي صفوف القوات المسلحة، إضافة لمشاركة الكثير منهم أهل الأرياف في أعمالهم. مع كل ذلك فإن عدد العاطلين عن العمل في هذه المدن كبير، بسبب الهجرة المتزايدة من الأرياف إلى المدن، وبسبب تدهور الأوضاع الأمنية والحروب التي تعطل العمل في مختلف المجالات.

لبوروندي علاقات تجارية جيدة مع الخارج، إلا أنها تضطر بوصفها دولة داخلية، إلى تجميع صادراتها في العاصمة، وفي بعض المراكز الصغيرة الأخرى في الداخل، لتُنقَل بعد ذلك بطريق البحيرة أو بطريق الخط الحديدي الوحيد الذي يربطها عند بلدة كيجوما بخط تنزانية الحديدي الرئيسي الذي ينتهي بميناء دار السلام على المحيط الهندي. وفي بوروندي بعض طرق السيارات الممهدة، كالطريق إلى كيغالي عاصمة رواندة، ومطار العاصمة الصغير الذي يصلها جواً بالخارج.

وفي مقدمة الدول التي تتعامل معها بوروندي، تأتي دول السوق الأوربية المشتركة والولايات المتحدة الأمريكية، ثم الجزائر وليبية من بين الدول العربية. وقد وصلت قيمة صادراتها لعام 1993 إلى 67.5 مليون دولار وقيمة وارداتها إلى 211.8 مليون دولار، مما يعكس العجز الكبير في الميزان التجاري.

لمحة تاريخية ونظام الحكم والإدارة

تؤلف بوروندي ورواندة وحدة جغرافية، لكن تاريخ بوروندي يبدأ متأخراً عن تاريخ رواندة، يأتي في نهاية مرحلة تغلغل رعاة التوتسي القادمين من رواندة بين المزارعين من أفراد قبائل الهوتو والتوا الذين سبقوهم في الاستقرار في أواسط بوروندي. وإذا كانت بعض الدراسات التاريخية تدفع بتأسيس مملكة بوروندي إلى بداية القرن السادس عشر، فإن من المؤكد أن مغامراً من الهوتو جاء من بوها Bouha في تنزانية عام 1680م، تمكن من توحيد منطقة الهضبة الوسطى العالية من أراضي بوروندي، ساعده في ذلك زواجه من امرأة من الرعاة التوتسي، الذين كانوا يمسكون بزمام السلطة في المنطقة، فكسب بذلك تأييد جميع القبائل، من المزارعين الهوتو، ومن الرعاة التوتسي الأقل عدداً ولكن الأقوى سلطاناً. وهذا يبين أن الأسرة الملكية في بوروندي كانت تنحدر من أصول متعددة، ومع ذلك بقي ما يشير إلى أن الملوك الذين يُعرفون بالباغانغوا Bagangwa ينحدرون من الباتوتسي Batoutsi وهو أصل ليس بالرفيع.

وهكذا تولد في المجتمع البوروندي إلى جانب الهوتو المزارعين القدامى، فئتان من التوتسي الرعاة الذين قَدموا بعدهم: التوتسي ـ هيما Toutsi-Hima وهم رعاة من الدرجة الثانية، لا يحق لهم حلب أبقار الملك، والتوتسي ـ آبانياروغورو Toutsi-Abanyarougourou وهم رعاة الدرجة الأولى النبيلة.

وفي عام 1796 استحوذ الملك نتار الرابع Ntar السلطة، ووسع رقعة المملكة، وأعطاها حدودها الراهنة على حساب الجوار بعد عدة انتصارات عسكرية في الشمال على رواندة، وفي الجنوب الشرقي على تنزانية. لكن المملكة انقسمت بعد وفاته إلى ثلاثة أجزاء، وضعفت سلطة الملك حتى انتهى الأمر بأن أقدم الملك موامي Mwami عام 1899 على وضع المملكة تحت الحماية الألمانية، وبدلاً من أن تحتضن ألمانية الملك، وتعيد له ما فقد من سلطان، تركت الإدارة لعدد من حكام المناطق، مما زاد في ضعف الملك حتى تجرأ القائد العسكري لمقاطعة أوسومبورا Ousoumboura على محاكمته.

ولما انتقلت بوروندي مع جارتها رواندة في عام 1919 إلى السيطرة البلجيكية، وفقاً لقرار عصبة الأمم، أُهملت العاصمة الملكية كيتيغا الواقعة على الحافة المرتفعة للهضبة، حيث المناخ اللطيف نسبياً، واتخذت مدينة بوجمبورا الواقعة على أطراف بحيرة تنغانيكة في السهل المواجه، حيث المناخ حار ورطب، عاصمة سياسية واقتصادية جديدة للبلدين معاً، لكونها أكبر وأهم مدينة في المنطقة بعدد سكانها وبمكانتها الاقتصادية. وقد استغلت السلطة الملكية في بوروندي الأحوال الجديدة التي أحاطت بالبلاد، فاستعادت شيئاً من السلطة التي فقدتها. ساعدها في ذلك أن التوتر الاجتماعي فيها لم يكن قوياً مثلما كان في رواندة المجاورة، والملوك الذين يتربعون على قمة الهرم الاجتماعي كانوا على ضعفهم، حائزين على تأييد الفئات الإقطاعية، كما أن العقود التي تنظم العلاقة بين أصحاب الأراضي الإقطاعيين والفلاحين، والتي تعرف باسم إنغابيز Ingabise، كانت أقل استغلالاً. وهذه العوامل مجتمعة هي التي جعلت منحى تطور بوروندي التاريخي بعد عام 1956، يختلف عنه في رواندة.

أساس الحكم عند الهوتو، هو الحكم الملكي الذي يعترف بوصاية الملكة الأم، واحترام موظفي الطبول الملكية الذين يعَّدون من أكابر وجهاء الدولة، ويأخذ بمفهوم الصفة الإلهية للملوك، فالملك بحسب التقاليد الدينية مقدس وفوق كل الطبقات، وكانت إدارته تعتمد على ما هو قائم من تمايز بين الطبقات، وعلى مصدري الثروة الرئيسيين: الأراضي المنتجة للخيرات والماشية، ولكل من هذين المصدرين رئيس يعتمده الملك لإدارة المصدر وجمع الضرائب، ويرتبط كل منهما بقائد السلطة الثالثة التي هي الجيش. أما البيوت الملكية التي تشرف عليها الملكة أو خليلات الملك، فكانت ترتبط مباشرة بسلطة الملك من دون أي وسيط إداري.

وحين استقلت بوروندي في 1 تموز عام 1962، أبقت على النظام الملكي الوراثي، الذي استمر حتى عام 1966. وقامت في أثناء ذلك الأكثرية من الهوتو بعدة محاولات للتخلص من سيطرة الأقلية من التوتسي، إلا أن هذه المحاولات التي ذهب ضحيتها عدد كبير جداً من التوتسي، لم تنجح وانتهت بقيام انقلاب عسكري أنهى النظام الملكي وأعلن الجمهورية، وعين قائده الذي ينتمي إلى قبائل التوتسي، رئيساً للمجلس الوطني للثورة. ولم تتوقف المواجهات السياسية القائمة على خلفية عرقية، فقامت عدة محاولات انقلابية للإطاحة بجماعة الانقلاب الأول، وذهب ضحية لها في هذه المرة، وفي عمليات انتقامية، أكثر من 80 ألف ضحية من الهوتو، أكثرهم من المثقفين، وشرد منهم أكثر من 100ألف، هربوا إلى البلاد المجاورة. وفي عام 1973 أنهى تدخل عسكري زائيري الأمر لمصلحة قائد الانقلاب الأول، الذي انتخب أول رئيس للجمهورية. ومنذ ذلك الحين خيم على بوروندي هدوء نسبي استمر حتى عام 1995، تمكنت في أثنائه من إصلاح بعض ما نتج عن الاضطرابات المستمرة من أضرار، إلا أن اندلاع المواجهة في مطلع عام 1995، قد أعاد البلاد من جديد إلى دوامة الصراعات العرقية.

لمحة عن الجانب الحضاري والثقافي

لم توفر الظروف الطبيعية القاسية، جواً مناسباً لنشوء حضارة قديمة متقدمة ومتطورة، كالحضارات التي قامت على أطراف الأنهار الكبرى، أو قرب السواحل، لذلك ظل تاريخ بوروندي الحضاري محدود الأهمية، محلي الطابع، بعيداً عن الاهتمام والبحث على مستوى عالمي، ولكن هذا لا ينفي أن محاولات متواضعة قامت بها الأقوام التي عاشت فوق أرض هذا البلد، على الرغم من المصاعب الطبيعية لإنشاء مظاهر حضارية، فالآثار التي وجدت في شرقي البلاد، في الأجزاء المرتفعة من أطراف الهضبة الإفريقية الاستوائية الوسطى، تشير إلى أن نموذجاً بشرياً كان يعيش فيها في العصر الحجري الحديث، يتميز بلون بشرة أكثر بياضاً من لون بشرة غالبية السكان الزنوج، مما يجعلهم أقرب إلى العناصر الحامية الشمالية. وهذا النموذج الرعوي المتنقل هو الذي أخذ يستقر منذ الألف السادس قبل الميلاد في الأراضي البوروندية والأراضي المجاورة لها، ليمارس أشكالاً من الزراعة البدائية إلى جانب مهنته الأساسية، مهنة رعي الحيوانات. أما في المناطق المنخفضة، وخاصة على أطراف بحيرة تنغانيكة، فقد استقرت نماذج زنجية تنتمي لقبائل البانتو، لتعمل في زراعة الأرض.

وتشير بعض الدراسات التاريخية، إلى أن حضارة قديمة إفريقية الطابع، قد قامت في الجزء الشرقي من بوروندي تدل عليها مخلفات مملكة صغيرة، شبيهة بالممالك التي قامت في أجزاء أخرى من القارة، لا يمت نظامها بصلة لما ظهر فيما بعد من أنظمة قبلية أقامتها أقوام جديدة تنازعية الطابع، جرّت ولا تزال تجر على البلاد الخراب والدمار. وبسبب قلة العوائق النباتية، ظلت أرض بوروندي تستهوي الجماعات المنتشرة في أطرافها والتي بقيت تدفع إليها بفئات من جامعي الثمار والصيادين والرعاة والزراع. ومن اختلاط هذه الفئات، وما حملته من صفات ومظاهر حضارية، تكوّن المجتمع البوروندي، وارتسمت صورته الحضارية مجتمعاً زراعياً رعوياً شبه ارستقراطي، تتربع جماعات التوتسي الرعاة المراتب العليا منه وتحتكر السلطة معتمدة على قوة السلاح، في حين يقبع الهوتو المزارعون الذين يؤلفون الأكثرية، تحت سلطة هذه الأقلية. والصراع الدموي المستمر بين الفئة الحاكمة وبين الفئة المحكومة، هو الذي يطبع المظهر للمجتمع البوروندي بكل صفات التخلف من عنف وتدمير وتشريد، وما ينتج عن ذلك من فقر وجوع ومرض.

ومما يزيد في سوء الأحوال الاجتماعية للسكان، تعدد اللغات التي يتكلمها السكان، وتعدد الأديان، الأمر الذي يضعف مشاعر الوحدة، ويقلص الصلات بين الجماعات ذات الأصول المختلفة أساساً. ومازالت أعداد من السكان، حتى اليوم، تدين إلى جانب النصرانية بديانات وثنية ترافق شعائرها موسيقى وإيقاع رقص وحركات يقوم بها رجال الدين.

ومن المشكلات التي يعاني منها المجتمع البوروندي الأمية وقلة عدد المتعلمين، إضافة إلى ندرة مؤسسات التعليم، وخاصة العالي، وقلة المشافي والمؤسسات الصحية.

 

محمود رمزي

 

المراجع للاستزادة:

 

ـ هنري غريمال، حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقية، ترجمة صباح كعدان (1994).

ـ جوزيف كي زيربو، تاريخ إفريقية السوداء، ترجمة يوسف شلب الشام (1995).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 517
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 584
الكل : 31873214
اليوم : 72757

الإكتناز

الاكتناز   الاكتناز hoarding هو جمع المال وتكديسه والاحتفاظ بالمتراكم منه نقداً سائلاً مدة زمنية غالباً ما تكون طويلة، والكنز في اللغة هو المال المدفون. وبذلك يظل المال المكتنز مجمداً بعيداً عن التداول، ومن دون فائدة مباشرة أو نفع اقتصادي. والاكتناز غير الادخار[ر]، وتختلف طبيعته عن طبيعة الادخار اختلافاً كبيراً، فالادخار هو عملية اقتصادية إيجابية ومفيدة لأنه المصدر الأولي للاستثمار[ر] الذي يتولد منه الدخل الجديد، والاكتناز ظاهرة عقيمة اقتصادياً وسلبية اجتماعياً. والادخار هو الأصل في مبدأ التدفق الاقتصادي economic flow concept لأن المال المدخر لا يخرج من حلقة التداول بل يصب في أقنية الاستثمار مما يؤدي إلى نماء في الدخل العام، فالاكتناز هو تجميد للمدخرات بأسلوب لا يعدو كونه تراكمات في المخزون، الأمر الذي يُبقي المال بعيداً عن حركة النمو. أما النظريات النقدية فإنها تعدُّ الاكتناز ذلك الجزء المتبقي من مجمل الادخار بعد عملية تحويل الادخارات إلى استثمارات.
المزيد »